الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

هل نرانا؟ بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-03-11
هل نرانا؟ بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
هل نرانا ؟
عادل بن مليح الأنصاري


(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)

تكلم علماء التفسير وبعض الصحابة أيضا في استخدام ربنا عز وجل لكلمة (كنتم) وهي تعني الماضي , وربما كان أهم تفسير لها أنها تعني المهاجرون الأولون الذين خرجوا مع رسول الله في بدايات الدعوة ومنهم أصحابه رضي الله عنهم , وكذلك قيل أنكم "كنتم خير الأمم التي خلقها الله , من الأمم التي خلقها الله تعالى , ويقال أنها سبعين أمة , وكذلك ربطها بعضهم بالشرط في الآية "تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" , وقيل خير أمة استجابت للدعوة .
ولعل بعضهم ذكر ما يمكن أن يقال أنها للماضي , قال أبو جعفر: فإن سأل سائل فقال: وكيف قيل: " كنتم خير أمة ". وقد زعمتَ أن تأويل الآية : أنّ هذه الأمة خيرُ الأمم التي مضت، وإنما يقال: " كنتم خير أمة "، لقوم كانوا خيارًا فتغيَّروا عما كانوا عليه؟

ومها كان تفسير الآية إلا أننا نطرح ملاحظة على مدلولاتها , فهي اشترطت على "خير أمة" وتعظيمها بالانتساب لأمة المصطفى عليه الصلاة والسلام بشرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبالتالي نستنتج أنه بغياب ذلك الشرط ينتهي ذلك الانتساب لأمة محمد عليه الصلاة والسلام , ومن المؤكد أن الخوض في ماهية ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يفتح بابا لن يغلق في تعريفه ووضع قوانينه وحدوده ومن يقوم به , وما هي الصفات التي تتوفر في من يقوم بها , وما هي درجاتها , وأين حدود تنفيذها بين السلطة والأفراد , وكيف يعرف كل إنسان حدوده في التعاطي معها , إلى أخره من تلك الإشكاليات , ومدى تقبل المجتمعات الإسلامية لتنفيذ هذه الشعيرة حسب اختلاف البيئات والخلفيات الثقافية والتاريخية والحضارية لكل مجتمع مسلم , ثم كيف يتم الاتفاق على حدود المعروف والمنكر في كل بلد ومجتمع حسب تلك الاختلافات السابقة , وكيف يمكن تقبل أن بعض الممارسات في بلد قد تبدو معروفا وفي أخر منكرا , أو في بلد قد يبدوا المنكر معروفا وهكذا .
وقد يرى البعض أن الأمر يجب أن يناط بالسلطة القانونية في كل بلد حسب قوانينها وأعرافها , وأن يمتنع الأفراد من التدخل في تصرفات الآخرين سواء مارسوا المنكر أو المعروف درءً للمشاكل والمشاحنات وربما الاقتتال , ولكن لا يخفى علينا أن ذلك يتطلب نظاما قويا وربما قاسيا ليطوع الجميع تحت أنظمته , وهذا لا يجعلنا نغض الطرف عن الكم الهائل من المشاكل والتوترات التي قد تصل لإشعال الفتن والتعديات في حال ترك مواجهة المنكر وفرض المعروف من قبل الأفراد دون ضبط , أو وضعها في يد من هم ليس أهلا لها , أو عدم تأهيلهم بكل العلوم والسبل والطرق التي تضمن تعاملهم مع تلك الأمور بمهنية وخُلق ورقي وحصافة .

والآن فلنترك تلك المثاليات والطرح الخيالي , ولو أننا نتفق بالرغم من عدم واقعية تلك الأطروحة أنها شعيرة عقائدية إسلامية ثابتة وراسخة في نظام المجتمع المسلم , وتركها بشكل كامل وفي كل بقاع العالم الإسلامي فهي ليست بأهم من الصلاة التي قد لا نبالغ في القول أنها أصبحت شعيرة قليلة الممارسة وهي الركن الثاني من أركان الإسلام , بل أن كثير من العلماء ربط الكفر بتركها , ولكن تقبل ( ربما بعض ) الناس في كثير من بقاع العالم المسلم على ترك هذا الركن المهم دون أن يتحرك ضميرهم ولو قيد شعره , فمن باب أولى أن تُترك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ومن المهم أن نأخذ بعين الاعتبار تغير الزمان وأحوال الناس , فالتطرف والتطرف المضاد والعنف وأمراض العصر النفسية ومحاولات أعداء الدين وخططهم في لإضعاف الروح الإيمانية رغبة في بلوغ أهدافهم في هدم الأديان كلها ولا سيما الإسلام , قد ساهم في خوف البعض ممن لديهم التوجه لممارسة تلك الشعيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , عن وضع انفسهم في صدام عنيف مع الغير , وحتى مع الأنظمة الحاكمة , فالإنسان العصري يكفيه ما يعانيه من مشاكل اقتصادية وأسرية ونفسية , وخوف من الغد والحروب والأوبئة وتخطيط الأعداء وعزوف الأصدقاء , وتقوقع المجتمعات وحتى الأسر خوفا من كل مشاكل العصر التي تنوعت وتضخمت وتعددت وطغت حتى على هدوء النفس وخلقت عدائية من الجميع نحو الجميع .

ربما لو زُرعت مكارم الأخلاق عن طريق العلم ودور التعلم وغرس الأسرة لتلك الأخلاقيات في نفوس الأطفال وتعويدهم عليها بالقول والعمل والممارسة , لما احتاجت الشعوب لممارسة المنكرات على الأقل في العلن لتحتاج من يتصدى لها , ولما احتاجت للأمر بالمعروف لأنه سلوك مُمَارس لا يحتاج لتوجيه ,

ولكن هل نقوى حقا على النظر لواقع الأمة الإسلامية اليوم دون أن تنفطر قلوبنا لحالنا وما وصلنا إليه , هل يمكن أن نضع المجتمعات الإسلامية في ميزان الإسلام ونرى ماذا بقي من خير أمة أخرجت للناس , وليت الأمر اقتصر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولكنه تعداه لما لا يمكن حصره من الآثام والموبقات والمنكرات , وحتى الفواحش والكبائر التي ربما تجاوزنا فيها حتى الأمم الكافرة , هل نبالغ , نتمنى ذلك , ربما ساهمت الثورة الإعلامية بكافة مجالاتها من نشر الوجه المشوه للمجتمع المسلم , وهذا لا يمنع من وجود صور مشرقة أيضا تطالعنا بين الفينة والفينة , وربما مازال الأمل باقيا في أمة محمد حتى تقوم الساعة , ولكن الواقع اليوم يبرز الوجه القبيح الذي يخالف كوننا خير أمة أخرجت للناس , ما هو مقياس أخلاقنا , وعلاقاتنا بالقريب قبل البعيد , ما هو إحساسنا بما يدمي قلوب إخوتنا في كل شبر من الأرض , ماذا حركت فينا مظالم أعداؤنا الذين أرهقوا اخوتنا قتلا وتشريدا وحرقا وذبحا وهدما حتى لمساجدهم , ماذا قدمنا لهم كونهم شركاء في خير أمة , بل حتى أننا انقلبنا على بعضنا , وأصبح القاتل منا وبيننا ومن ذريتنا , وتجاوزنا الحد في الغلو والفجور وصرنا أقسى علينا من أعدائنا .

ماذا بقيَ منّا في ميزان خير أمة ؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف