الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

القسم الثاني حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2020-02-26
القسم الثاني حبيبتي السلحفاة محمود عيسى موسى  بقلم: رائد الحواري
لغة الشخوص
من المهم أن تكون اللغة الروائية سلسة وجميلة تجذب المتلقي وتقنعه، وهذا الأمر ليس بالسهل، فأحيانا نجد السارد ينسى نفسه ويتحدث بلغته هو على لسان الشخصيات، وأحيانا نجده يتعاطف مع شخصية ما فيتدخل في الأحداث، فيمت أو يخرج منافسي بطله ليكون هو المنتصر، في رواية "حبيبتي السلحفاة" نجد بعض الهفوات التي وقع بها السارد: منها هذه الفقرة التي جاءت عل لسان احدى السلاحف: "..تعال وخلع معطفك الذي يجعلك أشبه الرعاة البابليين، تعال ودعي أخلصك من كل ما يبعد يدي عن ملمس صدر وعنقك وظهرك، ...تعال سنشر نخب لقائنا السحري السري" ص277، بداية نجد اللغة عالية، ونجدها قريبة من لغة عشتار عندما دعت تموز ليأخذ حاجته منها، ووهي لغة قريبة مما جاء في انشاد الاناشيد، وهنا يكون السارد قد يجعل (السلحفاة) تتحدث بلغته هو، بحيث لا نستطيع أن نميزها عن لغته.
ومن الامثلة على تدخل السارد بلغة الشخصيات هذه الفيرة: "وحده يستنفر اللهفة في الأهداب، يدق القلب الخجول، يشرعها نحو الشمس، يرفع الحجاب أمام غصن طري قاب قوسين من نبع يشهد الولادة، قلنا في البداية أن هناك تناص مع القرآن الكريم، وهو جاء على لسان السارد، لكنه هنا يجعله على لسان (السلحفاة)، لكنه سرعان ما يستدك ـ هذا الخلل العقل الباطن للسارد ـ فيتحول مباشرة إلى لغة الانثى المطلقة: "تعريني بتلة بتلة، تتلاشى أنفاسي، تملئ دالية حلمي وعناقيدي
تعريني من البتلات، تغطيني بالبتلات، ولا ينقطع الوجد" ص 322، من هنا يمكننا القول أن الكاتب ـ مهما حاول أن يكون حياديا ـ إلا أنه يُؤثر على شخصياته، دون أن يقصد ذلك، لهذا يمكننا أن (نغفر) له دخوله، فهو لم يغير بنية الرواية، أو يحرفها عن مسارها.

لكن في الفصل 66، نجد لغة أنثى ناعمة، بعيدا عن تدخل السارد: "طمئي إلى ذاتي، إلى حقيقتي فيك، هو الذي يجمعني بك كل يوم في غيمة فرحة ولقاء حقيقي بعيدا عن الزيف وصدأ الزحام الموحش، لذلك لا أكون حينما أكون بعيدا عني.
بعدك وبعادك يغتال حضوري، لذلك التصقت بك، بساتين الدنيا لا تسكب في قلبي أمانا وحبا سأظل سنبلة كل حبة فيها دمعة، كما غاب عني صباحك وعطر مساءك، كما غابت عني ابتسامتك" ص283، فهنا صوت ولغة انثى، ولا نجد أي لقاء بينها وبين الطريقة التي تحدث بها السارد، فبدت لنا امرأة تتحدث بحرية ودون أي تأثير بثقافة ولغة السارد، فكانت أكثر اقناعا، فنحن أمام صوت الأنثى الصافي، في البدابة نجد شوقها له، ونجد عبارات صادرة عن امرأة حقيقية وليست متخيلة: "تسكب في قلبي أمانا وحبا، سأظل سنبلة، فها دمعة" السكب يشير إلى الأنثى، وسأظل سنبلة، تأكيد على أنوثتها وديمومة نعومتها وعاطفتها.
وهناك صوت أنثوي آخر يتميز عن الصوت السابق:
" أليس ممكنا أنك كنت وحدك هناك
حيث الجبال تلتصق بسكونها
حيث الصخور تجرب احتمالات انشطارها
والتحامها ولا تنتهي
حيث الحجارة تصغي إلى وقع أقدامك
وانت تنزل من تلك العزلة العتيقة في سماء البتراء
أو تلملم ما تساقط من فضة شعرك على الماء القليل" ص293، هذا الخطاب يشير إلى شخصية انثوية جديدة، لم نسمعها في السابق، فهناك وصف لحال الحبيب، والحال الذي هو فيه، حتى يبدو أن المتحدثة تراقب الحبيب عن كثب، فلا يفوتها صغير أو كبيرة.

أم نصري وصورة الأم
لكلا منا عواطفه ومشاعره تجاه المرأة، فهي من تمنحنا ما نحتاجه من حب وعاطفة، ووهي من تفرغ طاقتنا الجسدية فيها، فالمرأة الحبية تمنحنا ما لا تمنحه لنا امهاتنا، والامهات يمنحن عاطفة وحنان لا نجده إلا فيهن وعندهن، بهذه القانية تم نناول النساء في الرواية، فالسارد يقدم "أم نصري" في احداث الرواية لأنها اعطته ما يحتاجه من حب، وتمتع بجمالها وقامتها السامقة: " أحببت طولها الفارع، احببت حبها لي وتعلقها بي وحبها للحياة وفورانها ووقوفها مع الناس ومشاركتهم الافراح والاتراح.. ترقص وسط الحلبة الترابية" ص59، أم نصري امرأة بسلوكها تتجاوز النساء الأخريات، وتعيش الحياة بطريقة مغايرة، تخلصت من زوجها "أبو نصري" وتزوجت بآخر، وهذا يعد تمرد على ما هو سائد، ونجدها جميلة ومتأنقة، وتشارك الآخرين افراحهم، وتبدي موقفا سياسيا ثوريا في الحفلات: "...وتغني.. يا عربي يا بن المقرودة بيع امك واشري بارودة" ص59، إذن هي امرأة مختلفة عن الأخريات، وهذا ما جعل السارد يميل إليها، فقد أقنعنا بأننا أمام امرأة تحب لما فيها من صفات وخصائص.
ويقدمنا منها أكثر كاشفا أمر خطير تمارسه أم صبري: "فقد كانت (الزمبرك) وصلة الوصل بين الشباب وحركاتهم، توصل الرسائل والمنشورات السرية وتتكتم على سريتهم وتزودهم بما يلزمهم، تخبئهم لما يكونون كطلوبين وملاحقين ولا تبخل باللقمة الهنية" ص59و60، وهذا سمة أخر تضاف إلى أم نصري، فهي مناضلة وفاعلةـ وتقوم بما لا يستطيع الرجال القيام به، وهذا يشير إلى تعاطف السارد مع المناضلين، قبل أن يكون متعاطف مع أم نصري.
لهذا نقول أن بناء الرواية يحمل بين ثناياه بعدا وطنيا تحرريا، لكنه لم يكن ظاهرا/مكشوفا، بل جاء ضمن السرد العام لرواية، ويحدثنا عن تمتعه بجمال أم نصري عندما رآها بجسدها البض: "وقفت، أنتظرها بمتعة خرساء، اتفحص جسدها البض الشموخ، جسدها الأبيض كالسحلب، جسد قد من رخام المرمر تنسدل وتنسدح فوق زواياه خصلات شعرها الفاحم بغزارة" ص62، فأم نصري تمنح السارد ما لا تمنحه أمه، لهذا جعلها هي من تقوم بحمامه، أو أراد أن يحدثنا عن مشاعره عندما قامت أم نصري بحمامه: "تغسلني ببخار يتصاعد من خلاياها في روضها العاطر جسدها رياض وروض، عامر بفاكهته وثماره، منفتح بزهره عابق بريحانه تداعب جسدها بجسدي، تداعب لحم عصافيري بحرارة مياه خليجها وبحرها ومحيطها ولا أغرق رغم أني ما تعلمت السباحة والرماية ولا ركوب الخيل، فأسخن" ص74، علمان أنه كان من الأولى أن تقوم امه بذلك، لكن بما أنه تحدث عن متعة الجسد والشهوة والجسد البض، فآثر إخفاء الأم وتقديم "أم نصري عليها، حيث لا حرج أن يتحدث عنها.
وهناك فضل لأم نصري على السارد الذي تعرف على السينما وهو طفل: "فتحت باب السماء دونما أدعية وابتهالات، على يد أم نصري تعرفت على السينما ودخلتها قبل أن أعرف ما هي السينما وأغرق بتفاصيلها وعوالهما قبل أن أدخل المدرسة" ص65، من هنا يمكننا القول أن أم نصري كانت باب الجنة بالنسبة للسارد، عرفته على الجمال، وتفاصيل الجسد، وعلى عالم الفن، وعلى النضال وعلى الفرح، فهي من منحه وعرفه على المحرمات/المحظورات الاجتماعية، الجنس، السياسة، العمل السري.
أما كيف تناول السارد أمه، فجاءت بصورة الأم المثالية، الأم المطلقة، فتناولها بوقار واحترام، عندما جاءت أم نصري لتطلب السارد ليأتي معها إلى السينما، قدمها بهذا الصورة: "ابتسمت أمي ابتسامتها الخجولة، التي حافظت عليها بمسحة من الخجل حتى الممات" ص66، وعندما عرفت امه أنه يراسل بنت الجيران، خاطبته بلهجة حاسمة: "(بعدك ما اطلعت من البيضة، بتحب، بتكتب رسائل! لمين؟!لبنت الجيران الآدمية، بدك تفضحنا مع جيراننا الأوادم" ص191و192، وهنا يكون السارد قد تعلم من أمه الالتزام واحترام الآخرين/الجيران، وعرف السلوك السوي من السلوك الشاذ، وإذا ما زاوجنا/جمعنا بين هذا الالتزام الأخلاقي والمبدئي، مع ما تعلمه من أم نصري، الثورة والتمرد، نكون أمام شخصية متمردة لكنها ملتزمة ومنتمية لمجتمعها ولوطنها، بهذا يكون السارد قد حصل على الأسس الثابتة والراسخة ليكون فاعلا في وطنه ويعطي شعبه/امته، فكان فضل بناء شخصيته لأم نصري المتمردة ولأمه الملتزمة.
أثر المرأة
ستكون أم نصري هي مفتاح السارد للجنس الآخر، مفتاحه لعالم الجمال والأدب، لهذا يحدثنا عنها ليس بصوت الطفل، بل بصوت الناضج: "أحببت أم الجراء حبا من نوع آخر، ليس قبله ولا بعده، ...حب الدهشة والصدمة، حب الاكتشاف/ حب الصوص الذي نقر البيضة وطلع إلى الدنيا (فارعا دارعا) .. أحببتها قبل أن أعرف ما هو الحب، أي حب أحببتها قبل الحب" ص63، فهنا كان من المفترض أن يخاطبا السارد لغة الطفل، لكن الأثر الصدمة التي أحدثتها أن نصري، جعلته يتجاوز الطفولة إلى الرشد، فاللغة التي تكلم بها تؤكد على أن أثرها كان هائلا عليه ومستمران فبدى لنا وكأنه عاشق ولهان بحبيبته.
جمال أم نصري جمال مطلق، لا يمكن أن يكون له مثل، لهذا كان جمالها لا يمكن أن يقارن بأي جمال أخر، وجسدها لا يمكن أن يكون له شبيه، فقد ارتوى السارد من جمال الجسد بحيث لم يعد بحاجة لأي جسد أو جمال آخر: "بهده لم أسع إلى جسد، لم تفاجئني الهضاب والتكويرات والثنايات التي رأيتها في الدروب، التي لا تشبه دروب تبانتها المنير.
عشت عفيفا خفيفا منزها عن اللغو والحماقات، لم يغرني المبهج الفتان، كأني سرحت في عوالم الرهبان والرهبنة ولجمت النفس بلجام تصعيد الشهوات والترفع" ص64، الزاد الذي تزوده السارد جعله لا يجوع بعده ولا يظمأ، فأثر الحمام بقى عالقا فيه: "استنشقت رائحة طراوة النهدين في فوحها ورائحة حرارتهما، التي ليس كمثلها، طراوة ولا تبلغها مهما بلغت حرارة وسخونة، نعم، للطراوة رائحة، تختلف عن النكهة" ص75، وعندما يضيف السارد إلى هذا الأثر الجمالي/المادي الجسدي، جمال معنوي، روحي: "..حفرت الحروف والهجاء حفرا في ذاكرتي كالنقش في الحجر، القلم علمني الرسم وسهام شجعتني وامتدحتني (كبرت راسي) وهي تتغزل بأصابعي النحيلة الطويلة. أحلى من اصابع البنات، يا عمي، أصابع رسام" ص78، بهذا يكتمل بناء شخصية السارد، فهو يعي معنى الجمال، ووصل/شاهد الذروة، فلم تعد الصغائر، الشذرات تؤثر فيه، كما أنه تعلم الرسم والكتابة، ومن من؟، من المرأة، المرأة التي لها سحر خاص، فحولت أحلامه من طفل صغير طفل كبير، يحلم بما يتجاوز واقعه وعمره.
إذا عدنا إلى "أم نصري" والسينما، سنجد السارد ـ بعد نضوجه ـ ما زال متأثرا بها، فعالم السينما وعالم النساء مرتبط مع بعضه: "أحببت (صوفيا لورين) صاحبة الجمال الفتان والأنوثة الطاغية، التي زارتني في أربد مع باقي الجميلات.
عشت مع بريق عينيها وفمها المميز وكتفيها، كتفي الفرس وشعرها البني وبروز عظام الوجه وصدرها البحري الأمواج وأصلها الفلسطيني... كبر حب أم نصري معي بلا حرير، بلا ستائر، أنه (التبان)" ص238، رغم البعد الزمني بين الذهاب الأول للسينما والذهاب الثاني، إلا أن الأول مستمر في التأثر والإثارة، وإذا ما توقفنا عند هذا الكلام سنجد فيه السينما وجمال المرأة، وهو ما كان في مشواره الأول، وتأكيدا على استمرارية "أم صبري" نجده يذكرها بعد كل هذه السنين وبعد هذا العمر، وللافت أن السارد أضاف العامل الوطني "وأصلها الفلسطيني" وكأنه يستعيد ويؤكد على مواصلة نهج أم نصري الوطني/التحرري، فجمع الجمال والوطن الذكريات الأولى معا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف