الأخبار
وزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيرانيالجيش الإسرائيلي: صفارات الانذار دوت 720 مرة جراء الهجوم الإيرانيالحرس الثوري الإيراني يحذر الولايات المتحدةإسرائيل: سنرد بقوة على الهجوم الإيرانيطهران: العمل العسكري كان ردا على استهداف بعثتنا في دمشقإيران تشن هجوماً جوياً على إسرائيل بمئات المسيرات والصواريخ
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التابوهات المحرمة-المسكوت عنه في الرواية المصرية-محمد شهاب الدين نموذجاً

تاريخ النشر : 2020-03-16
التابوهات المحرمة-المسكوت عنه في الرواية المصرية-محمد شهاب الدين نموذجاً
التابوهات المحرمة ( المسكوت عنه )كما تعكسها الرواية المصرية
د/ محمد سعيد شهاب الدين " أنموذجا "

(الدراسة الفائزة بالجائزة الأولى لمسابقة احسان عبد القدوس للمرة الثانية في 2020)

بقلم د/ أميمة منير جادو


مقدمة:
بداية يعد الطبيب الروائي "محمد سعيد شهاب الدين – المنوفية" أحد أهم الأسماء الروائية التي برزت على الساحة الأدبية في السنوات القليلة الأخيرة ؛ فقد بدأ بداية قوية تؤهله ليكون بين مصاف كبار الروائيين سواء في هذا العصر أو العصور السابقة أو حتى منذ بدأ يرسو فن الرواية و يترسخ في المجتمع المصري عاكسا الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية،للدرجة التي يمكن معها القول أن جنس الرواية في بعض ملامحها عند بعض المبدعين الراصدين لحركة المجتمع وتغيراته إنما هو بمثابة تأريخ لحركة المجتمع ، و مظاهره عبر الأدب ،وهذا ليس بمستغرب فهناك الكثير ممن رصدوا حركات المجتمع وتغيراته عبر رواياتهم التي تنتمي للرواية التاريخية الواقعية أو الرواية الأنثروبولوجية أو روايات السير الذاتية أو حتى بعض الروايات الاجتماعية و الرومانسية فقد لا تخلو من بعض إشارات رصدية لأحد أو بعض جوانب المجتمع تعكسها بصدق في ثوبها الأدبي و لغتها السردية أو الشعرية الجميلة عبر الحكي ودراما الرواية .
وبلا أدني انحياز شخصي أو عنصري للكاتب بما يؤهله وحدة الأرض و البيئة التي تجمعنا – مدينة منوف – فإن الروائي د/ محمد شهاب الدين روائي باقتدار ولا يمكن الاكتفاء برصد محور واحد في إحدي رواياته أو جميعها في دراسة واحدة ، وإنما يستحق إبداعه المتميز رصد العديد من المحاور البحثية في كل دراسة على حده كي نوفيها حقها و هيهات أن يحدث ذلك. سواء كتابة أو عرضا في مؤتمر أو ندوة. .. حقا هيهات. هيهات.
ومن وجهة نظري الخاصة أؤكد أنك حين تقرأ لكاتبنا المبدع المتميز فأنت تقرأ لعدة أسباب ليس أولها ولا آخرها المتعة الشخصية الوجدانية التي تتحصلها من لذة القراءة بحد ذاتها ، تلك المتعة الأدبية التي تعد من أهم أهداف الرواية و الأدب عموما ، ذلك الأثر الماتع الذي تحدثه القراءة و الغوص داخل السرد الروائي، والذوب فيه و التلاحم مع بعض الشخصيات أو تقمص إحداها وربما تبنيها لمشابهتها لشخصية القارئ ذاته والارتباط ارتباطا كاملا واعيا بالأحداث لما تحدثه في نفس القارئ من لذة و متعة و جمال و إثارة وتشويق.
فأنت –إذن - تقرأ لكاتبنا للمتعة الفنية و الوجدانية أولا ،وتقرأ لتنهل من معين لغة سردية جزلة قوية عذبة فترتقي لغويا ،حيث يتميز أسلوبه بالفصيح الجميل الممتع الغائص في بحار اللغة العربية و عذوبتها و كأنه أستاذ متمكن في اللغة العربية و ليس كأخصائي بطب النساء و التوليد ، و إن كانت مهنته قد انعكست إلى حد كبير على بعض مواضع السرد فأضاف بعض المعلومات الطبية و العلمية في رواياته الثلاثة. و هي بحد ذاتها تستحق محورا لإحدى الدراسات التي أتمني أن أنجزها. ..
ولعلنا قصدنا الإشارة لمهنة الروائي/الطبيب/ الأديب، لا لأبين كيف وظف تخصصه علميا في بعض مواضع القص، و لكن لأنه استلهم أيضا من تجاربه الواقعية الطبية ما دعم به بعض أحداث روايته في مجملها وقد أشار لذلك في أكثر من موضع،وأيضا لأنه كطبيب يقوم بعملية التوليد البيولوجي ليخرج على يديه ـ بإذن الله ـ كائنا جميلا بريئا يكمن جماله وروعته في هذه الصرخة التي تعلن عن حياته من حياة أخرى ومن إنسان آخر يدعى ( أمه )...
فإنه أيضا يقوم كروائي بعملية توليد للغة العربية صانعا منها تراكيب جميلة بل رائعة في أسلوب ساحر ممتع يمكن أن يميز قلمه وإبداعه عن غيره من الروائيين.
أما الأمر الثالث المهم عندما تقرأ لأديبنا الأريب الثري فإنك تقرأ للتثقف / التثقيف في جوانب شتي، قد يكون تثقيفا اجتماعيا عندما يقف بك على بعض الأعراف والتقاليد لمنطقة ما ولاسيما الصعيد، وقد يكون تثقيفا سياسيا أو دينيا كما في " درب التيه "، وقد يكون جغرافيا وطبيا وقد يكون تثقيفا نفسيا. ..
حيث يجيد ببراعة واقتدار رسم وتصوير شخصياته الروائية وصراعاتها مابين الأنا ـ والأنا الأعلى ( الضمير ) والـ هي ( موطن الشهوات ).وفقا للنظرية الفرويدية في التحليل النفسي ، وهذه بحد ذاتها تعد محورا مهما من أهم محاور التحليل لأعماله ، إذن فالقارئ لكاتبنا د/ محمد شهاب الدين ؛ يقرأ للمتعة وللتزود من بحار اللغة ( التثقيف اللغوي - وللتثقيف العام)، وربما أحدثت الرواية آثارا أخرى ، فالأمر يختلف بحسب كل قارئ وكل متلق...
ثانيا: حدود وعينة الدراسة
الثلاث روايات بترتيب صدورهم وهم:
1) جرف السيل / 2015
2) درب التيه / 2016
3) الرقص على الجمر / 2017
ثالثا:الرؤية التحليلية: التابوهات المحرمة أو (المسكوت عنه في الروايات )- رصد شمولي (بانورامي).
1) التابوهات المحرمة / تعد الرؤية التحليلية في الوريقات التالية هي مجرد رصد شمولي (بانورامي) سريع وموجز لاعتبارات النشر، وليست هي الدراسة الكاملة. حيث تحتاج كل رواية على حدة لأضعاف هذه الدراسة المختصرة، للوقوف على كافة التفاصيل وتدعيمها بالنص السردي الروائي نفسه.
وبناء عليه يمكن القول بشكل عام أن المتتبع للروايات الثلاثة للكاتب يلحظ أنه يتبني قضية (التابوهات) المحرمة، أو يثير مواضع غاية في الحساسية والخطورة وهي ( المسكوت عنه ) في المجتمع العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص بل والجنوبي / الصعيد بشكل أخص في روايتيه ( جرف السيل ) و ( الرقص على الجمر )، بينما يختص الوجه البحري-محافظة المنوفية- في روايته ( درب التيه ) بالنصيب الأكبر.
ويطرح السؤال نفسه : ما هي (التابوهات ) المحرمة ؟
وإن كان السؤال يجيب عن نفسه بداهة، وهو ثالوث التحريم المقدس المتعارف عليه : "السياسة / الجنس / الدين " ، إذا فقد تصدى الكاتب بجرأة تحسب له قد يكون من قبيل قرع جرس الإنذار للفت أنظار كل من يهمه الأمر من المسئولين وولاة الأمور بأن ( أفيقوا يا سادة يا كرام. هناك الكثير من المخاطر المسكوت عنها في المجتمع . " فلا تكونوا كالنعام تدفن رأسها في الرمال")
ففي بعض المواضع الروائية نقرأ بعض رسائل موجهة ضمنيا للإعلام، للمربين ، لرجال الدين ، للنساء ، للمغتربين من الطلاب والموظفين الذين رحلوا عن بلادهم الأصلية للعلم والتحصيل أو للوظيفة ...إلخ
ملخصات موجزة للروايات الثلاثة موضع الدراسة :
أ- رواية جرف السيل: وهي تنتمي للروايات الواقعية التي تعتمد على رصد الجانب السيري والبيئي ذي الخصوصية الشديدة في أحد أقاليم أقصى جنوب مصر ( في الصعيد – محافظة قنا - منطقة الحاجر الجبلية ) يرصد فيها بطل الرواية / الشاب الطبيب -المكلف بالعمل في الصعيد- الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية والنفسية والسياسية والعلاقات الحميمة لأهل هذه المنطقة ، بلغة سردية شعرية راقية متتبعا الأسرة الظفارية الحاكمة الفعلية للجبل وتسوده، منذ بدايتها وحتى نهايتها، واصفا بدقة الشخوص والأماكن والعلاقات. طارحا الكثير من القيم الإيجابية مثل الشهامة والكرم والمروءة والمواطنة والتأخي بين المسلمين والأقباط وعلاقة سيد الجبل(الشيخ الظفاري الكبير) بالسلطة السياسية الحاكمة التي تقوم على القوة والحق والمحبة معا. ويشير أيضا للمسكوت عنه حيث القوة الغاشمة تتصدر الموقف ويدعم الإرهاب النفسي الموقف من حاكم الجبل للمحكومين وهم الشعب الذي تصدى لهم بالحماية والرعاية ويتجلي هذا في خوف وجبن الرعايا من الإفصاح عن شخصيته القاتل(سلطان الظفاري) ابن الحاكم وولي عهده ـ رغم أن جريمته التي ارتكبها حين قتل وقعت على مرأى ومشهد من الجميع.
ومن بين المسكوت عنه أيضا : ترصد الرواية ( علاقة الحب المحرمة ) بين سيد الجبل (الشيخ محمود) بكل هيبته ووقاره وتدينه وعظمته و(تريزا المسيحية ) والتي قد أسفرت عن هذه العلاقة المحرمة الطفلة ( نعمة ) طفلة الحرام ، التي لم تفصح عنها الرواية مباشرة ،لكنها واضحة بين السطور ومن خلال السرد.
تشير الرواية أيضا لبعض المسكوت عنه في علاقة الأقباط بالمسلمين وبعض عاداتهم وتقاليدهم وموروثاتهم الخاصة من خلال ( درب النصارى ) وتدور كل الأحداث الروائية عبر تداعيات الشيخ وأهله وبقية الشخصيات ما قبل (السيل) وما بعده ، حيث يُعد ( السيل الجارف) أحد أبطال الرواية فهو القدر الذي صنع وتسبب في معظم أحداثها بشكل مباشر أو غير مباشر و ترصد الرواية أيضا بعض مظاهر السحر في المجتمع المسيحي والكنسي وكيف للدجل والشعوذة أهمية في حياة الناس من حيث سعادتهم أو شقائهم وكيف أثرى رجل الدين المسيحي " بشندي " الدجال الأفاق من أفعاله الحرام.
وتختم الرواية مصير كل الشخصيات بأن النهايات جاءت من جنس العمل ، حيث لاقى كل جزاءه بعدالة السماء ، وهي بهذا تدعم الأهداف النبيلة السامية والأخلاق الجميلة والأبعاد التربوية لما يجب أن يكون عليه المجتمع.
ب – رواية درب التيه : رواية واقعية اجتماعية أيضا تعتمد على الجانب السيري والبيئي تدور أحداثها الرئيسة في إحدى قرى محافظة المنوفية بالوجه البحري وتمتد للقاهرة وبعض البلاد الأخرى.
و الرواية تفجر المسكوت عنه من ( الجانب الديني والسياسي ) حيث ترصد على لسان الراوي البطل (الشاب طالب الطب ) علاقته بجماعة الأخوان المسلمين منذ صباه ، وكيف انتمي إليهم ،وتأثر بهم ثم تنصل منهم ،ولماذا تنصل منهم ؟ بعض الأسباب ذاتية شخصية
تفهم من بين السطور ، للقارئ الواعي وهي المسكوت عنه روائيا ، وبعض الأسباب وردت بشكل مباشر عبر سرد وقائع تشويهية لممارساتهم العنيفة والشاذة اللا مقبولة من جهته ، فقام بفضحها والتبرأ منهم ومن سياستهم كلية معلنا ذلك بوضوح وجلاء ، والرواية تعتبر لغما أو قنبلة موقوتة ،حيث يشير إلى الكثير من صفات هذه الجماعة وأساليبهم في التعامل وطرق تفاعلهم مع الأعضاء الجدد والقدامى وعلاقتها بالسياسة وترقي أعضائها، وبعض ما عاصره معهم أو سمع عنه من زملائه .
كما يشير الكاتب إلى المجتمعات الطلابية في كلية الطب والمدينة الجامعية وبعض سلوكياتهم داخلها وتأثير خلفياتهم البيئية على اخلاقهم وسلوكهم ، ويشير لوسائل المواصلات وما يحدث فيها ، وبعض العلاقات الرومانسية في الريف وبعض العادات والتقاليد والشائعات التي قد تقتل أصحابها. كما يشير إلى علاقة السلطة داخل الجامعة بالطلاب وكيف تكون الرشوة مسلكا لدي موظفي الأمن حماة الحرم الجامعي أنفسهم، وكيف يتعامل المشرفين على المدن الجامعية مع الطلاب ..إلخ، وتستمر الأحداث الروائية واقفة بنا على تفاصيل العديد من الشخصيات الطلابية بكليات الطب وغيرها، وبعض سماتهم الشخصية والسلوكية وانخراط البعض في أنشطة سياسية أو دينية أو عاطفية . وتنتهي الرواية برفض البطل رفضا قاطعا لجماعة الإخوان المسلمين والتنصل منهم أو التبرؤ منهم تبرؤا تاما مباشرا وواضحا ، وهي تعكس عبر المواقف رفضه للحكم الديني،وتشجيع الحكم المدني ودعم الحكم العسكري.ولعله يؤكد أن بطل الرواية إنما ينحاز لسياسة الأقوى ، ومن تكون له الغلبة .عبر بعض قناعات خاصة مباشرة وأخرى مسكوت عنها تتبين من خلال النص السردي .
ج- رواية الرقص على الجمر:
تنتمي أيضا للروايات الواقعية الاجتماعية في إطار رومانسي، يمكن أن تنتمي للسيري أيضا لما تتمتع به من واقعية قابلة للتحقق ،وبطلها أيضا هو طبيب مهاجر هجرة مؤقتة للعمل بالريف في الصعيد القاصي ،
والقاسي، بعاداته وتقاليده الصارمة ، يعيش البطل الكثير من التجارب الاجتماعية ولعل أخطرها على الإطلاق تلك التجربة العاطفية اللارومانسية الشديدة الحذر والشديدة الجرأة معا ، حيث ينساق في تجربة شديدة الخطورة مع فتاة صعيدية بمباركة من أمها ورغبة الأم الخفية أيضا في مراودته ضمنيا ، وفي عز الظهر في غيبة هذا المجتمع الصارم وتجاهله ، وحيث تتجاوز تلك العلاقة العفة والطهر إلى علاقة محرمة آثمة تورثه صراع الضمير مع الرغبات والشهوات المكبوتة في فترة من أحرج فترات العمر وهي الشباب بفتوته وعنفوانه وقبل التعفف بالزواج .
يعتمد الكاتب على التصعيد الدرامي عبر هذا الصراع بين الحلال والحرام ، بين الأخلاق الحميدة والوضيعة ، بين التدين والسلوك اللا أخلاقي واللا ديني ، عبر الحوارات المختلفة منها حوار الذات مع الذات للبطل (مونودراما) والحوار مع الآخر المحبوبة وأمها وبعض أطراف أخرى .مما يدخل القارئ في مجموعة من الصراعات النفسية مما يجعل الرواية تنتمي للروايات النفسية والجنسية المهذبة التي تحترم مشاعر القارئ دون أن تثير غرائزه .
وهذه الرواية تبدأ ب "التوهان " توهان شخصية البطل ومع السرد نكتشف عبر تقنية الاسترجاع أو " الفلاش باك " أن هذا الشارد التائه الضال هو طبيب ، كي يثير القارئ ويسأل نفسه : ما الذي أوصله لهذا الحد ؟ حيث يبدو غريبا تائها أشعث أغبر يهيم على وجهه بالشوارع عرضة لعبث وسخرية المارة وجهلهم قدره ولهوهم واستهزائهم به ثم قبض عسكري السلطة عليه ربما بتهمة التسول أو إشال الطريق العام لنكتشف من هويته انه طبيب .
وعبر السرد من النهاية إلى البداية تدور أحداث الرواية لتكشف كيف تكون نهاية الظلم، ظلم الإنسان لنفسه وللآخرين.ونهاية الغدر والخيانات النفسية والانسياق للشيطان الذي أورده موارد التهلكة عبر علاقة رومانسية تطورت إلى علاقة آثمة. فلمن يحسم الصراع ؟
ورواية ( الرقص على الجمر) بلا فصول ،تأتي جرعة واحدة منذ السطر الأول وحتى الأخير، كأنها فصل واحد متصل.، ولا أدري هل يعتبر هذا عيبٌ أم ميزة. .. ؟
إنها رواية الدفقة الواحدة والنفس الطويل الذي يؤكد البعد الذاتي السردي ، والتي تجعل القارئ يلهث بشدة منجذبا من أول سطر لآخر سطر ملتهما إياها دفعة واحدة ربما كما كتبها أديبنا، وأحسب أنه كتبها بحماس الدفقة الواحدة والنفس الطويل ربما في يومين أو ثلاثة على الأكثر بنفس روائي متمكن طويل يحسد عليه. لكن أحسب أنه لو قسمها لفصول لصارت أفضل .
وتنتمي هذه الرواية ل( الأدب الرمزي الجنسي ) فهي ليست رومانسية تماما بل تتجاوزها إلى الممارسات والمشاهد الجنسية في أدق تفاصيلها حتى لحظات الشـوق والشبق والارتواء والنشوة دونما جرح لمشاعر القارئ .
فهو يصف بأدب الرمز ( المسكوت عنه ) إلا قليلا من التلميح والتصريح ببعض إشارات. إنه الأدب الرمزي المثير للتابوهات المحرمة ( تابوة الجنس ) الذي يدخل بالقارئ إلي الدهاليز السرية وغرف النوم وحتى اعتلاء الأسِّرة ويسحب القارئ سحبا لعالمه الخاص جدا جدا عبر العلاقات الحميمة مشدودا ومنجذبا يريد معرفة ماذا بعد ؟ ليصل بالقارئ للمنتهى دون أن يخدش حياءه بكلمة نابية أو لفظ جارح مثير ،أو لغة شهوانية وضيعة ، على الرغم انه يطلق خيال القارئ إلى كل مناطق الإثارة والاشتهاء والمتعة، لكن في إطار من الأدب الرمزي والتهذيب . وتنتسب الرواية للروايات النفسية التي توصل للصراع النفسي ما بين الأنا العليا ( الضمير ) والأنا السفلي ( الـ هي ) وهي مكامن الشهوات ، ليصير شيطان النفسي هو المسيطر مؤديا لسلوك الأنا ( الحاضرة ) أو الواقعية ولكن بتخل عن الضمير والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد والدين إذ يسيطر شيطان الذات باقتدار .متمكنا من الإنسان ليثبت قول الله عز وجل ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ) حيث يأتي الفجور هو الأقرب للذات من التقوى .


إنها رواية مثيرة وصادمة لأنها تفضح المسكوت عنه في منطقة الصعيد الشديدة الخصوصية لما يتميز به من عادات وتقاليد صارمة والتي تستوجب القتل ولا سيما فيما يتعلق بقضايا العرض والشرف، ورغم هذه الصرامة الجبارة لأعراف الصعيد وأهله، إلا أنه لم يخل من جرائم الزنا المحرمة وارتكاب الآثام في غيبة العيون المتلصصة وفي عز النهار شديد الحرارة عندما يهجع الناس في بيوتهم من شمس الهجير اللافحة وحيث تسكت الدنيا لتستيقظ الأشواق والشهوات المكبوتة داخل البيوت وبكل أساليب التحايل على اللقاءات المحرمة، منتحلة إطارات مشروعة ،وبمباركة بعض الأهالي من أولي الأمر، وبغض الطرف عن تعمد وخنوع .
3- و أخيرا فالرواية تجربه عاطفيه نفسيه جنسيه تجربة المسكوت عنه (التابوه الجنسي) معا وسط أجواء خطرة متمثله في: غربه الطبيب،عادات وتقاليد الصعيد،الوضعية الاجتماعية والأدبية، ممارسة الجنس مع البنت العذراء والحرص على بكارتها ...إلخ الظروف المحيطة. وتنتهي الرواية نهاية مأساوية تؤكد أن الله ليس بغافل عن الأنام. . وان الجزاء من جنس العمل.
3- أمثلة لبعض النماذج/ النصوص الروائية للتابوهات المحرمة كما وردت بالروايات :
أ) التابوه الديني:
- " محمود " ينبغي آلا تقرأ إلا ما نرشحه لك. دعنا نبني فكرك ونؤسسه لك بالتدريج الذي نحب أن تكون عليه. ثق في أننا نعمل لمصلحتك وأن لنا خطة ومنهجا في التربية والتأسيس ينبغي ألا تحيد عنه فضلا عن مبدأ السمع والطاعة الذي ينبغي أن تلتزم به ( درب التيه ص 59 ) – على لسان أحد أعضاء جماعة الأخوان المسلمين .
- " يبدو أنهم ودوا لو استقي تعاليم جماعتهم منهم لا من رسائل
" البنا " نبي هذه الجماعة و لا معالم " سيد قطب " أفكاره وشططه ، أطلعت على خبايا وأسرار كثير من رعيلهم الأول،تلاشت الصورة المثالية بالتدريج،لم يكونوا ملائكة تمشي على الأرض،كانوا بشرا خطاءين تتنازعهم الأطماع والأحقاد هكذا أقر ( صلاح شادي ) في مذكراته ( حصاد العمر ) التي قرأتها، ارتعت على الشهداء والمعذبين وقتلهم بدم بارد والتلذذ بخسفهم وسومهم سوء العذاب أي نوع من البشر كان الجلادون وأي نوع من القديسين كان المعذبون الذين تحملوا فوق العذابات البشرية واستقبلوا الموت كما استقبل الأولياء آجالهم ومصائرهم ؟ " درب التيه ـ صـ 61
- (اذكروا تعليمات الإمام حين قال: " أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقوم على أرضكم ".لسنا طلاب دنيا ،نحن نطمح لإعادة الخلافة الإسلامية الراشدة وتطبيق شرع الله ولو كنا خدما أو خفراء على أبواب من يحكمون ،مهمتنا التغيير من القاعدة ،بناء الفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة اللبنة الأولى في المجتمع المسلم. نريد مجتمعا فيه الطبيب المسلم والمهندس المسلم والمعلم المسلم والموظف والصانع والزارع أن يغدو لنا مندوبا في كل محفل ومجال وصنعة ، أن يغدو كل فرد فينا قرآنا يمشي على الأرض، يهتدي الناس بقوله وأفعاله تنطق بمنهاجه، نريد أن تسيطر دعوتنا على القلوب مع العقول،أن نسمع لها ولأميرنا. .. الخ ) درب التيه ـ صـ66
ب) التابوه السياسي:
- " لفت نظري دوسيه به حزمة أوراق مصورة مكتوب عليها (من قتل السادات) ؟،ما هذا يا عم "فتحي " ؟؟
ده كتاب ممنوع من النشر كتبه أحد أصدقاء الإسلامبولي وبلدياته عن ملابسات واقعة قتل الطاغية من وجهة نظر القاتلين، تفاصيل تدبيراتهم و دوافعهم و مبرراتهم بدءاً من فكر محمد عبد السلام فرج مؤلف (الفريضة الغائبة) يعني الجهاد مرورا ً بما حدث مع أبطال الواقعة ولهم اتفاقاً " (درب التيه صـ 52).
- " ولكن لماذا قتل الإخوان "النقراشي" ؟ " درب التيه ص 57
- " لم أمقت إنساناً بعدها مثل مقتي"لعبد الناصر" في سباتي تنتابني كوابيس تجعلني مطارداً من عسكر النظام،أو مشلوحاً كذبيحة بين يدي جلاد،أو تمزق لحمي كلاب شرسة لا ترحم من فصيلة الحيوان سلطتها على جسدي كلاب أدمية احتقنت قلوبها بالجاهلية والقسوة –رباه ما هذا الهوان –في سبيل أي شيء كان كل هذا ؟ وماذا تحقق بعده من انتصارات وإخفاقات أو مجد للإسلام ؟ الجماجم والرفات المدفونة في عمق إستاد القاهرة الذي كان السجن الحربي " .. الخ ) (درب التيه صـ 61 )
- " عندما اشتد التعذيب بالأخوة في سجون ( ناصر ) ودعا بعض إخواننا إلى تكفيره والانتقام منه بعد تمثيلية ( المنشية ) الشهيرة رفض ( الإمام الهضيبي) ذلك رفضا قاطعا واخرج لنا مؤلفه الرائع ( دعاة لا قضاة ) يعني نتسامح ولا نكفر من ظلمنا، فقط نمتلك الفهم الصحيح للدين ( درب التيه صـ 75).
- " غدت الثورة حتمية على مجتمع يضيق بالظلم والفساد ،شعب مطحون قاسى القهر والويلات على مر العصور ،كان الدم المراق على تراب السويـس شرارة نجاحها،فالدم يغلي و يصرخ ويشعل النار في القلوب والأبدان،ثورة قامت على أكتاف الشعب المنهك ليتسلق الانتهازيون أكتافهم وليرتقوا سلمها ويضج المجتمع الذي ما لبث وأن تطهر بالرجس والإرجاف والأباطيل،غدا(الأشموني ) مسئولا كبيرا بوزارة الداخلية. .. الخ ( صـ 235 ـ درب التيه)
جـ) التابوه الجنسي :
- " كانت زوجاته تستجبن لرغبته استسلام الذبيحة لسكين القصاب في طاعة وخجل،يمضين بين يديه واجبا ثقيلا ليس منه مفر،يخضعن له مكرهات وجلات،فيؤدينه في تأفف ونفور ،وكأنهن لا يمارسن حقهن في المتعة والحياة، بل يدفعن ضريبة كونهن نسوة الشيخ المهاب !
أتُراهن قيدتهن التقاليد فصورت لهن الجنس إثما وخطيئة ؟
أم تراه عادة ختانهن القديمة حين بتروا فيهن الإحساس في جور واضح فصرن مجرد فتحات للإيلاج دون متعة أو إثارة جعلت الممارسة وعدمها لديهن سواء، أو ربما هي السبيل الوحيد للنسل والولد وإحكام قيد الزوج من التسلل خارج بيته ؟ "(جرف السيل صـ 59.)
- "كانت ( تريزا) نوعا آخر من النساء لم يجربه، في جسدها فتنة كأنها نار موقدة لا تنطفئ ، في دلال عيونها شبق لرجولته لا يرتوي، وفي أنفاسها وحيرتها أنوثة ناضجة مستبدة أبية مغترة بجمالها الذي يناديه، فيأبى قلبه إلا أن يستجيب للنداء "(جرف السيل صـ 160).
- " حتى صار بيننا ما يصير بين المرأة وزوجها ! الويل للإثم حيث يصبح إدمانا جميلا لا يتمنى المرء البرء منه. القبطية الجميلة وحاكم الجبل سليل قبيلة الشوابرة العربية،هل عقد له إبليس بمكره وخبثه عقد الخطيئة فوطد أركانه ؛ زوج عاجز.....، وهي التي اشتعل أُوارها وكأنها جذوة من لهيب يحن لماء يطفئ غلتها فذاق بئر الحرمان الجاف لديها متعة الارتواء،فنهلت منه بلا حدود،وحيث حملت تريزا لم يدر أحد غيرها ابنة من تكون هذه الطفلة ؟ في الحقيقة أنها ابنة امرأة تقاسمها رجلان".( درب التيه صـ 167.)
- "(مايسة البدوية ) التي كانت لا تتورع عن اجتلاب اللذة والتفنن في اصطناعها وتحقيق غايتها من أي سبيل، لا تعرف الإياء ، كل دروبها متاحة مُرَحِبة، تجيد فنون الجسد والمنح،لا يحركها سوي المتعة والرغبة،لا تتقيد بطريقة،ولا وضع ولا ضوابط، لم يصل مع نادية زوجته إلى جزء مما منحته له مايسة،بينما نادية لا تجيد سوى التمنع والعطاء الشحيح الآنف المتأفف منه ومن الممارسة كلها".(درب التيه صـ 243. )
- " رافقتُ ( هالة ) إلى المطبخ أصررت على معاونتها، قبلاتنا كانت أشد سخونة من الطعام أعلى شعلة نار البوتاجاز، بينما طافت كفاي بأرجائها، أتحسس مواطن الأنوثة في جسدها الشبق الذي يقاوم قليلا ثم يستغرق في الاستسلام، كنت كمن يجوس رياض جنة لم يطأها قبلا إنسان، و تهتز أغصانها نشوى وتظهر ثمراتها ترحيبا بآدم ذلك الوافد الذي سلك طريق الدخول فتفتحت له الأبواب، طال وقوفنا ننهل من معين اللذة،فنادتها أمها ربما قلقا أو رغبة في عدم احتدام الأمر واشتعاله أكثر ! فلبينا
بدا أن فادية تتغاضي عن النار المتأججة في المطبخ،غافلة بينما يفصلنا جدار،ربما تباركها بحدود وكأنها تجتر لذة أنثوية خاصة حرمتها، يستثيرها قربي من هالة. .. الخ " (الرقص على الجمر صـ 42.)
ملحوظة:
في المقطع السابق نلاحظ تابوه الجنس المحرم بين الطبيب وهالة العذراء، فهو فضح المسكوت عنه في عقر دار بيوت الصعيد،و التابوه الآخر المحرم هو كيف تبارك الأم تلك العلاقة بين ابنتها والطبيب متعمدة التغافل، ومنحهم الفرصة. وقد ورد هذا في أكثر من موضع من الرواية وتكشف النصوص وقراءة ما بين السطور عن عدم براءة الأم تماما من شبقها ورغبتها هي الأخرى تجاه الطبيب لكنها وضعت ابنتها في طريقه على مرأى ومباركة ضمنية منها. مما يؤكد ذلك النص التالي عن الأم:
تستعيد شبقا ماضيا كلما ضممت طفلتها أدربها على قواعد العشق الجسدي وكيف تذوب كقالب الحلوى بين الأسنان فتستشعرا
(ألف المثنى) لذة القضم والمضغ والابتلاع،تضجان بالشهوة إحداهما
تعطي وتمنح بحدود قهرية كأنها جارية الرشيد بين يدي أبو نواس، فقط تعني ببكارتها خوفا من سيف مسرور، والأخرى تستمد أوارها منها وكأن قبلاتي تغمرها هي، تضفي على وجنتها الوهج، ينقبض فيها ويتقلص، مما يحدث لابنتها المستثارة ." (الرقص على الجمر ص 42-ـ43)
وفي إشارات أخرى للجنس في الأسطورة في رواية درب التيه يقول فتى البازار يحكي للبطل :
وتأتي الأسطورة أيضا في موضع أخير في الرواية حيث يشير لأسطورة مينوكمب الفرعونية : " إذ يحكي عنها الفتى مينوكمب الذي يعمل في بازار سياحي عن سبب تسميته هذا الاسم للبطل الروائي فيقول :" مينوكمب ده صاحب أسطورة فرعونية قديمة وكان رجل مسن حكيم ، وعندما خرج فرعون بجيشه المؤلف من جميع رجال البلدة ترك النساء في رعايته ، وعندما طالت غيبة الرجال لم تجد النساء غيره لمعاشرتهن، فأنجب من جميع النساء تقريبا الكثير من الصبيان ، وعندما عاد الفرعون من غيبته الطويلة وجد جيلا من الأولاد أنجبتهن النسوة من مينوكمب ، فرح وغضب ، فرح حين وجد ذكورا في مملكته عوضا عمن فقد من الرجال في الحرب ،وانتابه الغضب من خيانة مينوكمب للأمانة فأمر بقطع يد وقدم لمينوكمب ثم نصبه إلها للفحولة والخصوبة له ذكر منتصب" (الرواية –درب التيه -ص222)
- يقول عندما رأى إمرأة تستحم فجرا في الترعة مما أدهشه : " لعلّها كانت إحداهنّ تسلَّلت من تلك الأساطير وحكايات جدَّتى لتمثل أمام أعيننا وكان من حسن حظّنا أنَّنا لم نمعن فيها النظر وإلاَّ كانت سلَّطت علينا شعاعاً نارياً من عينيها المخبوئتين تحت شعرها المنسدل " الرواية ص89-
- وحول الشذوذ الجنسي في مجتمع القرية يقول الراوي/البطل :
يشير لشرب الصبية للسجائر والشذوذ الجنسي وسباب الأطفال "..... لأختلس السجائر وأُجرِّب تدخينها مثلهم , كنت أُهرول بعيداً بينما يجتمعون حول وجبة نجسة خسيسة فى المقابر النائية حول "هندى" الصبىّ الشاذ , لا أجد طريقى مشابهاً لمنحاهم فأأبى مشاركتهم ومجاراة فحشهم وبذاءات لسانهم ولغطهم فى سباب قاذع وشخير مفزع " . " الرواية ص 22
- ويشير لعري الأطفال (وعدم خجلهم من عوراتهم ) وللسرقات بين الأطفال كسلوك عادي وإلى علاقت محرمة بين الصبيان والبنات في الحقول " يصخبون لا يعتريهم خجل أو انكسار يتقافزون عرايا فى ترعة القرية ويسمَرون حول أكواز الذرة التى تُطقطِق تحت نار الراكية .....فيحكى بعضهم إحدى مغامراته مع حبيبة أو جارة أو استراقه قبلة أو لمسة أو أكثر من ذلك مستتراً بين الحقول الكثيفة أو يختفون فى كوخٍ ناءٍ يحتفلون بعشاءٍ فاخر لأوزة أو دجاجة سرقوها من إحدى العشش بعد مغافلة أصحابها " الرواية ص 22
وفي معرض وصفه للمسكوت عنه/ السلوكيات السلبية في مجتمع القرية يتحدث عن عاداتهم في الصيف حيث يجلسون امام أبواب بيوتهم و".......ينهشون فيه الأعراض ويأكلون لحومهم الميّتة وينشبون عيونهم فى المارّة ؛ فيقتحمون خصوصياتهم وعادة القرية حين تلوك الألسنة العِرض والشرف أن تطوف حكاويها شرقاً وغرباً حتى تبلغ الجنين فى بطن أمه . لكنّها تتوقّف فى لحظة ما قُبيل أنْ تطرق صماخ أُذنى صاحب الفضيحة , يعتقد فى قرارة نفسه كلّ من نهش لحم أخيه أنَّ بيته منزَّه وزوجته مُبرّأة من كلّ عيب( أشرف من الشرف ) كما يقولون بالون منفوخٌ من الهواء كفخرهم المزعوم , يتيهون فخراً بما لا يمكن الجزم به وربما كان محلّ شك وريبة وقد يكون فى الواقع تيس مستعار بينما يتسلل البغل الحقيقىّ فى غفلة من الرقيب المتشدِّق تحت جنح الخفوت والترقُّب فيطلق حينها العنان للرغبات الآثمة . فحين يتيه فتيان النزق والفحش الذين غدوا شباباً بحسن اختيارهم زوجاتهن اللواتى هن أشرف من الشرف يكون بعضهم واهماً أو متعمداً الكذب على نفسه فحين خطب "حسنين" "سهير" العمشة ذات الرموش المتآكلة المعمّصة لم يكترث أو تغافل عن كونه كان فى نهاية طابور طويل من العاطلين الذين تمددوا فوق جثمانها ينهشون الليمونتين العجفاوين فى صدرها ويلتهمون الشفتين المتشققتين والوجه المقوَّب الخشِن " ( الرواية ص 33- 43)
وحول نهش الأعراض والغيبة والنميمة أيضا : " مازلت جباناً أخشى تناثر اللغط من حولى , مجتمع ضيّق يردّد صدى الصوت ربما الأنفاس فى أرجائها لا يكتم فيه سرّ ولا يخفى فيه مناجاة.
بعضهم لا يجد (المشّ والبتاو)(15)! لكنّه لم يُحرَم أظفاراً ينهش بها لحم من يُحسِن ومن لا يُحسِن إليه , ولم يعدِم قواطِع وأنياباً يُمزِّق بها عرض أخيه ,ولسان حادّ يلوك به شرف ذويه يزيد فوق النميمة كلمات ويفتعل من محض خياله الأهوال ؛ ليصنع مادة دسمة للتشهير والتندّر المشوب بلكنة تحسُّرٍ كاذبة , كمن ينفخ فى النار ويصنع من الشرر حريقاً هائلاً ثم يعجب كيف اشتدّ الحريق !!الرواية ص132.
."............تقاليد وثوابت أخرى يغلب عليها المواربة والتخفّى ,الانغماس فى الرذيلة فى الخفاء وإطلاق العنان للنزوات تحت أجنحة الستر والظلام ثم التظاهر بكل فضيلة ؟؟ ص 135
" ذلك القروىّ الغِرّ الذى انحدر من بيئةٍ اعتادت أن تدفن مشاعرها فى النهار ؛ لتحييها فى الظلام وراء ستُر الليل وبين أعواد الذرة الطويلة .." ص 136
- أُحطِّم كل قيد أُورِثته من قريتى وتعاليمها المُحبطة المتخلِّفة " الرواية ص 26
- عدم مراعاة البعض لحقوق الجيرة والبلطجة والفحش يشير لأحد نماذج الشخصيات شخصية الجار البلطجي الذي يجلس أمام داره رافعا صوت الكاسيت بأغاني هابطة ومشاكسا خلق الله:" أفرّ بكتاب وسط الحقول هرباً من صخب وضجيج وفُحش جارى (عبد السلام) الأمىّ المتباهى بجهله وكرشه وغطرسته ليس له نصيب من الفتونه سوى الجعجعة وسكنى الطريق جوار منزله "
:" ....يمعن فى تحدّى الجميع حين يطغى صوت الكاسيت على صوت الهاجعين فى عقور دورهم وفى مكامنهم , هو يقتحم السكون والطمأنينة ( واللى عاجبه عاجبه) ص 29- " ........عن أذنيه اللتين اعتادتا سماع الأغانى الشعبية الركيكة ومواويل الموالد التى تقضّ الآذان بصخبها بينما لايجد هو متعته إلاّ فى دويّها المُفزِع الذى يضيق به الجيران دون أنْ يجترئوا على مجابهته لتبجُّحِه وصلَفِه وتماديه فى الغىّ والعناد فلا يكفّ عن الشِجار واختلاق المشاحنات ...." الرواية ص 40
- حول الفضول و تطفل عيون اهل القرية يقول : " يتعثَّر فى خطواته كأنَّ أعيناً ترجمه وكأنَّها إشعاعات تخترقه وتؤذيه .....يبحث لخطاه عن طريق آمِن ينأى فيها عن نظراتهم المقتحِمة المتطفلة ...ود لو ارتدى قناعاً يحجبه عن أبصارهم حين يلتهمونه بحديد عيونهم " الرواية ص39
- " لماذا يريدوننى أنْ أُحيَّى الجميع فينتهكوا خصوصيّتى . فقط أودّ لو أرتاحُ من تداخلهم وعيونهم المنطلقة كالكلاب الجائعة فى كل الطرقات , أجاهد نفسى تقيَّة من شرهم " ص 39-40
-زنا المحصنات في ريف الرواية :
ويشير الكاتب لى زنا بعض الزوجات المحصنات في ريف الرواية ، وتأتي "عايدة " في الرواية تعكس الصورة لبعض الفلاحات اللواتي يرتكبن الفاحشة في الحقول :
مشيراً إلى زنا الزوجات المغافلات لأزواجهن في الحقول ويضرب لنا مثلا بهذه الفلاحة عايدة وربما كانت رمزا ينوب عن أخريات غيرها في مجتمع القرية ، فيقول : " كانت "عايدة" أم مسعود تلك الفلاحة الشابة التى كلما مرّت بى تهدينى التحية تضحك لى بعينيها .........تهتز كلما تجاوزتنى تعمَد لتمايل خصرها ....ربما صدق ما سمعته عنها......وشبقها الدائم للطلبه الذين يطرقون أجوار حقلها النائى فتستقدم أحدهم وسط حقول الذرة لتمنحه من ثمراتها الجافة ........ وانبرت نحو عملها الشاق أوان غياب زوجها الخفير النظامى بالقرية " الرواية ص34
- كما يشير إلى الشذوذ الجنسي بين الذكور (اللواط) بالقرية وارتكاب الزنا وفضح الأسرار :

ومن المعروف عقائديا تحريم وتجريم اللواط "نسبة إلى قوم لوط" وهو من أفعال الشذوذ الجنسي لأنه ضد الفطرة السليمة لذلك نها الله عنه في قرآنه نهيا صريحا ، ولعن قوم لوط لأنهم يأتون الفاحشة ما سبقهم قوم قبلهم من العالمين ، وتوعدهم الله بالعذاب .
ومع ذلك نلاحظ أنه في غيبة التربية السليمة على صحيح الدين تنتشر الشرور والرزائل والآثام وتنتشر أفعال الفحش وتتدنى الأخلاق ، والبشر بطبيعتهم يميلون لما توجههم أهواؤهم في غيبة التربية على صحيح الدين وقيمه وفضائله ، ولما كانت نشأة بطل الرواية طفلا /وصبيا نشأة اجتماعية سليمة قامت على بث القيم والفضائل فيه منذ صغره فقد استهجن الكثير من موبقات القرية ،وانحطاط أخلاق البعض وغيبة الضمير وتراجع التربية السليمة التي تستند لكتاب الله وسنة رسوله (ص) ، إن نشأته السليمة في أسرة تعرف حدود الله دفعته بعيدا عما دون ذلك وصبغته بخجل فطري ، فهو لا يستطيع أن يجاري الآخرين في فحشهم وبذاءاتهم ، إنه طفل نقي السريرة ، وتنطوي نفسه على الأخلاق الحميدة ، فكيف لا وهو حفيد الحاج ابراهيم قاريء القرآن ، والجدة التي تحافظ عليه بحب وحنان ، والأب الذي يراقب من بعيد في صمت وهدوء غير مغيب عن كل ما يمر به ابنه لكنه يترك له مساحة من الحرية الذاتية ولا يخنقه بتعاليم صارمة لكنه يتدخل في الوقت المناسب كما أشارت الرواية لذلك .
ويشير الكاتب إلى بعض أفعال الصبية الشاذة في القرية ممن غابت عنهم التربية السليمة ، هؤلاء من تربوا في الشوارع بين الأقران أكثر من عيشتهم في البيوت خاضعين لرقابة أسرية مثل البطل محمود الذي يفضح مجتمع القرية / الذي يمارس ازدواجيته مما رآه في طفولته أو سمع عنه من هؤلاء الصبية اللاهين في غيبة الدين والأعراف الاجتماعية السليمة فيقول : " مجتمع القرية المتحفِّظ المحتشم الذى ينتشر فيه تلاوط الذكران وسط أعواد الذرة ، وزنا بعض الفاحشات فى موسم الحرّ والحصاد بين قراريط القلقاس ، وهتك ستر الجيرة والقربى حين تسنح الفرصة بعيداً عن أعين الرقباء. يتعالى ويهبط ويتأجج حين يشهد قصة حبٍ صبيانية بريئة فى العلن بينما يغضّ السمع والبصر عن مصمصة الأثداء والمفاخذة فى العشش الخرِبة حين يفرش الظلام جناحه الكثيف فوق البيوت والحقول !!-" كلّ شىء يجب أن يتمّ فى الخفاء يُبيح الفُحش سِراً ويلعن الحب العذرىّ إذا طرقه نور الصباح !! الرواية " ص 129-132

- .".........تقاليد وثوابت أخرى يغلب عليها المواربة والتخفّى ,الانغماس فى الرذيلة فى الخفاء وإطلاق العنان للنزوات تحت أجنحة الستر والظلام ثم التظاهر بكل فضيلة ؟؟ ص 135
- " ذلك القروىّ الغِرّ الذى انحدر من بيئةٍ اعتادت أن تدفن مشاعرها فى النهار ؛ لتحييها فى الظلام وراء ستُر الليل وبين أعواد الذرة الطويلة .." ص 136
وأخيرا فإن مجمل الروايات ثري بالنصوص الدالة على عدة مضامين ويزخر المحتوي بما لا يتسع المقام هنا بالإحاطة به جميعا. .. ونأمل أن نوفي الكاتب القدير حقه في دراسات أخرى. ----- تم بحمد الله


د أميمة منير جادو
استاذ باحث اكاديمي
كاتبة روائية –ناقدة
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف