الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رؤية الصوفية المعتدلة في تقويم البنية التعلمية بقلم: د.عبدالوهاب القرش

تاريخ النشر : 2020-03-21
رؤية الصوفية المعتدلة في تقويم البنية التعلمية بقلم: د.عبدالوهاب القرش
رؤية الصوفية المعتدلة في تقويم البنية التعلمية

 لاشك فيه أننا الآن نعاني من فراغ شاسع في فهم الوسائل التعليمية فقد اتسعت الهوة بين العالم والمتعلم ، وبعد طول تطواف في مختلف العلوم والأفكار تبين أن هذه الأمة تحتاج إلى إصلاح جذري يعتمد على منهج آخر غير المنهج الرسمي الذي يختزن العلم والثقافة في فئات بعينها يتم تعليمهم أو تلقينهم ليتسنموا بعد ذلك المناصب العامة أو الوظائف السلطانية ، وعليه فقد دعت الحاجة إلى العود لأصالة التلقي واحترام العالم ، وللعلم والسعي في طلبه مكانة سامية عند المتصوفين المعتدلين ، تعد التربية الصوفية أساساً تربوياً لا غنى عنه في ظل فقدان روح التربية السلوكية والعلمية على حد سواء.

يعد الجهل في نظر المتصوفين المعتدلين موت ، والعلم حياة القلوب ، وقد مضى الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من رؤوس القوم قدماً في تحقيق أرقى صورة تعليمية من خلال التربية ، ولعل طول باعه ، وثبات جذوره في ميادين العلم المختلفة يسر له دعم أرائه وأفكاره أياً كانت بالحجة القاطعة والدليل المقنع والبرهان الساطع ، قال الإمام الغزالي في ضرورة العلم : إن غذاء القلب العلم والحكمة ، وبهما حياته ، كما أن غذاء الجسد الطعام ، ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم ولكنه لايشعر به ، وقال الإمام سهيل بن عبد الله: الناس من طبقة الفضل على ثلاثة مقامات : تقى غير عالم ولا حكيم ، وعالم تقي غير حكيم ، وحكيم عالم تقي ، وأفضل هؤلاء العالم التقي الحكيم ، وقال: الناس كلهم موتى إلا العلماء والعلماء كلهم سكارى إلا العاملون ، وقال في معنى قوله تعالى : {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ...} (طه:32) أن السابق هو العالم ، والمقتصد هو المتعلم ، والظالم لنفسه هو الجاهل ، وقال أحد الصوفية : العلم حياة القلب من الجهل ، ونور العين من الظلمة ، وقد بين الصوفية أن طلب العلم يحتاج إلى مصابرة ومجاهدة ، يقول أبو يزيد البسطامي :" عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئأ أشد على من العلم ومتابعته ، فعلى الطالب أن يبلغ من العلم قدراً يجعله يعلم أنه لا يعلم " ، ولعل البسطامي يقصد في قوله أنه لا غاية للعلم ولا نهاية لطلبه ، وذكر ابن الجوزي قول سهل ابن عبد الله لأحد مريديه في شدة حرصه على العلم والتعلم حيث قال :" أكتب فإن استطعت أن تلقى الله وبيدك المحبرة والكتاب فأفعل ، وما من طريق إلى الله أفضل من العلم" والصوفية يسلمون بفرضية العلم ولا يرفضونه ، ولا ينؤون عنه في خلواتهم وعزلتهم ، بل يشتغلون بف فيها ، يقول الإمام السهر وردي :" العلم فريضة وفضيلة " ، وقد أوجز الإمام الغزالي القول في مدى ضرورة تحصيل العلم وحكمه على حسب الحاجة إليه ، وذلك في ثلاثة أقسام :

القسم الأول : فرض عين ، هو المكلف ما لا يتأدى الواجب الذي يتعين عليه فعله إلا به ، ككيفية الوضوء للصلاة ونحوها .

القسم الثاني : فرض كفاية ، وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية كحفظ القرآن والسنة ، والأصول والفقه ، والنحو واللغة والتصريف ، ومعرفة رواة الحديث والإجماع ، والخلاف ونحو ذلك ، وكذلك ما يحتاج إليه في قوام أمر الدنيا ، كالطب والهندسة والصناعة والخياطة والفلاحة ونحوها .

القسم الثالث : النفل ، وهو كالتبحر في أول الأدلة والإمعان فيما وراء القدر الذي يحصل به فرض الكفاية ، وغير هذه الثلاثة إما محرم كتعلم السحر والشعوذة والتنجيم إذا سميت علوماً ، وإما مكروهاً كتعلم الأشعار التي فيها الغزل ، أو مباح وهو ما يستوي فيه نفعه وضرره.

وعليه فالصوفية عدوا طلب العلم فضيلة وضرورة وفريضة على كل مسلم ، كما أنهم رفضوا الجهل وحاربوه ، وعدوه كأساً من كئوس الموت ، وسهماً من سهامه .

ثانياً: وتمثل آليات المنهج الصوفي المعتدل في إصلاح البنية التعليمية وسائل ضرورية لا تستقيم العملية ولا تؤتي ثمارها إلا بها ، وإذا كانت الأهداف والغايات سامية وشريفة ، فلا بد أن تكون الوسائل الموصلة إليها سامية أيضاً وشريفة ، لأن الغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة ، فالأهداف الشريفة هي التي تكون وسائلها شريفة ، لأن الفصل بين الأهداف والغايات صعب لتداخلهما ، ولأن الوسيلة قد تكون هدفاً في ذاتها ووسيلة لغيرها والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود ، ولما كان العلم الرفيع غاية سامية ، استحال الوصول إليه إلا عبر آليات نزيهة ، بعيدة كل البعد عن التزييف والمجاملة وحرمان الكوادر من موقعهم المناسب حتى يتسنى لهم التعبير عملياً عن تفوقهم ، لذلك عد الصوفية في ظل المنهج الإسلامي آليات بها يمكن إصلاح الحركة التعليمية من خلال قنوات مشروعة .

ويرى أصحاب الفكر الصوفي المعتدل أن تقويم البنية التعليمية يبدأ بما هو موجود في ذات المعلم .. حيث أن المعلم هو المكون الحقيقي لشخصية الطالب ، والمقوم الأساسي لكيانه وكل صور سلوكه ، وكل منابع الفعل ودوافعه مستمدة بطريقة مباشرة من سلوكه وتعاليمه ، مادامت حركة البناء والتنمية الفكرية تعتمد في أساسها على جهد المعلم ، فإن استنفار طاقات الطلاب الروحية ، وشحذ قواهم الكامنة نحو التلقي ، أمر ضروري للوصول إلى التنمية الثقافية والمادية والإجتماعية والنفسية والعقلية ، ولما كان موقع المعلم من الخطورة بمكان من حيث نجاح العملية التعليمية التي ينبني عليها مصير المجتمع ، كان من الضروري لدى السادة الصوفية توافر عدة مطالب في المعلم تمثل حزمة من الآليات التي تعد أساساً في نجاح العملية التعليمية وإلا فلن ينجم سوى المزيد من التخلف .

إن من الخطر الفادح في الميدان التعليمي ، العشوائية وعدم الدقة في اختيار المعلم ، فقدان الضوابط وعدم الصلاحية للقدوة يجلب الكوارث للمجتمع بتصدير أردأ النماذج التي لا تزيده إلا رجعية في الأخلاق والسلوك والتنمية بشتى ألوانها ، لذلك اشترط الصوفية شفى المعلم أن يكون صالحاً لموقع القدوة ، وذلك على حد قول الإمام الغزالي :" بأن يكون المعلم عاملاً بعلمه ، فلا يكذب قوله فعله ، لأن العلم يدرك بالبصائر ، والعمل يدرك بالإبصار ، وأرباب الإبصار أكثر ، فإذا خالف العمل العلم ضاع منه الرشد " وقال ابن عربي :" قد شاع في العالم أن يسمى " عالما" من كان عنده علم ما من العلوم ، وإن كان قد أكب على الشهوات وتورط بالشبهات بل في المحرمات ، فعمر دنياه وخرب أخرته، فهذا شخص تناقض أفعاله أقواله ، ولا يصلح لأن يكون معلماً " وذلك لأنه سوف يصوغ شخصيات الطلاب ، ويصبغ كيان المجتمع ، ويشكله تشكيلاً يعكس فيه صورة سلوكه في مسلك أفراده، ومن هنا لزم شرط الصلاحية الأخلاقية في شخصية المعلم فهو مرآة طلابه . 

يلزم الجهات المعنية اختيار الأستاذ المناسب ، وإعداده إعداداً جيداً يتناسب مع موقعه المهم ، الذي يتم من خلاله بناء المجتمع أو تدميره وهدمه ، وقد نقل الإمام الغزالي إجماعاً عن العلماء بضرورة اختيار المعلم المؤهل لهذه المكانة فقال :" لابد أن يأخذ طالب العلم عمله ممن كملت أهليته ، وظهرت دياناته ، وتحققت معرفته ، واشتهرت صيانته ، ولا يكفي أن يكون كثير العلم فقط ، بل لابد أن يكون له دربة ودين وخلق جميل ، وذهن صحيح واطلاع تام ، ولا يؤخذ العلم ممن كان أخذه من بطون الكتب من غير أخذ عن أستاذ ، فمن لا يأخذه إلا عن الكتب يقع في الغلط والخطأ " . وهذا القول يلزم بضرورة توافر الدربة والخبرة في المعلم للعلوم الشرعية والعلوم المتعلقة بأمور الدنيا كالطب والهندسة والكمياء وغيرها .

إذا تجاوز المعلم – أي معلم – مرحلة الطمع الدنيوي وعمل لدينه ونهضة أمته ، واعتز بعلمه كما كان السلف ، تجاوزت الأمة مرحلة الضياع الحضاري ، والتخلف التقني ، وبدأنا نستعيد ثقتنا بأنفسنا وبمقدراتنا ، ولبدأنا نهتم اهتماماً جدياً بما نحن مقدمون عليه من عمل يتطلب منا شحذ كل طاقاتنا المادية والمعنوية لخلق المجتمع الجديد الذي يتطلع إلى الإسهام المستقل في تطوير حياة المسلم ومستقبل الأمة ، وهذا ما حرص عليه رجالات التصوف عند رؤيتهم للتنمية ، يقول الشيخ المحقق أحمد بن محيي الدين الجزائري :" ينبغي للعلماء أن يكونوا أعزة بمولاهم الذي أهلهم بالعلم ، وأن ينزهوا نفوسهم عن الطمع فيما في أيدي الناس ، ويرفعوا هممهم إجلالاً لمرتبة العلم صيانة لمقامه وحفظاً لمنزلته " .

يواجه الجهات التعليمية خطر غياب الإخلاص ، مما أدى إلى الذوبان أو الموت الحضاري فأكفأت مضطرة على نفسها ، تبحث عن مخرج من ورطتها ، لتعود وقد تأكدت ثقتها بنفسها ، وتجددت قدراتها ، وتفجرت في أعماقها المصابيح التي اضاءت طريقها في الماضي قبل أن يدهمها الظلام ، لذلك نادى الصوفية بلزوم إخلاص المعلمين ، يقول سراج الطوسي :" العلم مقرون بالعمل ، والعمل مقرون بالإخلاص ، والإخلاص يريد العالم بعلمه وعمله وجه الله تعالى " ، وقال الشيخ سهل بن عبد الله التستري :" العلماء كلهم سكارى إلا العاملين ، والعاملون كلهم مغرورون إلا المخلصين ، والمخلص على وجل حتى يختم له ، وخطر العالم عظيم إن أراد به مجالسة الكبراء ، أو مباهاة النظراء ، أو استجلاب تعظيم الناس وثنائهم وتصيد الحطام ، فتلك تجرة بائرة وصفقة خاسرة ".

ويشترط الفكر الصوفي المعتدل في المعلم أن يحافظ على هيبته فلا يضعها بكثرة المزاح ، وأن يعنى بمظهره كما يعنى بجوهره ، يقول الشيخ الإمام الغزالي : ينبغي على المعلم أن يحافظ على مظهره الخارجي ، فيكون نظيفاً طيب الرائحة ، مهتماً بتنظيف الإبط وإزالة الروائح الكريهة من جسمه ، ومهتماً بتسريح شعر رأسه ولحيته ، ويلبس أحسن ثيابه ، وأن يلتزم بالآداب الشرعية حتى يكون قدوة صالحة لمن يعلمه ، وأن يبتعد عن كثرة المزاح فإنه يزيل الهيبة ، متجنباً الحقد والحسد والرياء والإعجاب بالنفس .

وهذا القول الصوفي يبطل ما أبداه أدعياء العلم والولاية من الدخلاء في التصوف على مظهرهم من وسخ وإهمال في الملبس بدعوى الجذب والفناء في المقامات .

د.عبدالوهاب القرش
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف