الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحموم -فصل من رواية 13 ش الملاح - بقلم:د. أميمة منير جادو

تاريخ النشر : 2020-03-15
الحموم -فصل من رواية 13 ش الملاح - بقلم:د. أميمة منير جادو
الحموم - فصل في رواية 13 ش الملاح
بقلم
د أميمة منير جادو

والشتاء رجل عجوز في الغابرين ، يمطرني دوما بحكاياته التي تدفيء روحي ووجداني على منقد الذكريات المشتعلة دوما بالحنين لبيتنا القديم .
ويحل الشتاء ، ببرودته ودفء بيتنا باللمة الحلوة .
ويحل الشتاء ويهطل مطر الذاكرة غزيرا يغسلني من أدران حاضر قاتم ويردني لبراءة طفولة عذبة لا تبرحني ن بكل شقاواتها، وتفاصيلها.
يطل علي وجه أمي البض الجميل مثل فاتنات السينما ، كشادية بعذوبة صوتها حين تغني أو نعيمة عاكف بخفة ظلها وحيويتها حين تلاعبنا .
وتهطل أمطار الذاكرة فأسبح في تفاصيل البراءة والفرح العفوي الأول ، هاهي أمي في يوم الجمعة ، يوم له أكثر من برنامج موزع على ساعات النهار وانتهاء بحمومنا مساء ، وتجهيز زي مدرستنا المكوي النظيف وكان ثلاثتنا بالابتدائي في هذا الزمن قبل أن نرزق بطفلتين بعدنا أنا وإيمان وأيمن ، أنا بالصف الخامس وإيمان بالثالث وأيمن بالأول ، أنا وإيمان في مدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية للبنات وأيمن بالمدرسة الجديدة للبنين.
وزي ثلاثتنا هو القماش القطني التيل الكاكي المدعو ب "تيل نادية".واليوم الدراسي هو اليوم الكامل من السبت للخميس.
وفي ليلة الجمعة تجهزنا أمي للمدرسة حيث حمومنا الأسبوعي بالشتاء ،تجهز لوازمه وتعد غرفة النوم الواسعة لهذا الحدث الموشوم بالذاكرة.
مازال مطر الذاكرة يمدني بتفاصيل ذاك اليوم البعيد منذ ما يقرب من نصف قرن ويعيد تفاصيل الصورة كاملة بمرحها ولهوها وبؤسها الممتع حين نصرخ أحيانا من سخونة الماء ، أو من دعك أمي بالليفة الخشنة على ظهورنا وأيدينا إمعانا في تنظيفنا حد السلخ والألم وهي تردد :" لازم تتمرشوا كويس " أو "هامرشكم "، أو من جذبة يدها بقوة وهي تسرح لنا شعرنا وتسلك خصلاته حتى تنساب بين يديها فتشكل منه ضفائرنا الطويلة ، أو من قبضة يدها على منديل الرأس كقماط فوق جبهتنا ، حتى لا يفلت من فوقها ويبعثر شعورنا أثناء النوم.أو من دعك اقدامنا بالحجر الخشن ثم الناعم حتى يظل كعب القدم نظيف وناعم وهو أكثر ما يتعرض له الجسم من تراب،
كان لكل شيء طقسه الجميل الممتع والمعذب معا.
يهطل مطر الذاكرة ببخار يتصاعد من الدست النحاسي بالماء الشديد السخونة يعلو وابور الجاز(موقد الكيروسين) ،بجوار طشت نحاس واسع أحمر يتوسطه مقعد خشبي صغير أجلس عليه أنا وأخوتي كل في دوره ، ويبدأ الدور عادة بي لأني الكبرى ثم إيمان فأيمن ، على التوالي .
تحضن أمي الطشت بين فخذيها وساقيها المشلحتين البضتين البيضاوين غالبا لحرية الحركة وعن يمينها صفيحة الماء البارد الذي تأخذ بعضه وتخلطه ببعض الماء الساخن من الدست النحاسي المستمر في سخونته وربما حد الغليان وتصاعد الأبخرة لتدفئة الغرفة الواسعة جدا ، وبجوارها إناء نحاسي آخر تخلط فيه الساخن بالبارد فتنجزه للدرجة التي تطيقها جلودنا البيضاء الناعمة الرقيقة ، وكانت تميل لتسخينه حتى نصرخ ويظل أحدنا يردد باكيا : " لاء سخن ياماما ، سخن سخن ، برديه شوية " فترد بصرامة وهي تجسه بيديها البضتين الغليظتين من كثرة شغل البيت : " سخن فين ده ؟ هو كده عشان تنظفوا ، استحمل شوية ".
لعلها كانت لا تدري أن ما يحتمله جلدها الأكثر سمكا منا لا يحتمله جلدنا الناعم الرقيق نحن البراعم الغضة .
تجلسنا أمي على المقعد الخشبي وسط الطشت النحاسي ، وتهيىء جلوسنا بوضع معين حتى لا نبرد ، فهي تبدأ بغسيل الرأس بعيدا عن الجسم وهذا يستلزم دفع رأس أحدنا للأمام قرب صدرها وقد تسنده عليه بين الحين والآخر مع خفضه عن الجسم حتى عندما تصب الماء على الرأس لا يتساقط على الجسم كله فنبرد ، لذا كانت تحاذر وتتشدد في تعاليمها وطقوسها المقدسة ، الرأس أولا بحذر وقوة تغسلها مرتين بالصابون "الريحة" المعطر ، وتجففها ثم تنهال دعكا على أجزاء الجسد ، تدفع بيمينها بعض الماء بالكوز شيئا فشيئا ترطب جسد أحدنا ممن يدركه الدور ، وتظل تدعك بالليفة والصابونة المعطرة أجزاء الجسد جزءا جزءا ، وتبدأ من اليد اليمنى والذراع حتى الكتف الأيمن ثم اليد اليسرى بنفس الطريقة ثم الصدر فالبطن فالفخذين والساقين والظهر ، حتى تنتهي من دعكها ولا تبالي بصراخنا الطفولي ، وتشطفه بالماء ثم تعاود التنظيف مرة أخرى وهي تردد ، مرة نزل العرق والوسخ ، ومرة تبقى ريحتنا حلوة ونظيفة ، لما حد يقرب منكم ويشمكم يقول : الله ، الله ، مش يقول إيه القرف ده ؟ واحيانا ترش الماء بسكبه بسرعة وهي تداعبنا : والكوز ده يناااازل العرق ، هييه ، وكمان ده يناااازل القرف ، وده عشان نبقى حلوين ، وقد تزغزغنا وتقول : ياللا بسرعة بسرعة عشان ما نبردش ،،زغززووغ وألا نغنوووغ ؟؟
هاهي انتهت من حموم أينا وجاء وقت الخروج من الطشت وهو له قواعده أيضا ، يقف أحدنا معتليا الكرسي الخشب الصغير بوسط الطشت وقد كان طيلة الوقت بين الجلوس والتدوير والانحناء والاعتدال ثم هاهو يقف عليه ليخرج من ماء الحموم الغير نظيف ، فتسكب أمي كوز ماء نظيف على قدميه تشطفهما ، ويعبر حافة الطشت إلى فوطة نظيفة على الأرض يدوس عليها بقدميه قد أعددتها مسبقا ليخرج عليها حتى لا يخرج على بلاط الغرفة المبلل والبارد ، وهنا تستقبله في فوطة كبيرة أو بشكير قطن أو جلابية كستور نظيفة بحسب ما يتوافر ، وتجففه دعكا أيضا ، ثم تتركه ملفوفا بها وقد قذفت به على السرير خلفها تحت اللحاف القطني ، وتعود لتفرغ ماتيسر من ماء الطشت إثر الحموم لتستقبل التالي منا ممن عليه الدور حتى تنتهي.
بغرفتنا سريران كبيران ودولاب كبير واسع وكنبة بلدي بسحارة من الزان ومنضدة أنتيكة طقطوقة برخامة تضع عليها الشمع والكبريت للزوم عند انقطاع الكهرباء ، بينما لمبة الجاز نمرة خمسة معلقة على الحائط بعيدا عن السرير مابين التسريحة والدولاب ، وبعض أدوات أخرى من لوازمنا كشماعة الملابس العالية وربما بعض حقائبنا وكتبنا وألعابنا.
انتهت أمي من حمومنا وصار ثلاثتنا تحت اللحاف ، قد ينام أحدنا قبل ان يرتدي ملابسه مستنعما بالنظافة والرائحة العطرة أو ربما أصابه بعض دوار من احتراق جزء من أكسجين الغرفة ليحل محله أول وثاني اكسيد الكربون ، وبه نسبة من السموم من المؤكد انها تنتشر بالغرفة لا تعرف عنها أمي شيئا التي تخرجت من الإعدادية أو ما يقابلها في الخامسة عشر حين سننوها وزوجوها لأبي ليستروها ويفرحوا بها وبعيالها .
تمطر الذاكرة صورا لا تبرحني ابدا ، تمنحني رحيقا من اكسير الحياة أقاوم به بؤس حاضر لا أحيا فيه إلا بجسد معذب يئن كثيرا تحت المرض والأوجاع وابر المسكنات ومراهمها .
هاهي أمي الشابة الجميلة مثل الملكات ، تلبسنا ملابسنا بعدما جفت أجسادنا تماما ، وهدأنا في سريرنا الدافيء بمحبتنا ،وغالبا في الشتاء تثقل ملابسنا فتلبس الواحد فينا "فانلتين" بطقوس خاصة أيضا ، فإحداهما تكون فتحة صدرها الغويط من الطوق للأمام ، والثانية تعكس طوقها (فتحة الصدر) للخلف وبذلك تطمئن إلى تدفئة الصدر والظهر بنفس الدرجة حتى لا نبرد ، وتفعل هذا بعد أن ترش جسد أينا بالبودرة المعطرة خمس خمسات الشهيرة في ذلك الوقت حجبا لرائحة العرق المؤكد بعد ذهاب وإياب من المدرسة ولعب وخروج بالشارع وعفاره لأسبوع حتى الجمعة التالية ، وما بين الجمعتين تعلمنا كيف نتشطف وتمسح أجسادنا قبل النوم بفوطة دافئة مبللة ، وغسيل الأقدام قبل النوم عملية حتمية لا يمكن التخلف عنها.
بعدما نلبس يأتي الدور على تسليك الشعر وتصفيفه لأنها كانت تربي لنا ضفائرنا ، وما أدراك ما يحدث لتلك الضفائر منذ تضفرها جذبا من رؤووسنا وليا لأعناقنا للخلف صامدين ، كانت عملية "تضفير شعورنا" أو جدل جدائلنا هي مرحلة تعذيب متجددة يوميا بعد الحموم وكل صباح قبل المدرسة .
تأخذني ماما بحضنها ظهري لها ورأسي مطوحة للخلف لأقصى درجة حتى تكون الجديلة (الضفيرة) مضبوطة تماما وسط الرأس ومرتفعة وحلوة الشكل ، تزينها بالشريط الحريري الأحمر المميز لمدرستنا والمكوي غالبا على زجاجة لمبة الجاز وقد لفته أمي طوال الليل ليكون مفرودا جميلا ، لتربطه" فيونكة " في نهاية الضفيرة وآخر في أعلاها أتباهى به بين زميلات المدرسة الابتدائية .
بعد الحموم لابد من قص أظافرنا ، ومتابعتها باستمرار ، وكذلك في المدرسة كانت أبلة الحكيمة الصحية تتابع نظافة زينا المدرسي ، وأظافرنا المقصوصة ،وإذا وجدت أحدانا طويلة الأظافر عاقبتها وأمرت بقصها فورا ، وتعلمنا مثل ماما ، أن نظافة الأظافر من الإيمان والدين.
ولا تكتفي ماما بتنظيفنا وحمومنا ، بل تتجاوز ذلك إلى وقاية شعرنا الطويل مما قد يصيبه من القمل وحشرات الدرس بحكم المخالطة بزميلاتنا في المدرسة ، ولهذه قصة أخرى وطقوس أخرى .نحكيها مرة أخرى وقد اثقلت عليكم.
مع ذكرى قديمة جدا جديدة جدااااا .
أميمة منير جادو
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف