الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في ثلاث (ومضات قصصية) لـ مصطفى محمد نور بقلم: مجدي شلبي

تاريخ النشر : 2020-02-29
قراءة في ثلاث (ومضات قصصية) لـ مصطفى محمد نور بقلم: مجدي شلبي
قراءة في ثلاث (ومضات قصصية) للكاتب السوداني/ مصطفى محمد نور
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم/ مجدي شلبي (*)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــ(1)ــــــــــــــ
صُمودٌ
تَجلِّدَ؛ أَوجعَ جَلاده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما يبادئنا النص بعنوان (صمود) نستدعي على الفور الكلمة المرتبطة بها، والملازمة لها (التحدي)، ونتهيأ لاستقبال متن ثوري من أدب المقاومة، غير أن الشطر الأول من النص (تَجلِّدَ) يجعلنا نتريث قليلا؛ فالكلمة الواردة ليس لها معنى إلا: الثبات والتحمل والصبر، الصبر الذي قال فيه بيت الحكمة:
والصبرُ مثلُ اسمه مُرٌّ مَذَاقُهُ … لكنْ عواقبه أحلى من العَسَلِ.
فماذا كانت عاقبة صاحبنا الذي تجلد و صبر؟:
ـ (أَوجعَ جَلاده).
قبل أن نفسر كيف أوجع المجلود جلاده؟، علينا أن نشير إلى جماليات هذا الجناس الرائع بين: تجلد/ جلاد، ثم نعود القهقري إلى منتصف القرن الثالث الهجري لنتابع ما حدث للمنصور بن حسين الحلاج، فنراه قد حُكم عليه بالموت صلباً لاتهامه بالزندقة وادعاء النبوة وغير ذلك من اتهامات... وقد جاءت هذه الومضة القصصية هنا متناصة مع ما حدث له، ويُعد الشاعر/ صلاح عبد الصبور أول من تناول ( مأساة الحلاج ) في مسرحية شعرية حملت هذا الاسم، ولنقتطف منها ذلك المشهد الذي يصور الحلاج في السجن ومعه الحارس الذي: "يضربه بالسوط، والحلاج هادئ مبتسم؛ يزداد الشرطي عنفا، وتتلاحق ضرباته، ثم يهتف بالحلاج وقد ضاق بهدوئه":
ـ الحارس: لِمَ لا تصرخ؟
ـ الحلاج: هل يصرخ يا ولدي جسد ميت؟
ـ الحارس: اصرخ... اجعلني أسكت عن ضربك
ـ الحارس: قلت اصرخ؛ أنت تعذبني بهدوئك!...
ومن ثم أتت الومضة القصصية (تجلد؛ أوجع جلاده)؛ ترجمة لهذه العبارة الأخيرة.
ـــــــــــــــــــــ(2)ـــــــــــــــــــ
تَسَامُح
رَموه بالنَوَى؛ تَعهدَه بالسُقْيَا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الوقت الذي تسود فيه مظاهر: التشدد، الغلظة، الظلم، القسوة، العنف؛ يكون للأدباء باعتبارهم (ضمير الأمة) الدور الأبرز والأهم في الحث على قيم: الاعتدال، الحلم، العدل، اللين، الـ(تسامح) وهي القيمة التي عنون بها كاتبنا نصه، وتعني: التغاضي عن خطأ، والعفو عن فاعله، ومن العبارات المتداولة في هذا الشأن: (سامَحك اللهُ): وهو دعاء بأن يعفو الله عنه، لقاء ما بدر منه من إساءة، وتدخل تلك العبارة الحكيمة من باب العتاب، ولأن لكل مبدع أسلوبه المتميز، ورؤيته المستقلة؛ يُلِحُ علينا السؤال التالي:
من أي زاوية عرض الكاتب قيمة التسامح؟: يبدأ المتن في الإجابة: (رَموه بالنَوَى) وهي عبارة رمزية لها دلالتها المعبرة عن جحودهم، فبعد أن منحهم (رطبه)؛ رجموه بنواها، وهنا تبرز مفارقة تكشف زيف نكرانهم (لفضله)، بدليل واضح من داخل العطاء ذاته (النوى)؛ فهل اكتفى المتسامح هنا بالتغاضي عن الإساءة والعفو عنهم؟: لا، بل (تَعهدَه بالسُقْيَا) يا الله؛ لقد أخذ نوى فضله الذي رموه به؛ فغرسه وسقاه، ليخرج منه ثمرا جديدا، ربما ليحسن به إليهم مرة أخرى، التزاما بما ورد في حديث الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم (اعف عمن ظلمك، وصل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك)، وقد استوقفني اختيار الكاتب للفظ (رموه) بالنوى، ولم يقل (قذفوه) بالنوى؛ لأن الرمي أدق وصفا لسببين:
1ـ (رماه) تعني: ألقاه، أهمله. 2ـ ارتباط (الرمي) بالسهام؛ يُقال (رمى الصيد): أطلق عليه السهم أو النار أو نحوهما.
إننا إزاء ومضة قصصية متقنة، استطاع الكاتب بمهارة أن يختار كلماته بدقة، وأن يكثف فكرته في أربع كلمات فقط، وأن يُحدث تناغما بين شطري النص، رغم المفارقة الواضحة في المعنى، معبرا عن قيمة التسامح التي تسمو على الجحود، الذي لن يوقف نهر الخير عن التدفق، ذلك أن وعد الحق يطمئن أهل الخير: (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) من الآية 197 البقرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ(3)ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اِنْحَطَاطٌ
بَاعَ بَنَاتَ أَفْكَاره؛ اِخْتَلطَت أَنْساب الكُتُب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(انحطاط): سقوط، مهانة، إسفاف، هوان ووضاعة، كل هذه المعاني وغيرها: مرادفات لتلك الكلمة التي اختارها الكاتب عنوانا لومضته القصصية، ولا شك أن المتأمل في الحياة العصرية يمكنه أن يصف بعض مظاهرها بالـ (انحطاط)، رغم أن ما يعرف بـ (عصر الانحطاط) مضى عليه عدة قرون: فقد حدثنا التاريخ أن ذلك العصر الموصوم (بالانحطاط) دام أكثر من خمسة قرون منذ سقوط بغداد على يد المغول عام 1258م حتى عام 1798م، إلى أن جاء نابليون بحملته على مصر منشئا عصرا جديد أطلق عليه (عصر النهضة)، مرورا بالعصر المملوكي و وصولا إلى الدولة العثمانية؛ فكان الجمود و الخمول والتدني الذي مس كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأدبية في ذلك العصر السيء؛ سببا منطقيا لوصمه بتلك الصفة... والذي يعنينا هنا كأدباء هو الإشارة إلى أن الأدب العربي شهد في ذلك العصر جمودا وركودا؛ بسبب إهمال مكانة ودور الأدباء بشكل عام، والشعراء على وجه الخصوص، وافتقاد الأدب لدوره كقوة ناعمة داخل المجتمع، وانتشار الإسفاف على يد الأدعياء الذين لا علاقة لهم بالأدب من قريب أو بعيد... فهل يعيد التاريخ نفسه؟:
نستخلص الإجابة من متن النص المعروض: (باع بنات أفكاره)، مبدع يبيع أعز ما يملك؛ ما السبب القهري الذي دفعه لذلك الفعل؟. قد يكون الدافع: ضيق ذات اليد، في ظل ظروف معيشية خانقة، في الوقت الذي ارتبط فيه تقدير الإبداع، بالعلاقات الاجتماعية، والوسامة الشكلية، والأنوثة الكاوتشوكية، و(الشللية) تلك الصفة الأخيرة ذات العلاقة القوية لفظا ومعنى بـ(الشلل) الذي أصاب الإبداع والمبدعين، ودفع البطل في هذا النص لأن يبيع إبداعه!. وما دام هناك بائع؛ فهناك مشترٍ، فمن هم المشترون؟، وماذا يفعلون في (البضاعة) المشتراة؟: المشترون ـ في الأغلب الأعم ـ هم من طبقة الأثرياء الذين يملكون القدرة على شراء كل شيء بنقودهم، حتى عقول ـ وبنات أفكار ـ المبدعين!. ومن عجب أن تلك (البضاعة) الثمينة، لم يكتفوا هنا بشرائها بأبخس ثمن؛ استغلالا، لكنهم استبدلوا اسمهم باسم (صانعها) ومبدعها تبجحا وتزويرا وتزيفا وبهتانا. فماذا حدث؟: (اِخْتَلطَت أَنْساب الكُتُب)؛ يا لها من بلاغة وصف تكمل الصورة التي بدأ بها الكاتب نصه، وتتسق معها اتساقا يثير الدهشة ويدعو للإعجاب والتقدير؛ فـ(أنساب) هنا تحمل معنى المصاهرة (النسب)، وتعني أيضا: انتساب الشيء لصاحبه، المعنى الأول يتوافق مع مشهدية الصورة، والمعنى الثاني هو للتهكم على تلك الظاهرة التي انتشرت في بعض الأوساط الأدبية و تعدتها إلى الأوساط العلمية؛ فوجدنا حاليا من يبيع رسائل ماجستير ودكتوراه جاهزة لطلاب العلم؛ فياله من (انحطاط)!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عضو اتحاد كتاب مصر (قاص و ناقد أدبي)
ـ مبتكر (المقال المقامي) و (الومضة القصصية).
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف