قراءة في ديوان الشاعرة " مينة الأزهر" جماليات حكي الذاكرة بين الحنين و التمرد
بقلم الكاتب و الاعلامي : محمد الصفى
هي كلمات نابعة من قلب مرهف عالي الإحساس، ارتقى فيها المعنى بالمغزى كلوحة درامية، فاتحة المجال للقارئ للإبحار في أغوارها، و مشاطرتها ما تحمله من دلالات و مقاصد، إنه العمل الإبداعي الذي أثثت به الشاعرة مينة الأزهر خزانة بليغ الشعر النثري من خلال ديوانها " غيمة تمنعني من الرقص" الذي استخدمت فيه مصطلحات قريبة من القلب، محملة بالحنين و المحبة و الأمل، بعيدة عن النرجسية، رغم أنها تكتب أحيانا بحبر الألم و الحظ العاثر كما جاء في أحد نصوصها، يبقى ديوانها جدير بالقراءة و التحليل. إن ما يثير انتباه القارئ في أول وهلة لهذا الديوان الذي يضم 44 عنوانا، لوحة غلافه و عنوانه، لوحة من أنامل أخيها الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر، بصمت ذاتا غارقة في العتمة بعيون غير يائسة تتطلع للغد المشرق المشار إليه بالغيمة الخلفية ذات اللون البني الخافت الذي يرمز للاستقرار و الهدوء و السكينة و الانتماء، و ذلك في تناغم تام مع العنوان الذي يثير فضول و شهية القارئ، " غيمة تمنعني من الرقص " انطلاقا من اللون الذي اخطط به، اللون البرتقالي الذي يجمع بين طاقة اللون الأحمر وسعادة اللون الأصفر، حيث يرتبط هذا اللون بالبهجة والحماس والسعادة، بالإضافة إلى أنه يمثل الإبداع والجذب والنجاح، والتشجيع والتحفيز للقيام بأمرٍ ما، فالعلاقة التي تجمع بين الغيمة و الحياة أكثر من علاقة، باعتبارها مصدر النعمة و الخير، كما أنها رمز الطهر و غسل الذنوب، و غيمة مينة الأزهر غيمة مكفهرة سوداء، تعبر عن العتمة التي تمنعها من الرقص و الانطلاق نحو ما تحلم به من أماني و آمال مشرقة، صورة مجازية في أبعاد دلالية غاية في الرومانسية الكونية، على حد قول أدونيس " ربما ليس في الأرض حب غير هذا الذي نتخيل أنا سنحظى به، ذات يوم ، لا تقف تابع الرقص يا أيها الحب، يا أيها الشعر، حتى ولو كان موتا . "
عند شروعنا في قراءة " غيمة تمنعني من الرقص " تستوقفنا تعابير مينة الأزهر المرهفة، المتأرجحة بين الحب و الحلم و الحنين و الألم في زمن الصمت، في رفض للواقع المأزوم من خلال ذات محملة بهموم الوطن و محنة الإنسان، تعابير ولفتها في نصوص وصور مثيرة تفتح للقارئ مساحة شاسعة للتأويل و القراءة المتعددة، كل بيت أو سطر يحمل صورة شعرية و رسالة إنسانية مشبعة بقيم المحبة و الخير مع الدعوة لاسترجاع الزمن البهي، جاعلة شعرها عزاءا للأرواح البائسة و المقهورة. عاكسة ظلال كلماتها في كل قصيدة بين أحلام ورؤى مستشرقة تكابد الحنين و الذكريات مستعملة لغة واضحة المعالم، سلسلة تفوح شاعرية بعيدة عن التعتيم و الغموض في سرد جميل، متناسق، لدرجة أن كل قصيدة هي بداية لقصيدة أخرى، و رحلة في عوالم اللامنتهى، و هي التي تقول في " دعوة للحياة "
خارج مساحة حزني
دعوة للحياة
نبضات صادقة
أنسام فرح
تروي روحي
تبحث عن وجه غيبه الزمان
تعانقني بارتياح
تهزم ألمي الأسيف
تثير سمائي الملبدة
تعطيها بريقا و دفئا
تراهن الشاعرة في ديوانها على ما راسبته ذاكرتها الطفولية من أحداث جميلة، تاهت بين الدروب و الأزقة العتيقة، محولة إياها بشكل متمرد لأحلام و أشواق مفعمة بالحب و الأمل بإيحاءات مشتعلة بالحنين، تفصح من خلالها عن سيرة ذاتية تمت سباكتها في قالب شعري حافل بالصدق الوجداني، فالحياة عند مينة الأزهر هي امتداد باهت للزمن الماضي، لا يبارح الذاكرة، يبدو فيها الزمن كأنه يسير في اتجاه معاكس، تتضارب فيه حالات انفصام، و يسوده التوجس و الخوف مما قد يأتي، مادام الحاضر قد فقد أريج و عبق الماضي، و هو ما عبرت عليه في عناوين ديوانها التي جاءت مشبعة بالذي يأتي أو الذي لا يأتي، بالحزن و التذمر و الانكسار من قبيل " نزيف و هوس - فلتة مكسورة - حبر بلا لون - أماني يائسة - منك اكتفيت يا حزني - روح بئيسة - حلم مجهض - انهيار - أرواح قلقة - تعيسة دون مطر .. " حين تقول في " وشم الذاكرة "
في الذاكرة وشم
حلمي
مكدس داخلي
متسرب من روحي
حاضر كومض الضوء
ناعم كالحرير
دافئ كحضن أمي
لكن
في الأفق
غيمة تمنعني من الرقص
وبما أنها تؤمن بالأفق الجميل و لغة الإصرار، نجدها تقاوم، رافعة شعار الكاتبة " أحلام مستغانمي " حاذر أن تغادر حلبة الرقص كي لا تغدرك الحياة " لتطل علينا من شرفة قلبها بكل بهاء معلنة مقاومتها للرياح المعاكسة وللزمن الهارب و لتلك الفراغات التي بلا منابع حيث تقول في " مقاومة " و التي أغرقتها بأفعال مضارعة " أمتطي، أعبر، أقاوم ، أمضي، أحمي، أستعيد" كلها تندرج كقوة فاعلة تريد من وراءها الشاعرة تسخيرها حتى تصبح أمرا واقعا، في نوع من الصراع بين الذات و تلك القوة المانعة، و ما ضمير المتكلم الذي استخدمته إلا استعارة لأنا الجماعية. أفعال تؤكد على تواصل حالة اللوعة المسيطرة على الذات الشعرية في الحاضر الممتد نحو الزمن الآتي.
أمتطي اشتياقي
أعبر حاجز المكان
أقاوم الريح
و تطفل عيون البشر
أمضي في طريقي
عذوبة النسيم تحييني
تروي أمنياتي
أنا سيدة مشاعري
أحمي ذكريات جنيني
لأستعيد عذوبة كينونتي
و بقراءتنا لنصوصها المعنوة " خريف و حنين - دعابة سخيفة - ظلي المرتجف - تائهة دون صوت - تعبت مني - تناغم و تنافر - الباقي - سراب " نلمس مقاربة صريحة للحب و العشق لماضيها المتجسد في مسقط رأسها كمكان، و لذاتها كأثر معنوي تخص به الآخر وفق الزمان المتحول، مروضة حنينها لشعلة وهاجة و لسمفونية تتلاعب بأوتار كلماتها برؤية نافذة تتوحد فيها كل الصور الشعرية البليغة المثقلة بالألم و الأمل على مدينة شبهتها بالشجرة التي تتساقط أوراقها في عز الخريف و لم يتبق منها إلا الذكريات الممزوجة بالعواطف،
بإصرار غريب
ريح الخريف
تلامس ما بداخلي
تحيي حنيني
تسير بي
إلى نهر أم الربيع
عبر قنطرته القديمة
....
تتراءى لي أشجار كئيبة
تتساقط أوراقها
و لا تتساقط خيباتي
و تمضي من خلال استفزازها البلاغي و النحوي الذي تستخدم فيه ضمير المتكلم كدلالة قوية على الذات الحاضرة و الموثقة للأحداث و الفصول وفق صور منحتها الجمالية و العمق و البعد الزماني و المكاني " طريق مولي بوشعيب - سيدي وعدود - للاعائشة البحرية - الشاطئ الحوزية - القنطرة القديمة ... محاولة من خلال حنينها هذا استرجاع مسيرة الزمن للوراء وولادة لوحة جديدة قوامها الإحساس المرهف و القيم الإنسانية، لوحة عنوانها الحب و الوجد الصادق المليء بالمشاعر الجياشة ،
سئمت
من الحلم
من الاستمرار
في غمار عشق
داخل سرداب العجز
مللت سرقة لقطات
من أنياب الزمن
إنها قصائد مفعمة برقة مشاعرها وعذب لغتها وجرس موسيقاها الذي تستلذه أذن الملتقي، و تجعله يعانق الحنين إلى تلك العوالم الرائعة، و يحن إلى مسقط رأسه، فما من مكانَ في الحياةِ، بالنسبةِ للإنسان، أجمل وأبهى من المكان الذي ولد وترعرع فيه، باعتباره جزء من كِيانِه، فمهما أبعدته الظروف و الصروف فلا بد أن تبقى أنفاسه معلقة به و ذكرياته مكتنزة في ثنايا مخيلته، وهذا أرادت الشاعرة مينة الأزهر مشاركته معنا من خلال ديوانها هذا، بكل حرقة و مرارة و تمرد أحيانا.
بقلم الكاتب و الاعلامي : محمد الصفى
هي كلمات نابعة من قلب مرهف عالي الإحساس، ارتقى فيها المعنى بالمغزى كلوحة درامية، فاتحة المجال للقارئ للإبحار في أغوارها، و مشاطرتها ما تحمله من دلالات و مقاصد، إنه العمل الإبداعي الذي أثثت به الشاعرة مينة الأزهر خزانة بليغ الشعر النثري من خلال ديوانها " غيمة تمنعني من الرقص" الذي استخدمت فيه مصطلحات قريبة من القلب، محملة بالحنين و المحبة و الأمل، بعيدة عن النرجسية، رغم أنها تكتب أحيانا بحبر الألم و الحظ العاثر كما جاء في أحد نصوصها، يبقى ديوانها جدير بالقراءة و التحليل. إن ما يثير انتباه القارئ في أول وهلة لهذا الديوان الذي يضم 44 عنوانا، لوحة غلافه و عنوانه، لوحة من أنامل أخيها الفنان التشكيلي عبد الكريم الأزهر، بصمت ذاتا غارقة في العتمة بعيون غير يائسة تتطلع للغد المشرق المشار إليه بالغيمة الخلفية ذات اللون البني الخافت الذي يرمز للاستقرار و الهدوء و السكينة و الانتماء، و ذلك في تناغم تام مع العنوان الذي يثير فضول و شهية القارئ، " غيمة تمنعني من الرقص " انطلاقا من اللون الذي اخطط به، اللون البرتقالي الذي يجمع بين طاقة اللون الأحمر وسعادة اللون الأصفر، حيث يرتبط هذا اللون بالبهجة والحماس والسعادة، بالإضافة إلى أنه يمثل الإبداع والجذب والنجاح، والتشجيع والتحفيز للقيام بأمرٍ ما، فالعلاقة التي تجمع بين الغيمة و الحياة أكثر من علاقة، باعتبارها مصدر النعمة و الخير، كما أنها رمز الطهر و غسل الذنوب، و غيمة مينة الأزهر غيمة مكفهرة سوداء، تعبر عن العتمة التي تمنعها من الرقص و الانطلاق نحو ما تحلم به من أماني و آمال مشرقة، صورة مجازية في أبعاد دلالية غاية في الرومانسية الكونية، على حد قول أدونيس " ربما ليس في الأرض حب غير هذا الذي نتخيل أنا سنحظى به، ذات يوم ، لا تقف تابع الرقص يا أيها الحب، يا أيها الشعر، حتى ولو كان موتا . "
عند شروعنا في قراءة " غيمة تمنعني من الرقص " تستوقفنا تعابير مينة الأزهر المرهفة، المتأرجحة بين الحب و الحلم و الحنين و الألم في زمن الصمت، في رفض للواقع المأزوم من خلال ذات محملة بهموم الوطن و محنة الإنسان، تعابير ولفتها في نصوص وصور مثيرة تفتح للقارئ مساحة شاسعة للتأويل و القراءة المتعددة، كل بيت أو سطر يحمل صورة شعرية و رسالة إنسانية مشبعة بقيم المحبة و الخير مع الدعوة لاسترجاع الزمن البهي، جاعلة شعرها عزاءا للأرواح البائسة و المقهورة. عاكسة ظلال كلماتها في كل قصيدة بين أحلام ورؤى مستشرقة تكابد الحنين و الذكريات مستعملة لغة واضحة المعالم، سلسلة تفوح شاعرية بعيدة عن التعتيم و الغموض في سرد جميل، متناسق، لدرجة أن كل قصيدة هي بداية لقصيدة أخرى، و رحلة في عوالم اللامنتهى، و هي التي تقول في " دعوة للحياة "
خارج مساحة حزني
دعوة للحياة
نبضات صادقة
أنسام فرح
تروي روحي
تبحث عن وجه غيبه الزمان
تعانقني بارتياح
تهزم ألمي الأسيف
تثير سمائي الملبدة
تعطيها بريقا و دفئا
تراهن الشاعرة في ديوانها على ما راسبته ذاكرتها الطفولية من أحداث جميلة، تاهت بين الدروب و الأزقة العتيقة، محولة إياها بشكل متمرد لأحلام و أشواق مفعمة بالحب و الأمل بإيحاءات مشتعلة بالحنين، تفصح من خلالها عن سيرة ذاتية تمت سباكتها في قالب شعري حافل بالصدق الوجداني، فالحياة عند مينة الأزهر هي امتداد باهت للزمن الماضي، لا يبارح الذاكرة، يبدو فيها الزمن كأنه يسير في اتجاه معاكس، تتضارب فيه حالات انفصام، و يسوده التوجس و الخوف مما قد يأتي، مادام الحاضر قد فقد أريج و عبق الماضي، و هو ما عبرت عليه في عناوين ديوانها التي جاءت مشبعة بالذي يأتي أو الذي لا يأتي، بالحزن و التذمر و الانكسار من قبيل " نزيف و هوس - فلتة مكسورة - حبر بلا لون - أماني يائسة - منك اكتفيت يا حزني - روح بئيسة - حلم مجهض - انهيار - أرواح قلقة - تعيسة دون مطر .. " حين تقول في " وشم الذاكرة "
في الذاكرة وشم
حلمي
مكدس داخلي
متسرب من روحي
حاضر كومض الضوء
ناعم كالحرير
دافئ كحضن أمي
لكن
في الأفق
غيمة تمنعني من الرقص
وبما أنها تؤمن بالأفق الجميل و لغة الإصرار، نجدها تقاوم، رافعة شعار الكاتبة " أحلام مستغانمي " حاذر أن تغادر حلبة الرقص كي لا تغدرك الحياة " لتطل علينا من شرفة قلبها بكل بهاء معلنة مقاومتها للرياح المعاكسة وللزمن الهارب و لتلك الفراغات التي بلا منابع حيث تقول في " مقاومة " و التي أغرقتها بأفعال مضارعة " أمتطي، أعبر، أقاوم ، أمضي، أحمي، أستعيد" كلها تندرج كقوة فاعلة تريد من وراءها الشاعرة تسخيرها حتى تصبح أمرا واقعا، في نوع من الصراع بين الذات و تلك القوة المانعة، و ما ضمير المتكلم الذي استخدمته إلا استعارة لأنا الجماعية. أفعال تؤكد على تواصل حالة اللوعة المسيطرة على الذات الشعرية في الحاضر الممتد نحو الزمن الآتي.
أمتطي اشتياقي
أعبر حاجز المكان
أقاوم الريح
و تطفل عيون البشر
أمضي في طريقي
عذوبة النسيم تحييني
تروي أمنياتي
أنا سيدة مشاعري
أحمي ذكريات جنيني
لأستعيد عذوبة كينونتي
و بقراءتنا لنصوصها المعنوة " خريف و حنين - دعابة سخيفة - ظلي المرتجف - تائهة دون صوت - تعبت مني - تناغم و تنافر - الباقي - سراب " نلمس مقاربة صريحة للحب و العشق لماضيها المتجسد في مسقط رأسها كمكان، و لذاتها كأثر معنوي تخص به الآخر وفق الزمان المتحول، مروضة حنينها لشعلة وهاجة و لسمفونية تتلاعب بأوتار كلماتها برؤية نافذة تتوحد فيها كل الصور الشعرية البليغة المثقلة بالألم و الأمل على مدينة شبهتها بالشجرة التي تتساقط أوراقها في عز الخريف و لم يتبق منها إلا الذكريات الممزوجة بالعواطف،
بإصرار غريب
ريح الخريف
تلامس ما بداخلي
تحيي حنيني
تسير بي
إلى نهر أم الربيع
عبر قنطرته القديمة
....
تتراءى لي أشجار كئيبة
تتساقط أوراقها
و لا تتساقط خيباتي
و تمضي من خلال استفزازها البلاغي و النحوي الذي تستخدم فيه ضمير المتكلم كدلالة قوية على الذات الحاضرة و الموثقة للأحداث و الفصول وفق صور منحتها الجمالية و العمق و البعد الزماني و المكاني " طريق مولي بوشعيب - سيدي وعدود - للاعائشة البحرية - الشاطئ الحوزية - القنطرة القديمة ... محاولة من خلال حنينها هذا استرجاع مسيرة الزمن للوراء وولادة لوحة جديدة قوامها الإحساس المرهف و القيم الإنسانية، لوحة عنوانها الحب و الوجد الصادق المليء بالمشاعر الجياشة ،
سئمت
من الحلم
من الاستمرار
في غمار عشق
داخل سرداب العجز
مللت سرقة لقطات
من أنياب الزمن
إنها قصائد مفعمة برقة مشاعرها وعذب لغتها وجرس موسيقاها الذي تستلذه أذن الملتقي، و تجعله يعانق الحنين إلى تلك العوالم الرائعة، و يحن إلى مسقط رأسه، فما من مكانَ في الحياةِ، بالنسبةِ للإنسان، أجمل وأبهى من المكان الذي ولد وترعرع فيه، باعتباره جزء من كِيانِه، فمهما أبعدته الظروف و الصروف فلا بد أن تبقى أنفاسه معلقة به و ذكرياته مكتنزة في ثنايا مخيلته، وهذا أرادت الشاعرة مينة الأزهر مشاركته معنا من خلال ديوانها هذا، بكل حرقة و مرارة و تمرد أحيانا.