الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قطرة الاتفاق التركي الليبي التي أفاضت كأس التوتر في العلاقات الإسرائيلية التركية

تاريخ النشر : 2020-03-03
قطرة الاتفاق التركي الليبي التي أفاضت كأس التوتر في العلاقات الإسرائيلية التركية
بقلم:صلاح الدين عواودة

مقدمة

تسعى هذه الدراسة إلى الوقوف على الأسباب الظاهرة والخفية، لاعتبار تركيا في تقدير شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" لعام 2020، أحد التهديدات التي تواجه الأمن القومي الإسرائيلي. وبحثت الدراسة في الخلفية التاريخية، والمصالح المتنوعة، المؤثرة إيجابًا وسلبًا، سواء كانت مصالح أمنية، أو سياسية، أو اقتصادية، وطنية، أو قومية، أو حزبية، أو حتى شخصية. وتناقش الدراسة كيف تستمر العلاقات بين الدول في مجال ما، بينما تتراجع إلى أدنى مستوى في مجالات أخرى، حيث لم يعد مستهجنا في العالم الحديث، وفي تشابك العلاقات الدولية، والتحالفات والعداوات، وجود طرفين أو أكثر في العالم، هم أعداء في مجالٍ ما، ومتعاونون، أو حلفاء، أو ربما أصدقاء، في مجالٍ آخر، وهو ما يعني أن عصر العداوات المطلقة، والتحالفات المطلقة، ينتهي ويتلاشى، فلا تكاد توجد دولتان في العالم، إلا ويجمع بينهما مصلحة مشتركة، ولو مؤقتة، مما يحتم عليهما التنسيق والتعاون فيما بينهما، وإن كان على مستوى منخفض. وفي المقابل، ربما يتصارعان في ملف آخر. 

وفي الحالة الإسرائيلية التركية، نشأت العلاقة بينهما، وتطورت إيجابًا وسلبًا، وفق عدة مؤثرات داخلية وخارجية، ومصالح البلدين، ورؤية قيادة كل منهما.

ولكن المهم، هو معرفة هذه المؤثرات جيدًا، لفهم حجم تأثيرها في المستقبل، خاصة على صانع القرار في الطرفين، ولفهم الأحداث وتفسيرها، ومحاولة التنبؤ بمستقبل العلاقة بينهما.

مراحل تاريخية من العلاقة بين "إسرائيل" وتركيا 

الاعتراف بـ "إسرائيل" 

بدأت العلاقات بين الدولتين باعتراف الجمهورية التركية بدولة "إسرائيل" عام 1949، رغم أن تركيا كانت قد عارضت قرار تقسيم فلسطين عام 1947، والسبب في هذا التحول، هو رغبة القيادة التركية آنذاك، في بناء علاقات مع الغرب، والحصول على الدعم الأمريكي. 

بنت تركيا علاقاتها مع "إسرائيل" على أساس المصالح المشتركة، وبدأت فعالياتها الدبلوماسية في "إسرائيل"، يوم 7 كانون ثاني/ يناير 1950، مع تعيين أول رئيس للبعثة الدبلوماسية في الممثلية التركية بتل أبيب. وفي المقابل، كانت "إسرائيل"، التي أُقيمت عام 1948، ما زالت دولة ناشئة، وبأمسّ الحاجة لاعتراف دولي بشرعيتها، لا سيما من دولة إسلامية (الزعتري ا.، 2016). ثم تطورت العلاقة بينهما بسبب الصراع مع العرب في الخمسينيات والستينيات، وبسبب حاجة "إسرائيل" لحلفاء في محيط الدائرة العربية المعادية، والمحيطة بها، وذلك في إطار ما أسمته "إسرائيل" "حلف الأرياف"، فكانت في هذا الحلف كل من تركيا، وكردستان العراق، وإيران الشاه، وإثيوبيا، وذلك نظرًا للخلاف القومي لهذه الدول، مع الدول العربية المعادية لـ "إسرائيل" (العواودة، 2016). 

بدْء الأزمات

ومع ذلك، توترت العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا بسبب حلف بغداد، الذي تأسس عام 1955 بين تركيا، والعراق، وإيران، وباكستان، وبريطانيا، وذلك بادعاء "إسرائيل" أنه سيزيد من "الاعتداءات العربية" عليها. وفي 29 تشرين أول/ أكتوبر 1956، احتجت تركيا على دخول القوات الإسرائيلية إلى الأراضي المصرية ، إبان العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا و"إسرائيل" على مصر، بعد إعلان الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، تأميم قناة السويس. وفي 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 1956، تم تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إلى مستوى القائم بالأعمال، واستغرق الأمر سبع سنوات لعودة العلاقات إلى مستواها السابق (موسوعة الجزيرة، 2020).

وبسبب العدوان الإسرائيلي على العرب عام 1967، احتلت "إسرائيل" شرقي القدس، بما فيها القدس القديمة، التي تلامس مشاعر الشعب التركي المسلم. وفي تلك الفترة، حصلت تغيرات في النظام السياسي التركي، الذي اعتمد الانتخابات الديموقراطية منذ بداية الخمسينيات، مما جعل قضية مثل قضية القدس وفلسطين، التي تحتل مكانة خاصة لدى الشعب التركي، تؤثر بشكل كبير على طبيعة العلاقة بين البلدين، فلا يمكن لقائد تركي أن يتجاهل رأي الشعب تجاه فلسطين والقدس، لا سيما أن المسألة لم تتوقف عند الاحتلال، بل تبعها حريق المسجد الأقصى عام 1969، ثم ضم شرقي القدس عام 1980. هذه الأحداث مجتمعة، أدت إلى تراجع العلاقة بين البلدين، وتمثل ذلك في تقليص التمثيل الدبلوماسي بينهما لأدنى مستوى، وإغلاق القنصلية التركية في القدس، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، ثم اعتراف تركيا بالدولة الفلسطينية، التي أعلنها ياسر عرفات من الجزائر عام 1988  (موسوعة الجزيرة، 2020).

عودة العلاقات وتعزيزها بعد اتفاق أوسلو عام 1993

بعد توقيع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣ بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل"، ترممت العلاقة بينهما ، وتم رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفارة، وذلك تزامنًا مع إقامة سفارة تركية في فلسطين أيضا، حيث تبنت تركيا موقفًا اعتبرته متوازنًا، شجعت فيه الفلسطينيين والإسرائيليين على التوصل إلى سلام على أساس حل الدولتين، وحاولت أن تكون وسيطًا بينهما، وبين العرب و"إسرائيل" أيضا. وقد وصلت العلاقات الإسرائيلية التركية ذروتها، في نهاية التسعينيات، خاصة بعد الانقلاب الأبيض الذي أطاح بحكومة نجم الدين أربكان، وهو ما يربط قوة العلاقات بينهما بالانقلابات، إذ إن المراحل التي قويت فيها هذه العلاقات، كانت خلال الحكم العسكري الذي يأتي عادةً عبر الانقلاب، وليس عبر صناديق الاقتراع. ومن ملامح تعزيز العلاقلات في هذه المرحلة، شراء تركيا لمنتجات التصنيع العسكري الإسرائيلي، وتطوير "إسرائيل" للدبابات والطائرات التركية، وبيع التقنيات لها  (شارغاي، 2020). وكذلك قيام وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي "غاندي"، وبالتعاون مع الأتراك، بترميم مبنى الحاكم العثماني في يافا، والذي كانت عصابة البالماخ الصهيونية الإرهابية، قد دمرته عام 1948. ولكن، وكما قالت صحيفة "إسرائيل هيوم": لم يكن رجب طيب أردوغان قد أصبح رئيسًا بعد، في إشارة إلى دوره في ما تعتبره "إفساد" العلاقة بين البلدين، كما تزعم الصحيفة، ومعظم المصادر العبرية الأخرى (شارغاي، 2020).

انتفاضة الأقصى وعودة التوتر وصعود أردوغان 

لم تستقر العلاقات الحميمة التي سادت بين "إسرائيل" وتركيا في التسعينيات، وبدأ التوتر يتصاعد عندما تفجرت انتفاضة الأقصى عام 2000، بعد اقتحام زعيم اليمين الصهيوني آنذاك أرئيل شارون، المسجد الأقصى، المكان الحساس بالنسبة للأتراك، مما جعل الدولة التركية تؤيد مشاريع قرارات الأمم المتحدة ضد "إسرائيل". ورغم الزيارات السياسية المتبادلة على مستوى عالٍ، حتى بعد انتخاب حزب العدالة والتنمية التركي، وترؤس أردوغان للحكومة بعد عام 2002، وزيارته لـ "إسرائيل"، ولقائه زعماءها، عاد التصاعد في التوتر بعد الحرب على غزة نهاية عام 2008. وكانت تصريحات أردوغان الشهيرة في دافوس في 30 كانون ثاني/ يناير 2009، إشارة واضحة، وتعبيرًا قويًا عن الغضب التركي. ومع ذلك، ظلت محاولات ترميم العلاقات مستمرة (شارغاي، 2020).

ظلت القضية الفلسطينية حاضرة في العلاقة بين البلدين، ففي كانون ثاني/ يناير 2010، هاجم الرئيس التركي "إسرائيل"، واتهمها بسرقة المياه اللبنانية، وطالب بالرقابة على سلاحها النووي، فردت "إسرائيل" باستدعاء السفير التركي في اليوم التالي، للاستيضاح والإهانة، كما اتضح فيما بعد، حيث أجلسوه على كرسي منخفض أمام مساعد وزير الخارجية آنذاك داني أيلون، مما أثار حفيظة الأتراك (الستر، 2018).

سفينة "مافي مرمرة" ونقطة اللاعودة

ورغم تصاعد التوتر، ظلت محاولات الاحتفاظ بالعلاقة، على مستويات مختلفة، وبدلًا من أن يخف التوتر، قفز إلى نقطة الذروة، والتي ربما سيتضح فيما بعد، أنها كانت نقطة اللاعودة، وذلك عندما هاجمت قوة خاصة إسرائيلية في 31 أيار/ مايو 2010، سفينة "مافي مرمرة" التركية في عرض البحر المتوسط، وهي متوجهة إلى فلسطين، وقتلت تسعة نشطاء إغاثة أتراك، اعتبرتهم "إسرائيل" أعضاء في منظمة الإغاثة التركية، التي تعتبرها منظمة إرهابية (بيجمان، 2017). 

 يقول المهندس المعماري إيال زيف،  الذي نفذ ترميم "مبنى الحاكم في يافا" من الجانب الإسرائيلي: "عملنا معا (أي مع المهندسين الأتراك) دون أي تعصب ديني أو قومي، وحرصنا على الحفاظ على نمط البناء العثماني، وكنا قد جهزنا كل شيء، حتى تم تأثيث المبنى بأثاث عثماني، تم نسخه عن ذلك الذي في الباب العالي في اسطنبول، وتم التجهيز لحفل افتتاح المبنى، وكان من المفترض وفق الترتيبات، أن يحضر الافتتاح رئيس الوزراء التركي، وأن يستضيفه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، وفجأة حصل الهجوم على سفينة "مافي مرمرة"، المعروفة بـ "أسطول الحرية"، وهي في طريقها إلى غزة. ومنذ ذلك الحين، تم تجميد المشروع، وظل المبنى مغلقًا، ووضع في عُهدة السفارة التركية في تل أبيب (شارغاي، 2020).

 مبنى الحاكم العثماني في يافا الذي تم ترميمه 

وعلى خلفية المجزرة، توترت العلاقة بين البلدين، حتى قال رئيس الجمهورية التركية آنذاك عبدالله غول: إن الدول في الماضي كانت تعلن الحرب في مثل هذه الحالات (AP, 2010). ولكن، ورغم عدم إعلان الحرب، إلا أن العلاقة لم تعد كما كانت. فالمناورات المشتركة لم تُستأنف، ولا صفقات تحديث الأسلحة، وانحسرت العلاقة في الجانب التجاري والسياحة، مع تدنٍّ في مستوى عدد السياح الإسرائيليين إلى تركيا، وتزايد النداءات الإسرائيلية لمقاطعة البضائع التركية (شابيرا، 2020). 

ودخلت العلاقات بين البلدين أزمة حقيقية، حين عرّفت رادارات سلاح الجو وسلاح البحرية التركيين، سلاحَ الجو الإسرائيلي، كطيرانٍ معادٍ. بل وتم تصنيف "إسرائيل" كدولة معادية، في الدستور السري، أو الكتاب الأحمر التركي، وهو أهم وثيقة استراتيجية، يحدد فيها مجلس الأمن القومي في تركيا، التهديدات المحتملة، حيث اعتُبرت "إسرائيل"، وتحت بند التهديدات الخارجية على تركيا، سببًا لعدم استقرار المنطقة، وازدياد سباق التسلح فيها. وفي الوقت نفسه، وربما الأكثر إزعاجًا، أن إيران وسوريا لم تُعتبرا تهديدًا على تركيا، وأن السبب لهذا التصنيف، ليس أسطول مرمرة تحديدًا، وإنما دور "إسرائيل" في سباق التسلح، ومنع الاستقرار. وإلى جانب "إسرائيل"، ذُكرت  اليونان في الكتاب الأحمر التركي، بينما تم شطب بلغاريا وجورجيا وأرمينيا. وشمل الكتاب دعوة لجعل الشرق الأوسط خاليًا من السلاح النووي، دون ذكر إيران بالاسم. وإضافة إلى ذلك، احتجت تركيا بشدة، لدى الولايات المتحدة، ورفضت أن تقوم الأخيرة بتقاسم معلومات استخبارية مع "إسرائيل"، حول الصواريخ التركية الدفاعية، بل وذكرت وسائل إعلام تركية، أن التعاون الاستخباري بين البلدين، قد توقف (موقع أخبار القناة الثانية، 2010). إضافة إلى ذلك، اتهمت "إسرائيل" عام 2013، المخابراتِ التركية، ورئيسها حقان فيدان، بالمسؤولية عن كشف عشرة عملاء للموساد، كان الموساد يشغلهم من محطة له في أنقرة (بن حورين و واشنطن، 2013).

الوساطة الأمريكية واتفاق التسوية 

وفي نفس العام 2013، وبضغوط أمريكية، خاض البلدان مفاوضات لإنهاء الأزمة، وإعادة العلاقات، وقد أثمرت عن اتصال هاتفي من نتنياهو إلى رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، والاعتذار للشعب التركي، وذلك بناءً على طلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ثم جاءت حرب 2014 على غزة، وعاد التصعيد عندما وصف الرئيس التركي الوزيرة الإسرائيلية إييلت شكيد، بأنها هتلر، بعد أن اعتبرت الفلسطينيين كلهم أعداء يُباح قتلهم. ورغم ذلك، استمرت جهود التسوية، حتى وصل الطرفان إلى تسوية وتعويضات في حزيران/ يونيو 2016، حيث دفعت "إسرائيل" تعويضات قيمتها 20 مليون دولار، وتعهدت بتخفيف الحصار عن غزة، مقابل جهود تركية للإفراج عن الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس. وتعهدت الحكومة التركية برئاسة بن علي يلدريم، بتقييد نشاط حماس في تركيا، والتخلي عن مقاضاة العسكريين الإسرائيليين المتورطين في المجزرة (الستر، 2018). وكان من بين المؤثرات التي دفعت تركيا إلى قبولها التسوية، كثرة التوترات في المنطقة، وخطورة الأوضاع على حدودها الجنوبية بعد التدخل الروسي في سوريا، وأزمة إسقاط المقاتلة الروسية من قبل مقاتلة تركية نهاية عام 2015 (الزعتري أ.، 2017).

محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016

وفقا للخبيرة الإسرائيلية في الشأن التركي جيلا لندن شتراوس، كانت هناك فرصة حقيقية لعودة العلاقات إلى سابق عهدها من التحالف، لو نجحت محاولة الانقلاب في الخامس عشر من تموز/ يوليو 2016، ولكن المحاولة فشلت، وظل الرئيس التركي في الحكم، وهو ما تعتبره "إسرائيل" السبب في انهيار العلاقات، ووصولها إلى هذا المنحدر السحيق، حيث يعبر أردوغان بشكل مستمر وحاد، عن انتقاده لسياسات "إسرائيل"، ومثال ذلك، انتقاده في عام 2017 قانون منع الأذان في القدس، فردت "إسرائيل" بمقابلة استيضاح للسفير التركي (ايخنر و ليفي، 2017). وأصبحت انتقادات الرئيس التركي لـ "إسرائيل" أمرًا مألوفًا، حتى اعتاد عليه الإسرائيليون، وقد عبر عن ذلك نتنياهو نفسه، حين تحدث في مؤتمر صحفي عن تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية، فقال متهكمًا: "هناك تحسن، فقد كان الرئيس التركي يهاجمني كل ساعتين، والآن يهاجمني كل ست ساعات، وهذا تحسن كبير!" (شلو، 2018). 

غزة مرة أخرى ومن أجل القدس

في الذكرى السبعين للنكبة الفلسطينية، أي في الخامس عشر من أيار/ مايو 2018، وفي اليوم التالي لافتتاح الرئيس الأمريكي السفارة الأمريكية في القدس المحتلة، ارتكبت "إسرائيل" مجزرة ضد الفلسطينيين، أثناء مسيرات العودة على سياج قطاع غزة المحاصر، استشهد فيها 61 فلسطينيا، وجُرح أكثر من 2270 آخرين، بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز، أعقب ذلك استدعاء الخارجية التركية السفير الإسرائيلي لمقر الوزارة، وقدمت احتجاجها على الأحداث على سياج قطاع غزة، وطلبت منه مغادرة أنقرة لمدة محدودة لم يتم تعيينها. وفي السياق ذاته، استدعت تركيا سفيريها في تل أبيب وواشنطن للتشاور، ووصفت "إسرائيل" بأنها إرهابية. وفي ردها، طلبت الخارجية الإسرائيلية من القنصل التركي في القدس، مغادرتها، واتهم عدد من المسؤولين الإسرائيليين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدعم ما سموه بالإرهاب، ودعوا لقطع العلاقات مع تركيا. (الجزيرة نت، 2018)

وقال وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في تغريدة له على تويتر، "المحرض العظيم أردوغان من جماعة الإخوان المسلمين، وشريك حماس وإيران، أكبر مؤيد للإرهابيين، لقد طرد سفيرنا من تركيا". وفي الإطار ذاته، قال رئيس حزب "يوجد مستقبل" يائير لابيد، في تغريدة له على تويتر أيضا: إن اتفاق المصالحة الذي وقعه نتنياهو مع معاد للسامية من "أمثال أردوغان"، كان خطأً، وإنه حان الوقت لأن يقول للحكومة الإسرائيلية، ما كان ينبغي قوله منذ مدة: "أردوغان هو جزء من محور الإرهاب الإسلامي".

وطالب لابيد بقطع العلاقة مع "نظام أردوغان"، وخفض مستوى التمثيل بشكل دائم، والاعتراف بمحرقة الأرمن، ومساعدة الأكراد علنًا ضد تركيا، والطلب من الولايات المتحدة أن تخرج تركيا من خلف الناتو، أما وزير الزراعة الإسرائيلي أوري آريئيل، فقد أعلن من جهته، وقف استيراد الخضروات من تركيا، كرد على طرد أنقرة السفير الإسرائيلي  (الجزيرة نت، 2018). وقال إن "إسرائيل" لن تسمح لأردوغان بأن يقدم لها العظة، في وقت يقدم فيه الدعم لحركة حماس "الإرهابية". وفي ذات السياق، وردا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبسبب المجزرة، أعلنت تركيا الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام، ودعت منظمة التعاون الإسلامي لاجتماع طارئ (الجزيرة نت، 2018).

إجراءات تعتبرها "إسرائيل" عدائية

لا تقف المسألة عند التصريحات والتصريحات المضادة. فإضافة إلى الإجراءات أعلاه، التي اعتبرتها "إسرائيل" عدائية، حمّلت "إسرائيل" تركيا المسؤولية عن التوتر في القدس، واتهمتها بتحريض المقدسيين ضد الاحتلال، وتعزيز صمودهم، من خلال هيئات وأعمال إغاثة تركية في القدس، والتعاون مع شخصيات ومؤسسات فلسطينية، مثل الشيخ عكرمة صبري، والشيخ رائد صلاح، إضافة إلى تنظيم الأتراك لكثير من الزيارات إلى القدس والمسجد الأقصى، لا سيما في رمضان. وقد قامت "إسرائيل" فعلًا باعتقال نشطاء أتراك، وبذرائع واهية، أثناء زيارتهم القدس، كمحاولة لردع المواطنين الأتراك، وتخويفهم من الاستمرار بزيارات القدس. كما واعتقلت عدة فلسطينيين عائدين من تركيا، واتهمتهم بتلقي أموال منها. واستهجنت "إسرائيل" تسليم تركيا للسلطة الفلسطينية 140 ألف وثيقة من الأرشيف العثماني، تساعد في إثبات ملكية الفلسطينيين لكثير من الأراضي. (شارغاي، 2020) 


وعلى صعيد الدور الاقتصادي لتركيا في الضفة الغربية وقطاع غزة، تدير منظمة "تيكا" التركية، المدعومة من الحكومة، عددًا من المشاريع لصالح الفلسطينيين، بلغت قيمتها في غزة 1.3 مليون دولار سنويًا، إضافة إلى كثير من المساعدات التركية للفلسطينيين، الذين بقوا في بيوتهم ووطنهم منذ عام 1948، في النقب وحيفا ويافا والجليل، وهو ما أسمته "إسرائيل" بـ "الاحتلال الصامت" لأردوغان، واعتبرته إعادةً لدور الدولة العثمانية في فلسطين قبل عام 1917، حيث تصف أردوغان بأنه زعيم الإخوان المسلمين، والوريث الشرعي للخلافة العثمانية، التي يريد إعادة سلطتها إلى القدس. وفي سبيل ذلك، كما تدعي "إسرائيل"، لا يدخر أردوغان وسيلة إلا واستخدمها. فكثير من الأنشطة في القدس، تتم لتعزيز المشاعر القومية التركية، مثل الأنشطة الثقافية، ونشر الأعلام التركية في القدس، وتعليم اللغة التركية في مدارس شرقي القدس، وفي جامعتي بيرزيت والقدس. وأبرز المؤسسات التي أشارت إليها الصحيفة، المركز الثقافي التركي في شارع الزاهرة في القدس، والذي يسعى، حسب زعمها، إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية، حيث يعمل المركز كذراع للقنصلية التركية في القدس، وبالتعاون مع الوقف الإسلامي فيها (شارغاي، 2020).


القدس في جوهر الأزمة

تشعر "إسرائيل" بالقلق من تمويل الأتراك لتغيير الهلال الذهبي في قمة قبة الصخرة، وترميم رموز ومعالم إسلامية كثيرة أخرى في القدس، مثل القباب الصغيرة في محيط المسجد الأقصى والحائط الشرقي.. ووفقا لمصادر أمنية إسرائيلية، تم تمويل ترميم 130 مبنىً بأموال تركية، وتم تجديد 4300 منزل، و 70 مسجدًا في شرقي القدس.

ومن المشاهد التي تستفز "إسرائيل" في القدس، أن محلات التحف في أزقة القدس القديمة، تبيع علاّقات مفاتيح وميداليات، تحمل العلم التركي مع صورة حائط البراق. والأكثر من ذلك، لعبة إلكترونية اسمها حارس الأقصى، موجهة للأولاد والفتيان. تتعلق فكرة اللعبة بدور الحارس المكلف بإنقاذ المسجد الأقصى من الصهاينة، ومواجهة تهدويد القدس، حيث يبحث اللاعبون عن كنز مفقود، وخلال ذلك يجيب اللاعب عن أسئلة تتعلق بماضي الأقصى وحاضره، ويحصل الفائز في النهاية على لقب محرر القدس. يقف خلف هذه اللعبة، مؤسسة اللقلق المدعومة من قبل مؤسسة "تيكا" التركية، ومؤسسة البستان، التي أرسلت بعثات تلاميذ مقدسيين في آب/ أغسطس 2019، إلى تركيا، للمشاركة في مسابقات رياضية استضافتها بلدية قيصري التركية، حيث خطب فيهم رئيس البلدية، وتم تصويرهم مع العلمين الفلسطيني والتركي (شارغاي، 2020).

ليست القدس فقط 

لا يتوقف الأمر عند القدس فقط. فالدور التركي داخل الأراضي المحتلة عام 1948. فوفقا لإفادات محمد دميرجي، رئيس مؤسسة "ميراثنا" التركية، تم تمويل ترميم مسجد حسن بيك ومسجد البحر في يافا، ومسجد الجرينة في حيفا. كما وتدعي صحيفة "إسرائيل هيوم"، أن مؤسسة "ميراثنا" تجمعها علاقات مع الشيخ رائد صلاح، رئيس الجناح الشمالي للحركة الإسلامية، الذي حظرته "إسرائيل"، وأن أحد مصادر تمويلها، هي مؤسسة "تيكا (شارغاي، 2020).

كما يشمل النشاط التركي مدن مثل اللد والرملة وعكا. فمثلًا، تركز مؤسسة "من يد ليد" على ترميم المساجد والمدارس، والتعليم المجتمعي، والصحة، وحفظ القرآن، وتمول دورات للمعلمين لتدريس القرآن، وتدعم التواجد والاعتكاف في المسجد الأقصى والأماكن المقدسة. ومن بين أنشطة هذه المؤسسة، كما يذكر موقع "ميدا" الإسرائيلي، تنظيم جولات سفر للمسجد الأقصى وأماكن أخرى، بهدف توثيق علاقة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، بالنضال من أجل الأقصى، حيث جمعت المؤسسة 620 ألف يورو، بهدف تمويل أجهزة، وترميم المسجد العمري الكبير في مدينة اللد، التي كان 90% من سكانها قبل عام 1948 مسلمين، وفقا لموقع المؤسسة، ولكن يتم تهويدها اليوم، عبر توطين المهاجرين الروس فيها (بيجمان، 2017).

يقول موقع "ميدا"، إن مؤسسة "من يد ليد"  التركية تدفع رواتب شهرية لأربعين إمام مسجدٍ في أنحاء فلسطين التاريخية، يصل راتب الإمام الواحد إلى 1980 يورو في الشهر، وتنفق 85085 يورو في الشهر الواحد على مختلف الأنشطة، منها دعم دور تحفيظ القرآن، التي يدرس فيها 10 آلاف طالب وفق موقع المؤسسة كما يقول موقع ميدا الإسرائيلي، التكلفة السنوية لمئة طالب تبلغ 53519 يورو يعني 535 يورو للطالب الواحد ويشمل ذلك تأجير القاعات ووجبات طعام ساخنة، ويعمل مدرس واحد لكل عشرة طلاب، وتشمل النفقات تنظيم حفل تخرج بحضور ذوي الطلاب إلى تغطية ثمن المواد التعليمية، والزي الموحد ومصاريف إدارية الخ. (بيجمان، 2017)

كما تنشط المؤسسة في النقب؛ وتمول مشاريع تحديث شبكات الكهرباء للقرى البدوية غير المعترف بها، ومشروع "بيت في النقب"؛ لإعانة السكان على البناء في هذه القرى، ومشروع "ماء في القرية"؛ لتوفير الماء للسكان في القرى نفسها. ووفقا للمزاعم الإسرائيلية، مولت المؤسسة النشاطات الاحتجاجية ضد مخطط برافر في النقب، والتي نظمتها الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، وجمعت مبلغ 7.2 مليون يورو لصالح بناء مركز النور الطبي في أم الفحم. ويتساءل الكاتب الصحفي عكيفا بيجمان، في موقع "ميدا" العبري، إنْ كانت هذه الجمعيات تعمل بتمويل من الحكومة التركية، أو تتلقى تمويلًا من دول لا تربطها بـ "إسرائيل" علاقات دبلوماسية، (بيجمان، 2017).

أهم المؤسسات التركية التي تعمل في فلسطين، وتثير حفيظة "إسرائيل"، هي مؤسسة تيكا. يصفها الإسرائيليون بأنها مؤسسة " متعددة الأذرع"، والتي تعمل في كل العالم، وتنشط في القدس. و قررت الخارجية الإسرائيلية إلزامها بالتنسيق المسبق مع "إسرائيل" قبل أي نشاط، وسحبت تصريح الإقامة السياحية والمكانة الدبلوماسية لرئيسها في القدس، بعد أن اتهمتها بالتحريض، وإنشاء بؤر شحن للمشاعر الإسلامية في القدس، عبر تمويل أنشطة إسلامية وصفتها بالمتطرفة، وتغطية نشاطات وفعاليات دينية واجتماعية وتربوية، واتهمتها بأنها من مدرسة الإخوان المسلمين (شارغاي، 2020).

تحصي "إسرائيل" حوالي 12 مؤسسة في القدس تعمل بتمويل تركي، وتشارك في أنشطة فيها. فمثلًا، تتهم "إسرائيل" تركيا بتنظيم حملة للإشادة بالنساء الفلسطينيات المقدسيات، تحت عنوان "كلنا مريم"، وذلك بهدف تعزيز مقاومتهن للاحتلال، وقد تم تنظيم الحملة من خلال مؤسسة القدس الثقافية التركية "أوكار". وقد اقتبست الحملة شعار "كلنا مريم"، من مريم بنت عمران عليها السلام، التي تجسد المعاناة، والإصرار على الصمود (شارغاي، 2020).

مأور تسيمح، زعيم منظمة "لاخ يروشلايم"، والذي يتعقب الأنشطة التركية في القدس، يزعم أن هذه الأنشطة بكل تفرعاتها، تمس بسيادة "إسرائيل" على القدس، لذلك يطالب الدولة بتقييد الأنشطة التركية بحدود محددة، في القدس وعموم البلاد. ويقوم تسيمح وتنظيمه، بتزويد أجهزة الدولة بتقارير عن هذه الأنشطة بشكل مستمر (شارغاي، 2020). وتنظيم تسيمح لا يراقب الأنشطة التركية في القدس فقط، بل وفي تركيا نفسها، حيث قدم تقارير عن ملتقيات شارك فيها نشطاء من حماس، ومن رجال الوقف، ومؤسسات تركية، ووصف هذه النشاطات بأنها معادية لـ "إسرائيل"، ومعادية للسامية، وحذر السلطات الإسرائيلية من خطورتها (شارغاي، 2020).

أسا أوفير، طالب الدكتوراة في الشأن التركي في قسم الدراسات الشرق أوسطية، بجامعة بار إيلان بتل أبيب، تتبع وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفيس بوك وتويتر وأنستغرام، ووثق كثيرًا من المنشورات عن الأنشطة التركية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذكر أن النشاطات تشمل عروضًا مسرحية تنفذها البلديات والحكومة التركية. وأبرز هذه الأنشطة، ملتقى باسم "لنعانق القدس"، الذي أقيم في مدينة تكرداغ، وهو عرض مسرحي برعاية مكتب رئيس الجمهورية. إضافة إلى مهرجان أقيم في الذكرى الـ 50 لاحتلال القدس، والذي نظمته بلدية إسنلر. ورصد أوفير كذلك، الشعار الذي أطلقه الرئيس التركي مؤخرًا "إذا ضيعنا القدس فسنضيّع مكة". وقال إن الرئيس التركي دائم الاهتمام بأن لا يخسر القدس، وأنه في طريقه لتحريرها، أو احتلالها على حد قوله (شارغاي، 2020).

استقرار نسبي في العلاقات الاقتصادية رغم التوتر السياسي

رغم التوتر في العلاقات، واعتبار الجيش الإسرائيلي تركيا تهديدًا، ما زالت العلاقات الاقتصادية بينهما قوية، ومثال ذلك أن تركيا تبني جرارة سفن لميناء الخضيرة الإسرائيلي، بقيمة 20 مليون دولار، في ميد مارينا "Med Marine" على البحر الأسود (دومبا، 2019).

يقول د. غوفين ساك Güven Sak، الخبير الاقتصادي التركي، ومدير مركز الدراسات الاقتصادية "تيباف" TEPAV، إن حجم التجارة بين "إسرائيل" وتركيا، لم يتأثر بشكل مباشر بالتغيرات السياسية. ففي عام 2008، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، 3.4 مليار دولار، وزاد اليوم بنسبة 60%، ووصل إلى 5.6 مليار. والسبب في ذلك، كما يقول الكاتب الإسرائيلي إيال شابيرا، هو أن الأسواق في "إسرائيل" وتركيا، هي أسواق مفتوحة، خلافا لدول أخرى في الإقليم. كما أن المنظومات التجارية بين البلدين، مؤطرة بقوانين واتفاقيات، وبعيدة عن تأثير الزعماء السياسيين ونزواتهم، في حين أن التبادل التجاري بين تركيا وإيران، أو روسيا، يتأثر مباشرة بالأوضاع السياسية فيها. وهذا لا يعني انعدام تأثير الأوضاع السياسية تمامًا، فحجم الاستثمارات الإسرائيلية في تركيا، وصل إلى 112 مليون دولار عام 2006،  و 98 مليون عام 2007، و 100 مليون عام 2008، لكن هذه الاستثمارات هبطت بشكلٍ حاد عام 2010، واستمر الهبوط في السنوات العشر التالية، لأن المستثمر الإسرائيلي لم يعد مطمئنا للمستقبل، كما قال الخبير التركي ساك (شابيرا، 2020).

من ناحية ثانية، ازدهرت السياحة الإسرائيلية إلى تركيا في السنة الماضية، حيث زار تركيا خلال عام 2019، أكثر من نصف مليون سائح إسرائيلي، وكانت هناك 12 رحلة طيران يوميا بين تل أبيب واسطنبول، وذلك رغم مرور عشر سنوات من التراجع، على خلفية الأزمة التي نتجت عن مجزرة أسطول الحرية، ورغم تصنيف تركيا كتهديد لـ "إسرائيل". يعتقد د. ساك، أن السياحة ستقود إلى ترميم العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا، فالعلاقات الاقتصادية بينهما، رغم تضررها، لم تنقطع (شابيرا، 2020).

ووفقا لبحث قامت به الخبيرة في الشأن التركي غاليا لندن شتراوس، تبين أن نسبة السياح العرب الفلسطينيين، ممن يحملون وثيقة سفر إسرائيلية، زادت، في الوقت الذي انخفضت فيه نسبتهم من الإسرائيليين اليهود. ويشير تقرير نشره الموقع الأمريكي الإخباري MagViral، إلى أن 75% من الإسرائيليين، الذين يطيرون من تل أبيب إلى اسطنبول مع الخطوط الجوية التركية، يكملون رحلتهم إلى أماكن أخرى في العالم غير تركيا، وأن 25% فقط يبقون في تركيا. ووفقا للتقارير، يجذب الإسرائيليين الأسعار الجيدة، ومستوى الفنادق العالي، والخدمة التي تقدمها. ولهذا، وصل عدد السياح الإسرائيليين إلى تركيا عام 2018، إلى 560,000 سائح، وذلك بارتفاع 26% مقارنة مع عام 2017. ويُعتبر هذا العدد قياسيًا، حيث بلغ أكبر عدد من السياح الإسرائيليين إلى تركيا، حوالي 528,000 سائح عام 2008 (شابيرا، 2020).

اتفاقية الغاز التركية الليبية

منذ ثلاث سنوات، تعمل كل من "إسرائيل" وقبرص واليونان وإيطاليا، من أجل مد أنبوب غاز طبيعي، لتصديره من "إسرائيل" إلى قبرص وأوروبا (ديريوز و كيبريك، 2020). يبلغ طول الأنبوب 1900 كم، منها 550 كم على اليابسة، والباقي في البحر. ويُعتبر المشروع الأكبر من نوعه في العالم، كما يُعتبر مشروعًا معقدًا للتنفيذ، حيث سيمر الأنبوب تحت البحر، ويصل إلى عمق يزيد عن 3 كم تحت سطح البحر، ويمر عبر أودية وجبال تحت البحر، ويحتاج إلى غواصات قادرة على العمل في هذه الأعماق لمد الأنبوب، ومن المفترض أن تكون قدرته على النقل في السنة 10 BCM في المرحلة الأولى. وقد أنفق الاتحاد الأوروبي في السنة الماضية 50 مليون يورو، لدراسة جدوى المشروع من خلال شركة IGI Poseidon SA، وتم تخصيص مبلغ 70 مليون يورو للتخطيط للمشروع، دفعتها الشركة والاتحاد الأوروبي. ووفقا للاتفاق، فإن مصدّر الغاز عبر الأنبوب، هما "إسرائيل" وقبرص، وإنه يمكن إضافة دول أخرى للاتفاق، بشرط موافقة جميع الأعضاء المؤسسين (ايخنر، 2020). 

يهدف المشروع إلى تعزيز الشراكة بين الدول الأربع، وربما تأسيس تحالف معين بينها، وهذا ما جعل نتنياهو ووزير الطاقة شتاينتس، يتحدثان عن المشروع وكأنه سيغير المكانة الاستراتيجية لـ "إسرائيل" (ديريوز و كيبريك، 2020). حتى أن نتنياهو وصف الاتفاق بأنه تحالف شرق المتوسط، وقال أثناء التوقيع على الاتفاق في اليونان، "إن هذا اليوم يوم تاريخي". وفي المقابل، ردت تركيا عبر وزارة الخارجية، بقولها إن الاتفاق سيفشل، وإنه يستهدف عزل تركيا وشمال قبرص عن المنطقة، وإنه خطوة عبثية؛ لأن تركيا، صاحبة أطول ساحل على البحر المتوسط، وقبرص الشمالية، صاحبة ذات الحقوق المماثلة لشقيقتها الجنوبية، ليستا موجودتين في الاتفاق (ايخنر، 2020).

في نفس الوقت، هناك جهات إسرائيلية تعارض مشروع خط الغاز بشكله الحالي، وتشكك بجدواه الاقتصادية، بسبب الفائض في الغاز الموجود، وسعره المنخفض، إضافة إلى التحديات التكنولوجية، وتحديات الحراسة بين الدول الأربعة (كراسنا، 2020). علاوة على أن الاتفاق سيزيد التوتر مع الدول الأخرى الغائبة عنه، لا سيما بين تركيا من جهة، وكل من "إسرائيل" واليونان وقبرص من جهة أخرى، إلى جانب التوتر الموجود أصلا بين تركيا ومصر، والذي منع أصلًا تركيا من الانضمام إلى منتدى شرق المتوسط (EMGF)، الذي مقره القاهرة. وهذا ما دفع تركيا بتوقيع اتفاقية المياه الاقتصادية (EEZ) مع الحكومة الليبية، المعترف بها من الأمم المتحدة. وهو ما يعني أن أنبوب الغاز الإسرائيلي، سيمر من المياه الاقتصادية التركية، الأمر الذي يتطلب موافقتها. 

وفي نفس السياق، عرضت تركيا مشروع مد خط غاز طبيعي، بينها وبين قبرص الشمالية، وهو ما دفع "إسرائيل" وحليفاتها، لتوقيع تفاهمات حول الأنبوب شرق المتوسط، مما يؤكد أن الأنبوب سيؤدي إلى توتر سياسي في المنطقة. 

ولأن الأنبوب الإسرائيلي سيكلف حسب التقديرات، 7 مليار دولار، مع عدم ضمان الربح، اقترحت "إسرائيل" مشروعًا بديلًا، أرخص من الناحية المادية، ويزيد اعتماد أوروبا على الطاقة البديلة الرخيصة، ويجنب "إسرائيل" الحاجة لإذن تركيا للنقل. يعتمد المشروع البديل على بناء صهاريج ومستودعات للغاز المسال في البحر، يتم نقل الغاز منها إلى السوق العالمي عبر شركات خاصة، الأمر الذي لا يلزمه موافقة تركيا لمروره عبر مياهها الاقتصادية، ويساهم في تطوير العلاقات التجارية بين الشركات الخاصة من الدول المتخاصمة، وهو ما يحصل فعلًا بين "إسرائيل وتركيا واليونان، حيث يزيد التبادل التجاري بين الشركات الخاصة، رغم توتر العلاقات بين الحكومات. كما أن هذا البديل، سيشجع التعاون بين الدول التي يشوب علاقاتها توتر سياسي، ومثال ذلك المشاريع التركية اليونانية المشتركة (TANAP + TAP). ولتسهيل ذلك، يمكن إنشاء اتحادات دولية مثيلة لاتحادات الفحم والفولاذ، التي أُنشِئت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ومهدت الطريق لمؤسسات الاتحاد الأوروبي اليوم، بعد أن كانت الدول الأعضاء فيها، متحاربة منذ فترة قريبة (ديريوز و كيبريك، 2020).

القوة البحرية التركية تقلق "إسرائيل"    

بعد الاتفاق الليبي التركي، الذي وقعه رئيس الحكومة الليبية فايز السراج، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في السابع والعشرين من تشرين ثاني/ نوفمبر 2019، وتم فيه تحديد الحدود البحرية بين البلدين، كتب المحلل الإسرائيلي "أوفير أسا"، في موقع "إسرائيل ديفنس"، مقالًا تحت عنوان "نوايا بحرية: خطة عملاقة لتركيا في الحلبة البحرية". أشار فيه إلى أن هذه الخطوة، تُعتبر تصعيدًا جديًا في صراع السيطرة على خزانات الغاز الطبيعي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط. فتركيا من وجهة نظره، أرادت أن تكسب كل أوراق شرق المتوسط، بعد أن حاولت دول المنطقة تجاهلها، من خلال توقيع اتفاقيات وتحالفات بعيدًا عنها. لم يقتصر الأمر على إجبار هذه الدول على طلب إذنها لتمرير خط الغاز "ايستميد"، بل تجاوزه إلى فرض سيطرة بحرية بالقوة، عندما قامت القوات البحرية التركية، بطرد سفن إسرائيلية من المياه القبرصية. ويأتي هذا التحرك التركي، في إطار استراتيجية تركيا الجديدة، المسماة "الوطن الأزرق"، والتي أطلقها الأدميرال السابق جيم جوردنيز لأول مرة، وذلك في ندوة للقيادة المركزية للبحرية التركية عام 2006. ووفقا لهذه الاستراتيجية، فإن لتركيا الحق بأن تكون صاحبة مساحات بحرية واسعة في البحر المتوسط، وبحر إيجة، والبحر الأسود. ووفقا لغوردنيز، تبلغ هذه المساحة 462,000 كم مربع، وتضم مياهًا قبرصية ويونانية، حول جزر قبرص وكريت ورودوس. (اوفير، 2019)

ووفقا للكاتب الإسرائيلي"أوفير أسا"، فإن الأدميرال التركي جوردنيز، مثل رئيسه أردوغان، يريد تغيير الوضع الراهن، الذي نشأ عن اتفاقية "سيفر" المذلة، وهي اتفاقية الاستسلام، التي أُجبِرت عليها الدولة العثمانية في أواخر الحرب العالمية الأولى. ففي احتفال تخريج أحد أفواج الأكاديمية البحرية في 31/8/2019، تحدث أردوغان، ومن خلفه خريطة الوطن الأزرق، مما أثار ردود فعل قلقة في الإعلام اليوناني. (اوفير، 2019)

من ناحيته، كتب المحلل عاموس جلبوع في صحيفة معاريف، أن "السلطان" أردوغان سيستمر بما أسماها "القرصنة". وبناءً عليه، على "إسرائيل" أن تتخذ الإجراءات الأمنية اللازمة. واستذكر الكاتب الخلفية التاريخية للتطورات البحرية التركية، وتحدث عن معركة "لفانتو" البحرية عام 1571، بين أسطول الدولة العثمانية، وبين تحالف الأساطيل الأوروبية، التي هزمته هزيمة نكراء، فمنع الدولة العثمانية، التي لم تكن تمتلك سلاحًا بحريًا قويًا، من السيطرة على البحر المتوسط. لقد كانت القوات البرية العثمانية متفوقة، بينما كانت القوات البحرية الأوروبية أقوى، وذات خبرات أكبر، إضافة إلى أن القوة البحرية العثمانية، تكونت من بحارين يونانيين. (جلبوع، 2019)

أردوغان في المسفنة التركية

واليوم، وبعد 450 سنة، يرى الكاتب أن الرئيس التركي، يدرك أهمية الأسطول البحري. فتركيا اليوم تملك الأسطول الأقوى في البحر المتوسط، والذي يشمل 14 غواصة متقدمة ألمانية الصنع، و4 أخريات في انتظار شرائهن، إضافة إلى 20 سفينة صواريخ مزودة بأفضل الصواريخ الأمريكية، وحاملة الطائرات المنتظرة. كل ذلك، مقابل أسطول مصري، وآخر يوناني، أضعف وأقل إمكانيات. وعند إضافة هذه الإمكانيات إلى خزانات الغاز الهائلة شرقي المتوسط، وإلى المياه الاقتصادية للدولة، البالغة 300 كم في عرض البحر، فإننا نصل إلى "عربدة تركية منفلتة العقال"، كما يقول الكاتب الإسرائيلي. لقد بدأت المسألة بالتنقيب التركي في المياه القبرصية، وتجاهل كامل للاتحاد الأوروبي، وصولًا إلى الاتفاق مع ليبيا مؤخرًا، الذي أعطى تركيا مياهًا اقتصادية مشتركة مع ليبيا، بطول 700 كم، وعرض 200 كم. وهذه المياه، حسب الكاتب الإسرائيلي، ستكون على حساب قبرص واليونان ومصر (جلبوع، 2019).

الرئيس في قاعدة البحرية التركية

كتب المحلل تسور شيزف في يديعوت أحرونوت، أن على "إسرائيل" أن تستعد لخوض حرب مع تركيا في البحر الأبيض المتوسط، وأن الحرب الدائرة في البحر المتوسط، بخصوص حقول الغاز، تثير صراعاتٍ حقيقية، بين عدد من كبار اللاعبين في المنطقة، وهم "إسرائيل"، ومصر، وتركيا، وروسيا، وليبيا، الأمر الذي قد يستدعي تدخلًا من سلاح البحرية الإسرائيلي. وكشف الكاتب أنه حين عاد من مناطق شمال سوريا والعراق عام 2015، والتي زارها بغرض إنتاج فيلم وثائقي، زاره عدد من كبار ضباط جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وطلبوا منه معلوماتٍ حصل عليها عن داعش في تلك المناطق. وقال إنه أبلغهم أن داعش هي تهديدٌ عبثي، ولا يشكل خطرًا على "إسرائيل"، وإن نظرتهم لهذا التنظيم، تُخفي عن أعينهم التهديد الحقيقي على "إسرائيل" ومصالحها، والمتمثل بتركيا، وهو ما تسبب بمفاجأتهم، حسب زعمه. وأكد الكاتب أن تركيا في عام 2022، سوف تحصل من إسبانيا على سفينتين برمائيتين، قادرتين على حمل طائرات قتالية، وستكون كل منهما قادرة على تنفيذ 20 ألف طلعة جوية. كما أكد أن لتركيا أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي، وهو الجيش الثاني في القارة الأوروبية بعد الجيش الروسي. الأمر الذي يدعو للتساؤل عن سبب حاجة تركيا لهذا الجيش بهذا الحجم، وأين تريد تركيا أن تحط بسفنها على شواطئ البحر المتوسط، وتساءل ساخرًا: على شواطئ غزة مثلا؟ وأشار الكاتب إلى أن الأتراك أرسلوا إلى شواطئ غزة في 2010، سفينة "مافي مرمرة"؛ لتوسيع نفوذهم في قطاع غزة، لكن سلاح البحرية الإسرائيلي، أفشل هذا الجهد التركي في غزة، في حين أن التأثير التركي، بات واضحًا في الأحداث الليبية المشتعلة منذ سنوات، وازداد هذا النفوذ في الأشهر الأخيرة. وأضاف أن الصراع الدائر في ليبيا، ليس فقط على حقول الغاز والنفط هناك، وإنما للسيطرة على المياه الإقليمية، وهو ما دفع "إسرائيل"  إلى الاستعداد لإمكانية خوض هذا الصراع، من خلال استدعاء فرقاطات ألمانية، وكاسحات ألغام، وبعض الغواصات. وأكد أن الألمان جزء مما يحدث في المنطقة، وأنهم يحتاجون إلى الغاز، ولذلك يقفون إلى جانب "إسرائيل"، في ظل نفور أنغيلا ميركل، المستشارة الألمانية، من الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، كما يزعم الكاتب تسور شيزف. وختم شيزف مقاله بالقول، إنه في هذا الصراع الدائر في المنطقة، تجد "إسرائيل" نفسها مضطرة لتقوية سلاحها البحري، الذي مهمته الأساسية الحفاظ على مياهها الإقليمية، إلى جانب تحالف المصالح مع مصر واليونان وقبرص (رصد، 2020).

تقدير "أمان" يعتبر تركيا تهديدًا 

أدرجت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، في تقديرها الاستخباري لشهر كانون ثاني/ يناير 2020، تركيا ضمن قائمة تهديدات الأمن القومي الإسرائيلي، رغم أن التقديرات الاستخبارية، استبعدت اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين. ويُدرج تقدير "أمان" تركيا على قائمة التهديدات لأول مرة، رغم حفاظ البلدين على علاقات دبلوماسية رسمية. وبرر جهاز "أمان" ذلك التطور، بما وصفه "الأعمال العدائية المتزايدة"، التي تقوم بها تركيا في الشرق الأوسط، لا سيما شرق البحر المتوسط، بعد تعديل الحدود البحرية الاقتصادية مع ليبيا.  (وتد، 2020)

وعلى حد تقدير "أمان"، فإن التقييمات الاستخبارية حصرت التهديدات في شخص الرئيس رجب طيب أردوغان، بسبب تصريحاته المعادية لـ "إسرائيل"، وتضامنه الممنهج مع الشعب الفلسطيني، وسماحه للفصائل الفلسطينية بالعمل بحرية على الأراضي التركية. لذلك يرى تقدير الاستخبارات، أن التخلص من الرئيس التركي قد يزيل هذا التهديد. (وتد، 2020)

كما رأت التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية، أن أي نشاط، أو تواجد عسكري تركي في سوريا، يُعتبر تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية، وأن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، يُعتبر انتهاكا لحقوق حلفاء "إسرائيل" في قبرص واليونان. كما اعتُبر النشاط التركي شرق المتوسط، تهديدًا لحرية الملاحة والتجارة البحرية الإسرائيلية، ولمشروع خط الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا. 

في المقابل، يرى مدير المعهد الإسرائيلي "ميتفيم" المتخصص في السياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط نمرود جورن أن هذا التقدير يهدف إلى إيصال رسالة احتجاج حازمة لتركيا سعياً لإحتواء الأزمة بين البلدين، أكثر منه اعتبارها تهديدًا في الحقيقة. إضافة إلى أن هذه التقديرات، هي تقديرات متبادلة بين "إسرائيل" وتركيا"، التي يقلقها التعاون بين "إسرائيل" ومصر واليونان وقبرص، ودعم أمريكا لمثل هذا التعاون.  (وتد، 2020)

ويرى الباحث الإسرائيلي في مجال السايبر إيال فينكو، أن تركيا خلقت شرق البحر المتوسط، منطقة بحرية عازلة بين "إسرائيل" وأوروبا، حيث تمر جميع السفن بين "إسرائيل" وأوروبا عبر الأراضي التركية. وبناءً عليه، يمكن لتركيا، صاحبة السيادة في هذه المنطقة، أن تعيق حركة السفن، وأن تستوقفها وتستجوبها، بل وأن تفتشها، فتصبح "إسرائيل" رهينة للقرار التركي . (وتد، 2020)

وبما أن اقتصاد "إسرائيل"، ونحو 99% من تجارتها، تشق طريقها عبر البحر، فإن بإمكان تركيا، وفقا لمخاوف "إسرائيل"، أن تعطل التجارة البحرية من "إسرائيل" إلى أوروبا وأمريكا، وتعطل نقل الغاز الإسرائيلي عبر خط الأنبوب البحري إلى أوروبا. ويخشى الإسرائيليون من أن العمليات البحرية التركية، يمكن أن تزيد تكاليف التجارة البحرية الإسرائيلية، وأن تتسبب بصدام بين قواتها البحرية، وقوات مصرية، أو يونانية، أو إسرائيلية، وإن كان الاحتمال ضعيفًا (وتد، 2020).

هل ستحدث فعلًا مواجهة بين "إسرائيل" وتركيا في البحر المتوسط؟ 

صحيح أن نسبة الاحتكاك بين البلدين عالية، خاصة بعد تقدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، لكن لم تتوقع الاستخبارات مواجهة مباشرة مع تركيا. إلا أن موضوع الطاقة، سيضيف توترًا إلى التوتر السياسي، والمرتبط بفلسطين. وتركيا تنظر للأمر بخطورة، وكان ردها على اتفاق الأنبوب سلبيًا، واعتبرته خطرًا على دورها الجيوسياسي في شرق المتوسط، ويضارب على مركزها كوسيط لنقل الطاقة بين الشرق والغرب، خاصة بعد أن تم افتتاح خط الغاز الروسي "TurkStream" عبر أراضيها في الثامن من كانون ثاني/ يناير 2020، بحضور الرئيسين أردوغان وبوتين، إضافة إلى رغبة تركيا، كما تقول "إسرائيل"، باستعادة هيمنة الدولة العثمانية على سواحل البحر المتوسط، ويدل على ذلك خطط التسلح  والتزود بالسفن الحربية، التي شملت 20 سفينة حربية خلال السنوات الثلاثة القادمة. ويرى الإسرائيليون أن هناك أهدافًا سياسية للرئيس التركي، يمكن تحقيقها عبر صِدام مع دول ليست مسلمة، كما يصف الكاتب الإسرائيلي جوشوا، بقوله إن الشعب التركي شعب مسلم، ويسهل على أردوغان تجنيده عبر صِدام مع أطراف غير مسلمة. لذلك فالسفن الحربية التركية، لا تتردد بالتحرش بالسفن القبرصية والإسرائيلية، وطردها، كما حصل مع السفينة الإسرائيلية في تشرين ثاني الماضي. هذا إضافة إلى التحدي الذي فرضته تركيا عبر الاتفاق مع ليبيا، والذي لا يردع المستثمرين فحسب، بل يجبر كل الأطراف على العودة إليها، ونيل موافقتها. ومن وجهة نظر إسرائيلية، زادت تركيا جرعة التحدي، عندما تعهدت بإرسال قوات مسلحة لمناصرة حكومة السراج الشرعية في طرابلس.

الخلاصة 

يتضح مما سبق، أن كثيرًا من العوامل تجعل العلاقة بين تركيا و"إسرائيل"، أقرب إلى العداء، لا سيما العوامل التاريخية والقومية والدينية. لكن المصالح السياسية، من وجهة نظر قيادة البلدين، وبتفاوت عبر العقود السبع الماضية، جعلت هذه العلاقة لا تبدو كذلك، بل وربما بدت وكأنها علاقة حلفاء، رغم أن علاقة التحالف الحقيقية، لا يمكن أن تنشأ بين دولتين لديهما هذا الإرث من العداء، على خلفية الدين والتاريخ والجغرافيا. فالدولتان نشأتا على أنقاض الدولة العثمانية، التي كانت في صراعٍ مع الحركة الصهيونية، وورثتها الجمهورية التركية الحديثة، بينما ورثت الحركة الصهيونية دولة "إسرائيل"، التي رأت، وما زالت ترى، أن أي دور لتركيا في فلسطين، هو محاولة لإحياء الدور العثماني التاريخي فيها، والذي يأتي حتمًا على حساب "إسرائيل".

الخلاصة هي أن وصول العلاقة بين تركيا و"إسرائيل" إلى هذه المرحلة، التي تشبه إعلان العداء، مرتبط بشكلٍ أساسي بالقضية الفلسطينية، كقضية صراع تاريخية، بين الحركة الصهيونية والدولة العثمانية، وبالارتباط التاريخي للشعب التركي بفلسطين والقدس، مما جعل القضية الفلسطينية سببًا في تأزم العلاقات بينهما، لا سيما بعد احتلال شرقي القدس عام 1967، وضمها عام 1980. كما أن هذه العلاقة، من وجهة نظر إسرائيلية، مرتبطة بشخص الرئيس التركي، ولكن أيضا ليس بمعزلٍ عن القضية الفلسطينية. فما يزعج "إسرائيل" من رجب طيب أردوغان، هو موقفه من القضية الفلسطينية تحديدًا، والمبني على العمق التاريخي والإسلامي، الذي يميز فكر هذا الرجل. وهذا سبب ترديدهم عبارة "انتهى عصر الدولة العثمانية"، التي يوجهونها له كلما انتقد سياسات "إسرائيل" ضد الفلسطينيين.

كما يتضح أن التناقض الديني والثقافي والتاريخي، يؤثر على الأحداث الأخيرة، ويغذيها، على الأقل من وجهة نظر إسرائيلية. فالعداء لـ "إسرائيل"، والتدخل في فلسطين والقدس، وليبيا، وسوريا، وشرق المتوسط  نابع من الإرث العثماني، حتى لو كان هذا التدخل على شكل أعمال خيرية، تعتبرها "إسرائيل" جهادًا صامتًا. وعليه، فإن التقدير الذي صدر عن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، لا يستند إلى تهديدات عسكرية مباشرة، ولا حتى على المدى المتوسط والمنظور، بقدر ما يستند إلى النظرة السايكولوجية للرئيس التركي، وفكره السياسي، وطموحاته القومية.

وكل ما تقوم به تركيا عمليا، على صعيد الغاز في شرق المتوسط، وتطوير سلاح البحرية، ونشر قوات تركيا في البحر، أو في ليبيا، أو سوريا لم تكن "إسرائيل" لتعتبره خطرًا، بمعزلٍ عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وخلفيته الإسلامية، وعلاقاته بالإسلاميين في الإقليم والعالم.

1. قائمة المراجع:

2. AP. (21 9, 2010). الرئيس غول:في الماضي مرمرة كانت مبرراً للحرب (هنسي غول: بعبار همرمرا هيتا عيلا لملحماه . تم الاسترداد من يديعوت أحرونوت: 

3. أحمد الزعتري. (2016). تطور العلاقات التركية - الإسرائيلية 1949-2002. تأليف أحمد عطاونة، و عمر أبو عرقوب، الجمهورية التركية في المنظور السياسي الإسرائيلي (صفحة 19). اسطنبول: مركز رؤية للتنمية السياسية.

4. أحمد الزعتري. (2017). العلاقات التركية الإسرائيلية 2002-2016. بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.

5. اسا اوفير. (21 12, 2019). نوايا بحرية:خطط عملاقة لتركيا في الحلبة البحرية(كفنوت يميوت:توخنيوت عناك شل تركيا بزيرات هيم). تم الاسترداد من إسرائيل ديفنس: 

6. الجزيرة نت. (15 5, 2018). تركيا تطرد سفير إسرائيل وتل أبيب تطرد قنصلها بالقدس. تم الاسترداد من الجزيرة نت: 

7. ايال شابيرا. (23 1, 2020). أكثر من نصف مليون إسرائيلي هذه السنة فقط:هكذا عدنا إلى تركيا،وبشكلٍ كبير (يوتير محتسي مليون يسرئيليم رك هشناه:كاخ حزرنو لتركيا،وبجدول. تم الاسترداد من واللا: 

8. ايتامار ايخنر. (3 1, 2020). تركيا ضد اتفاق الغاز الإقليمي:"مشروع سافل وسيفشل" (تركيا نيغد هسكيم هغاز عأزوري:"برويكت شفيل شيكشيل"). تم الاسترداد من يديعوت أحرونوت: 

9. ايتامار ايخنر، و اليؤور ليفي. (9 5, 2017). بأعقاب خطاب أردوغان:محادثة استيضاح للسفير التركي في إسرائيل. تم الاسترداد من يديعوت أحرونوت: 

10. تال شلو. (23 12, 2018). نتنياهو يهاجم أردوغان:طاغية معاد للسامية ويستحوذ عليه الموضوع الإسرائيلي (نتنياهو توكيف ات اردوان:رودان انتيشيمي عم اوبسيسيا ليسرئيل). تم الاسترداد من واللا: 
11. جوشوا كراسنا. (23 1, 2020). هل من المتوقع صدام بحري بين إسرائيل وتركيا؟ (هأيم تسفوي عيموت يمي بين يسرئيل لتركيا؟). تم الاسترداد من المونيتور: 

12. رصد. (1 1, 2020). إعلام عبري: يجب على إسرائيل أن تستعد لخوض حرب مع تركيا في المتوسط. تم الاسترداد من رصد: 

13. ساتل. (24 12, 2019). تركيا تدشن “بيري ريس” أول غواصة من نوعها تركية الصنع. تم الاسترداد من ساتل: 

14. صلاح الدين طالب العواودة. (2016). حلف الريف الإسرائيلي"بريت هبريفيريا"وموقع تركيا منه. تأليف أحمد عطاونة، و عمر أبو عرقوب، الجمهورية التركية في المنظور السياسي الإسرائيلي (صفحة 75). اسطنبول: مركز رؤية للتنمية السياسية.

15. عاموس جلبوع. (19 12, 2019). تركيا تحول مساحات واسعة من البحر المتوسط ل "مياه اقتصادية" وكلهم صامتون (تركيا هوفيخت شتحيم نرحبيم بيم هتيخون ل"مايم كلكلييم"فطولام شوتكيم ). تم الاسترداد من معاريف: 

16. عامي روحكس دومبا. (24 12, 2019). علاقات مأزومة؟تركيا تبني جرارة لإسرائيل (يحسيم بمشبر؟تركيا بونا جوررت عبور يسرئيل). تم الاسترداد من إسرائيل ديفنس: 

17. عكيفا بيجمان. (9 5, 2017). المال التركي الذي يحرض عرب إسرائيل(هكيسف هتركي شمسيت ات عربيي يسرئيل). تم الاسترداد من ميدا: 

18. علي ديريوز، و روعي كيبريك. (15 1, 2020). ربما من الأفضل نسيان أنبوب الغاز إلى أوروبا(اولاي كداي لشكوح متسينور هغاز لايروبا). تم الاسترداد من يديعوت أحرونوت: 
19. غي الستر. (17 5, 2018). من مرمرة وحتى الدفاع عن القدس:هكذا تحولت الصديقات القريبات إلى عدوات (مهمرمره فعاد "ههجناه" عل يروشلايم:كاخ هفخو هحبروت هكروبوت لأويفوت. تم الاسترداد من واللا: 

20. محمد حسن وتد. (17 1, 2020). لماذا أدرجت إسرائيل تركيا على لوائح التهديد لأمنها القومي؟ تم الاسترداد من الجزيرة نت: 

21. موسوعة الجزيرة. (2020). العلاقات التركية الإسرائيلية.. أهم المحطات. تم الاسترداد من موسوعة الجزيرة : 

22. موقع أخبار القناة الثانية. (30 10, 2010). "الكتاب الأحمر" التركي:إسرائيل تشكل "تهديدا مركزياً علينا "-استخدام أنقرة لأول مرة لهذا المصطلح منذ 1949 ("هسيفر هأدوم"شل تركيا:يسرئيل مهفاه"ايوم مركزي علينو"-شيموش ريشون شل انكرة بموناح مآز1949. تم الاسترداد من غلوبوس: 

23. ناداف شارغاي. (2 1, 2020). الجهاد الصامت لأردوغان (هجهاد هشكيت شل اردوان). تم الاسترداد من إسرائيل هيوم: 

24. يتسحاك بن حورين، و واشنطن. (17 10, 2013). "تركيا سلمت إيران هويات جواسيس إسرائيليين"(تركيا مسراه لايران زهوت مرغليم يسرئليم"). تم الاسترداد من يديعوت أحرونوت: 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف