الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في كتاب "ثورة فكرية نحو المعاصرة" للكاتب صليبا الطويل بقلم د. سعيد عياد

تاريخ النشر : 2020-02-14
قراءة في كتاب " ثورة فكرية نحو المعاصرة" للكاتب صليبا الطويل
بقلم
د. سعيد عياد
أستاذ الإعلام في جامعة بيت لحم
في هذا الكتاب المعنون " ثورة فكرية نحو المعاصرة"، يطرح صليبا الطويل رؤية فكرية ثائرة على تراث ماضوي منغلق على ذاته، وفي الوقت ذاته يطرح رؤيته التي تؤسس لفكر عربي يتحرر من عبوديته لذاته وقيم لم تعد صالحة لزمن يتغيّر في كل لحظة وفي زمن لم يعد يقبل ترسيم حدود ثقافية بين ثقافات مختلفة.
يؤسس الكاتب رؤيته على قاعدة الإنسانية التي لا تعترف بالتّعصب لفكر أو ثقافة وإنما بجوهر الإنسان الذي يقبل الاختلاف لأن من حق أي إنسان أن يبدع ويسهم في بناء حضارة إنسانية، فالعالم اليوم عالم مفتوح لا يمكن الانخراط فيه إلا بتطوير الذات ثقافيا وفكريا واجتماعيا حتى يكون جزءا من عالم لا ينظر إلى الوراء.
وعلى هذا الأساس فقد عالج الكاتب موضوعات الكتاب في إطار نقدي علمي منهجي، بقصد البناء وليس الانتقاد الذي يؤسس على عرض السلبيات، كما ليس على النقض الذي يهدم، فهو لم يهدم ثقافة ولم يهدم قيّما سائدة ولم يرفض فكرا قائما، بقدر من أسهب في التّعمق في جوهر هذه الثقافة وهذا الفكر وهذه القيم، باسطا كلّ ذلك على القارئ، وبالتحليل الموضوعي تمكّن من تقديم رؤيته النقدية التي تستنفر الوعي الفردي والوعي الجمعي ليتطور ما هو متفق مع عالمية الفكر الإنساني وينفض ما ينغلق على الذات المتعصبة.
ولعلّ ما جاء في مقال " عروبتنا تحتضر"، ما يؤكد ما أتينا عليه سالفا، فهذه العروبة تهجع في خدرها ولا تسمع، فالعرب منقسمون على ذاتهم، ولا يفعلون شيئا سوى لعن الظروف ويغضبون ومن ثم ينامون، ويستكينون لهواة في الدين والسياسية. فإذا تبصّرنا مثل هذا القول، فنجد أن الكاتب يريد بهذه الكلام المستفزّ للوعي العربي أن يثور على نفسه ويخرج من خيمته ليكون مبدعا قادرا على الاستمرارية. ويعزز الكاتب رؤيته النقدية هذه بمقال آخر معنون " الفساد لا يبني وطنا"، فهو هنا سلّط الضوء على قضية هي أشبه بمرض الطّاعون الذي إذا تفشى لا يرحم، فقضية الفساد التي حلّت كقيمة سلبية محلّ قيم الأخلاق وعدم الاستئثار بما ليس هو حق، باتت معضلة العربي التي تنخر في الوعي العربي المرتهن لذاتيته على حساب الإبداع العلمي والفكري والأدبي. ومع أن الكاتب لا يحصر المعضلة العربية في مشكلة الفساد إلا أنه يعتبر ذلك جوهريا، فالفساد هنا تجاوز المال ليشمل الفساد السياسي والفساد الإداري والفساد القيمي والفساد في الانتماء، وهذه إذا تجمعت معا كانت سببا في هدم المجتمع وتخلفه. ومن هنا فهو يتمدد في نقده إلى الأطر القائمة في العالم العربي وفي مقدمتها الأحزاب التي ترفع شعارات الديمقراطية ولا تمارسها وأكثر من ذلك حينما تصبح في الحكم تقمع شعاراتها بذاتها، فهو هنا يسلط الضوء دون تردد على انفصام الشخصية الحزبية العربية مزدوجة المعايير، فهي تطالب غيرها بالديمقراطية وحينما تغدو صانعة القرار تعتبر الديمقراطية عدوة الشعوب، فهي كما يرى الكاتب مشكلة ثقافية تعكس العقل السياسي العربي الذي لم يغادر قبيلته أو قبائليته. ويضرب مثالا قويا على حركات التحرر الوطني العربية المقاومة للاستعمار لكنها حينما استولت على الحكم بعد الاستعمار راحت تتقمص شخصية المستعمر ذاته في القمع والتغييب.
وهذا ما أتى عليه في مقال آخر عنونه " في الشرق الكلام يفوق الأفعال"، فالعرب في جلهم لا يطحنون إلا الهواء ولا ينتجون إلا الكلام، أدى ذلك إلى تراكم المتشائمين والحالمين بالهجرة إلى خارج حدود العالم العربي، بينما الأحرار في العالم العربي يمشون على نصل السيف عندما يطالبون بالتغيير. وحينما يثور الناس ضد الفساد والظلم يصبح ربيعهم عورة كما في عنوان مقال آخر، يُقمعون، فهم ثاروا ليغادروا عالمهم المنسي على خريطة الجغرافيا ليكون لهم وجود محفوف بالكرامة، ولكن العقل العربي السياسي القبلي لاحقهم بحجة أن ما يفعلونه عورة تمس قيم الخيمة العربية. فانبثق من وسط كل ذلك " الثالوث الانتهازي" كما أسماه الكاتب في مقال آخر، وهم الانتهازيون وتجار الدين الذي أصبحوا من أصحاب الملايين، ومن ثم مدمّرو القيم.
وماذا نتج عن ذلك في نهاية المطاف ؟ " غربة وضياع"، فمع السلطة المطلقة يضيع القانون، ومع احتكار الحكم يضيع الوطن، وبفعل ذلك ستحلّ العبودية عوض الحرية. ومن ثم لن تكون هناك إلا " أوطان هشة من ورق"، تصارع الموت وتصارع الغرق تعيش على دفاتر قديمة وعلى مقدس يضاجع المدنس، وكذب يضاجع الصدق. وبسبب ذلك فإن " العروبة تغرق بالأحلام"، فعندما تصبح لقمة العيش أهم من الكرامة وعندما يتطاول الجهلاء على الحكماء بالاستقامة ويصبح السفهاء والمحتالون قادة طوال القامة فعلى المرء كما يقول الكتاب أن يَقلْ على أوطننا السلام. وفي النهاية ، المرائين يغتالون أوطانهم كما يؤكد الكاتب في مقال آخر.
ويمضي الكاتب الطويل في سلسلة مقالات كتابه، ناقدا وصارخا وثائرا في وجه تعدد آلهة الربيع العربي، إذ أصبح للزعماء آلهة وللطائفة آلهة وللحزب آلهة وللرعية آلهة وللفقراء آلهة وللأغنياء آلهة، وهكذا ضاعت العروبة وتاهت في معابد الآلهة المخترعة، وغدت أوهن من بيت عنكبوت. لكن الكاتب ليس متشائما إلى هذا الحد فهو في مقال عنونه " لاهوت في زمن عربي"، يدعو إلى مقاومة تعدد الآلهة بتمثل لاهوت المسيح الذي يقوم على محبة الإنسان للإنسان. وعلى ذلك فهو في مقال آخر بعنوان " العلمانية حق للإنسانية المفقودة" يرى أن العلمانية هي الخيار الأمثل للتخلص من تعدد آلهة البشر وهي جوهر الإنسانية وفي مضمونها تكمن القيم السامية الخالدة.
ومن الواضح أن الكاتب مقتنع بفكرة العلمانية كحل جذري للمعضلة العربية فهو لا يتردد في طرح فكرته هذه في مقال " ثورة فكرية نحو العلمانية "، فيرى أن ردم المشاكل الخطيرة التي يواجهها العرب وخصوصا لردم الهوة مع العالم غير العربي تحتاج للانعتاق من الذاتية إلى العالمية ولا يكون ذلك إلا بالعلمانية. فالعلمانية " حرية وتقدم". ولا يكتفي بذلك فهو يطالب بالتحرر من الفكر المسبق الأحكام والنمطية، والثورة على ثنائية الخير والشر، فكم من خير هدفه شر، وكم من خير ظهر بمظهر الخير. فهذان المفهومان " الخير والشر" مفهومان غير ماديين فلا بد من إعادة النظر فيهما ولاسيما في مجال التقييم وإطلاق الأحكام. ولعل " تضخم الأنا الديني "، كما جاء في مقال آخر هو معضلة المعضلات، فمعظم البشر _ كما يقول الكاتب _ يعتقدون أن إيمانهم قوي كالفولاذ وصلب كالصخر وعظيم كالرعد، وأن بإمكانهم صُنع المعجزات ولكن في الواقع لا ينتجون إلا الكراهية الآخذة في الاتساع. ولعل السبب في ذلك من وجهة نظر الكاتب هو ضبابية العلاقة بين الدين والعلم وهو إصرار البعض على إخضاع كل شيء في الحياة للدين وعدم ترك المجال للعقل ليبدع وينتج، مع أن الكاتب لا يرى أن الدين والعلم يتعارضان فهما يترعرعان وينموان بشكل طبيعي ومستقبل في إطار المجتمع المدني الذي له قوانينه البشرية بينما الدين يُنظم حياة الإنسان في إطار أخلاقي. وبسبب هذا التخالط الأعمى فقد انبثقت معايير خطيرة تقيّم الناس على أساس مؤمن أو غير مؤمن، وأحيانا لم يفرّق البعض بين " متدين أم مؤمن" والذي أنتج الانغلاق والتطرف. فهو يرى أن التّحلي بالإنسانية هي التي يجب أن تكون المعيار، أما الإيمان أو التدين فمرجعهما إلى الله ربّ البشر جميعا.
ويعتبر الكاتب أن " المواطنة" هي أساس كل شيء في المجتمعات الحرة، بصرف النظر عن انتمائهم الديني، " فمسلمون ومسيحيون" معا من أجل بناء مجتمع حر ديمقراطي يقوم على الاحترام المتبادل بين مكوناته لتعزيز الحرية وللنهوض والمضي قدما نحو المستقبل، وفي مقال بعنوان " حوار المواطنة أهم من حوار الأديان" وهذه دعوة مهمة، إذ تُعقد عشرات الندوات في العالم العربي تحت لافتات حوار الأديان والنتيجة غير مثمرة، بينما حوار المواطنة هو الأهم، فالمواطن العربي بحاجة إلى الخروج من شرنقته الدينية المتعصبة وتحطيم حواجز المعتقدات الدينية التي تمنع اندماج المواطنين وقبول الآخر، فحوار المواطنة ضروري للخروج من الفوضى السياسية والفكرية والاضطهاد الديني للأقليات، فالمعيار هي المواطنة فحسب.
ومن هنا فإن الحرية الفكرية بالنسبة للكاتب كما كتب في مقال طويل هي " أمّ الحريات"، وهو يرى في هذا الإطار، أن الثورات العربية قامت بهدف التغيير وإحداث نقلة نوعية في مناحي الحياة كافة. وبالتالي فإن الحرية الفكرية هي ثورة على التقليد ودعوة للتجديد، وبغير ذلك فلن يكون للعرب مستقبل باهر. ويعالج الكاتب في كتابه ومن خلال عديد المقالات واقع النقد ولاسيما في باب الحريات، فبغير النقد الجيد سيبقى المجتمع العربي في ضلاله ولا يتغيّر، فالنقد هو طريق التغيير ومن ثم قاعدة للبناء الاجتماعي والفكري والعلمي. ولا يتحرج الكاتب في أن يدعو لنقد كل ما هو مرتبط بالمجتمع من قيم قديمة وتأويل ديني وفكر سياسي وبنية اجتماعية. وهذا النقد لا يكون إلا كما يرى الكاتب في " استقلال العقل" باعتباره ضرورة حضارية، واستقلال العقل كفيل بإخراج العربي من سباتهم الطويل، الذي غيّبهم عن التقدم الحضاري فكرا وثقافة.
ويرى الكاتب أن حرية الشعوب تبدأ بحرية المرأة، فاضطهاد المرأة قمع لأهم مكوّن حضاري بشري، ولعلّ الثورة على أعراف المجتمع التي تقيد حرية المرأة هي المنطلق الأساس لتحقيق التقدم الحضاري.
في ضوء ما تقدم نرى أن هذا الكتاب المصنّف في إطار سلسلة من المقالات الفكرية، والمصنّف في إطار وحدات وموضوعات ذات صلة تؤسس لرؤية فكرية شاملة وجامعة، لا يجانب عنوانه الذي اختاره الكاتب وهو " ثورة فكرية نحو المعاصرة"، فالحقيقة أن التغيير نحو الأفضل والأقوى والإيجابية لا يكون إلا بالإنتاج الفكري المنبثق من الإطار الإنساني أو النظرة الإنسانية للمجتمع والأشياء وأنسة القيم وأنسة الفكر، وهذا ما نجح فيه الكاتب صليبا الطويل.
وقد لفتت عنوانات المقالات انتباهي، فخاصة أن سيميائية هذه العنوانات كانت تقود إلى الرسائل المتضمنة في نصوصها، فقد وُفّق الكاتب في اختيار عنوان كتابه الجامع مثلما وفق في اختيار عنوانات المقالات ذاتها. كما أن لغة الكاتب البعيدة عن التعقيد سواء في اختيار الألفاظ أو بناء الجمل أو بناء المقال بحد ذاته، جعل من هذه المقالات عبارة عن لوحات فكرية رصينة يمكن لكل قارئ أن يعيها ويفهمها، فهو تجنّب استعمال مفردات مجردة تحتاج إلى معاجم لفكّ ألغازها، فالكاتب يكتب هنا للكل ولا يكتب للنخب، وهنا تكمن براعة الكاتب الذي يسعى للتغيير والذي يريد أن يكون لفكره تأثير عميق على الوعيين الفردي والجمعي. لقد تميّز الكاتب بجرأة الطّرح، وخصوصا عندما عالج موضوعات حساسة كالدين والعقل، فهو هنا طرق خزانات عديدة تستوجب الثورة على الذات المنغلقة لتتحرر إلى مداها الكوني في إطار مفهوم الإنسانية. فجرأة الكاتب ستوفر له إمكانية إقناع القارئ بما يطرح، لأن الفكر الجبان لا ينتج حرية.
لم يكتف الكاتب بأسلوب العرض وإنما لجأ إلى التحليل الفكري موازنا بين رأيه ورؤيته من جهة وبين رؤى الآخرين، فقدم أدلة تعزز فكره ورأيه الذي طرحه بموضوعية.
سيشكل هذا الكتاب قاعدة للتفكير في كل موضوعاته التي طرحها بعلمية وموضوعية، وربما سيحث على مناقشة هذه الأفكار وتطويرها، لأن التغيير في المجتمع يبدأ بكلمة حرة. وليس هنا بالضرورة أن يكون كل ما يطرحه الكاتب ملزما للجميع أو أن يوافق عليه الجميع، فهو ككاتب طرق بعقله بوابة موصدة وبالتأكيد أن خلف البوابة تراكم كبير من المشكلات الاجتماعية لا بد من النبش فيها، وهذا ما يُسجل للكاتب أنه وضع نفسه في مواجهة مع عواصف قد تهبّ عليه لكن علينا أن ندرك أن شعوبا لم تخرج من شرانقها السوداء إلا بفكر كتّاب وفلاسفة صنعوا مجتمعات الحرية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف