الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الدّيك والقرية بقلم: د. سعيد عياد

تاريخ النشر : 2020-02-02
الديك والقرية
بقلم/ د. سعيد عياد
قصة قصيرة
حين صاح الديك ، احتجّ أهل القرية، وقالوا متآمر وابن حرام، وحين سكت، رقصوا، وقالوا خائف وجبان، وحين صاح مرة أخرى هلّلوا، وقالوا أصيل وابن حلال .
قريتنا غريبة، فكل شيء فيها مختلف.
كلما صاح الديك الحصيف تلكزني أمي صارخة: " ألا تشبع من النّوم فق واذبح الدّيك ". أتجاهل طلبها وأمضي في النوم، أمي لا تملُّ ، تكرر طلبها كل ليلة، الديك لا يسكت، وصراع أمي مع جدتي لا ينتهي، فجدتي تقول : لا أحد يذبح الديك وأنا على قيد الحياة.
أهل القرية يشكون همسا خشية العواقب فيؤثرون السلامة على الاحتجاج. الغريب أن الديك لا يصيح إلا بعد منتصف الليل وليس عند الفجر. في البداية احتار الناس، الديّكة تفيق عند الفجر وتصيح تدقّ ناقوس اليقظة ليفيق النّاس مع اقتراب انشقاق الخيط الأبيض عن ذاك الأسود، ليبدؤوا دورة يومية جديدة إما في سعادة أو شقاء. قرر أحدهم أن يستطلع أمر الدّيك الغريب، فخرج صامتا متسلّلا في ليلة لا قمر فيها، فتربّص للدّيك قرب قنه، فصاح الدّيك ثلاث مرات وسكت. تلفّت الرّجل حواليه فلا شيء مختلف فالقرية هادئة والناس في فراشهم هاجعين، حتى لا دبيب لحيوان سائب أو طير تائه. ظنّ في البداية أن جوعا يصيب الدّيك في مثل هذا الوقت من الليل فقرر أن يحمل إليه في اليوم التالي طعاما ويلقيه في القن خفية فلعلّ ذلك يفيد. لكن الدّيك لا يسكت.
صار صياح الدّيك في غير موعده ولثلاث مرات فقط، حديث أهل القرية في المضافة والطرقات في الصباح والمساء. والنساء على نبع المياه الوحيد في القرية يجتهدن ويؤلفن القصص الخيالية، حتى أن إحداهن تجرأت وقالت كما وأنها تعلم كلّ شيء :
_ الديك يصيح احتجاجا كلما سطا رجل على زوجته غفلة من دون رضاها.
تتضاحك النّسوة في خجل، وتتشجع أخرى فتقول : وربما الرجل أصاب سهمه من المرة الأولى فيصيح الديك مبشرا.
الرّجال مثل النّساء يجتهدون ويحلّلون، فكبير المضافة يقول: هذا الديك متآمر ابن حرام يصيح عند منتصف الليل ليستدعي الذئب .
صدّق الناس ما قاله كبيرهم، لكنّهم لم يجرؤا على المطالبة بذبح الديك رهبة من سطوة جدتي التي يصفها كثيرون بمئة رجل.
الدّيك عرف ما تداوله النّاس في المضافة والطّرقات وعند النّبع، في قريتنا لا أسرار وللحيطان آذان. فقرر أن يقلّل عدد صيحاته إلى اثنتين. في صباح اليوم التالي ضربت جدتي على صدرها في خوف فظنّت أن الدّيك قد مرض، وهمست " أصابه أهل القرية بالحسد"، لكن الدّيك ما زال قويا. عاد أهل القرية لهمسهم وغضبهم الخافت، فخفّض الديك صيحاته إلى مرة واحدة، فتشجّع النّاس وهلّلوا أن الديك قد علم باحتجاجهم، فقرروا أن يخرجوا في مظاهرة في القرية وتوجهوا إلى قنّ الديك يهتفون : لا صوت للديك بعد اليوم لا صوت للديك بعد اليوم.
سمع الديك احتجاجهم. وفي الليلة الموالية لم يسمع النّاس صياح الديك أبدا، فأقاموا في الصّباح الاحتفالات ورقصوا فرحا بانتصارهم السّاحق وانكسار الديك الذليل . جدتي غضبت وشعرت بالهزيمة أمام سكوت الديك واستسلمت. وعند منتصف الليل فاقت أمي فعادت تلكزني تنبّهني من النوم تقول : قم واذبح الديك قم . استجبتّ، ذهبت إلى القن، الدّيك ليس موجودا، فأين اختفى ؟
ثلاثة أيام طويلة والقرية تُطفئ أسرجتها باكرا وينام الناس في فراشهم هانئين، ليس في رؤوسهم سوى متعة الليل وحصاد النّهار. وفي الليلة الرّابعة هبّ النّاس من نومهم فزعين وكأن خسفا أصاب قريتهم فأصبح عاليها سافلها، القرية قُلبت رأسا على عقب، زلزال يضرب قلوبهم فهوت من على عروشها متخمة بالخوف وعقولهم تدثرت بلوثات من الجنون هذا إن بقي لهم عقول. الذئب يزرع الموت في القرية ، يكبر الموت الأَسَود في البيوت خرابا وفي الخوابي عبثا وفي الماشية تقتيلا وفي الناس مطاردة. يكبر الموت في الناس وفي القرية مثل نار أُشعلت كي لا تشبع.
سأل الناس سرّ هذه الكارثة، فعلموا أن نومهم الطويل طمأن الذئب أن الديك إما مات أو ذبحوه فوقع ما وقع. خرجت جدتي على الناس غاضبة تصيح فيهم " يا لقرية أضاع أهلها ديكهم فناموا فاغتُصبوا في عقر دارهم ". ضرب الرّجال على صدورهم ندما ولطمت النّساء حسرة ووجعا، وصاح أحدهم لنذهب نبحث عن الديك. أمضوا أياما يبحثون عنه لم يجدوه. اقترح أحدهم أن يشتروا ديكا آخر، فرفضت كلّ الدّيكة أن تذهب معهم. وقال ديك ألمعي لهم : ليس لكم خيار سوى أن أحدكم يصير ديكا. فنظروا في أنفسهم وتحسّسوا أجسادهم، فلم يتقدم أحد ، فأيقنوا أن الذئب أصابهم في عقر ما كانوا يتفاخرون به فحولةً في المضافة حين يَسدل الليل على النهار، فتفرقوا منكّسين ملطّخين بسرٍّ يُمرِّغ الوجوه في الأقدام، علمت النساء بنكستهم فغلّقن البيوت في وجوههم. وعلا صوت يشبه صوت جدتي: لن تدخلوا البيوت حتى تشقّوا بطن الذئب وتسترجعوا أعزّ ما فقدتم.
ولكن فجـأة سمع الناس صوتا يشبه صياح الدّيك عند منتصف الليل، فهلّلوا لعودته وقالوا: أصيل وابن حلال، وبعضهم همس " الديك الفصيح من البيضة بصيح" فخرجوا جميعا في استقباله وللاعتذار منه، وراحوا يهتفون بصوت عالٍ: " سيريحنا من شقّ بطن الذئب"، لكن الديك ليس في قنه، فتساءلوا من أين يصيح ؟ وبعد قليل سيختفي الصّوت الذي يشبه صوت الديك فانشغل أهل القرية وتصارعوا فيما إذا كان ذاك الصّوت هو فعلا صوت ديك القرية، ونسوا ما أخذه الذئب.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف