بلى.. تقدرين
د. محمد سعيد
ولدت في بريطانيا لأب أمريكي وأم إنجليزية، وكانت صغرى ثلاثة أولاد لهما، عاشت طفولة سعيدة في مسقط رأسها؛ إذ كان والدها مرحاً محباً للحياة، وأمها ذكية طموحة تعتقد اعتقاداً راسخاً أن أطفالها قادرون على كل شيء. لم تذهب "أغاثا كريستي" قط إلى المدرسة، بل تلقت تعليمها على يد أمها في المنزل، ومن المفارقات العجيبة أن "أغاثا" عانت من صعوبات في فهم قواعد اللغة وتهجي الحروف. وكان الفضل لوالدتها في توجهها نحو الكتابة والتأليف، إذ شجعتها عليها في وقت مبكر من حياتها؛وكلما قالت لا أقدر! قالت لها أمها: "بلى.. تقدرين، حاولي وسترين". ومن هنا بدأت الكتابة قابضة الصدر، ثم دخلت عالم الكتابة الواسع الرحيب، وقد تميزت قصصها بالدقة والحبكة وترابط الأحداث والتسلسل المنطقي، بالإضافة إلى الكم الهائل من الألغاز الغامضة في البناء الشخصي والحوار والشخصيات. وقد ساعدها خيالها الخلاق في إيجاد تكنيك قصصي يستند إلى الحيلة أو الخدعة كأسلوب إثارة وتشويق مفعم بالغموض، كما تميزت رواياتها بالغور في أعماق النفس البشرية محللة كوامنها باحثة عن دوافعها بعبقرية فذة وبصيرة نافذة قلما توجد في كُتّاب آخرين، وجاء هذا كله في لغة سهلة سلسة فلاقت بذلك رواجاً جماهيرياً واسعاً.
كتبت "أغاثا كريستي" سبعة وستين رواية طويلة وعشرات القصص القصيرة التي نشرت في ثلاث عشرة مجموعة، كما كتبت ست عشرة مسرحية أشهرها مسرحية "مصيدة الفئران" التي تعد أطول المسرحيات عرضاً في التاريخ، إذ ما زالت تعرض في لندن منذ عام 1930 وقد مثلت أكثر من عشرين ألف مرة. وطبع من كتبها ما يقارب ملياري نسخة وترجمت أعمالها إلى خمسين لغة، وبذلك تصبح مبيعات الروايات التي ألفتها "أغاثا كريستي" تفوق مبيعات الكتب العربية ومؤلفات الكُتّاب العرب منذ الدولة الأموية بعشرات الأضعاف، وتفوق نسبة ترجمة أعمالها إلى لغات العالم ترجمة الأعمال العربية منذ عصر المأمون.
إن ما بلغته "أغاثا كريستي" من الشهرة والمجد كان ثمرة جهد ومثابرة وإخلاص عُرف عنها، ولا أدري لماذا ذكرتني قصة "أغاثا كريستي" بما أشار إليه أنيس منصور بعد رحلته حول العالم من أن الإنسان يستطيع الكثير، يستطيع العمل عشرين ساعة دون أن يتعب؛ ففي كل إنسان قوة هائلة لا يستطيع أن يستغلها، وفي كل إنسام كنز من الحيوية والقدرة على الفهم والاحتمال والصبر وأننا لا ننفق من هذا الكنز إلا قليلاً، وأن الإنسان يأكل ويشرب وينام أكثر مما يجب وأنه يعمل أقل مما يجب، وأنه لا يعرف نفسه، وأنه لا يعرف حدوده الشاسعة الواسعة.
د. محمد سعيد
ولدت في بريطانيا لأب أمريكي وأم إنجليزية، وكانت صغرى ثلاثة أولاد لهما، عاشت طفولة سعيدة في مسقط رأسها؛ إذ كان والدها مرحاً محباً للحياة، وأمها ذكية طموحة تعتقد اعتقاداً راسخاً أن أطفالها قادرون على كل شيء. لم تذهب "أغاثا كريستي" قط إلى المدرسة، بل تلقت تعليمها على يد أمها في المنزل، ومن المفارقات العجيبة أن "أغاثا" عانت من صعوبات في فهم قواعد اللغة وتهجي الحروف. وكان الفضل لوالدتها في توجهها نحو الكتابة والتأليف، إذ شجعتها عليها في وقت مبكر من حياتها؛وكلما قالت لا أقدر! قالت لها أمها: "بلى.. تقدرين، حاولي وسترين". ومن هنا بدأت الكتابة قابضة الصدر، ثم دخلت عالم الكتابة الواسع الرحيب، وقد تميزت قصصها بالدقة والحبكة وترابط الأحداث والتسلسل المنطقي، بالإضافة إلى الكم الهائل من الألغاز الغامضة في البناء الشخصي والحوار والشخصيات. وقد ساعدها خيالها الخلاق في إيجاد تكنيك قصصي يستند إلى الحيلة أو الخدعة كأسلوب إثارة وتشويق مفعم بالغموض، كما تميزت رواياتها بالغور في أعماق النفس البشرية محللة كوامنها باحثة عن دوافعها بعبقرية فذة وبصيرة نافذة قلما توجد في كُتّاب آخرين، وجاء هذا كله في لغة سهلة سلسة فلاقت بذلك رواجاً جماهيرياً واسعاً.
كتبت "أغاثا كريستي" سبعة وستين رواية طويلة وعشرات القصص القصيرة التي نشرت في ثلاث عشرة مجموعة، كما كتبت ست عشرة مسرحية أشهرها مسرحية "مصيدة الفئران" التي تعد أطول المسرحيات عرضاً في التاريخ، إذ ما زالت تعرض في لندن منذ عام 1930 وقد مثلت أكثر من عشرين ألف مرة. وطبع من كتبها ما يقارب ملياري نسخة وترجمت أعمالها إلى خمسين لغة، وبذلك تصبح مبيعات الروايات التي ألفتها "أغاثا كريستي" تفوق مبيعات الكتب العربية ومؤلفات الكُتّاب العرب منذ الدولة الأموية بعشرات الأضعاف، وتفوق نسبة ترجمة أعمالها إلى لغات العالم ترجمة الأعمال العربية منذ عصر المأمون.
إن ما بلغته "أغاثا كريستي" من الشهرة والمجد كان ثمرة جهد ومثابرة وإخلاص عُرف عنها، ولا أدري لماذا ذكرتني قصة "أغاثا كريستي" بما أشار إليه أنيس منصور بعد رحلته حول العالم من أن الإنسان يستطيع الكثير، يستطيع العمل عشرين ساعة دون أن يتعب؛ ففي كل إنسان قوة هائلة لا يستطيع أن يستغلها، وفي كل إنسام كنز من الحيوية والقدرة على الفهم والاحتمال والصبر وأننا لا ننفق من هذا الكنز إلا قليلاً، وأن الإنسان يأكل ويشرب وينام أكثر مما يجب وأنه يعمل أقل مما يجب، وأنه لا يعرف نفسه، وأنه لا يعرف حدوده الشاسعة الواسعة.