الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

غــريــبــــان بقلم:أحمد الخميسي

تاريخ النشر : 2020-02-07
غــريــبــــان بقلم:أحمد الخميسي
غــريـبــان   
قصة قصيرة : 
أحمد الخميسي 
                                            
     تجمد في مكانه حين رآها. لم يكن ليتخيل أنها قد تظهر له هكذا ببساطة، واقفة في سوبر ماركت. بدا له أن ظهورها المفاجيء يشبه  انزلاق لون من السماء إلى الأرض، في غير مكانه أو زمانه. ولم يكن يدري، قبل أن يراها الآن، في هذه اللحظة، أن عينيها واسعتان تشعان بالحنان والتوسل الوديع، ولا أنها تتفادى ما حولها بحذر واحتراس مثل رسالة مغلقة لا ينبغي أن تصل لأحد. هي. نعم هي، التي طالما فتش عنها، كأن حياته كلها كانت سيرا بدون وعي إليها، يمشى نحوها ولا يدري من تكون. كان يقول لنفسه إنه سيعرف ما يفتش عنه حين يراه أمامه. تأملها. حدق بها. واقفة تتطلع إلى زجاجات عطر، في فستان صيفي يهفهف مثل كبرياء رقيقة، وقد أحاطت صدرها بساعدين مضمومين. ربتت بمنديل على زاوية فمها، ثم استدارت بجنبها وهبطت بيديها إلى عربة التسوق الصغيرة ومضت للأمام. مشى خلفها وحافظ على مسافة بينهما. كانت تسير وهي تحمي عالمها الخاص من الظهور. راحت تتنقل بين أقسام سوبر ماركت كأنها تدق بقدميها نغمة على الأرض. تلكأ بالقرب منها في ركن العصائر. تناول زجاجة جوافة متظاهرا بأنه يفحص تاريخ صلاحيتها. وضعها بين مشترياته. راح يتملى وجهها المنحوت بدقة، ويتوه فيه. هي. نعم هي. وقد ظهرت له الآن ولن تلوح له بعد ذلك أبدا.  

هي أيضا أحست وجوده المتوقد كما يشعر الغصن بدفء الجو. أحست بخطواته التي تتبعها، بتنهده المكتوم، بنظرته التي نفذت إليها فاخترقتها وارتفعت بها وهوت ترج كل ما فيها. انعطفت إلى قسم الحلويات لتهرب من حضوره المفاجيء في شعورها. دار فستانها حول ساقيها دورة، وصارت تطلق أنفاسها بحساب وتمد يدها إلى الأرفف محاذرة أن ينثني عودها فيبرز منها شيء، ثم تساءلت:" لماذا أتجنبه؟ أم لعلني بحاجة إلى وقت لكي أعتاد حضوره؟". أبطأت خطواتها شاردة أمام صناديق الفاكهة، وتوقف هو بالقرب منها. ولم يكن من أحد سواهما الآن في مساحة صغيرة، يفصل بينهما متران لا أكثر. راقبها وهي تنحني لتجذب ربطة برتقال، وارتبكت، وكادت الربطة أن تفلت من بين أصابعها. قال لنفسه بأمل : " هل تلتفت إليه وتمنحه النظرة التي فتش عنها في مئات العيون ليعرف كيف تكون؟ ". أحست به الآن بقوة، فلم تستطع أن تكبح نفسها أكثر مما فعلت، فالتفتت إليه خطفا، ووجدت في عينيه النظرة التي لم ترها في آلاف النظرات المنفلتة من كيمياء الروح والعقل. وطرأ لهما بكلمات مختلفة أن تلك اللحظة تشبه الأبد، تشبه ما قبل ذلك، وما بعد ذلك.   

     مضت نحو خزانة الحساب بعربة التسوق. وقف خلفها. رفعت بكلتا يديها شعرها المنسدل إلى الخلف ترتبه. أخرجت النقود من حقيبة يدها. سبح ما بينهما شعور هشمه الارتباك. وبدا لهما في اللحظة ذاتها أن عاطفة في الجو تهيمن على عاطفة، تنزلق إليها، تنسل منها، وتعود تحكم كل شيء. استدارت نحوه. أمعنت النظر إليه، وكان مأخوذا بوجهها الذي تجلى، وبالعينين المشعتين بالحنان والتوسل الوديع، بينما استقرت عيناها عند ارتجافة شفتيه التي سرت إلى عنقها وجلدها تجتاح كل شيء. لحظة واحدة ثبت كل منهما بصره في الآخر، وأحسا بحرارة الحريق.   

     عادت ببصرها إلى المحاسب تتسلم منه بقية النقود. جمعت ما تسوقته في كيس وقبضت عليه بيدها اليسرى. تحركت صوب باب المحل. هبطت الدرجات الثلاث التي تفصل عتبه المحل عن الرصيف. هبطت ببطء وهي تحصن نفسها بصورة المرأة القوية التي لم يرهقها حنين. فتحت باب السيارة. دخلت وجلست أمام المقود. رفعت بصرها إلى عتبة المحل. إنه مازال واقفا هناك عند أعلى درجة، يرمقها بعين تتشبث بالأمل. غطت وجهها بكفيها. شعرت بأنفاسها تتردد دافئة بين كفيها وعينيها. تساءلت : " ألم يعتصرنا الحب حتى النهاية؟ فلم نقف متباعدين كأننا غريبان؟" . 

وأجهشت بالبكاء.  

***
د. أحمد الخميسي قاص وكاتب صحفي مصري 
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف