الأخبار
2024/4/16
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وكما انت تعال.. عشوائيات في الحب – العشوائية العشرون بقلم:د.سمير محمد أيوب

تاريخ النشر : 2020-02-21
كتب الدكتور سمير محمد ايوب
، وكما انت تعال ...
عشوائيات في الحب – العشوائية العشرون
سألتُهُ ضاحِكا بعد أنْ ظَهَرَتْ على مِنَصَّةِ التَّكريمِ في جامعة مؤتة ، ما بالُكَ تَلْهَثُ يا صاحبي ، أيَقصِفُكَ طيرُ الأبابيل ؟!
ما بالك واجمٌ يا أستاذ ، أعَلَى رأسِكَ طَيرٌ ؟!
إلى أينَ تَغُذ ُّالخُطى يا ناعس الطَّرفِ ، مُدبِراً صوبَ المَغيبِ ؟
فقالَ كمَنْ يبحثُ عنْ قَشَّةٍ يَتَعَلَّقُ بها : جَمالُها كما تَرى ، يفيضُ عن المسموحِ به . كلما خالَطْتُهُ أزدادُ تَوَرُّطاً بها . إنها تُشبهُ روحي كثيرا ، بِتُّ بها مكتظّاً .
قلت له دعنا ننصت لوقائع الحفل . وما ان اكتملت مراسم التكريم ، خرجنا إلى باحاتٍ مُطَرَّزَةٍ بالشجر المنسق بعناية فنان ، ومرصعة بورد شتوي ، يغمره دفء شمس الظهيرة .
وبعد دقائق من المشي البطيء ، قلت بِحيدةٍ مشبوهةٍ : لنكمل حديث القاعة ، هاتِ زَهْرَك . ما المشكلة يا صديقي ؟
قال متأفِّفاً : أقفُ أمامها عاجزاً . بُحَّ قلبيَ مِنَ التَّوَجُّعِ .
قلتُ مُتجاهِلاً ما أعرف مِنْ شأنهما : لِمَ ؟
قال وكأني لا أعرف شيئا عنهما : إنها في العُمْرِ وغيرِ العُمْر ، تجلسُ على الضفاف الأخرى من الحياة . وأنا كما تَعلَم إلى المَصبِّ أقرب . مصيبةٌ أنْ يستفيقَ لك هوىً مثيراً للجدل ، وأنتَ لا تُشاطئُ مَنْ تُحِبّ . أكمل وانا مصر على الصمت : تعمُّدا غيَّبتُها من عيْنَيَّ ، وفي القلب أبقيتُها تُقيم . رحَلتُ عنها ولمْ ترحَلْ مِني . كلُّ شيءٍ حوليَ مأجَّجاً بها ، يتأرجحُ بينَ شوقٍ لها وتوجُّسٍ مِنْها .
وأنا ما زلت صامتا ، مُحملقاً في المدى ، أكْمَلَ قائلا : في ليلةٍ ولا أبرد إرتَدَيْتُها . وتنزَّهْتُ مُطوَّلاً معَ وحدتي فيها. وقفتُ أمام زوايا كثيرةٍ منها . أخذتُها معي لله . غافَلْتُ عقليَ وداعبتُ شاشةَ الجوَّالِ ، حتى لَسَعَني نداءُ صَوْتها . أغلقتُ الجوَّالَ وألقيتُ به بعيداً . في ليلتي تلك ، ثَرثرتُ لها كثيرا ، حتى سِكَنَتْ تفاصيلُها ملامحَ صُبحي . سَمِعتُها تُمطرُ في كلِّ جِهاتي حَنيناً : أرجوكَ لا تَمرَّ بِبالي وأنا أشربُ قهوتي بعيداً عنك .
كنتُ صامتاً ، أتابعُ حَراكَ العصافيرِ أمامَنا ومِنْ حولِنا ، حينَ ناولَني ورقةً مطويةً بِعناية ، يغشاها خليطُ الجوري والياسمين . أمسَكَتْ أطرافُ أصابعي بها ، كأنَّها قارورةَ عِطرٍ . نظرتُ إليه مُتسائلا دونَ قولٍ . أدْرَكَ ما وَدِدت ألإستفسارَ عنهُ ، فقال : إنَّها رسالةٌ مِنها . وجَدتُها صباحَ هذا اليوم في صندوقِ جريدتي على باب داري . ما أن بَسطتُها ، حتى إلتقى بَصريَ بِحَرفِها له :
أعْلمُ أنَّ ألعيبَ ليسَ فيك . ولكنْ ، ألا يُخْجِلُكَ ما يُحاصِرُكَ ، من حنينٍ يَحتَلُّني لك ؟!
بِحقِّي عليكَ ، توقَّفْ عنِ الانتظار يا رجل . لِمَ كلُّ هذا ألكبرياءِ العقيم ؟! لا تُجْلِسْ رحيلَك المُلتبسَ على قَنطرةِ العِناد .
عَلَيكَ اللهفةُ ، لا شيءَ بِخيرٍ بَعدَك . لقد سدَدْتَ بواباتَ العبورِ وطرقَ المُرور . دونَك ظلامٌ مِنْ نور . يتجمَّدُ في عتْمِه كلُّ شيءٍ ، إلاَّ الشوقُ والحنينُ والعِطر .
مَرُّوا مِنْ هُنا يوماً ما . كانوا هُنا صحيحٌ . كلُّهُم سواءٌ إلا أنتَ . كلُّ شيءٍ حوليَ هوَ أنتَ . أجملُ النصوصِ أنتَ . والرجالُ مِنْ بعدِكَ حكاياتٌ مُمِلةٌ . هُمْ بقاياكَ . رحَلوا ولمْ يَهزموك . ما زالتْ بَسماتُ عينيكَ ، وبشاشةُ وجهك غيرَ ديموقراطية . يَهزمُني استبدادها . وعشوائياتُك تفتكُ بي . ويَخترقُ عُزلَتي رنينُ صداك .على يديك تشكلتُ . ونَبَتَ ليَ ريشٌ . بكَ تَشبثتُ ، دونَ أنْ يَقُضَّ مضجعيَ توقُّعٌ أو تبريرٌ أو تفسيرٌ .
إعْلَمْ أنَّك رَجُلي في كلِّ ضَواحيَ القلب . وفي لُجَجِهِ سيِّدُ الرجال . ومَنْ عَداكَ تفاصيلٌ على مَشارِفِك . بعضُهم ظِلالٌ ، وبعضهم وجعٌ ، وبعضهم خيبةٌ ، وجُلُّهُم خَيال .
إحتضنْ مشاعِرَكَ ، وكما أنت تعالْ . بِحجمِ قهقهاتِ عينيكَ تَعال . فَمِنَ الظُّلمِ أنْ تأتيَ بحجمِ توقُّعاتِ أحد . لا بأسَ إنْ تَلَفَّتتَّ حولَك . ولكن تعال أعيشُك ، ما أقربَك . تعال رتِّلْ مَعي رَسائلَنا كلَّ ليلةٍ . مخزونيَ مِنكَ لمْ يَنْضَب . ما زِلْتُ فوقَ جُدرانيَ أعْتَقِلُ بريقَ ضحكاتِك ، ونمنماتَ شفَتيكَ ، وتَمَلْمُلَ أصابِعَكَ المُشاغبة .
كاذبٌ صمتيَ ، وجاحدٌ نِسياني . موجعٌ غِيابُك . أتغيبُ بعدَ إدماني !! ما أظْلَمَكْ . لَمْ أتأقلَم في محطَّاتِ غِيابك ، لَمْ أتعوَّدَ أيَّ شيءٍ . كلَّما غَطَّني سوءُ المِزاجِ بِعُزْلَتِه ، آتيكَ لتكونَ أوَّلَ المُدَثِّرين . أنفردُ بك كلَّما وَدِدْتُ التَّحدُّثَ معَ صمتِيَ . أغْمِضُ عَينيَّ ليَتوهجُ بريقُها بِكَ ، يَشِفُّ سمعيَ كثيراً فأبتسمُ لك .
بعدَ مُنتصفِ كلِّ لَيلٍ ، يُقيمُ لكَ قلبيَ حفلةَ صَخبٍ وحُمْقٍ . حتى أغفو شهيدةً في قلبك ، بِلا أسئلةٍ ، وبِلا تبريرٍ وبِلا تَوَقع .
خارجَ السِّرْبِ أنا . وأعْلَمُ أنَّني داخلَ ألمشهدِ لستُ ألأجمل . ولكنَّي كَبِرتُ لأجلِك . تعال إجْمعْ في سِلاليَ ، كلَّ مراحلَ ما مضى من إيقاعاتِ عُمرِكَ. فأنتَ بعدَ الستَّينِ لَمْ تَكْبَر . وأنا بعد الأربعين لمْ أعُد أصْغَرْ . تعالَ ، ستجِدُني عند حوافِّ السنينَ لمْ أبارِح .
نَظرَ صاحبي إليَّ باحثاً عن مُعين . أوقَفْتُه ، أمسكتُ بكتفِه ، واتجهت به إلى السيارة ، وأنا أقولُ لهُ لائماً :
يا بَخيلَ الوصلِ ، كقَطرةِ الماءِ أنتَ . لا تدري مُبتداكَ ، ولا تتوقع مُنْتهاك . خُذْ مِنْ حَصاها أربَعاً تِلوَ أربَعٍ . وارجم أبالِسَتَك ، وشياطينَ ما قد مضى من عمُرِكَ . أنْتُما حالةُ عشقٍ خاصة ، لا يفهمها إلا مجنونٌ مثلَكُما .
إمضِ دونَ أنْ يُثقِلَ كاهلُكَ عبءُ الناس ، وعَدَّادُ السنين . ألحُبُّ مَلعبُكَ ومَرتَعُكَ . قَيْسُكَ شابٌّ ، ما زال شاباً كَلَيْلاكَ . إهدِمْ بِجُرأةٍ ذاكَ الجِدارَ الوَهْمي ، الذي يُلبِسُكَ قالَبَ الكمالِ المُزَيَّفِ . وبَدِّل مخاوفَك بأملٍ قادمٍ مِنْ عينيها . ولْيَتَوقَّفَ بعدَها الزمَنْ .
وحَقِّ لَياليهِ العَشْر ، لو أن المُشتاقَ يُؤجَر ، لكُنْتُما أكثرَ خلقِ اللهِ أجراً . فالحبُّ العاريَ مِنْ أنفاسِ الشوقِ ، طَحابيشٌ كفيفةٌ ، تمشي بِلا عصاً يا صديقي .
الأردن – 20/2/2020
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف