الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللغة والألم في "القرص المربع" كميل أبو حنيش بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2020-02-20
اللغة والألم في "القرص المربع" كميل أبو حنيش  بقلم: رائد الحواري
اللغة والألم في
"القرص المربع"
كميل أبو حنيش
الشاعر/الكاتب الجيد هو الذي يحسن تقديم أفكاره، فيستخدم طريقة سهلة، وللغة ناعمة، وأسلوب سلس، يخفف بها على المتلقي شيئا من قسوة الأحداث/الأفكار، وهذا يخدم التقارب بين الكاتب/الشاعر وبين القارئ، فعندما يكتشف حجم الألم والقسوة التي جاءت في النص، واللغة الناعمة والهادئة التي قدمت بها، يعلم القارئ أن الكاتب/الشاعر يحرص على مشاعره واحاسيسه بحيث يحاول أن لا يؤذيه أو يؤلمه بقسوة الفكرة.
بكل حيادية هذه الرسالة من أنعم واقسى الرسائل التي أرسلها كميل أبو حنيش، وهذا (التناقض) هو ما يميز "القرص المربع" فالعنوان يستوقفنا، حيث جمع بين متناقضين، القرص والمربع، فرغم أن كلهما يشير إلى الانغلاق، إلا أن الشكل الهندسي مختلف تماما، وهذا يستوقف القارئ ويجعله يدخل إلى الرسالة، متقدما منها ليعرف ماهية القرص المربع.
مقدمة أي نص أدبي مهمة وضرورية كالعنوان تماما، فهي أيضا تسهم في تقديم أو تراجع المتلقي عن النص، من هنا يقدمنا المرسل بطريقة تاريخية وعلمية من رسالته:
"هي الشمس، أم الكائنات، ومعبودة الأمم الغابرة، ملهمة الشعراء، ورمز الفلاسفة والمفكرين،...منها اشتققنا أجمل الاستعارات والدروس والمعاني، فهي رموز الحرية والعلم والثقافة والجماليات في الوجود" يكشف المرسل مكانة الشمس تاريخيا وأنيا، وهذا الشكل من التقديم جاء بلغة بيضاء وناعمة، بعيدا عما يعكر مزاج المتلقي، فالمرسل حريص على مشاعرنا ولا يريد أن يؤذينا باستخدام ألفاظ قاسية أو مؤلمة.
"كيف أحجمت شمسنا أن تبدو لنا قرصاً دائرياً في عالم السجن؟ وما الذي أرغمها أن تبرز لنا مربعة الشكل؟" قلنا أن العنوان إشكالي ويثير المتلقي معرفة العلاقة بين القرص والمربع، وها هو المرسل يقربنا من الإجابة، لكنه يضيف كلمة "السجن" ويتبعها بكلمة "أرغمها" وهنا يتبين للقارئ أن المرسل يتحدث من عالم/مكان غريب، غير مرغوب إنسانيا، وهنا يكون المتلقي أمام أول المفارقات، يقرأ نص أدبي بلغة جميلة وناعمة، لكن كاتبه/مرسله يقبع في السجن، ...كيف حدث هذا؟، هل يمكن لمن هو داخل السجن ويعاني من قسوة الجلاد والجدران أن يقدم نصا أدبيا بهذه اللغة وبهذا الشكل؟، وهنا يتقدم القارئ أكثر من الرسالة ليعرف ما تحمله من خفيا، ولتجيب عن تساؤلاته.
"فهنا حيث نحيا في السجن كمكان تنقلب فيه الأشياء والعوالم، إذ تضفي معالم السجن القاسية بصمتها المشوهة على حواسنا، فينعكس على الوعي فتبدو لنا الطبيعة مقلوبة على رأسها، ويبدو الوجود عالماً سريالياً لا معنى له" نجد مجموعة كبيرة من الألفاظ القاسية: "السجن، تنقلب، القاسية، المشوهة، مقلوبة، لا" والمضمون جاء أقسى، فكيف ينقلب اسلوب المرسل من النعومة وإلى القسوة؟ وهل هناك داعي/تبرير لهذا الانقلاب؟، بداية، المرسل قدم أسئلة قبل أن يدخلنا إلى عالم السجن، كيف، وما الذي" وهذا أسهم في (قبول) المتلقي لهذه القسوة، فقد جاءت إجابة على سؤالين، ثم أن الكاتب يتأثر بمحيطه، فهو يكتب من خلف الجدران، ويتأثر بما يكتب، بمعنى أن الفكرة، الألفاظ التي يستخدمها تؤثر على لغته، وإذا ما توقفنا عند المقطع السابق نجد فيه "تنقلب، المشوهة، مقلوبة" وهذه يشير ـ بطريقة ما ـ إلى الانقلاب الذي حدث في الرسالة، وهنا تكتمل الحلقة، سيكون هناك انقلاب في الرسالة، تعكس حالة/واقع المرسل (سجين)، وتشير إلى تأثره بالألفاظ التي يستخدمها، وفي ذات الوقت تجيب على العلاقة بين القرص والمربع.
"ففي هذا المكان بمقدورك أن ترى الشمس لكنك لن تراها كما عرفتها قبل ولوج قدميك لعقدة السجن، لأن السجان سيصر على أن يضع بصمته المشوهة على قرصها الدائرة، ففي سقف الساحة حيزنا الضيق الذي نتنسم فيه هواءنا ونغتسل بأشعة الشمس كل يوم.
ثمة شبك حديدي منقسم إلى مربعات بأحجام مختلفة كبيرة ومتوسطة وصغيرة، ومع الوقت سيُخيل إليك كلما حدثت بالشمس بأنك تراها أقرب إلى الشكل المربع،" رغم طول المقطع، إلا أن القارئ يتلقاه على دفعة واحدة، ودون أن يتأذى، وهو يفسر العلاقة التي شوهة الأشكال، فحولت القرص إلى مربع، وهذا يحمل بين ثناياه شيء من الرمزية، فالسجان ـ (قوي وقادر) ـ ويغير معالم الكون، قرص الشمس إلى مربع، فيبدو وكأنه إله، لكنه إله للتشويه وليس إله للإبداع والجمال.
إذا ما تأملنا في المقاطع السابقة نجد تكرار معنى لفظ "مشوهة" وهذا التشويه نجده يمتد وينتشر في الفكرة التي يريد تقديمها المرسل: "ويساورك شعور أنك في عالم آخر، وكلما توالت السنوات ستألف شكلها المربع، فتتساءل في نفسك لو تسنى لك أن ترى القمر أحدباً هل سيكون قرصاً مربعاً هو الآخر؟" أن يتم (تربيع) القمر فهذا أكثر غرابة، لأن الشمس ثابته بشكلها ـ إذا ما استثنينا فترة الشروق والغروب ـ بينما القمر متغير، واشكاله مشتقة من الدائرة، بمعنى أنه من المستحيل أن يُرى مربعا، لكن قدرة (إله التشويه)، قادرة على إحداث هذا الانقلاب.
"تنتابك الحيرة في وسط هذا العالم، أهو عالم القرص المربع؟ أم عالم الزمن الدائري؟ أم عالم الزي البني؟ أم عالم الأبواب الزرقاء؟ أم عالم الثنائيات الصارمة؟ أم عالم التفاصيل الصغيرة؟" اعتقد أن المرسل أجاب عن العلاقة بين القرص والمربع، لكن، بعد أن أفضى ما في نفسه لنا، وقربنا منه، شعرنا أنه قريب منا، أليس من يحدثنا عن وجعه قريب منا وعلينا؟ لهذا يدخلنا إلى مواضيع جديدة، الزمن لدائري، الألوان، الثنائيات الصادمة، التفاصيل الصغيرة، ويستخدم عين الأسلوب السابق، إثارة الأسئلة، وهنا، سنتشوق لسماع الاجابات: "ثمة أبواب زرقاء نراها في كل السجون، ثمة كاميرات في كل زاوية، ولباس بني يلازم حياتك على الدوام،" ثلاثة اشياء مزعجة للمرسل، الأبواب الزرقاء" ـ وقد كتب عنها رسالة في السابق، كاميرات المراقبة، ولباس بني، اثنان لهما علاقة بالألوان "الابواب والباس"، وثالث بدور الإله المراقب، الذي يعرف كل شيء عن (مخلوقاته).
المرسل يقدم (الإله) المراقبة بهذا الشكل: "أما إجراءات السجان اليومية المتكررة بكثافة ستجعل الزمن دائرياً بلا أحداث استثنائية تكسر حلقته المفرغة، العدد الصباحي، الفحص الأمني الصباحي، الفسحة الصباحية، عدد الظهيرة، فسحة الظهيرة، الفحص الأمني المسائي، الفسحة المسائية، العدد المسائي، التفتيشات الدورية، وجبات الطعام الثابتة حسب الأوقات والأيام" إذا ما توقفنا عند الألفاظ المستخدمة سنجد تكرار في "صباحي، المسائي، الفسحة، الفحص، الأمني، العد،" وهذا التكرار يزعج المتلقي، كما أزعج المرسل، وهنا، تصل فكرة الرتابة والروتين المؤذي للمتلقي من المعنى ومن الألفاظ المجردة، وهذا ما يجعله يشعر بألم وقسوة الحال/الظرف الذي يمر به المرسل.
ونتوقف هنا متسائلين: لماذا رغب المرسل في البداية بالقرص (الدائرة) وهنا يرفضه؟، في البداية تحدث المرسل عن جمالية الشكل الدائري، لهذا رغب فيه، كما أنه يريد ويرغب أن يرى الأشياء على طبيعتها، ودون أن يتدخل بها (إله التشويه)، وبما أنه موجود أصلا بسبب مواجهة تحدي (للإله)، لهذا نجده يرفض كل ما يصدر عنه من قرارات وأفعال.
(إله التشويه) يختزل الجهات والأزمنة: "أما الرباعيات في عالمنا فإنها ستتحول إلى ثنائيات صارمة، فالجهات الأربعة لها معنى لها في عالمنا، ولا نستخدم مفردات الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب، وستكون مفردات زائدة عن الحاجة وسيستعاض عنها بثنائية اليمين أو اليسار.
أما الفصول الأربعة ستختصر في فصل الصيف والشتاء، فلا ربيع ولا خريف، بينما ثنائية الداخل والخارج ستصبح بعداً خاصاً يتلاءم مع هذا الحيز الصغير،" أيضا يستوقفنا معنى لفظ "ثنائية" وهذا ما يؤكد على أثر الالفاظ والواقع على المرسل، بحيث يؤكد على أنه (أسير) ليس بجسده فحسب، بل أسير لألفاظه أيضا، وكأنه يشركنا الأسر معه، فالمضمون والألفاظ ستجعلنا نتأثر بها كما تأثر المرسل، واللافت أن المرسل استخدم للجهات اليمين واليسار، وللفصول الزمن "الخارج والداخل" فالاستخدام الأول يتوافق مع الجهات "شمال جنوب غرب شرق"، بينما الثاني يختلف تماما، فما علاقة الداخل والخارج بالفصول؟، وهنا يكمن أبداع المرسل، إثارة المتلقي وإيصال فكرة أن الزمن يتوقف داخل السجن، فالخارج سيعرف تغييرات ومرور الزمن، والباقي يجهله.
وهنا يقدمنا من (إله التشويه) ونظريته عن الداخل والخارج والشعور بالزمن: "أما الداخل فيعني إما داخل الغرفة أو داخل القسم.
وعندما تم سؤال الأسيرة المحررة عهد التميمي عن السجن أجابت بعفوية ” أنها دأبت مع الأسيرات على الخروج إلى الخارج تحت الشمس، ويضحكن ويتناولن الطعام عندها جن جنون الدولة العبرية، كيف تسنى لهذه الطفلة أن تخرج للخارج، فيما السجن مصمم ليكون داخلاً فحسب" المميز في هذه الرسالة، أنها تدخلنا بسلاسة إلى مواضيع مؤلمة، فما أن نعرف شيء إلا ونجد المرسل يقدمنا من شيء جديد ومثير، وكما أنه يبين تفاهة هذا (الإله) الذي يثار لمسألة (عادية) خروج طفلة للشمس، فهو كالإله "يهوه" سرعان ما يثار ودون سبب، فهو (إله) متقلب، مزاجي كحال (إله التشويه) تماما.
" فعندما صدرت قصة ” سر حكاية الزيت” التي خصصها الأسير القائد وليد دقة للأطفال جن جنون الدولة الفاشية، فوليد في فردوس حريته المفقودة ويزرع الابتسامة على شفاه الطفولة استهجنت الدولة العبرية قدرته على الإبداع، فكيف تسنى لأسير بعد هذه السنوات أن يتحدى السجن وينجو من هندسة الوعي وصار بوسعه كتابة قصة للأطفال" الذي أمضى حتى الآن 33 عاماً في عالم القرص المربع، والتمس من خلال الأدب أن يرسم قرصاً دائرياً للشمس لتي خبرها في فردوس حريته المفقودة ويزرع الابتسامة على شفاه الطفولة" الأسرى يواجهون (الإله) ويتحدوه، ويظهرون قدرتهم الابداعية ويؤكدون على إنسانيتهم رغم محاولات (الإله) محوها وقتلها، ومع هذا يتجاوزن جدرانه، ويتقدمون ليس كأشخاص عاديين أسوياء فحسب، بل كأشخاص مبدعين متألقين، فالأدب والكتابة فعل إنساني ابداعي، لا يقدر عليه إلا من تجاوز (العادية)، ولم تقتصر ابداع الأسرى على الكتابة (العادية)،للراشدين، بل تلك المتعلقة بالأطفال، وكلنا يعلم أنها من أصعب أنواع الكتابة، بها يكون الأسير قد انتصر على (الإله) وتجاوزه، فبدى (الإله) مضطرب وغاضب من هذا الانتصار الذي حققه الإنسان عليه.
"فالجلاد الذي طالما تقمص دور الضحية سيرى نفسه جلاداً، أما (الإرهابي) المفترض فإنه يعلن بإبداعه أنه ضحية تضج إبداعاً وإحساساً إنسانياً ويفيض حباً وشوقاً وعطاءً وانتماءً لكل ما هو إنساني" المرسل يوضح سبب غضب وانزعاج (الإله)، فقد انتصار الإنسان عليه، وهو ليس انتصار (محدود/داخلي) بل انتصار خارجي، له علاقة بحركة الزمن، فتجاوز سجن 33 سنة ليس بالأمر السهل، وله علاقة بتجاوز (العادي/السوي) إلى الابداع والتألق، وهنا يكون الإنسان الفلسطيني كسلفة جلجامش، قد تحدى الإلهة وقراراتها وقوانينها، وقرر أن يكون فعله وتحديه حاضرا متداولا بين الناس، وأسمه يدوي في الفضاء، فخلد هو وأهملت (الآلهة).
الرسالة منشورة على صفحة شقيق الأسير "كمال أبو حنيش"
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف