الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الغازي (كرونا) بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-03-09
الغازي (كرونا) بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
الغازي (كرونا)
لعادل بن مليح الأنصاري

من عالمه المتناهي في الصغر وحتى العالم الكبير , أتى الغازي كرونا بما لم يأت به الأوائل , صغر أمامه تيمور لنك , وجنكيز خان , وقورش الكبير , والأسكندر الأكبر , وتيمور لنك , أتيلا , و وهتلر , ونابليون , و غيرهم من كبار الغزاة والفاتحين عبر التاريخ .
لقد شبهنا كرونا في مقال سابق بأنه (جنرالا) عسكريا تسبب في هزيمة أقوى جيوش العالم (الصين) , ولكنه اليوم نشبهه (بالغازي) الذي لم يكتف بهزيمة جيش وشعب في عقر داره , بل حمل لواء الغزو الكوني وبدأ بمهاجمة دول العالم دولة دولة وينشر الرعب والخوف والتأهب من قدومه المرعب .
نكاد نجزم أن الغازي كرونا هو الوحيد عبر التاريخ الذي امتدت جيوشه لكل شبر من الأرض , وحتى الغزاة الصغار في الحجم مثله كإنفلونزا الخنازير أو أيبولا أو زيكا أو الطاعون أو الجدري , وغيرها كانت محدودة الفتوحات نسبيا مقارنة بالغازي كرونا الذي غرس رايات فتحه على كل دول العالم تقريبا , ربما تامشيا مع عولمة العالم واستهتارا منه بما يعتقده الإنسان من كون العالم أصبح قرية صغيرة , فأبى الغازي كرونا إلا أن يثبت للبشرية حقا مدى صغر العالم , بحيث أنه استطاع اجتياحه خلال أشهر قليلة من ظهوره , بل تمادى في إذلال البشرية فها هو ينتشر كل يوم ويهزمهم ويزرع الرعب في قلوبهم في كل شبر من هذه الأرض , أصبح العالم متخبطا بين الوقاية منه وبين القضاء عليه والحد من فتوحاته المميتة , وتقوقعت كل دولة داخل حدودها ومنعت القدوم والذهاب وهيئت المصحات والمحاجر الصحية , وجندت وسائل إعلامها لمواجهته بكل السبل الممكنة .
ربما تكون هذه بدايات لحرب مريرة ومميتة ومقيتة مع هذا الغازي الصغير , وربما سيتم قريبا القضاء عليه ومعرفة سر مقتله ومكمن هزيمته الساحقة , فلن يكون أدهى أو أقوى ممن سبقه من غزاة الجراثيم والأوبئة عبر التاريخ , ولكن هل يتجرأ الخيال أن يصل لدرجة وضع سيناريو رهيب بانتصاره والقضاء على البشرية ؟
هل لدى البشرية موثقا من الله بالخلود وعدم انتهائهم لمجرد هجوم غريب من جنود لا يمكن رؤيتهم أو توقع مكامن ضرباتهم وطريقة تسللهم لجسد الإنسان ؟
هل هناك حتميات لانتصار الإنسان عبر التاريخ على أي هجوم بيلوجي أو بيئي أو حتى عبث تكنولوجي ينطلق من مكان ما عبر العالم ؟
هل لدى البشر كتاب يقرأون فيه أن لهم الغلبة والخلود على كل مخلوقات الله التي نعرفها والتي لا نعرفها ؟

التاريخ كتاب مقفول ينتهي حيث تنتهي قراءتنا لها ساعة بساعة , ونحن نجهل ما كُتب في الصفحة التالية حتى يأتي وقتها ونعيشها في وقتها ,
فمن يضمن لنا ان صفحات التاريخ التالية وفي الغد القريب لا تتضمن انتصار الغازي كرونا على البشر ؟
ليس لدينا إلا الأمل الكبير بانتصار البشرية لما تمتلكه من قدرة علمية وتخطيط وتجارب في حروب البقاء ضد كوارث الطبيعة كافة , وهذه الميزة لم يكتسبها الإنسان بذكائه الفطري وحضوته الخاصة , ولكنا نواميس الله في الخلق وتفضيله للبشر على سائر المخلوقات , فهو القائل في محكم كتابه الكريم : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) , ومن حسن التقويم حسن التدبير والتفكير والتعقل , ولذلك أثبت الإنسان عبر تاريخه قدرته على هزيمة كل تلك المحن من أوبئة وتقلبات بيئة وقسوة التضاريس والطقس , فالإسكيمو الذين يعيشون في درجة حرارة ربما تحت أل 60 مئوية هم من نفس البشر الذين يعيشون في محافظة نيسان العراقية مثلا والتي سجلت درجات حرارة قياسية بلغت 55.6 درجة مئوية , وهو نفس الإنسان الذي يعيش في المناطق البركانية أو الزلزالية أو في الغابات وعلى ضفاف الأنهار أو المناطق الجبلية أو السواحل البحرية , غيرها من المناطق المتنوعة البيئة والتضاريس عبر العالم , فالبشر خلقوا لتحمل كافة تلك الاختلافات البيئية وتكيفوا على العيش بها ومعها لأن الخالق خلقهم لذلك , فهم معرضون لتلك التقلبات والمخاطر ومنحوا القدرة على مواجهتها والتكيف معها , أوليس الله تعالى هو القائل :
) لقد خلقنا الإنسان في كبد ).
ولكن الملاحظ أن تلك الجيوش الصغير من أوبئة وغيرها تتطور طرديا مع البشر , ففي الماضي كما قلنا تلك المراض والأوبئة كانت مناطقية أو محدودة الانتشار , ومع عولمة العالم وتقزمه أخذت تلك الأوبئة نفس الصفات والتطورات , فانتشارها في السنوات الأخيرة لم تعد تقتصر على إقليم أو بلد أو منطقة محددة بل أصبحت بلا حدود ولا تعترف بها , ربما يُعزى ذلك لسهولة الانتقال والتواصل بين البشر في السنوات الخيرة مما مكنها من الانتقال بنفس الوتيرة .

هنا يجب على البشر الأخذ بعين الاعتبار أن تطوره وقدرته على القفز الحضاري السريع سيواكبه تطور مماثل لأعدائه الذين لا يراهم ولكنهم شركاء له على الأرض منذ الخليقة الأولى , وليس أدل من ذلك اجتياح الغازي كرونا لهم عبر وقت قصير وفي كل شبر من الأرض , وهذا خلافا لأجداده من غزاة الأوبئة , لذلك ربما اثبت أعداؤنا من تلك المخلوقات الحقيرة التي لا نراها أنهم هم منافسونا على هذه الأرض أكثر من غيرهم من حيوانات أو زلازل أو براكين وغيرها من هجمات الطبيعة , فهم دون غيرهم يتسللون إلى أبداننا ولا نشعر بهم إلا بعد غزوهم لتلك الأبدان ثم نبدأ بالصراخ والبحث عن المسببات والعلاج .

هي حرب مكتملة الأركان , خضناها ونخوضها عبر التاريخ كما عددنا ضحاياها في مقال سابق , وسنخوضها مستقبلا كما نخوض حاليا معركة كرونا , ومن المؤكد مستقبلا سيظهر علينا غازيا جديدا ويضرب ضربته , والتي يعلم الله وحده نتائجها وخسائرها , وهل يتألم اعداؤنا لضحاياهم كما نتألم نحن ؟

ثم والأهم هل سيأتي علينا يوم نعلن هزيمتنا أمام جرثومة ما , ويستطيع ذلك العدو الذي لا يرى أن يمحي أثرنا من على وجه الأرض , وهل تستطيع علومنا وتكنولوجيتنا أن تصنع سدا منيعا بيننا وبين تلك المخلوقات التي نحتقرها ونستصغرها ؟

لا شك أن المستقبل مجهول وهو بيد الله تعالى , ولكن الأثر السيئ الذي يلحقه الإنسان بالبيئة ومناخ الأرض ونفايات الصناعات التي تساهم في خلق أجيال فتاكة من نسل تلك الأوبئة التي سبق وفتكت بالبشر , هي أسوأ قراءة للمستقبل البشري , وربما تسبب البشر في جلب النهاية الحتمية بتضافر النتائج بين تلك التجاوزات وبين تطور العدو اللدود التاريخي لهم وهي الأوبئة , ولكن هذه ليست حتمية تاريخية ومن باب التمسك بالأمل المشرق ربما تستطيع البشرية من التغلب على كل تلك الهفوات وتتغلب على حماقتها وتصنع بالعلم الذي تمتلكه وتطوره غدا أجمل .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف