الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

بيداغوجيا التفكيك في ديوان طعنات في ظهر الهواء للشاعر محمد بلمو

تاريخ النشر : 2020-03-23
بيداغوجيا التفكيك في ديوان طعنات في ظهر الهواء للشاعر محمد بلمو
بيداغوجيا التفكيك في ديوان طعنات في ظهر الهواء للشاعر محمد بلمو

صناعة الإبداع الشعري عنده هي التي جعلت الذات خارج النص وداخله

رفض الحقيقة المطلقة  معتبرا معرفة الذات معرفة لا نهائية، وخاضعة للتطور الزمكاني، ومحاولة لتحرير نظرية الجسد في التقدم من خلال الوعي بالحرية

الشاعر يؤسس قدرات خيالية وسياقية برؤيا تنوعية داخل المجال المتعدد كخصائص معرفية وتمثلات تداولية هي من أهم شروط الإبداع

فلسفة الشعر عنده هي التحيين والانزياح والتناص والتأويل والكيمياء التي تمدنا بمعلومات بيولوجية عن تطور الذكاءات البشرية المرتبط بالحزن والفرح

الفكر (البلومي) رهين بمقصدية الممارسة الإبداعية الشعرية وبالرؤية الإنتاجية التي تنظر إلى العالم تبعا لقراءة تأويلية اختبارية غير سرمدية تنعي الهارب والمؤجل لتكشف لنا عن المعنى المتجدد.

التراكم المفاهيمي الموظف في الديوان يؤشر على تبني مشروع فكري جديد، يعوض الوظيفة الشعرية الرومانسية والبدائية بناءا على الذكاء المعرفي الذي يخصص المعانى دون تعميمها ويجلي أصالتها اعتمادا على مفاهيم التربة والذات والهواء

رؤيا الشاعر تسمو إلى مصاف الرؤى الشعرية العربية والكونية، يغدو معها شعره نبراسا ورؤيا تلغي المزالق اليقينية وتحيد عن المتناهي لبلوغ باطنية تلغي المسافة بين الذات والوجود وتدفع بالأنا إلى التمرد والمحو لكل القوالب الجاهزة

تمهيد:

تهدف هذه الدراسة النقدية إلى استنطاق الإبداع الشعري عند الشاعر محمد بلمو من عتبات الألم إلى احتراق الكلمة والحرف لكونه يمثل أحد أعمدة الشعر المغربي المعاصر في البناء والتكوين، وهذا ما جعلني أغامر في هذه المقاربة، باعتبارها عملية إبداعية لا تأخذ المحتويات بعين الاعتبار، بل تهتم بفهم الأبعاد الكونية أو المستعرضة للوضعيات الإنسانية التي تضطلع بتحليلها، تلك الأبعاد المتمثلة في العلاقات المؤسسة بين الشاعر والعالم، وبين العالم والإنسان، سواء كانت علاقة تواصلية، أو سلطوية أو اندماجية، لأن الشاعر بلمو يتوخى من هذه التجربة الإجابة عن الأسئلة التي تهم فعله التربوي، والإبداعي مباشرة مثل:

- ماذا نعرف عن الشاعر حتى نتمكن من عقد تواصل معه؟

- ما هي المقاربة الأكثر نجاعة بالنسبة لشعره؟

- ما هي الرؤيا المستبطنة في شعره؟

- ما هي أبعاده الفنية والجمالية والتجريبية؟

إنها قراءة ثانية لخطاب الدوال التي تعطي لهذا الخطاب شرعيته في ضوء الأنساق المعرفية[1]، وجاك دريردا في مشروعه النقدي لم ينطلق من فراغ، بل ظل مرتبطا بالمرجعيات الفلسفية والنفسية واللغوية، وهذا ما جعله يعيد النظر في الفكر الغربي، وكذا الميتافيزيقا، وهي الثورة ضد العقل، هي ثورة الإبداع والتحرر والاختراع والذات وهذه المعارضة ضد الثبات والحقيقة تمثل أرضية صلبة بالنسبة للغرب، لكن ديريدا عمل على تقويضه برؤية إبستمولوجية جذرية لمعرفة الآخر، لأن القراءة هي تفاعل بين موضوع النص والوعي الفردي كما يقول هوسرل[2].

فهوسرل في فلسفته ركز على العلامة باعتبارها العتبة التي من خلالها نلج، أن لها دلالتين: دلالة الإشارة ودلالة التغيير، وهذه العلاقة ليست نهائية، بل متحولة ومؤولة حسب الوقائع والأحداث، وديريدا يرى أن هوسرل لم يتفطن إلى العلاقة المؤجلة الموجودة بين الوعي والصوت والحضور في الفكر الغربي، لذا بقي هوسرل بعيدا عن هذا المؤجل كممكن الوجود، معتبرا أن واجب الوجود هو عبارة عن فلسفة تفويضية تعيد لهذا الفكر المطلق نسبيته، انطلاقا من السؤال المركزي: لماذا يعيش المفكر الغربي اطلاقيته المثلى؟

ولماذا يرفض الآخر؟

إذا كان هيدجر ونتشيه قد تحدثا عن هذه الحداثة المطلقة التي أسست لنفسها حصانة بواسطة العقل والوعي والحضور ولا نهائية المعاني والتناص والدال والمدلول، فديريدا يكسر كل اتفاق حول هذا القلب الجذري للعقل الغربي، باعتباره الاستراتيجية التي ترى أن الحضور لا ينمو إلا بواسطة الغياب[3]، والدال لا يكون إلا بواسطة المدلول، وهذا التمرد هو تمرد على اللغة السوسورية والفيللوجية، لأنها تصطدم بالتحول الفكري والإبستيمي باعتبارها ثقافات أخرى لبناء نص مهيكل، ويقول عبد العزيز حمودة في هذا الشأن: "إن النص التفكيكي المعاصر يعود إلى نصوص أخرى سابقة، ويبدأ منها النص الهيدجري الذي يحتوي على رماد ثقافي"[4]، وجاك ديريدا استعرض لنا بعض الطرائق التي تثري البحث، وتنشد المساءلة لمعرفة ما يقرأ وما لا يقرأ، وما يسأل وما لا يسأل، وما يكتب وما لا يكتب، إنها رسالة تعبيرية تقربنا إلى الفكر المغاير بلغة متشظية تشتيتية لا تتلائم مع التطورات الحداثية اللازمة، لذا فإن التفكيك يعني تقويض كل الطبقات الفكرية من أجل معرفة كل الخلفيات كتعبير، وتتميز عن اللحظات التاريخية التي مرت بها الحضارة الإنسانية. ويقول عبد الحميد إبراهيم "إن زحزحة الغيبيات والميتاقيزيقيات بعيدا يفسح الطريق أمام ظهور الإنسان، فالحقيقة هي ما يستطيعه الإنسان وما يمكن أن يتناوله، وما عدا ذلك فهو ميت"[5]، وهذا الإسهام الأصيل في رصد الفكر الاختلافي وتحليله من جوانبه الفلسفية والجمالية، وخصوصا النظرية المعرفية التي لا تزال مثار النقاش بين الباحثين محدثين ومعاصرين.

فالتفكيك يناقش من وجهة نظرية تفاعلية وما تمخضت عنه مختلف التيارات الفلسفية والمعرفية، وبذلك يقدم لنا زادا معرفيا يندر أن يتوافر للقارئ العربي، إذ يبدأ بالمساءلة، والنبش والتأويل، مناقشا كل النظريات برؤية عميقة تنقلنا من بعد برغماتي إلى بعد مناصي استيتيقي وتجريبي، لأن بلمو الشاعر ينبغي أن ينوجد في الطقس المدون، أو الرقمي من أجل بناء الذات، لا أن يبقى مريدا يسمي نفسه بمسميات كثيرة، وهذا ما نراه في الديوان باعتباره مصدر الأصول والتاريخ والوعي، وأرضية للاستبصار القوي والفهم الثاقب، فهو الذي يفكك الوجود والتاريخ تفكيكا، لكي يجعل المتلقي مشدوها أمام هذه الرموز والبدائل، والأبنية العلاماتية، فالفنان كما قلت يملك القدرة الغائية/الحاضرة لكي يقوم بغزوات قطعا في الثقافة الإنسانية. وهنا نرى أن محمد بلمو قد عمل على تفكيك المعرفة والمفاهيم، بفعل القراءة والمعرفة والتجربة. وهذه الاستراتيجية للكتابة الركحية الشعرية في الديوان أصبحت بناء مرتبطا بنوع من التبادل والتماثل، وهذا إقرار بالثقة في الكتابة الإبداعية الشعرية الجديدة عند الشاعر في هذه القصائد.

مفهوم الشعر عند بلمو

إن هذه السلطة الشعرية التي تهيمن على البياض وعلى الذات الشاعرة، جعلت البعد التراجيدي يتجاوز الأزمة والأقدار بوعي جمالي، لأن "طعنات في ظهر الهواء" كثيف من الناحية المأساوية، حيث أن البحث في سلطتها أوفي سلطة الذات الجريحة، لا تستطيع أن تعيد أريج الهاربة في قلب سلطة المنية وفي ملكيتها، لذا يبقى الشاعر بلمو يعتصر أوردته لكي يعيد هذا الطيف الهارب والمنفلت والمؤجل، محاولا تغليف شعوره بنظام شعري، وبممارسة سلطوية، فتكون الرحلة شخصية قوالة، ونظامة تهيم في حدائق الليل، وتراقب الآتي من الأجيال. يتحرك لعله يمسك فراشة المحال، يحمل صليب المسيح امام المخلوقات تنسل إليه أريج كما الرمح من الطعنة من وراء الأفق البعيد، يغازل المستحيل كي يحلق في أنين الناي، يهتف باسمها، لا سقوط بعدك، ولا محو للغة الخطيئة، لا يعرف متى يتيح لخيال ان يؤسس لفرسان تأتيه فيخلع ثقوب الموت فوق سلطان المغيب، فبلمو يقرأ الأنبياء في حضرة عيد الفصح، يختار النور في الضياء، يخلع على قصائده رداء الخليل لكي يكون العدل في الأرض، يقول في هذا الصدد:

أريجُ/هل أتابعْ/كي يشمتَ/في قمري الظلمُ/هل أتابع/سيطردُ الصمتُ معنايْ/آه يا مبنايْ/انكفأتْ شموعي/على هذيلِ أحزاني...   من نص (لا يد لي)

وانطلاقا من هذه القصيدة، يبدو لنا أن حضور الصوفي الذي تشرب أصول المذهب، أضحى وكأنه ترعرع في الوجود لكي يفجر الجليد ليرفض قيود الموت المتأصلة فينا، ويقول:

عاد الرصاص/يتسلل من نوافذ الريح/إلى المهد/منع الفراشةَ خفاشٌ/من التحليق فوق الورد/صدقوني/أنا لا أكتب/فقط/أعلن النفير/في استعاراتي/كي أقفَ في ودهِ ظالمي.

فهذه الرائحة المتمردة التي تنبعث من الذات، جعلتنا نقدس المتعالي دون موضوعية معتدلة كما يقول إحسان عباس في كتابه "فن الشعر"[6].

فالشاعر ينزع إلى الثورة ولا يتعلق ب: "فقدان/ينخطف/أحزان/تلتحف/مطر/فسيحا/ في العالم/ينكشف/عاري/فقدان يباغث/فقدانا/تحت الجسر/فوق الصبر/على سرير مشفى/تموت/واقفة". من نص (أيتها الأحزان مهلا).

هذا الوصف يقلق الشاعر بالأوزار وبالأحزان، يحفر في ذاتيته، فلا يدخل الحكمة إلا إذا صلى صلاة الوداع، يتعلم الشاعر خلق الإبداع، لا يبيع الوفاء لأسياد الذهب، ولا لحفار القبور، يهتف بجوارحه لا سقوط بعده ويزرع في جرحه الصبر لكي يعرف أن البحث هو الفضاء المميت، والليل عنده شراب الجداول، ورائحة الأسى والألم.

وبينما يؤمن بالطيران وبالأثير ومجازاته في أشعاره، يتوغل في خيال مجنح يخترق به أعطاب العالم المحسوس إلى دنيا جديدة، ويحلق بين الذكريات والأمل دون أن يتملكه حنين الحاضر للاختفاء من عالم الحقيقة ويقول:

كم عليك أن تصمدي/كي تتعلمي المشي واللغات/كي تعودي للعبك الثكلى/كي تنسجي لعبة جديدة/مع الفراشات. من نص (عودي أريج كي نرقص).

كلماته تبحر في صوت الغياب، تصف نار المجد واليقظة كفراش للأحلام، لم يبقى غير الغياب الناظر مثل الجرح الذي يشعل في أوصاله النار ويرمي بخياله أصابع الكتابة علفا للحروف، ويقص علينا وردة تزين مائدة الموت رحيق الفراشات، حزين حزنا أبديا مثل عبد الصبور والبياتي.

يقول صلاح عبد الصبور: الشمس في بلاد الشمس بهجة النظر/وفوق معطف السحاب يدرج القمر/وتزدهي النجوم كالزهر/وفي ربى بلاد الشمس تورق الحياة[7].

 فالشاعر بلمو يلهو مع الأحزان، تهمس باسمه، فيمنح الحلم رسوما لأحزانه بلبيب النبوة، داعيا رماد الوطن أن يبني مدائن الحياة لكل أطفال الموت، ويقول البياتي: نعش بلا ورد/وتابوت يجر بلا غطاء/ووراءه تعوي الكلاب/يا آكل لحمي ولحم أخيك حيا/يا خيوط العنكبوت/يا آكلي إني أموت[8].

فالشاعر بلمو ينحو نحو المغيب والبراءة الهاربة، فأريج تدور وراء البحر دون أن ترسو على ضفة، شأنه شأن البياتي وصلاح عبد الصبور، يبحثون في الرياح كصديق قديم، معلقون في معلقة الشعراء كأنسجة العنكبوت الموشومة في الامتداد، وبلمو يرقص مع الشمس الهاربة، ويحرك الكلمات كأسياف المكافحة وكجرح يبني مدارج الحزن، يقول في هذا الصدد: جرى الطمي فوق الجسر/واختفى الماء العذب/تحت الثرى/جرى الذي جرى/يئس السحرة من سحرهم/واشتكى المتسلطون/من رقصة القرى. من نص (جرى الذي جرى)

فالوقوف في مواجهة الموت، يعني تحمل مسؤولية الحياة، لأن الشاعر بلمو هو الذي واجه الموت بالبوح، ولم يستسلم إليها شأنه شأن أدونيس، معتبرا الموت معبرا إلى الحياة، ووسيلة إلى الاغتسال من أدران الحياة الفانية، فالشاعر ثار على النهائي، والحياة الجزئية، لكي يرتبط بأريج كروح في كل زمكان، وتجربته مشدودة إلى المستقبل، بقدر ما هي مشدودة إلى طيف أريج ورحلتها. إنها تجربة معاناة للواقع الذي يتضمن النهائي، ليستشرف نحو آفاق يقظة، يحمل التجدد والانبعاث من أوراق الخريف بالدمعة الخرساء، فهو أشبه بالبطل أو النبي العارف بأسرار الكلمة، يسكب إكسير المقدس في قلوب العارفين، فالشاعر بلمو يبدأ رحلته في معاناة الموت فيكتب عن الفداء والهروب، وحينما تبعث أريج كخمرة معتقة، فتكون اليقظة والتجدد هو لجوء بلمو إلى مخاطبة المختبئ والمضمر والمحجب في شكل رموز ذات علاقة بأعماقه، والتي استمدها من التربة العائلية المحلية (قصبة بني عمار)، ومن التراث الحداثي الشعري ومن الفكر الإنساني والتاريخي، كما نرى عند أدونيس في ديوانه "أوراق في الريح"، فبلمو "الفينيق" تتميز قصائده بتجربة الحياة والموت، لأنه جزء من هذا الكون الميت، فموته هو الموت في البحر وبعثه بعث الرياح التي تبعث اليأس النهائي لما تنطوي عليه من طبقات متدهورة، غير معترف بالعصمة، وإنما يؤمن بالبوح الباعث من التحول واللحظة التي تحل محل وجود آخر كما عند خليل حاوي في ديوانه (نهر الرماد) ص: 131

ففي هذه القصائد: (همهمات، لامية 2012، لا توقفوا ناركم، الساحرة، جرى الذي جرى، عودي أريج كي نرقص، طعنات سحيقة، بريد الجثث، الأمل لا يموت، بين قوس وقوس، لابد لي، عندما أموت، لا أكتب)، هناك تنوع، بدءا بالهمهمات ومنتهيا بالكتابة، جعل مصيره يتخذ درجات من التحول عبر لغة  تجاوزية حسب مفهوم الفارابي، لأن عودة الشاعر إلى البراءة الهاربة، جعلته يتمكن من الكشف عن العلاقات الإنسانية الكامنة وراء الموت والحياة، يختار الكتابة التي ترمز بتنورها إلى انهيار  كيان الفرد والأسرة، وتثبت في نهاية الأمر نهاية المجتمع. إنه إعلان الشاعر عن استعداده للاحتواء من أجل أن تبعث أريج كما تبعث العنقاء، فتتجسم الأحلام جيلا كاملا من الأسرة، لأن الشاعر يرمز بذلك كله إلى التجدد وليأخذ معنى الخصوبة الإبداعية الجديدة. فرغم تبدل عملية التحول الإيقاعي المتجسد واستعادة الوجود، فإنها كلها خصائص شعرية تتأسس عن طريق اللغة الإبداعية أو (معنى المعنى) كما قال عبد القادر الجرجاني في كتابه[9].

 القراءة النقدية بين النص والمناص:

يتسع مفهوم القراءة الأدبية ليشمل مختلف الصيغ والتشكيلات الفنية، حيث يفضي بنا إلى آفاق رحبة لمقاربتها بالمناهج السائدة كالمنهج التاريخي والاجتماعي والنفسي والبنيوي، والسيميائي والتلقي والتداولي، ... تحيلنا هذه المناهج بوضع تصور بيداغوجي سواء على المستوى المادي أو المعنوي أو الفني، عارضين الديوان كمعيار أساسي سواء في طوله أو قصره أو سرده قصيرا أو مقتبسا، من أجل توجيه فعل القراءة حسب التوجيهات التحليلية. فهذه الأخيرة تعرفنا على مختلف أنواع القراءات، منها ما يدرس كبعد شمولي وكلي، يتجنب القارئ أو الطالب السير العلمي للقراءة الخطية، مطالبا الانفتاح على المناهج الحديثة، والمعاصرة في معالجة النص.

فالقراءة في بعض طروحات الديوان، كانت مرتبطة بالنص، لكن مع التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية، اكتست هذه القراءة أبعادا أخرى أدبية واجتماعية ونفسية وشعرية، حيث أصبح التعاقد جاريا بين القارئ الفعلي والافتراضي والمتن المدروس، قصد تحفيز فعل القراءة، لأن هذه النصوص تشكل بالنسبة للقراءة اليوم بديلا افتراضيا للنقد المنهجي العلمي والموضوعي، فالقراءة تتغير وفق معايير إما أخلاقية أو نفسية أو غيرها، بينما النقد لهذا الديوان لا يقيم لهذه المفاهيم أي وزن. يقول رولان بارت في هذا الصدد "تتجلى الموضوعية في الأثر الأدبي الذي يوجد منفصلا عنا، فهذا الخارج بالغ القيمة لأنه يخفف من غلواء الناقد، وهو مستمد من تتويجات فكرنا وما يزال موضوع تعريفات مختلفة في الماضي كان العقل والطبيعة والذوق، وبالأمس كان حياة الكاتب وقوانين النوع الأدبي والتاريخ، وها نحن نعطي تعريفا مختلفا له إذ يقال لنا إن الأثر الأدبي يتضمن بديهيات، يمكن استخلاصها بالاعتماد على يقين اللغة والعلاقات الاستتباعية للتلاحم السيكولوجي ودواعي بنية النوع"[10].

وانطلاقا من هذا الطرح حاول رولان بارت أن يقارن بين الناقد والقارئ، فهذا الأخير لا نعرفه كيف يتحدث إلى الديوان المدروس أو المؤلف وكيف يخاطبه أو يستوعبه، بينما الناقد عليه أن يبدع نبرة تأكيدية من أجل الانخراط في دهاليز النص البلموي لطرح أسئلة تكون أكثر استفزازية وعدوانية، وقد تكون أقل مهادنة قصد كتابة جديدة، تثري الآفاق، وتفتح الضفاف، ليقيم معها علاقة شهوانية ولذوية، يقول بارت "أن تقرأ معناه أن تشتهي الأثر"[11].

فتحليل الديوان إذن يميل إلى الصرامة الموسومة بالدقة المنهجية والموضوعية العلمية، والالتزام الاستراتيجي دون السقوط في الماركسية البنيوية أو الفرويدية، لأن النقد فن الحكم على الأعمال الأدبية وتحليلها تحليلا موضوعيا"[12]، لذلك تحيل هذه القصائد المدروسة على الحقول المنهجية لتضيف إليها إمكانات أخرى ولتكيف أفاقها المرجعية المتنوعة مع حدود الوضعية التعليمية التعلمية الراهنة.

لذا فالتقديم يرتبط بالنص، وباللغة الموجودة في الديوان وبالذوق والقيم الجمالية والفكرية والأخلاقية، الشيء الذي جعل البعد الموضوعي يرتبط بالذاتي الفرداني، وقد حاولت الموضوعية أن تستوعب النقد التكويني الموجود في الديوان، حيث بلمو حاول أن يتجرد من المسلمات البديهية، ويوظف الكمي من أجل تأطير كل القضايا التي يحملها المتن الأدبي والفني، لأن النصوص أداتها هي اللغة وهي تمثل الحياة في أبعادها المختلفة، ابتداء من  كون بلمو فردا مسكونا بهموم واقعه يجسدها من خلال إبداع يروم أذنا صاغية تقاسمه الأحاسيس والمشاعر والأحلام، وقد يدفعه هذا الواقع بالضرورة إلى أن يمازج بين الذاتي والجماعي من خلال فعل الكتابة"[13]. فهذه الرؤية النقدية لابد أن تصاحبها صراعات مذهبية وإيديولوجية على مستوى التحليل، الأمر الذي يجعلنا نستشف أن هذا الديوان لا يستطيع أن يلغي الثنائية (الذاتية والموضوعية)، فمدام دي ستايل تأكد هذا التفاعل في قولها "بأن كل عمل أدبي يتغلغل في بنية اجتماعية وجغرافية ما، لابد أن يؤدي وظائف محددة بها، ولا حاجة إلى أي حكم قيمي، فكل شيء وجد لأنه يجب أن يوجد"[14]، فبلمو أكد على عنصر البيئة وجعل العمل الأدبي ينبثق من تلك التربة التي نشأ فيها، فهو يمتح رموزه من هذه البيئة بالإضافة إلى عنصر الزمان وكذا الجنس، فهذه العناصر الثلاث جعلت العملية الأدبية عنده ترتبط ارتباطا جدليا بالأبعاد الفردانية والاقتصادية، مما أبدع لنا تصورا جديدا لهذا الديوان، هو التصور التوليدي التكويني من طرفه، حيث عمل على رصد البنيات وتقنياتها في خصوصيتها اللغوية، أي ربط الجماعي بالفردي، لأن الفعل الجماعي هو الذي يشكل الممارسة والفكر، فبلمو هدفه هو إخراج رؤية العالم من مرحلة الكمون إلى مرحلة الوجود. لأن للشاعر في كل بعد فني بعدا اجتماعيا حسب تعبير محمود أمين العالم وغالي شكري، لذا اغتنت القراءة النقدية بهذه المشاريع مما وسع مدارك النقد في الديوان بكل أبعاده الاجتماعية والنفسية. لقد عمل بلمو على ربط هذه الخاصية النقدية بأبعاد ثلاثية المرجع، أولا ربطه بالحركة التاريخية، وبأبعاد لا واعية، وأخيرا باللغة وتاريخها، فاللاواعي الجمعي هو بمثابة النمط الجماعي الذي يستمد منه المبدع خياله وتصوره الذاتي المرتبط (بالقمع والكبت والتسامي). فهو أشبه بالرؤيا أو النبوءة، كل هذا يساعدنا للوصول إلى كوامن الدلالة التي توجد وراء النص.

يقول مصطفى ناصف "إن مادة العمل الفني لا توجد في تاريخ حياة الشاعر وإنما تنبع من العمل ذاته"[15]. لكن هذا الطرح سوف يتعرض لهزات عنيفة من طرف الأنساق النسقية، فالبنيوية جعلت قراءة (الديوان) تنطلق من الداخل وليس الخارج"[16]، فإقصاء المؤشرات الخارجية جعلها تقتصر على البنية الداخلية (من حيث تعدد المعنى، والمرونة والتوقف على السياق)[17]، وهذه المؤشرات الخارجية الملغية سوف تقربنا من عالم بلمو جديد ليؤكد أن العمل الأدبي لا يستمر في الحياة إلا من خلال جمهور ما، أي من خلال أفق التوقع، فحضور القارئ الضمني كما حدده إيزر في متخيله، جعل بلمو في هذه العملية الإبداعية والنقدية تتخذ أبعادا تواصلية وإبلاغية يوجهها القارئ بالمشاركة أو بالقراءة المتعاونة كما يؤكد (امبرتو ايكو).

إذن تتطلب القراءة النقدية للنص الشعري عنده البحث في كل المكونات الممكنة والمحتملة للحفر في ثنايا النص، وبحث جذوره بناءا على الدور المحوري الذي تلعبه العلامات والأنساق السياقية والخارجية، يقول محمد مفتاح "إن النص لا يشير إلى شيء خارجه إشارة مباشرة ومطلقة، وإنما يدل عليه في ثوب معقد النسج من التراكيب اللغوية والدلالية"[18]. فالنص في هذا الديوان باعتباره حدثا إبلاغيا تتحقق نصيته إذا اجتمعت له سبعة معايير هي: "الربط، التماسك، القصدية، المقبولية، الإخبارية، الموقفية، والتناص"[19].

فبلمو في كتاباته جعلنا نستشف أن الكفاية هي القادرة على التفاعل مع الحقول المعرفية الإنسانية، عبر احتفائها بالعلامات اللغوية وجعلها هي البؤرة الجوهرية الموجهة للخطاب سواء في بعده التداولي أو الدلالي أو اللساني أو الاجتماعي، فهذه الحقول في أبعادها الكفائية تسمح لنا بتوظيف مجموعة من الموارد المدمجة قصد حل وضعيات مترادفة[20]. فهذه القدرة الفعالة في الديوان هي الإمكانية التي تجعل الجنس الشعري القرائي النقدي هو القادر على حل المشاكل الضرورية والقاعدية، فهي صرخة صريحة لمراجعة المفاهيم الشعرية وأنظمة التقويم والمناهج النقدية، من أجل موضعة القارئ أمام وضعيات تحمل بالنسبة إليه أكثر من دلالة، وهدف هذه القصائد المتنوعة لدى بلمو متنوع حسب "الرؤيا" المستمدة من التجربة ومن الخيال.

فالشعر لدى بلمو هو الوجود ذاته، منه تبدأ الأشياء وإليه تؤول، فهو نقيض الموت والفناء، فالإنسان لا يولد من أجل الموت، بل من أجل إبداع الشعر في الحياة، فالفناء والحياة شيئان متلازمان، لا يستطيع أي إنسان أن يعيد حياته، وأن يعرف فناءه، إذن علينا أن نلوث اللانهائي كما يقول أرطو.

إن الشعر عنده جسد مادي وروحي وذات عقلانية وحسية وذات فينومنولوجية، وتبني التحفيظ لهذا الزمن الملعون يعني الإعلاء من شأن الروح والفراغ الذي يبحث عنهما بلمو في هذه الحداثة المعطوبة. لأن تمجيد الفناء ضد البقاء، والموت ضد الحياة هو الدعوة إلى التقشف ضد الاستمتاع واللذة والألم بدل الأتراكسيا، كما فعل السيد المسيح مع حوارييه قبل الصليب[21].

الشعر عند بلمو هو جسد متعالي على كل الماديات والشهوات، وهذا ما ذكرته القصائد التي أصبحت براديكم جديد للشعر المغربي، يقول أفلاطون "إن فصل الجسد عن الروح عند الفيلسوف الأصيل هو من يكتنفه نزوع حقيقي للموت، حيث بذلك فحسب يتميز عن باقي البشرية"[22]. فذات الشاعر تريد الظلام والدمار، ولا تمتلك رؤية مفتوحة على الشمس، فالظلام هو الذي يؤسس للشعر نظاما شبقيا ليليا بدل شبق شمسي كما يقول حسن أوزال في كتابه المذكور (ص: 60)، وهذه القيود المشحونة من طرف الظلام جعلت الشاعر بلمو ينخضع لهذه النواميس، لكن مع بروز فكر أريج الكوكبي في قصائده عمل على تكسير القيود المرتبطة بالطاعة والخضوع والسياسة المهمشة، لذا نجد أن صناعة الإبداع الشعري عنده هي التي جعلت الذات خارج النص وداخله، فالأنا التي تكتب النص ليس (...) إلا أنا من ورق[23] وهذا ما ترفضه شعرية الشاعر التي تعتمد الأسس الابستمولوجية، جاعلا من هذا الإيقاع الخيط الناظم للذات المبدعة والخطاب والمعنى، فالإيقاع بالنسبة إليه ليس شكلا فارغا، وإنما هو الخطاب الغير منفصل عن المعنى، لأن شعرية بلمو على مستوى الإيقاع حسب ميشونيك هي علاقة جدلية بينه وبين الذات والخطاب، وترتيب العلاقة بين الدال والمدلول والتاريخ.

فبلمو يسترجع الماضي الفارق في سحيق الوقت ليعارض رحيق المنابع، ولكي ينبث الظلم الدنيوي والذات الهاربة من شهوة الزوابع من أجل أن تمحو الأثر، ليظل المساء جفنة في هديل أحزانه، طابعا بوعي إعادة المنفلت والمؤجل من عيونه، لكن هيهات كل اللواعج تنفلت من كرنفالات أوجاعه.

فهذا الشعر يسير وفق الشروط الواقعية دون مساءلة الروح، لبناء الصفوة الإبداعية والإبلاغية، يقول حسن أوزال "إن الإنسان الحر عكس العبد تماما، هو من يحيا بلا أحكام قبلية، بلا أستاذ ولا وصي جبار، بلا خوف ولا رعب، مادام لا شيء يحكمه وله أن يخضع لمنطقه الحر يروم توسيع قنوات توليد الرغبة خارج الطابوهات، ويسعى إلى بناء جنسانية هي غاية ذاتها لا تروم غير متعة الإغواء"[24]. وهذا ما وضعه بلمو لهذه القصائد التي لا تمجد الجسد لكن لا ترى بدورها أن هذا الجسد هو مدنس وأن الروح هي مقدس، فخلف هذا الطرح الإيديولوجي خلق صراع حضاري بين الجسد والموت، والبداية والنهاية، والوعي والخيال، والحقيقة واللاحقيقة، وتأمل في الذات المنتصرة والمنشطرة والاستمتاع والإنجاب، فهذه الثنائية لها بنيتها الميتافيزيقية كما يقول جاك ديريدا، تروج لأي مبدأ أخلاقي، أو عقلاني تنويري جاهز ومن الصعب تفكيك هذه الشيفرات إلا من خلال المنظور السوسيولوجي، دون السقوط في مطبات الأدلجة، لأن الانخراط البلموي الميداني هو استنطاق للقضايا المركبة والمتداخلة التي تهم المجتمع، فالجسد هو سلطة ذو وجهين، وجه محافظ يعطي للسلطة مشروعيته الدينية ويمده بشرعية هوياتية ووجدانية ايقونية، وهو الوجه المؤتلف في بعض القصائد، أما الوجه الثاني فهو حداثي يعطي لهذا الجسد حريته، ومنها يبادر الجسد إلى مساءلة الحرية والهوية والفردانية والشخصية والمجتمع والحداثة والتصنيع والتكنولوجية..

 إذن نعترف بأن دينامية التحول عنده تكمن في كون الجسد أصبح مؤسسة أخلاقية ودينية، فهذا التمركز هو تعزيز لقطب السلطة الدينية والمركزية لهذا الجسد في قصائده، لأنه يخاطب جسد أريج وهي تنمحي، لإن مبدأ الفصل يرتبط بالفصل التنفيذي عن البنائي داخل المؤسسات الخيالية، فهو أكثر إلزامية بين الأصول والمستقبل، وأقل انفتاحا على التأويل حسب الأخلاق. فهذا المسار التصحيحي سيكون واقعيا وبنائيا إذ نحن استخدمنا روحنا، ووظفناها أحسن توظيف، فالجسد هو رغبة ومتعة ولذة ونزاع بين الواقعي والمتخيل والحقيقي والزائف، من هنا نتساءل إلى أين يسير هذا الجسد؟ وما علاقته بالبعث؟ وما علاقته بعودة الروح؟

 حسب الطقوس الإبداعية عنده، تبدو هذه الأسئلة مبالغ فيها، لأن الكلام عن الجسد أقرب إلى صفات التاريخ والدين والثقافة وأبلغ مقاما لأجل تحقيق سعادة البشر. فبلمو زين الشعر بإبريق المستحيل وعمل على توسيع نطاق تجاوبنا اتجاه هذه الأجساد والحقائق، وقدم لنا الروحي والعقلي، والفلسفي والأنطولوجي حسب تعبير حسن أوزال([25]، حيث تعمل هذه الثنائيات على تنميط الإطارات البنائية لدراسة القصائد كإطار هندسي ثنائي يقارب الجسد نظريا وتجريبيا، ووفق سند ترتيبي تصاعدي، حيث يعمل بلمو على طرح قضية هذا الجسد كقضية طقسية وشعرية وثقافية من أجل اكتناه الجوهر وتأسيس رؤية شمولية دون إحداث أي فجوة أو مسافة.

فالشاعر بلمو كشف لنا عن أفق جديد، يتراكم عبر هذا التوتر ليكشف هذه الزاوية الخاضعة للجسد كنسق إجتماعي وكسيرورة تطورية تقرر مفهوما جديدا له، حيث يعد ذلك كشفا نوعيا لمصطلح "الجسد" لينسجم مع القراءات الحضرية، ومع العلاقات الجدلية بين الحضور والغياب. وهذا يستدعي التفكير في المكون الجسدي المضاعف لمعرفة الدور الحاسم الذي يلعبه كخطاب وكملفوظ دالي في قصائده، وفي انسجامه الكلي[26]. فرؤية التصنيف يتخذ شعره مسافة توترية وتدرج منهجي، وكبعد تصنيفي يكشف المكونات والأنساق والترابطات التي يؤسسها الشاعر قصد رصد أنماط المعرفة المهيمنة في الكتابات الوضعية، إذ تستمد هذه الموجة أهمية إجرائية من وجهة النقد، وهو فضلا عن ذلك ينطوي جسد الهارب على سمات المنظور المرئي المتفاعل مع الظواهر البرانية ذات العمق الوجداني، وإن كانت هذه الأحكام الذاتية لا تخلو بدورها من ميل إلى استثمار بعض زوايا النظر وثيقة بالحقل النفسي والاجتماعي والثقافي[27]، فالبعد التشريحي للهارب يعكس المرجعية الجوهرية لميدان الدراسة، حيث يحولها إلى أداة حفرية تكشف صلتها الوثيقة وانفتاحها على بوابة نظريات الحزن المجسد، كقراءة تكشف عن عمليات تفسيرية متنوعة، مما يفضي ببعض المنظرين السوسيولوجيين إلى اليأس من تطوير وتنويع نظرية جسدية كاملة في المتن القرائي، وبالرغم من ذلك فإن هذا هو ما يجب عليه أن يقدم نفسه كي يظل لغة متعددة بطرائق متنوعة[28]، فالجسد البلموي استجابة لمطلب التقلبات الحياتية، على مستويات الإبداع، وإسهاما في بناء سهل للقراءة، وهو رهان على حفر منظور الشعر بوضعه في سياق التخطيط السوسيوثقافي ومتغيرات الفعل الدرامي الإتيقي، فتمييز رمز الجسد هو عبارة عن تلمس زوايا النظر الإبداعي والإبلاغي، أي تحكم كل المنظومات والضوابط النسقية من أجل تهذيبه نظرا لقيمته الأنطولوجية والثقافية، فبلمو في تموجاته يجعل الجسد هو لغة وأيقونة وثقافة وتاريخ وطقس وتطور عبر مراحله الأولى، حيث كان خاضعا لفعل المطاوعة والانكماش من طرف الجماعة، تم اتخذ اسما قانونيا وأخلاقيا وطقسا دينيا، يوظف كطهارة، أو كنجاسة، الشيء الذي خلق حوله عدة تأويلات وتوليدات عابرة في سجل الهجرة، ويظل الحزن يعتصر أوردته ليفوح ظل أريج التي حاولت أن تتلاقى معه عبر الطيف، ولكن الصمت دب في شرايينه، ومشى الحزن في خيلاء المعنى، وأصبحت الكلمة جرح في عالمه الجسدي، يكتب فلسفة هذا الجسد، جاعلا منه تقربا  من الرياح والأموات أو النار أو التراث، وهذا التقرب جعله يتنوع بتنوع الأعراف والتقاليد وكل الترفيهات الخاصة به، فظل هذا الجسد الهارب من بين عينيه يفسر طبقا لرماد الريح التي سيجت مداراته وآفاقه، واتخذ هذا اللون صبغات جعلته يظهر في شكل أنوية إما خيالية أو شيطانية أو ميثولوجية، مما منح له مكانة في المتخيل البلموي، حيث نجده يستحضره كأنوية جوهرية باعتباره هو العمود الفقري لكل فترة من فترات الكائن البشري، كما يقول داروين في كتابه "أصل الأنواع" ص: 34 وكتابه تاريخ الحيوان (العديم الفقرات) ص: 106.

هذا يدل على أننا أمام دورة جسدية في القصائد، تنشئ القواعد الأخلاقية والأسطورية، والعادات الجارفة التي رسختها المعارف بعد انطباعها في الجسد، لذا يصبح هذا الجسد أيقونة دراسية تعيد إنتاج هذه القواعد التي تقر ضمنيا أن منشأ الأخلاق هو المجتمع، لكن ثمة لمسة انتربولوجية تطل من نافذة الشاعر وأصحاب العقائد الوضعية، فكلهم يستحضرون الطابع السيكولوجي من خلال الشخصية الموظفة، وهذا كله يفسر اطلاع هؤلاء على معظم الدوائر الإبداعية قصد تكييف سلوكنا مع قواعد المجتمع. لأن ثقافة الهارب هي ثقافة أبوية تقليدية، ظلت تتحكم في هذا الجسد فكريا واجتماعيا، ولم تشهد أي تحديث على مستوى الثقافي والديني والفكري والسياسي وهذا ما أراده بلمو في هذا الديوان.

هذا التوظيف والتحديث والتجديد لا يصدق إلا على المستوى الشعري أو الرسم، لذا بقي جسده غير مكبل بالعادات والتقاليد، لأن الذات زرع الاختلاف في الائتلاف، فبقي هذا الخطاب الشعري كمؤسسة غير مؤدلجة يقوض المختلف، ليظل هو الامتداد الطبيعي يحاكم كل من خالفه ولم يستطع حمل مهماته"[29].

إن بلمو رفض الحقيقة المطلقة رفضا قاطعا، معتبرا أن معرفة الذات هي معرفة لا نهائية، وأنها خاضعة للتطور الزمكاني، فهي محاولة تسعى لتحرير نظرية الجسد في التقدم من خلال الوعي بالحرية، إذ لا وجود للذوات السامية كما يطرح "هور كهايمر"، فالناس هم بشر ولا شيء مثالي، لذلك دعا إلى التمسك بالحقائق الواقعية من أجل تخليص جسد بلمو من القيم السرمدية، والتحرر من التقاليد والأوهام، لأن الثقافة هي المعول الجوهري للحفر في براثين النسيان في عوالم الشاعر، باعتبارها تتكاثف لتخلق لنا رؤية شعرية.

فالشاعر بلمو عبر هذا الجرح الفينيقي، يخرج لنا سر الموجود في ظهر الهواء يرحل مع الريح، وقلبه المكلوم يغلق سماءه، فيهجر قلبه الأصلي بلغة فوق سرير الأحلام، يناشد هذا الجسد الهارب، طالبا منه التبات، لكن أريج أرادت أن تمده بالكوني لكي يتمدد هذا الجسد قانعا بالرغيف، لكن الأيام تقتات من جراحه دون الرحيل المستحيل، لا يريد أن يشعل القلق في القضبان، بل يريد أن يزرع الفكر المغاير منهجا للمقاربة، ورؤيا لطبيعة الظواهر، فإن شعره يدغدع الدماغ انطلاقا من قوالب تنعت في العلوم المعرفية بالقدرات أو بالمهارات، بما هي قدرات عقلية باطنية تقود في سياق عملي، إلى إنجاز مهام معينة أو حل مشكلة خاصة، وهي بذلك تنمو وتكتسب في اتجاه تجميع الفرد كحصيلة كافية من المهارات Skills والمعارف القابلة للملاحظة والتقويم.

فالقدرة عند الشاعر بلمو استعداد باطني يدفع الإنجاز القابل للتأمل دون استحضار الخيال أو الأسطورة، لإن الشعر عنده مرتبط بالذكاء الترابي المتنوع والتفاعلي، مما يجعل شعره يتخذ وضعا تصوريا دقيقا، لكي يتأطر ضمن معمارية شعرية إنسانية كما في قصيدة (عندما أموت) حيث يقول: عندما أموت /أمشي وحيدا إلى المقبرة / في الصباح أحيانا / في المساء / أو منتصف الليل / عندما أصل / اختار ربوة صغيرة أدفنني واقفا / مثل شجرة.

من هنا نطرح إشكالية كيف يأتيه الشعر؟ وما خصائصه الجمالية والفنية؟ وما علاقة الشعر بالملكات الذهنية والذكائية؟ انطلاقا من هذه الأسئلة باعتبارها أنساقا معرفية، تبحث في جذرية القدرات الخيالية التي تمثل المجال المعرفي الخاص، الأمر الذي يجعلها تتمايز وتختلف بالنظر إلى طابعها الخاص بها، لأن الإيواليات الترابية والمعرفية والنفسية تبني أنساقها وفق شروطها المعرفية، لذا يحلم محمد بلمو ببناء معجم شعري مرتبط بإيواليات متتالية، تتوفر على ذاكرة حسية غير جوانية بالنسبة لبعض الشعراء كصلاح عبد الصبور، وأدونيس وخليل حاوي، وأمل دنقل، ومحمد بنيس، ومحمد السرغيني وغيرهم، فالشاعر بلمو في هذا الديوان يؤسس قدرات خيالية وسياقية برؤيا تنوعية داخل المجال المتعدد. وهذا يعني أن تلك القصائد تتسم بخصائص معرفية وبتمثلات تداولية هي من أهم شروط الإبداع المحدد لنوع القدرة، والاستراتيجية المنجزة، يمكن اعتبارها عتبة تأويلية للنموذج الشعري الهامشي، وكذا تحيينا للنشاط الدلالي المعرفي المتنوع، لأن القصائد كعوامل Actants هي تمثلات معرفية جنيالوجية، تتفاعل مع المعرفي والنفسي والوجودي، لكي ترفع التعارض الموجود بين الشاعر والمتلقي، وبين البرمجة الخيالية، لأن أطروحة الشاعر المتعددة تنسجم مع تعدد العناوين، والوضعيات الإنسانية المتجاوزة لمفهوم الاختيارات الطبيعية، وهذا ما يدعونا إلى صياغة نمذجة شعرية لتشييد القدرات الإبداعية ضمن أوضاع ثقافية عربية ومغربية متعددة.

ففلسفة الشعر عنده هي التحيين والانزياح والتناص، والتأويل والكيمياء التي تمدنا بمعلومات بيولوجية عن تطور الذكاءات البشرية المرتبط بالحزن والفرح، وعليه نفترض أن قصائد بلمو تؤصل هذه الأحزان بحكم الذات كما في نصي: "طعنات سحيقة" و"عودي أريج كي نرقص" فهي المنكسرة والمضمرة بشكل عام من خلال تنشيط ذكاءات فرعية بلغة شذرية من أجل بنائها بيداغوجيا في سياق الإبداع المرتبط باللحظة الولاداتية.

بلمو والشعر المؤجل:

لاشك أن العالم الذي يعيشه بلمو، عالم يكتنفه الغموض والإبهام حيث راح يصنع عالما غير العالم الذي نعيشه، عالم يستعير حدوده من اللامتناهي، ببوصلة رؤيوية تتمثل الوجود المعرفي المؤمثل، كما يعبر (فوكونيي 1984)، ولهذا عمل الشاعر بلمو في تشكل العالم بمباحث وباستعارات جوهرية، تبحث عن الممكن في الكائن، وعن الخيالي في الواقعي لمعرفة ماهيته وكيفية وجوده، فهذه المسافة مرهونة بالروابط الفيزيولوجية والثقافية والتاريخية، لأن الشاعر يريد أن يبوح بسر الوجود، وبأنينه بلغة الشعر لكي يعيد لهذه الذات المغتصبة صولتها.

إذن نعتبر أن هذا المؤجل هو الذي يؤطر المستحيل، والهارب من بين يديه، فلا يستطيع أن يعيده إلا بالكلمات والنماذج الأولية والمناسبة، حيث يبث في الحروف والكلمات روح السخرية ويبث الحزن والفرح في بوثقة سياقية تحيل على الهارب والمختفي، وهذا التصور الغير المقيد هو مؤشر سيكودرامي يتأسس على جدلية الإدراك والتلقي انطلاقا من تشييد لغة التصوير المحايثة.

إن الشاعر يحاول أن يعيد كما ذكرنا المؤجل، بوصفه قراءة بصرية محكومة بلغة المحيط، وبجرح ذاتي تأويلي، يعتمدها في سجله ليكون اختزاليا وذاتويا يرى ما لا نراه، إنها رحلة سيزيفية تفكر في الآتي والممكن، وتنمو الآن والهنا بمقولات شعرية شاعرية. إن هذا المنظور هو نفسه ما يؤكده صلاح عبد الصبور وخليل حاوي.

فهذه الإشارة هي تجربة تنفلت من الآخر لتحاوره من أجل محاولة تأصيل اللامتناهي وتعرية السائد لكي يكون خاضعا للنقد، وفعلا للكتابة الشذرية، وبوحا للمهمش والمقصي، وترجمة لفعل القراءة الجارحة، فالكتابة الشعرية عنده هي قراءة فاحصة وفعل لاخطي، وإزالة للخطي، واستراتيجية تروم تحقيق أهداف معلنة لتصبح إحدى تجليات العالم الممكن وتصورات مؤولات Interprétans، فالقصائد هي وسيط خيالي وحدسي، وعلامات تمثل الوسيط المادي للغة الشعرية وعبارة عن متواليات تداولية.

فهذا التشكل العمودي هو سيرورة ذهنية حسية وفكرية، تلقي ظلالها على العالم/كمرجع وضمن شروط سياقية تاريخية. فالفكر (البلومي) رهين بمقصدية الممارسة الإبداعية الشعرية، وبالرؤية الإنتاجية التي تنظر إلى العالم، تبعا لقراءة تأويلية وغير سرمدية، رؤية اختبارية تنعي الهارب والمؤجل لتكشف لنا عن المعنى المتجدد.

إن هذه الوضعيات، الزمن والسرد المجرد واللاواعي، كلها وسائط سياقية تحدد العالم كما يتصوره بلمو، وصلاح عبد الصبور، والشاعر يصور العالم كظاهرة تشيئية مؤسلبة حوله، يحوله إلى مواضيع للإبداع والتواصل الفعلي بطريقة ديناميكية، وكلحظة يتبدل فيه الدليل المعجمي بالممكن لا المفكرن، إنها بداية للتمثيل الدرامي المستحيل والمحتمل والمنتج في شكل بناءات خيالية تتشكل عن طريق استحضار المؤجل والهارب كما ذكرنا كتناص مبثوث في شكل خلايا ذهنية ترتبط بالتمثل والتطور والإنتاج الشعري، هكذا تتم عملية الولادة القيصرية عند بلمو الشاعر، ينشطر إلى أنوية تمثيلية وإلى أفعال وحالات من قبيل: الحزن والوعي والتأمل واللحظة، فيتعلق الضجر بالسأم، والظاهر بالباطن والفرح بالسعادة، فلن يكون طاهرا نصادفه صدفة، بل عن طريق الرحيل الفينيقي لنوائب الانفعال واللحظات المشحونة بالحزن، وبالأحرف التي تتوارى خلف الظاهر وعلى الأنظار، ولا تستجيب للشعور البسيط، بل تفتح لنا نوافذ القصائد لمعرفة هذه الذات المكلومة بالعذاب، كأنها أشكال حلزونية تخترق الخيوط الواهية بلون الأمل ليصبح قائما يقود صلاح عبد الصبور كما قاد الشاعر إلى مواطن الغياب.

فالتراكم المفاهيمي الموظف في الديوان، يؤشر على تبني مشروع فكري جديد، يعوض الوظيفة الشعرية الرومانسية والبدائية بناءا على الذكاء المعرفي الذي يخصص المعانى دون تعميمها، ويجلي أصالتها اعتمادا على مفاهيم التربة والذات والهواء، ناهيك عن كونه يستثمر أطروحات الشعراء المعاصرين كامل دنقل وأدونيس ومحمد علي الرباوي ومحمد بنيس والمجاطي ... فهذا التأصيل يتجلى في القصائد النوعية لمفاهيم من قبيل الدليل الافتتاحي والمرجعي، والنصي الإنتاجي، وإلى التداولي / الذرائعي أي (الافتتاح – السياق – الإنتاج – التلقي).

الشاعر بين السقوط والانتظار:

لا نغالي إذ أكدنا بأن عملية حشر هذا العنوان في نسق هذه الدراسة النقدية، هو في غاية الأهمية وذو جدوى في معرفة رؤيا الشاعر التي تسمو إلى مصاف الرؤى الشعرية العربية والكونية، يغدو معها شعر الشاعر نبراسا ورؤيا تلغي المزالق اليقينية وتحيد عن المتناهي ليروم بلوغ جوانب باطنية تلغي المسافة بين الذات والوجود، وتدفع بالأنا إلى التمرد والمحو لكل القوالب الجاهزة، وتحويلها إلى رؤية بصرية وآلية إبداعية تؤسس للإبلاغ الشعري لديه. إن بلمو يخضع هذا الوجود للمساءلة كقاعدة افتتاحية محكومة بالنسبية، ويخضع للتطور الحتمي الذي يبلوره الإبداع، لكي تتحرك هذه الذات في نطاق معيار السقوط والانتظار، فالسقوط مؤسس على منطق الذات العربية والبربرية، ومحو للسائد، وبالتالي يوصف بالصرامة الخليلية المرسومة بالنظام العمودي، غير أن هذه الأدوات الشعرية الملتصقة بالقصيدة العمودية جعلت الشاعر بلمو يثور على هذه الخيمة، كما تارت عليه رياح نازك، والسياب، والبياتي وعبد الصبور، وبنيس، والسرغيني والفيتوري، ... وغيرهم، فالشاعر بلمو اتخذ مسافة من هذه الرزمة الشعرية، عارضا براعته النظمية التي تنم عن قوة شاعرية، وناسجا لذاته مناخا بصريا خياليا يخضع لنظام متحول يعيد لهذه الذات المكلومة حريتها لا انكماشها ولا صمتها، بل اجترح لغة المغايرة لتكون مساره وغاياته، واضعا ذاتيته في مفترق الطرق بين السقوط والانتظار، لينتج لنا جرحا لا هذيانا الذي هو حقائق الغد كما يقول بارت في كتابه "النقد والحقيقة"[30].

فالشاعر عبر عن هذا التصور الشعري بصورة جوانية باطنية، تعيد قراءة المعنى البرغماتي لمعرفة الرؤية التصحيحية لهذا الواقع، لأن الروح الشاعرية تمكننا من اللحاق بروح متنوعة في كل تموجاتها وولاداتها، وفي صعودها وهبوطها، من أجل الكشف المبكر وكانتظار يبحث عن تغيير عالمنا وليس تفسيره كما يقول صلاح عبد الصبور، يتوسط بين الوجود والذات، وبين الآنا والجمهور كما يقول عبد العزيز عتيق في كتابه تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 8.

هكذا عمل بلمو في خوض غمار حرث التربة الشعرية بخطوات متناسقة ومتدرجة، بلغة باحثة عن سمات مرتبطة أساسا باستراتيجية تروم تجاوز الحدود الواقعية لأنساق الدلالة نحو تنشيط التأويل الدرامي الشعري، وهذا يعني أن الشعر هو تجاوز وتفاعل مع مختلف  الفضاءات والوقائع الزمكانية.

فالشاعر عبر هذه المساءلة، خلق نوعا من الانسجام وتماثلا استراتيجيا يقودنا إلى تحقيق البنية الوظيفية، مع إظهار متوالية زمانية، من هنا يخضع الديوان في نظرنا إلى تنظيم زماني تصاعدي موسوم بتفاعل الظواهر الإبلاغية، الشيء الذي يؤثر على الوضع الذاتي الذي لا ينفصل عن وضعية المجرى الشعري، وهذا المبتغى الإبداعي الذي يتجسد خياليا وذهنيا يوضحه الديوان في سياق مرجعي تاريخي وتأويلي، لذا نلاحظ أن القصائد بكل طبقاتها تتحول مع تقديم سيرورة تواصلية[31]، وإنتاجية ثقافية مؤطرة ضمن النمذجة الشعرية المعاصرة.

فرغم ما قلت في هذا الديوان (طعنات في ظهر الهواء) يبقى مفتوحا قابلا للتأويل وللتفكيك التناصي، لأن الشاعر استطاع أن يخلق في الهواء طعنات علاماتية لا ندرك ماهيتها إلا عبر الحفر والنبش الاركيولوجي، وهذا ما سأقوم به في المرحلة الثانية.

إنجاز: د. الغزيوي بوعلي / باحث / فاس

دة. بن المدني ليلة / باحثة

 

الهوامش:

(1)- بسام قطوس، استراتيجيات القراءة مؤسسة حمادة، والدار الكندي، ط 1، 1998، ص: 22 – 23.

(2) - نسيمة الغيت، البؤرة ودوائر الاتصال، دار القباء للطبعة والنشر والتوزيع القاهرة، 2000، ص: 14.

(3)- عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة من البنيوية إلى التفكيك، ص: 204.

(4)- نفس المرجع، ص: 205.

(5)- عبد الحميد إبراهيم، نقاد الحداثة وموت القارئ، مطبوعات نادي القسم الأدبي، دمشق، ط 1، 1996، ص: 7.

(6)- إحسان عباس، فن الشعر، ص: 40 – 41.

(7)- ديوان صلاح عبد الصبور، دار العودة، بيروت، ص: 95.

(8)- ديوان البياتي، المجلد الأول، ص: 388.

(9)- عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص: 63.

(10)- رولان بارت، النقد والحقيقة، تر: إبراهيم الخطيب، 1985، ص: 19.

(11)- المرجع نفسه، ص: 85 – 86.

(12)-  Le petit Robert « dictionnaire de la langue française 2 internaute en encyclopédie.

(13)- رونيه ويليك – أوستن وارين، نظرية الأدب، ترجمة محي الدين صبحي، ط 2، 1981، ص: 97.

(14)- محمد منذور، مناهج البحث في الأدب، ص: 20.

(15)- مصطفى ناصف، دراسة الأدب العربي، دار الأندلس، ط 1، 1981، بيروت، ص: 164.

(16)- موريس أبو ناصر، الألسنية والنقد الأدبي، ص: 16.

(17)- صلاح فضل، نظرية البنائية في النقد الأدبي، مكتبة الأنجلو مصرية، ص: 177.

(18)- محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري استراتيجية التناص، دار التنوير للطباعة والنشر، ط 1، 1985، ص: 26.

(19)- المرجع نفسه، ص: 120.

(20)- Roegiers, Une pédagogie de l’intégration 2 ed, Paris, 2001, P : 66.

(21)- Mecheal onfray, « Le desin d’être un vol can, journal hédoniste ed grasset, 1996, P : 396.

(22)- حسن أوزال، منطق الفكر ومنطق الرغبة، ص: 59.

(23)-Meschonnic, critique du rythme verdier, Paris, 1982, P : 70.

(24)- حسن أوزال، منطق الفكر ومنطق الرغبة، ص: 60.

(25)- حسن أوزال، منطق الفكر ومنطق الرغبة، ص: 92.

(26)- محمد خطابي، لسانيات النص، بيروت، 1991، ص: 56.

(27)- محمد عزام، تحليل الخطاب الأدبي، دراسة في نقد النقد، ص: 154.

(28)- راهان سلدان، النظرية الأدبية المعاصرة، تقديم وترجمة: جابر عصفور، دار الفكر، 1991، ص: 202.

(29)- محمود درويش، الحداثة في العالم العربي، جريدة الحياة، 11/12/2005.

(30)- رولان بارت، النقد والحقيقة، ص: 70.

(31)- جاك رانسيير، كراه
[1]- بسام قطوس، استراتيجيات القراءة مؤسسة حمادة، والدار الكندي، ط 1، 1998، ص: 22 – 23.

[2]- نسيمة الغيت، البؤرة ودوائر الاتصال، دار القباء للطبعة والنشر والتوزيع القاهرة، 2000، ص: 14.

[3]- عبد العزيز حمودة، المرايا المقعرة من البنيوية إلى التفكيك، ص: 204.

[4]- نفس المرجع، ص: 205.

[5]- عبد الحميد إبراهيم، نقاد الحداثة وموت القارئ، مطبوعات نادي القسم الأدبي، دمشق، ط 1، 1996، ص: 7.

[6] - إحسان عباس، فن الشعر، ص: 40 – 41.

[7] - ديوان صلاح عبد الصبور، دار العودة، بيروت، ص: 95.

[8] - ديوان البياتي، المجلد الأول، ص: 388.

[9] - عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص: 63.

[10] - رولان بارت، النقد والحقيقة، تر: إبراهيم الخطيب، 1985، ص: 19.

[11] - المرجع نفسه، ص: 85 – 86.

[12] -  Le petit Robert « dictionnaire de la langue française 2 internaute en encyclopédie.

[13] - رونيه ويليك – أوستن وارين، نظرية الأدب، ترجمة محي الدين صبحي، ط 2، 1981، ص: 97.

[14] - محمد منذور، مناهج البحث في الأدب، ص: 20.

[15] - مصطفى ناصف، دراسة الأدب العربي، دار الأندلس، ط 1، 1981، بيروت، ص: 164.

[16] - موريس أبو ناصر، الألسنية والنقد الأدبي، ص: 16.

[17] - صلاح فضل، نظرية البنائية في النقد الأدبي، مكتبة الأنجلو مصرية، ص: 177.

[18] - محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري استراتيجية التناص، دار التنوير للطباعة والنشر، ط 1، 1985، ص: 26.

[19] - المرجع نفسه، ص: 120.

[20] - Roegiers, Une pédagogie de l’intégration 2 ed, Paris, 2001, P : 66.

[21] - Mecheal onfray, « Le desin d’être un vol can, journal hédoniste ed grasset, 1996, P : 396.

[22] - حسن أوزال، منطق الفكر ومنطق الرغبة، ص: 59.

[23]- Meschonnic, critique du rylhme verdier, Paris, 1982, P : 70.

[24] - حسن أوزال، منطق الفكر ومنطق الرغبة، ص: 60.

[25] - حسن أوزال، منطق الفكر ومنطق الرغبة، ص: 92.

[26] - محمد خطابي، لسانيات النص، بيروت، 1991، ص: 56.

[27] - محمد عزام، تحليل الخطاب الأدبي، دراسة في نقد النقد، ص: 154.

[28] - راهان سلدان، النظرية الأدبية المعاصرة، تقديم وترجمة: جابر عصفور، دار الفكر، 1991، ص: 202.

[29] - محمود درويش، الحداثة في العالم العربي، جريدة الحياة، 11/12/2005.

[30] - رولان بارت، النقد والحقيقة، ص: 70.

(31)- جاك رانسيير، كراهية الدمقراطية، ص: 24.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف