الأخبار
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كأسان بقلم:هاله هشام الشويكي

تاريخ النشر : 2020-03-15
في ليلة من ليال الشتاء الماطرة كانَ يجلسُ على إحدى مقاعدِ المقهى، في آخرِ دوامةٍ لشارعِ بيته، يحدثُ نفسهُ انه باقٍ ، ولو كلفهُ المكوث هنا دَهراً، يدوسُ نفسه بالكدرِ المستيقظ بأعين المارة، يلمحُ عصائفَ الدهر التي لفحت سعادتهم.
يطلب ُ أكواب قهوةٍ خاليَّة السكر؛ فلقد إعتاد المرارة أكثر مما ينبغي
وكالعادة سؤال النادل:
_كأسان! في انتظار احدهم!
بدت ملامح الارتباك على وجهه، تدارك نفسه بكذبة الإستناد وقال
_ هو آتٍ، اليوم غداً بعدَ الغد بعد الّلاعد لكنه ُ سيأتي!
فيتركته وقد أسقط من فمه
_"أصابَ بالجنون"

_لكنني ما فقدت قدرتي على الانتظار، ما زلت متسمكاً بطيف يداه في لقاءهِ الازليّ - لم يكن الوداع - هو وعدني بهذا!
_سيدي! هل تسمعني!
_اواه
_بإذنِ حضرتك
_أخطُ العتبات، انفضُ غبار الغيمة المحاطةِ بي
وتقلبني الندباتُ ذات اليمين وذات الشمال..
تُعاد كَرة سؤال ذاك النادل "كأسان" !
ارددها مرة أخرى، ارجع بقلبي للوراء أقف مجدداً اتفقد ملامحي

ثم أُجيب أصوات الذاكرة التي بدأت بتهميش واقعي..
_نعم كأسان، لقد كان هنا، قبل البارحة التقيت بهِ، أخبرني أنه راحلٌ لأجل العمل فطفله الصغير يتضور جوعاً، والدته على فراش الموت، تفقد زقاق المدينة كُلها لكنه قرر الرحيل بعدما جائني طالباً اقراضه خمسة وتسعون درهماً ، لكني لا أملك إلا ثمن كأسان من القهوة، لم يودعني أخبرني أنه سيعود لنجلس ونرمي بأوراق القتل على طاولة الفقر ونضع مكعبات من السعادة لنكسر مرارة الانتظار ..
لكنه لم يفي ورحل إلى الأبد، ثقلت عليه هذه الأيام فطرحته بين أمواج التيه فقيداً ما عُرف عنه إلا أنه فَر هارباً وما وصل..
وما ايقظ هواجسه التي كادت تقتله إلا صوت رجلٌ مسن يسأله بخوف
_ بُني، أأنت بخير!

أكمل المسير غير آبهٍ له

تتلقفه أعمدة الإنارة تخبره أنها غير قابلةٍ للبقاء أيضاً وهو يهذي بصوت منكسر :

_ لا تستطيع الرحيل تاركاً قلبي للانطفاء أليس كذلك يا صاحبي !

ثم التفت مودعاً يدندن بجنون ، وقد ابتلت روحه أيضاً :
_كأسان كأسان !
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف