
الشعر في "كتاب الوجه- هكذا تكلم ريشهديشت" للشاعر محمد حلمي الريشة
بقلم: رائد الحواري
أن يقدم الشاعر كتاباً يغلب عليه الومضة، فهذا أمر صعب، ويحتاج إلى مجهود استثنائي، بخاصة أنه يضم خلاصة رؤيته/ تجربته كشاعر في هذا الكتاب، والجميل في الومضة أنها مكثفة وخاطفة، وتأتي بشكل ولغة سلسة، لكن الفكرة عميقة ونافذة، هناك أكثر من موضوع وفكرة في الكتب، لكن مهنة محمد حلمي الريشة كشاعر، جعلت موضوع الشاعر والشاعر هو الغالب على بقية المواضيع، ولا أبالغ أن قلت إن "كتاب الوجه" يمكن أن يكون من الكتب المهمة لتثقيف الشعراء، لكثافة المقاطع المتعلق بالشعر والشعراء، والرؤى التي يطرحها للقراء.
الشِّعْرُ لَا يُلْقَى.. الشِّعْرُ يُقْطَفُ؛
بِشِغَافِ الْقَلْبِ، وَلَا يُعْرَفُ !(ص20)
يستوقفنا فعل "يلقى"، فالإلقاء هنا ليس مواجهة الجمهور، بل له معنى آخر، القطف، الذي يحتاج إلى مجهود من المتلقي ليحصل على ثمرة الشعر، وكما أن الشاعر يؤكد على أن الشعر لا يُعرف من الشاعر، وعلى من يقطفه أن يكتشف فائدة وجمال هذا الثمر.
اِقْرَأْ...
مِنْ قَبْلِ أَلَّا تَرَى إِلَّا بِعُكَّازٍ،
وَمَاءُ الْعَيْنِ يَصْدَأْ !(ص21)
حكمة القارئ المتمرس لمن لا يقرأ، فهو ينذرنا ويرشدنا إلى أهمية القراءة، والجميل في الفكرة الشكل الذي قدمت به، "عكاز" بدل نظارة، يصدأ بدل ضعف النظر، لهذا نجد أثر الحكمة أقوى على القارئ وأكثر فاعلية..
الْحُرُّ مِثْلُ قَلَمِ الرَّصَاصِ؛
كُلَمَّا بَرَيْتَهُ-
كُلَمَّا صَارَ مُدَبَّبًا أَكْثَرَ !(ص29)
أدوات الشاعر القلم والورق، من هنا نجده يركز على ذكر أدواته، وحتى إذا صرفنا النظر عن الفكرة التي تحملها الومضة، تبقى الألفاظ المجردة: "قلم رصاص، بريته، مدبباً"، لها أثر على القارئ، وكأنه بها يدعو القارئ للتقدم منها واستخدامها، وهنا تجتمع الفكرة والألفاظ معاً في خدمة المعنى الذي أراده الشاعر.
الشِّعْرُ؛ أَرْقَى لُغَةٍ، كِتَابَةً وَقِرَاءَةً، لِلتَّحَدُّثِ مَعَ الذَّاتِ. (ص34)
أيضاً نجد أدوات الشاعر حاضرة: "الشعر، أرقى، لغة، كتابة، قراءة"، من هنا يكون الأثر الذي ستتركه الومضة على القارئ يأتي من الفكرة ومن خلال الألفاظ.
بُحَيْرَةُ الشَّاعِرِ ضَيِّقَةٌ..
قَارِبُهُ فِي أَعْمَاقِهَا..
مِجْذافُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ..
رُؤْيَاهُ إِلَى حَيْثُ لَا يَرَى !(ص41)
يبدو للوهلة الأولى، أن الشاعر تخلّى عن أدوات الشعر، فلا نجد قراءة ولا كتابة ولا قلماً، لكن نجد "بحيرة، قاربه، مجذافه"، أعتقد أن القارب والمجذاف لهما علاقة بالبحر، وهذا البيت القصيد، الشاعر يقدم أدواته بصورة مستترة، بالإيحاء، فبحور الشعر هي الأسس التي يعتمدها الشاعر في شعره، وإذا أخذنا "الأعماق" نصل إلى عمق الشعر، وعدم سطحيته، بهذا الشكل يوصل الشاعر فكرته عن الشعر وكتابته الشعرية.
مُعْظَمُ الشُّعَرَاءِ جُبَنَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ تَجْرِبَةَ المَوْتِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَهَا انْتِحَارًا! (ص49)
يتناول الشاعر طبيعة/ نفسية الشعراء، فمن خلال تجربته اكتشف هذه الحقيقة، ضعف الشعراء أمام الموت، لكن، الموت يرعب بطبيعته، فلماذا ذكر الشعراء فقط؟ المشاعر المرهفة للشعراء، والإنسانية النبيلة والتي تصل إلى مرتبة النبوية، تجعلهم يفكرون بالموتى أكثر من غيرهم، لهذا وصفهم بالجبناء، طبعاً هناك شعراء انتحروا، مثل "يسنين، مايكوفسكي، خليل حاوي". الحقيقة أن الشاعر يتناول الواقع بطريقته الخاصة، ورغم (شح) الشعر السياسي عند الشاعر، إلا أنه عندما يكتب عن السياسي يكون الشعر هو الأساس، فلا يقدم لغة أو أسلوباً ضعيفاً، بل يبقى محافظاً على اللغة.
زَهْرَةً بِلَاسْتِيكِيَّةً كَانَتْ
تِلْكَ الَّتِي حَطَّتْ عَلَيْهَا
نَحْلَةُ الرَّبِيعِ ا لْ عَ رَ بِ يِّ! (ص61)
جمالية الصورة في النحلة والزهرة، والخيبة كانت في "بلاستيكية"، وعندما قطّع كلمة "العربي" أراد بها أن يشير إلى تفسخ وتشرذم الواقع العربي، ليس الرسمي فحسب، بال أيضًا أدوات التغيير، من هنا يوصل الفكرة من خلال الألفاظ ومن خلال الشكل.
فِي الْقُدْسِ-
طَاعِنٌ بِالسِّنِّ..
حَفِيدُهُ-
طَاعِنٌ بِالسِّكِّينِ.. (ص79)
تركيب المقطع متشابك، القدس والطاعن في السن، يشير إلى العراقة والأصالة، لكن "حفيده"، عندما وصفه طاعناً بالسكين، أحدث دهشة/ صعقة عند القارئ، فرغم قلة الكلمات إلا أن الفكرة تصل بطريقة سلسة وصادمه في ذات الوقت، فالفكرة التي جاءت في آخر كلمة "بالسكين" خاطفة، تتماثل مع عملية الطعن السريعة والصادمة للمحتل.
بقلم: رائد الحواري
أن يقدم الشاعر كتاباً يغلب عليه الومضة، فهذا أمر صعب، ويحتاج إلى مجهود استثنائي، بخاصة أنه يضم خلاصة رؤيته/ تجربته كشاعر في هذا الكتاب، والجميل في الومضة أنها مكثفة وخاطفة، وتأتي بشكل ولغة سلسة، لكن الفكرة عميقة ونافذة، هناك أكثر من موضوع وفكرة في الكتب، لكن مهنة محمد حلمي الريشة كشاعر، جعلت موضوع الشاعر والشاعر هو الغالب على بقية المواضيع، ولا أبالغ أن قلت إن "كتاب الوجه" يمكن أن يكون من الكتب المهمة لتثقيف الشعراء، لكثافة المقاطع المتعلق بالشعر والشعراء، والرؤى التي يطرحها للقراء.
الشِّعْرُ لَا يُلْقَى.. الشِّعْرُ يُقْطَفُ؛
بِشِغَافِ الْقَلْبِ، وَلَا يُعْرَفُ !(ص20)
يستوقفنا فعل "يلقى"، فالإلقاء هنا ليس مواجهة الجمهور، بل له معنى آخر، القطف، الذي يحتاج إلى مجهود من المتلقي ليحصل على ثمرة الشعر، وكما أن الشاعر يؤكد على أن الشعر لا يُعرف من الشاعر، وعلى من يقطفه أن يكتشف فائدة وجمال هذا الثمر.
اِقْرَأْ...
مِنْ قَبْلِ أَلَّا تَرَى إِلَّا بِعُكَّازٍ،
وَمَاءُ الْعَيْنِ يَصْدَأْ !(ص21)
حكمة القارئ المتمرس لمن لا يقرأ، فهو ينذرنا ويرشدنا إلى أهمية القراءة، والجميل في الفكرة الشكل الذي قدمت به، "عكاز" بدل نظارة، يصدأ بدل ضعف النظر، لهذا نجد أثر الحكمة أقوى على القارئ وأكثر فاعلية..
الْحُرُّ مِثْلُ قَلَمِ الرَّصَاصِ؛
كُلَمَّا بَرَيْتَهُ-
كُلَمَّا صَارَ مُدَبَّبًا أَكْثَرَ !(ص29)
أدوات الشاعر القلم والورق، من هنا نجده يركز على ذكر أدواته، وحتى إذا صرفنا النظر عن الفكرة التي تحملها الومضة، تبقى الألفاظ المجردة: "قلم رصاص، بريته، مدبباً"، لها أثر على القارئ، وكأنه بها يدعو القارئ للتقدم منها واستخدامها، وهنا تجتمع الفكرة والألفاظ معاً في خدمة المعنى الذي أراده الشاعر.
الشِّعْرُ؛ أَرْقَى لُغَةٍ، كِتَابَةً وَقِرَاءَةً، لِلتَّحَدُّثِ مَعَ الذَّاتِ. (ص34)
أيضاً نجد أدوات الشاعر حاضرة: "الشعر، أرقى، لغة، كتابة، قراءة"، من هنا يكون الأثر الذي ستتركه الومضة على القارئ يأتي من الفكرة ومن خلال الألفاظ.
بُحَيْرَةُ الشَّاعِرِ ضَيِّقَةٌ..
قَارِبُهُ فِي أَعْمَاقِهَا..
مِجْذافُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ..
رُؤْيَاهُ إِلَى حَيْثُ لَا يَرَى !(ص41)
يبدو للوهلة الأولى، أن الشاعر تخلّى عن أدوات الشعر، فلا نجد قراءة ولا كتابة ولا قلماً، لكن نجد "بحيرة، قاربه، مجذافه"، أعتقد أن القارب والمجذاف لهما علاقة بالبحر، وهذا البيت القصيد، الشاعر يقدم أدواته بصورة مستترة، بالإيحاء، فبحور الشعر هي الأسس التي يعتمدها الشاعر في شعره، وإذا أخذنا "الأعماق" نصل إلى عمق الشعر، وعدم سطحيته، بهذا الشكل يوصل الشاعر فكرته عن الشعر وكتابته الشعرية.
مُعْظَمُ الشُّعَرَاءِ جُبَنَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ تَجْرِبَةَ المَوْتِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَسْتَطِيعُونَهَا انْتِحَارًا! (ص49)
يتناول الشاعر طبيعة/ نفسية الشعراء، فمن خلال تجربته اكتشف هذه الحقيقة، ضعف الشعراء أمام الموت، لكن، الموت يرعب بطبيعته، فلماذا ذكر الشعراء فقط؟ المشاعر المرهفة للشعراء، والإنسانية النبيلة والتي تصل إلى مرتبة النبوية، تجعلهم يفكرون بالموتى أكثر من غيرهم، لهذا وصفهم بالجبناء، طبعاً هناك شعراء انتحروا، مثل "يسنين، مايكوفسكي، خليل حاوي". الحقيقة أن الشاعر يتناول الواقع بطريقته الخاصة، ورغم (شح) الشعر السياسي عند الشاعر، إلا أنه عندما يكتب عن السياسي يكون الشعر هو الأساس، فلا يقدم لغة أو أسلوباً ضعيفاً، بل يبقى محافظاً على اللغة.
زَهْرَةً بِلَاسْتِيكِيَّةً كَانَتْ
تِلْكَ الَّتِي حَطَّتْ عَلَيْهَا
نَحْلَةُ الرَّبِيعِ ا لْ عَ رَ بِ يِّ! (ص61)
جمالية الصورة في النحلة والزهرة، والخيبة كانت في "بلاستيكية"، وعندما قطّع كلمة "العربي" أراد بها أن يشير إلى تفسخ وتشرذم الواقع العربي، ليس الرسمي فحسب، بال أيضًا أدوات التغيير، من هنا يوصل الفكرة من خلال الألفاظ ومن خلال الشكل.
فِي الْقُدْسِ-
طَاعِنٌ بِالسِّنِّ..
حَفِيدُهُ-
طَاعِنٌ بِالسِّكِّينِ.. (ص79)
تركيب المقطع متشابك، القدس والطاعن في السن، يشير إلى العراقة والأصالة، لكن "حفيده"، عندما وصفه طاعناً بالسكين، أحدث دهشة/ صعقة عند القارئ، فرغم قلة الكلمات إلا أن الفكرة تصل بطريقة سلسة وصادمه في ذات الوقت، فالفكرة التي جاءت في آخر كلمة "بالسكين" خاطفة، تتماثل مع عملية الطعن السريعة والصادمة للمحتل.