الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الجنرال كرونا بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-02-15
الجنرال كرونا بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
الجنرال كرونا (عادل بن مليح الأنصاري)

كلنا تقريبا يعرف الصين , إنها العملاق البشري وكذلك العملاق الاقتصادي والعملاق الصناعي والعملاق العسكري , ومازالت الصين تتوسع في كل تلك المجالات كقوم جبارين لا يعرفون كللا ولا مللا , الصين لا تتمتع بتلك المميزات المكتسبة فقط , بل أيضا تتمتع بميزة طبيعية , إذ تبلغ مساحتها أكثر من 9.5 كلم , ولها تاريخ حضاري لا يُنكر منذ ما يقارب مليون سنة , ويُقال أن تاريخها مكتوب منذ ما يقارب 5000 سنة , ولها حظ وافر من تعدد المناخات والبيئات المختلفة , وكذلك التضاريس المنوعة والموارد المتعددة , ولا تتميز الصين كأرض وطبيعة وتاريخ بذلك فقط , بل تفردت بقدرات خاصة لسكانها الذين يزيدون عن 1.4 مليار .
في السنوات الأخيرة بدأت الهيمنة الصناعية الصينية تجتاح العالم , ولم تسلم منها ومن نتائجها حتى الدول الصناعية المتقدمة وعلى رأسها أمريكا التي بدأت تضع الخطط لمواجهة هذا التنين الصيني المزلزل , فأمريكا ترامب بدأت حربا تجارية في منتصف 2017 , وفرض قيودا جمركية على ما يقارب من 200 مليار دولار من الواردات الصينية لبلاده , وهذه اتفاقية هي جزء من بدايات لوقف الحرب الاقتصادية بين قطبي العالم الصناعي , وهي ليست مجاملة أو ود متبادل , بل واقع فرضته المخاوف من الدخول في ركود اقتصادي عالمي بسبب تلك الحرب الاقتصادية , وهذه الحرب السياسية ليست الوحيدة من نوعها , فبين البلدين النوويين مداولات سابقة حول الحد من انتشار الأسلحة النووية .
المهم بدأت الولايات المتحدة والتي تفردت بقيادة العالم فعليا وبدون منازع بالتصرف كما يحلو لها حول الكثير من قضايا العالم , ولا يخفى علينا أن روسيا نمر ولكنه نمر من ورق فدولة كالولايات المتحدة لو أرادت جلب المتاعب لروسيا ذات الاقتصاد المريض لن تعجز , فلم يتبق أمام القائد العام للعالم إلا ذلك المارد الأصفر الذي خرج من قمقمه ببطء مريب وقاتل ليقف أمام الجميع ويربكهم بدءا من (كبيرهم الذي علمهم السحر ) .

ولكن ماذا عن الصين وحتى قبل هجوم (الجنرال كرونا عليها ) ؟

بالإضافة لما قلناه سابقا مما تتمتع به الصين من كل تلك الخصائص الطبيعية والبشرية والصناعية , بدأت تظهر ملامح الغطرسة والاتكال على سير الحياة الطبيعية في تنامي قوتها بدءا من قوتها الصناعية , ومرورا بقدرتها التخطيطية على اكتساح العالم شرق وغربا , وجنوبا وشمالا , بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال من توفير حاجاته اليومية , ولا فرق عندهم بين الصواريخ العابرة للقارات ورؤوسها النووية , وبين أصغر لعبة بلاستيكية في يد أي طفل على البسيطة , لا مجال لحصر ما تحشره الصين في بيوت العالم أجمع من أثاث وصناعات كهربائية وألعاب وأجهزة في كل مجال سواء طبي أو ترفيهي أو سيارات أو .. أو .. أو , وبل تجاوز ذلك لخصوصيات النساء في العالم وفي أقصى درجات خصوصياتهم .
الصين اليوم تنتج كل ما تلمسه أيدينا تقريبا , نعم هي بنسب متفاوتة بين سكان العالم بشكل واضح , ففي بعض المجتمعات قد تصل لنسب كبيرة من توفير احتياجاتها , وهذا مصدر رعب حقيقي لبقية دول العالم الصناعي , والذي ربما لا يستطيع مجاراة هذا المارد الأصفر في هذا الواقع , فالمنتجات الصينية تتميز برخص سعرها وبتوفر كمياتها وسرعة وصولها للمستهلك في أي مكان , وفي ظل الظروف الاقتصادية العالمية المهزوزة , وضعف القوة الشرائية في كثير من دول العالم وخاصة العالم الثالث , قد تجد المنتجات الصينية قبولا وتفوق على بقية السلع سواء الأوربية أو الأمريكية أو اليابانية وحتى الكورية .
وربما دولة كالولايات المتحدة والتي سلمت لنفسها مفاتيح القوة العالمية العسكرية , قد لا يخيفها هذه السيطرة الصينية على السلع العادية كما ترعبها ما تمثله الصين من قوة بدأت تفرض وجودها في الساحة العسكرية العالمية بصناعاتها المتعددة , والتي وصلت حتى القدرات النووية والصواريخ عابرة القارات , ولذلك بدأت تعرف حجم عدوها وتحاول التفاوض معه عبر قنوات معلنة أو سرية ربما , فأمريكا بقوتها الاستخباراتية العاتية تدرك أن الصين ليست ( إنذار كاذب ) فقط , بل هي إنذار من الدرجة الأولى بالنسبة لها .

لا شك أن الصينيين يدركون كل تلك المتغيرات , وربما تسلل إليهم داء العظمة , فتهديداتهم لتايوان بالدمار في حال طلبهم الانفصال معروفة , وكذلك اضطهادهم لسكان تركستان الشرقية , والتي يسمونها إقليم شينجيانغ حيث توجد أقلية الإيقور المسلمة , أو صراعها التاريخي مع التبت ورفض إقرار مصيره , وحتى جماعة (الهوى) والتي يقدر أعدادهم أكثر من 10 ملايين شخص يقبعون في السجون وهم صينيون مسلمون ولم يسلموا من بطش بكين .
ربما اتخذت أمريكا على عاتقها تناول ملفات الاضطهاد الصيني للأقليات المختلفة هناك هو نوع من الحرب الخفية على الصناعات والاقتصاد الصيني وليس موقفا إنسانيا يتخذه شرطي العالم , أليس اضطهاد الصهاينة للفلسطينيين أو نظام الأسد للسوريين أو عبث إيران في الكثير من العالم العربي , واضطهاد الهند للكشميريين , والروهينجا في بنغلاديش , وغيرها من صور الاضطهاد في العالم لا تختلف عنها ؟
ولذلك قالت "شونيانغ" في حوار مع صحافيين على شبكة "وي شات" الصينية للتواصل الاجتماعي: "إن واشنطن لم تتوقف عن إثارة ونشر الذعر، ما يمثل نموذجًا سيئًا جدًا".
ويُقال أن الرئيس الصيني قال في تصريح له : «لا توجد قوة على وجه الارض تستطيع ايقاف تطور الصين .

المعركة اليوم في الصين تقوم بين الصين كدولة جبارة وبين قوات الجنرال (كرونا) , فالرئيس الصينى شى جين بينج ، أصدر أمرا لجيش الشعب الوطنى الصينى ، بالمساهمة فى جهود منع تفشى ومكافحة وباء الالتهاب الرئوى المرتبط بفيروس "كورونا الجديد" ، جاء ذلك فى توجيهات أصدرها الرئيس الصينى ، الذى يشغل أيضا منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى ورئيس اللجنة العسكرية المركزية إلى جيش بلاده ، حيث طالبه بإبقاء مهمته راسخة فى الأذهان وتحمل مسؤوليته فى الإسهام فى كسب المعركة ضد وباء فيروس كورونا الجديد .

نعم إنها الصين التي هزت عرش أقوى دولة في العالم باقتصادها وصناعاتها وقوتها العسكرية والتصنيعية , ولم تشعر بذرة رعب من كل محاولات إضعافها أو الحد من طموحها .
نعم إنها الصين التي لم تكن لتخش تحرك جيوش العالم نحوها أو تطأطئ رأسها لشرطي العالم , والتي تضطهد وتقتل وتسجن ملايين البشر ولم تلتفت لمنتقديها أو تخشاهم .
نعم إنها الصين التي تأمر جيشها الكاسح العرمرم ليتصدى لقوات الجنرال كرونا التي لا ترى , تلك القوات التي لو اجتمعت لما غطت بندقية جندي صيني واحد !!!
نعم إنها الصين الجبارة التي ترنح اقتصادها وتعطلت حياتها وتحولت مدنها الصناعية العالمية لمدن أشباح , وأصبح العالم يخشى السفر إليها أو استقبال القادمين منها !!!
لم تبدأ قوات الجنرال كرونا حربها إلا من أيام معدودة , وهاهي تكسب أرض المعركة وتجعل مرَدة العالم يهتزون ويبكون ويسترحمون ويبحثون عن أي وسلة لإيقاف جيش الجنرال كرونا !!!

هذه حقيقة مشاهدة ومجردة عن أي تأويلات ولو أردنا , فكون هذه الجنود مرسلة من رب العالمين انتقاما (كما يقول البعض) , لما قامت به الصين من اضطهاد للأقليات المسلمة وخاصة التشابه العجيب في سجن وحجز أولئك المسلمين في أماكن كبيرة تستوعب الملايين , وعودة نفس النمط عليهم بسجنهم بصورة حجر صحي في مدنهم والصورتان تكاد تتشابهان , أو هي إرادة القدر الذي أوقعهم في شباكه .

تلك الجنود التي لم يروها , والتي حتى لو هُزمت ذات يوم إلا أنها كسبت حربا خاطفة , وزرعت الرعب والخوف والقلق في قلوب جبابرة الأرض , ربما تمنح المستضعفين في الأرض أملا أن رب تلك الجنود التي لم يروها لن يخذلهم ذات يوم , وربما يُسلط جنودا من نوع آخر على الجبارين , سواء أكانوا جراثيم أو بكتريا أو وباء أو حتى تتسلط عليهم الطبيعة بجنودها المدمرين من زلازل وبراكين وفيضانات وغيرها مما هو في علم الغيب .
وربما لم يشهد التاريخ من بعد فرعون تجبرا وتسلطا وعنجهية وغرورا مما نشهده صباح مساء من تصريحات وتغريدات (ترامب) , وسخريته من الكثير وإيحاءاته التي ترتسم على وجهه من أنه الجبار الأوحد على الأرض , وبقوته يستطيع ان يدمر دولا , وأن يسلب ملك الآخرين , ويهين البعض , ويستنزف البعض كونه محرك الأقدار وراسم المستقبل وواهب النعم والأمان , هذا أل(ترامب) لم تحرك حرب جبابرة الصين مع جنود لا يكادون أن يبلغوا ملئ كف يده , شعرة من خصلاته الذهبية , وكأنه في مأمنٍ من تقلبات الأقدار , هل من المستحيل أن يوجه الجنرال كرونا أو أيٍ من عالمه الغامض , فهم جنود الله في الأرض , (وما يعلم جنود ربك إلا هو) , جنوده نحو بلاد العم ترامب فجأةً وفي أي وقت ؟

حقا ,, ( وخُلق الإنسان ضعيفا ) , هذه الآية الكريمة أثبتت مدلولاتها عبر التاريخ ومنها :
- ففرعون لم يصمد أمام الماء .
- وباء الإنفلونزا عام 1981 قضى على 100 مليون إنسان .
- ومجاعة البنغال 1770 قضت على 10 ملايين شخص .
- المجاعة الكبرى في الهند عام 1769 مات فيها 10 مليون إنسان .
- الجفاف الكبير في الصين عام 1876 قتل 9 مليون شخص .
- فيضان النهر الأصفر في الصين عام 1887 قضى عل 2 مليون شخص .
- فيضانات الصين عام 1931 راح ضحيتها 3.7 مليون شخص .
- وزلزال مصر وسوريا عام 1201 قضى على مليون شخص .
- المجاعة في إيرلندا عام 1845 قتلت مليون إنسان .
- وإعصار الهند عام 1839 حصد 300 ألف إنسان .
- وإعصار بنغلاديش عام 1970 ألتهم 500 ألف إنسان .
- زلزال شانسي في الصين عام 1556 قضى على 830 ألف شخص .
- إعصار بولا 1970 500 ألف إنسان .
- تسونامي المحيط الهندي 2004 حصد 310 ألف إنسان .

والقائمة تطول , ولكن كل تلك الحروب الخفية راح ضحيتها ملايين البشر ولم ينفعهم مال ولا سلاح ولا قوة نووية أو عسكرية من أي نوع , ولم تنفعهم غطرستهم ولا مكانتهم ولا عنجهيتهم وتصريحاتهم والاستخفاف بغيرهم , هم جنود يرسلهم الله وقتما يشاء , ولحكمة لا يعلمها إلا هو .

هذا هو التاريخ البشري , الذي لم ينفك الإنسان يرسب في امتحانه على مر العصور , هو الدرس الوحيد الذي يظل كتابه مفتوحا أمامنا ولا نعرف كيف (نغش) منه ونحصل على النجاح والنجاة منه , لم يكن طغاة البشر عبر التاريخ في حصن حصين عن عقابه يوما , وكأسه محتومة ولا بد , فإن لم يشربها طاغية , فهو يورثها لطاغية أخر لا محالة .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف