الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كورونا، الصين وسمفونية الشعب العظيم بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد

تاريخ النشر : 2020-02-20
كورونا، الصين وسمفونية الشعب العظيم بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد
كورونا، الصين وسمفونية الشعب العظيم
د. رياض عبدالكريم عواد

في بدايات القرن العشرين وقبل مائة سنة تقريبا وفي شتاء كانون الثاني سنة 1918، قتل من البشر وباء الإنفلونزا الفتاك، التى سُميت زورا وبهتانا بالانفلونزا الاسبانية، رغم انها لم تصدر من أسبانيا وسماها الاسبان بالانفلونزا الفرنسية، قتلت من البشر أكثر ممن سقطوا ضحايا في أكبر حربين شهدهما العالم، وهما الحربين العالمية الأولى والثانية مجتمعتين. إضافة الى الاضرار الاقتصادية والاجتماعية الهائلة المتمثلة في ملايين الأيتام بسبب فقدان الأبوين أو احدهما. كانت جائحة عالمية بحق، حيث انتشرت إلى القطب الشمالي وجزر المحيط الهادئ النائية. كما تم وصف هذا الوباء بأنه "أعظم هولوكوست طبي في التاريخ" وقد أدى لعدد وفيات ما يعادل 3 – 5% من سكان العالم البالغ عددهم وقتها 1.5 مليار نسمة!! لقد فاق هذا الوباء ما حصده الطاعون الأسود في القرن الرابع عشر الميلادي. وقتل في 24 أسبوع فقط أكثر مما قتل فيروس الإيدز في 24 سنة!!!

من حقائق التاريخ ان هناك وباء يضرب البشرية كل 100 عام، حيث ضرب الطاعون العالم فى عام 1720، والكوليرا فى 1820، والإنفلونزا الإسبانية فى 1920، واليوم ينتشر وباء الكورونا فى العام 2020.

لذلك فان خطر حدوث جائحات عالمية بهذه الفيروسات الجديدة والطارئة Nobel and reemergent viruses أمراً وارداً حتى يومنا هذا، كما حذر ويحذر كثير من العلماء من هذه الفيروسات من أصل حيواني التي قد تكتسب قدرة فجائية على التفشي والانتقال بين البشر والتحول إلى وباء مدمر، أو كما يقول بعض العلماء تلتهم العالم Wipe the World

السؤال كيف استطاعت الصين أن تواجه بشجاعة ونظام وانضباط ومهنية عالية وتعاون بين مختلف فئات المجتمع وقطاعات الشعب وباء كورونا الجديد، الذي ضرب مركز مدينة ووهان الصينية، وتحقق نتائج مذهلة حتى اللحظة في فترة زمنية قصيرة تبشر وتعطي الأمل للعالم اننا في طريقنا إلى وقف انتشار هذا الوباء وحماية البشرية والإنسانية منه.

هذه الصين قبل مائة سنة وفي مواجهة الانفلونزا الاسبانية اعتقد سكانها أنّ هذا المرض أرسلته الشياطين والتنانين، لذلك انطلقوا في مسيرات حاملين مجسمات ملوك التنانين في الشوارع أملاً في استرضاء الأرواح الغاضبة. وتحدّث طبيبٌ تبشيري عن تنقُّله من منزلٍ لآخر في مقاطعة شانشي أوائل عام 1919 ليجد المقصات على عتبات أبوابهم، لدرء الشياطين “أو محاولة قصهم إلى نصفين”.

لقد استطاعت الصين في مائة سنة أن تقفز هذه القفزة الحضارية، من الاعتقاد بالشياطين والتنانين إلى الإيمان بالعلم، من وضع المقصات على الأبواب لدرء الشياطين وقصهم إلى نصفين إلى آلاف العاملين الصحيين والعلماء يواصلون الليل والنهار في مختبراتهم ومستشفياتهم التي بني أحدها بسعة 1000 سرير فقط في ستة أيام؟!

استنفر الشعب الصيني كل امكانياته، بقوة ونظام وتعاون، دون خوف أو وجل أو ارتباك، اعتمادا على العلم والتخطيط والتعاون وبعيدا عن العشوائية والفوضى والارتجال والعنتريات. نعم، الشعب بأكمله يشارك في معركة الدفاع عن الحياة وعن البشرية.

رواد الحزب يشكلون فرقا متخصصة كلٌ في مجال عمله، الشرطة على حواجز التفتيش تعمل على تطهير السيارات وتكشف عن حرارة المسافرين، وتعزف أيضا الموسيقى بحماسة لنشر الدفء الى قلوب المسافرين. القوات المسلحة تستنفر وترسل فرقا طبية ضخمة على متن طائرات النقل العسكرية. المستشفيات ترسل آلاف الاطباء الأخصائيين وعلى رأسهم مدراء المستشفيات، الذي سقط أحدهم جراء إصابته بالمرض ليكون الشهيد السابع من بين العاملين الصحيين، الذين سقطوا دفاعا عن البشرية في مواجهة هذا الوباء، إضافة إلى أكثر من 1700 عامل صحي أصيب بعدوى هذا المرض.

يستمر الشعب الصيني في عزف سمفونيته الرائعة، حتى الأطفال يعانقون ابائهم وامهاتهم العاملين في مقاومة الفيروس على الهواتف ويقولون لهم: أشتاق إليك، لكن أثق بك أكثر، كل ما أتمناه أن تعود إلى البيت بسلام. والمدن الساحلية توفر رحلات مجانية للعاملين الطبيين المشاركين فى مكافحة الوباء للتخفيف عنهم. ومقهى واكاندا في مدينة ووهان يتلقى آلاف الطلبات من الجمهور عبر الإنترنت لتوصيل القهوة مجانا للعاملين الطبيين، يقول احد العاملين في المقهى "من المعروف أنهم يعملون بجد في الخط الأمامي، لذا من الضروري أن نقوم بدورنا لدعمهم." ويرفض عامل المقهى الإيراني، في لفتة انسانية رائعة، أن يغادر مدينة ووهان بناء على تعليمات سفارة بلاده ويقول "مدينة ووهان هي بيتي الثاني، أود أن أبقى هنا مثل أهل ووهان الآخرين لأنهم مثل عائلتي أيضا".

وتؤجل العروس تانغ شينغ شينغ، التي تعمل ممرضة في فريق قوانغدونغ الطبي حفل الزفاف وتذهبت إلى ووهان للمشاركة في مكافحة الفيروس. فينظم زملائها بهدوء ”زفاف“ خاص لها. لقد استخدموا مواد مجزأة لصنع فستان زفاف، وصنعوا باقة من الأزهار بالقفازات. وأساتذة جامعتي بكين و تسينغهوا يدَرسون مختلف العلوم من خلال نظام التعليم عبر الانترنت بعد ان تم تأجيل الفصل الدراسي كجزء من الجهود المبذولة للسيطرة على تفشى الوباء في البلاد.

وتقرر الشابة قان رويي، التي تعمل طبيبة مختبر في قطاع الصحة، التنازل عن إجازتها والعودة من بلدتها إلى المركز الصحي الذي تعمل فيه ركوبا على الدراجة الهوائية، بسبب إغلاق منافذ مدينة ووهان وتوقف القطارات والحافلات، وتستغرق رحلتها 8 ساعات متواصلة على الدراجة ومشيا على الأقدام، قطعت خلالها 300 كيلو متر. وطبيبات مقاطعة قانسو يحلقن شعورهن قبيل توجههن الى مدينة ووهان الصينية لمكافحة فايروس كورونا. حتى المرضى في المستشفيات يحاولون أن يكونوا ايجابيين ويشاركون في عزف هذه المقطوعة الموسيقية الجميلة. السيدة تشانغ فنغلينغ، بعد أن دخلت المستشفى ورأت إخلاص وتفاني الأطباء في عملهم، أصبحت مطمئنة ورشحت نفسها لتكون سكرتيرة الجناح الذي تقيم فيها، لتساعد الأطباء في بعض الأمور مثل توزيع الوجبات والأدوية على المرضى، وإرشاد المرضى للتخلص من النفايات اليومية الخاصة بهم. وتقول "هذا المرض ليس مرعبا كما يشاع عنه، أهم شيء في مواجهته هو التحلي بالثقة، عندما تكون واثقا من نفسك، ستكون أقل تشاؤما، ولن تشعر بخيبة الأمل أو الرهبة، وستتغلب على الفيروس."

وهذا الطفل الذي لم يجد والديه الوقت الكافي لديهم لتسميته، أطلق عليه والديه في نهاية المطاف اسم "شي ليو" (معناه الصيني هو فاكهة الرمان)، في دلالة على أمنية والديه في أن يتحد أبناء الشعب الصيني في مواجهة الأزمات مثل بذور حب الرمان.

هكذا استطاعت الصين في مائة سنة الانتقال من الشعوذة والعشوائية والايمان بالشياطين، إلى اعتماد التخطيط والتعاون والإيمان بالعلم لتواجه ومازالت تواجه هذه المعركة من أجل البشرية.

السؤال الذي يطرح نفسه؟!

ماذا لو اصاب هذا الوباء أحد هذه الدول العشوائية التي تؤمن بالسحر والشعوذة والشياطين، وتعتمد في سياساتها على الفهلوة والفوضى والعنتريات؟!

أو اصاب هذا الوباء من يعتقد شعوبها أنه اصاب الصين انتقاما من الرب لهم؟! ويدعو بعض مشايخها من فوق المنابر على شعوب العالم بالهلاك؟!

ماذا لو اصاب هذا الوباء الشعوب التي يردد كثير من مثقفيها أن هذا الفيروس صناعة أمريكية؟!

أو اصاب هذا الفيروس الشعوب التي يعتقد بعض هبلانها أن الصين هي من صنعت هذا الفيروس؟!

هل تكفي مائة سنة حتى تنتقل هذه الشعوب العشوائية من الإيمان بالشياطين إلى الإيمان بالعلم، من الفوضى إلى النظام، من العنتريات إلى التخطيط والواقعية؟!

هل يتعلم الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ أكثر من مائة سنة ضد وباء الاحتلال، هل يتعلم أهمية أن يتحد أبناؤه في مواجهة الأزمات مثل بذور حب الرمان.

هل يتعلم من تجربة الشعب الصيني أهمية العلم والواقعية والتخطيط والمراجعة وأن يتوقف عن قول المعلقات والأناشيد العنترية والمناكفات والادعاءات الفارغة.

لا اعتقد ان مائة سنة أخرى تكفي هذه الشعوب العشوائية لتتعلم شيئا من الدرس الصيني واعتقد ان الفلسطينيين سيواصلون خطباتهم الثورية والدينية؟!

لكن ما اعتقده وأؤمن به أن العالم لن يسمح، ولن يستطيع أي وباء في العصر الحديث، أن يهزم العالم كما هزمته من قبل الانفلونزا الاسبانية، لقد تقدم العلم ورسخت حضارة انسانية تتسم بالتعاون والتعاضد، رغم كل ما تعانيه من نواقص.

زرت الصين في عام 1999 لمدة عشرة ايام، شاهدت جزءا من حضارتها وتقدمها وتعلمت فيها القليل، أتمنى أن أزور الصين مرة أخرى لاتعلم شيئا من علومها وأخلاقها ونظمها؟!

حياة جديدة تنتظر الصين وشعبها، تجلب الأمل الجديد، هذا الشتاء البارد يقترب من نهايته، والربيع الدافئ ليس ببعيد!.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف