الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التقرير .. فيلم أمريكيّ عن تعذيب المسلمين بقلم:عبد المنعم أديب

تاريخ النشر : 2020-01-26
التقرير .. فيلم أمريكيّ عن تعذيب المسلمين بقلم:عبد المنعم أديب
التقرير .. فيلم أمريكيّ عن تعذيب المسلمين

عبد المنعم أديب

قد يظنُّ مُشاهد "The Report" أنه فيلم يتعلِّق بعمليَّات تعذيب فاحشة تعرَّض لها آلاف المسلمين بعد أحداث "الحادي عشر من سبتمبر" (حادثة انهيار بُرجَيْ التجارة) على يد "وكالة الاستخبارات الأمريكيَّة" ويا لها من جُرأة لتقديم ذلك! لكنَّ الحقيقة أن الفيلم كان أكثر ذكاءً، وأشدّ وطأةً في التعبير عن عديد الأمور -لا فقط تعذيب المسلمين-. فقد اختار صانع الفيلم أن يكون شديد الجرأة؛ ليصنع ما يمكن اعتباره بوضوح "أخطر أفلام العام". ودون كشف أو إفساد لأحداث الفيلم أو مجرياته -لأنَّك ستكون حريصًا على مشاهدته حقًّا- سأقسِّم المقال إلى قسمَيْن هما المعاني الجمَّة التي اختار الفيلم تصيُّدها، وكيف صاغوا هذه المعاني فنيًّا؛ لنجيب عن السؤال: هل هو فيلم وثائقيّ؟ أو هل هو "تقرير" عن "تقرير" أم أنَّه خلق فنيّ متماسك وجيِّد؟

فيلم "التقرير" من إنتاج "استوديوهات أمازون" شهر "نوفمبر"، عام 2019م. وهو من أفلام الصانع الواحد؛ حيث قام بكتابته وإخراجه "Scott Z.Burns" -الذي قدَّم هذا العام الفيلم الهامّ "المغسلة" كاتبًا-. وهو من أداء عدد كبير من الممثلين منهم: "آدم درايفر"، والممثلة الكبيرة "آنيت بنينج". الفيلم يمكن تصنيفه تحت تصنيف "السينما الاستقصائيَّة" -التي رأينا منها عام 2015م فيلم "نقطة ضوء" وفاز بأفضل أفلام العام-. وهو يندرج أيضًا تحت تصنيفَيْ "تاريخ"، "إثارة".

يدور الفيلم حول تقرير أعدَّتْه "لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكيّ" عن برنامج "الاحتجاز والاستجواب" الذي طُبِّق على نطاقات واسعة جدًّا ضدّ الآلاف بعد "الحادي عشر من سبتمبر" من قِبَل "المخابرات الأمريكيَّة" (C.I.A). خاصًّةً بعد تطبيق العديد من المناهج الخاطئة؛ مثل أساليب تُدعى بـ"الاستجواب المُعزَّز". والتي كانت أمثلةً فائقة الانتهاك للمُستجوَبين.

"دانيل جونز" الشابّ الواعد الذي يُقدم بكل طموح على خدمة بلاده، ويعمل منذ سنوات في مجال "مكافحة الإرهاب". نراه يترشَّح لقيادة هذا التحقيق من قِبَل نائبة مجلس الشيوخ "دايان فينستاين". ويبدأ العمل بكل جدّ واجتهاد في مكتب يشبه القبو، في أحد مقرَّات "المخابرات". ثم سرعان ما تنهال المشكلات على وجهه، حيث يُقابل بالتعنت والرفض من قبل الكثير من الاتجاهات في الدولة، ويتقلِّص عدد زملائه إلى اثنين فقط. وبعدها سرعان ما تتداعى الحقائق المُروِّعة عليه عمَّا تمَّتْ مُمارسته من قبل "وكالة الاستخبارات" ضد الكثيرين من أفعال وحشيَّة ترقى لجرائم الحرب، وعن الضغوط التي تخنق حرِّيَّة الكثير من المؤسسات في بلد يدِّعي أنه بلد الحرِّيَّات. فماذا سيحدث لـ"جونز"؟ وما الذي اكتشفه؟ وهل سيكمل عمله في التقرير حتى النهاية؟ هذا ما يعرضه لنا الفيلم.

أولاً: المعاني التي كشف الفيلم عنها:

الفيلم يدور عن تجربة "التقرير" كلها، لا عن فحواه (تعذيب الآلاف) وحسب. نتأكد من ذلك عندما نرى اقتصار فحوى التقرير على أقل من نصف الفيلم. ونكتشف حينها أن الفيلم لمْ يقدِّم ما عنده هنا. بل أنهى تقديم واحدة من الموضوعات والمعاني التي أراد التعبير عنها. حتى إذا تأمَّلتْ الموضوع برُمَّته خُيِّلَ إليك أنَّه استغلَّ حادث التقرير للتأكيد على معانٍ داخل الدولة الأمريكيَّة، وأنَّ فحوى التعذيب كان فقط تكئةً للوصول إلى ذلك. وبالمجمل تدور معاني الفيلم حول النقاط الآتية:

1- حالة الخوف والفزع التي أصابت المجتمع الأمريكيّ بعد حادث "سبتمبر"، وهذا السُّعار الذي ولَّده في نفوس المجتمع ضد طائفة من الفاعلين، تمَّ توسيع اتهامهم ليشمل أمَّة الإسلام كاملة. حتى أصبحتْ كلمة "مسلم" كافيةً لاتهامك. والفيلم هنا يشير من بعيد إلى علمٍ أكيد للدولة الأمريكيَّة بالحادث قبل حدوثه، وأنها تركته يحدث في مشهديْن متواليَيْنِ في الثلث الأخير من الفيلم.

2- يقف الفيلم مع جانب -ليس بالقليل- من الاتجاهات البحثيَّة العربيَّة والأجنبيَّة التي تؤكد أن "الولايات المتحدة" قد صنعت فكرة "الإرهاب" صنعًا لتؤسس لعالم جديد تصوغ هي معاييره. وهنا الفيلم لا يلجأ إلى الإشارة، بل إلى التصريح والمواجهة. حيث نرى إلصاق تهمة الإرهاب بمئات من المسلمين من جنسيات متعددة زورًا وبهتانًا، والاعتماد فقط على أيَّة ورقة لا قيمة لها لاقتياد عديد الأبرياء إلى حتفهم البطيء.

3- الصراع الضخم الذي ينهش الجسد الأمريكيّ، وتحوّل دولة الحريات إلى دولة تُدار بالتهديدات المتبادلة بين أجنحتها العُظمى، فوق كثير من الفضائح في الجسد الإداريّ الأمريكيّ. ولعلّ أكبر ما عرض له: الصراع السياسيّ بيْنَ الحزبَيْن الكُبريين: الديمقراطيّ الجُمهوريّ، وتلك الموازنات والضغوط والتهديدات بين الطرفين. وأيضًا الصراع بين أجهزة الدولة وأبرزها: "مكتب التحقيقات الفيدراليّ" (F.B.I)، و"وكالة الاستخبارات الأمريكيَّة" (C.I.A). وكَمْ الإرهاب التي تُدار به دولة الحريَّات العظمى في العالم. وهذا من أكبر محاور الفيلم المعنويَّة، إنْ لمْ يكن أكبرها.

4- فكرة قيلتْ بالنصّ في الفيلم "الديمقراطيَّة أمر فوضويّ". وهي نقد للدعامة العُظمى الأمريكيّة، ويقصد بالنقد هنا التطبيق. الذي تحوَّلت فيه "الديمقراطيَّة" من فكرة ومنهج لإدارة رشيدة للحُكم إلى وسيلة للابتزاز المتبادل، والتلاعب والضغوط. ولعلَّ هذا الموضوع يحلّه فرع "فلسفة الأخلاق". وأقول فيه إنّ الإشكال ليس في نظام الإدارة ومدى جودته، بل بمدى إرادة المُطبِّقين أنفسهم الصلاح والحقيقة. وإنّ أيّ نظام مهما بلغت تدابيره لن يصلح متى أصرّ المُطبِّقون على الإفساد، وتسيير الأمر بالأنانيَّة والأثرة والمصلحة الذاتيَّة.

5- فكرة قيلتْ نصًّا أيضًا وهي في منتهى الشجاعة. تتمثَّل في أن الاختلاف العقائديّ بين أفراد "المخابرات الأمريكيَّة" وبين المُستجوبين المسلمين، واختلاف ألوان بشراتهم وهيئاتهم كانتا لهما الفضل الكبير في هذه الجرأة التي تحلَّى بها المُعذِّبون في تعذيبهم. وهي من أشجع ما يمكن قوله.

6- أخيرًا والنقطة الأعمّ والأشمل وهي سلبيَّات فلسفة "البِرِجْماتيَّة" التي هي فلسفة "أمريكا" الرسميَّة. و"البرجماتيَّة" ببساطة مذهب فلسفيّ يحدد قيمة أيّ شيء من خلال المكاسب والخسائر التي يؤدي إليها هذا الشيء. وهو فرع من مذاهب "النفعيَّة" في الفلسفة. وفي الفيلم كثير من أمثلته. مثل قياس تجربة التعذيب على البشر بإفادتها على الحيوانات!! ومثل أن كثيرًا من الاتجاهات رفضتْ أساليب التعذيب هذه لعدم جدواها فقط؛ أيْ لأنَّها لمْ تحقق النفع المَرجوَّ منها!! ومثل قياس خسائر التجربة الوحشيَّة بعدد ما تمَّ إنفاقه عليها من أموال الدولة!! وهكذا.

ولعلَّ النظر في هذه المعاني تطلعنا بشدة على أنّ فيلم "التقرير" هو أخطر أفلام العام بإطلاق. فقد ساق كل ما تقدَّم بشجاعة نادرة، تستحق الاحترام من صانعيه. ويكفي أن تعرف أن إثارة مسألة المسلمين فقط تعدّ مخاطرة كبيرة، في ظلّ أمواج جارفة تعزف على نغمة "الإرهاب" المبتذلة. والفيلم بالعموم وقفة أمام الذات الأمريكيَّة، لمحاسبة النفس.

ثانيًا: كيف صنعوا هذا الفيلم فنيًّا؟

قد يوحي لك فيلم "التقرير" في البداية أنَّه فيلم قليل الفنيَّات. لكنّ النظرة المُتفحصَّة تكشف عن كثير من الفنيَّات. التي يمكن تسميتها "فنيَّات المعاني"؛ فالفيلم فيلم معانٍ بالأساس. لذلك لجأ صانعه لتكريس كل أدواته لمحورة المعاني، وبلورتها. من خلال:

1- التقليل من الخطوط الدراميَّة، ومن الشخصيَّات الرئيسة. حيث لا نجد إلا البطل، ونائبة الكونجرس. وقد حمَّلهُما صانع الفيلم كلَّ ما يريد من دفَّات توجيه المعاني. واستغلَّ إلى أقصى مدًى كل إمكاناتهما التمثيليَّة. من وقفات، وتعابير، ونظرات. بل إنّ الفيلم فنيًّا ألقى بالكثير من المسئوليَّة على تلك النظرات المُتبادلة بين عيون "الإنسان"، لا عيون الممثلين.

2- الاعتماد على اللقطات الرمزيَّة. ومنها لقطة بطل الفيلم بين بُرجَيْن من أوراق تقريره (برجَيْ التجارة) وهو حبيس بينهما بنظراته التائهة بين اليقين والثبات وضدَّيْهما. وكذلك المشاهد الرمزيَّة مثل مشهد مواجهة البطل لموظف "المخابرات" وتقابل وجهتَيْ نظر المؤسستين عن الأوراق التي تعبر عن المعرفة والسياسة العامَّة. وكذلك رمزيَّة استخدام المباني في الخلفيات. وكثير غيرها.

3- الاعتماد على شحن أقصى للعبارات للحد الذي تصل فيه إلى "رمزيَّة العبارة". ومنها قول البطل ساخرًا عن أحد ضحايا التعذيب: قالوا إن محظور برنامج التعذيب هو عدم إحداث إعاقة مستدامة فيا تُرى لأيّ وقت سيظلّ ..... ميتًا؟!

4- براعة صياغة ملصق الفيلم وشارة النهاية باستخدام "شطب" المعلومات في الدولة.

هذا كان "التقرير" الفنيّ والإنسانيّ الذي يجب أن يصل إلى معارفنا؛ كما أراد صُنَّاع الفيلم لنا.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف