رمزية العنوان في قصة "الرأس" ليوسف إدريس
د. أحمد جبر
تستوقفك إبداعات الأديب والكاتب العربي المصري يوسف إدريس، أسلوبا ومهارة ومغزى، وتطيل النظر في تلك العناوين التي اختارها لها، وهي عناوين تحمل من الرمزية والمغزى الكثير، فمن "لغة الآي آي" إلى قصة "الرأس" تقف بين ألم المرض وتشخيص الآلام والأوجاع وكأنها تمر أمامك صوتا وصورة متحركة إلى النظام والتنظيم والقيادة بكل معانيها في قصة الرأس، فحين يجد المتلقي نفسه أمام عنوان كهذا ( الرأس) سرعان ما يُعْمِلُ عقله ويحث تفكيره للوصول إلى المغزى من هذا العنوان وهل يجسد رمزا لشيء آخر أم انه يقصد المعنى المباشر للمفردة.
إن المتفحص والمتأمل في هذا الكون يجده قد ركب وفقا لنظام معين قدّره الخالق والمبدع عز وجل، وسيّر كل ما فيه وجعل لكلٍ فلكه الذي يسبح فيه ويتحرك، فلا يشذ عنه ولا يحيد ولو حدث ذلك فان عقد هذا الكون سينفرط وينهار، ولو أعملنا الفكر في كل الموجودات لوجدنا أنها خلقت وفقا لنظام معين يختص بها ويحدد صلتها بغيرها فحتى اللغات في عالمنا هذا تسير وتتركب وفقا لنظام لغوي يتناغم معها ووفق قواعد ومواد منظمة للحرف والكلمة والجملة والفقرة، لذلك فان النظام ينتظم الصنف والصنف بالآخر، فلكل نظامه، وللكل منظمٌ فاعلٌ من اجل الاستمرار والبقاء في مواجهة التحديات وتلبية الحاجات.
يوسف إدريس في حلته الأدبية هذه " الرأس " يعالج هذا الموضوع من خلال قصته القصيرة التي اختار لها عنوانا هو " الرأس " ، فأي رأس يقصد يوسف بهذا الاسم؟ هل يقصد ذلك الجزء من الجسد؟ وان كان ذلك، فالرأس منظم للجسد تجتمع فيه مستشعرات ومستقبلات ومرسلات ومنذرات وموجهات وهكذا، وهو في أعلى الإنسان لا في وسطه ولا في أسفله، أم انه يقصد رأس القوم سيدهم الذي يرعاهم وينظم أمورهم ؟ أم قائدهم الذي يقودهم وينظم حركتهم ويعمل على استقرارهم وأمنهم ؟.
إنها قصة قصيرة، ولكنها ذات مغزى كبير، فبطل القصة طفل مصري خرج ليصطاد السمك، وراح يتتبعه في قناة المائية الجارية، علّه يحظى بصيد ثمين فيعود إلى البيت وقد انفرجت أساريره وزاد فرحه بها، وفي تلك الأثناء التي كان الطفل فيها يتفحص المياه الجارية رأى سربا من الأسماك ففرح بذلك المشهد وراح يتتبعه ويراقب سيره وحركته، وسرعان ما ينشد الطفل وينجذب لذلك المشهد وينسى ما خرج من اجله وراح يداعب سرب السمك تارة بالحشائش وأخرى بقطع صغيرة من رغيف الخبز الذي كان يحمله، وما أن يلقي بالخبز للسمك حتى تنبري بعض الأسماك لتقضم منها ما تستطيع حتى تبقى قريبة من السرب.
لقد كرر الطفل عمله هذا أكثر من مرة وفي كل مرة كان يراقب سمكة لا تبرح مكانها وهي تلك السمكة التي تحتل موقع الصدارة في ذلك السرب، حتى كرر الأمر مرة أخرى فخرجت السمكة الرائدة القائدة من مكانها وقضمت شيئا من الخبز وسرعان ما عادت لمكانها ، ولكن الطفل يصر على تكرار الأمر مرة أخرى بكمية كبيرة من الخبز وما كان من السمكة الرائدة أن تركت مكانها وراحت تأكل والسرب ماض في طريقه وما هي إلا هنيهات حتى انبرت سمكة من الصف الثاني لتحتل مكان الصدارة وتقوم بقيادة سرب السمك ، وعندما عادت السمكة الأولى لتأخذ مكانها المعتاد قامت السمكة التي احتلت مكانها بطردها وزجرها فما كان منها إلا أن تحاول الاصطفاف في الصف الثاني فيطردها الصف وهكذا في الثالث والرابع حتى أصبحت السمكة في مؤخرة السرب.
إنها الضرورة الماسة والملحة لوجود نظام ينتظم الجماعة ينظم حركتها وسيرها كما يحافظ على ترتيب صفوفها ووحدتها، وهذا المشهد لقافلة السمك بكل ما حدث فيه من حركة واضطراب ولو لحظة يشف عن أهمية النظام والتزام القائد في المقدمة مع رص الصفوف وترتيبها.
د. أحمد جبر
تستوقفك إبداعات الأديب والكاتب العربي المصري يوسف إدريس، أسلوبا ومهارة ومغزى، وتطيل النظر في تلك العناوين التي اختارها لها، وهي عناوين تحمل من الرمزية والمغزى الكثير، فمن "لغة الآي آي" إلى قصة "الرأس" تقف بين ألم المرض وتشخيص الآلام والأوجاع وكأنها تمر أمامك صوتا وصورة متحركة إلى النظام والتنظيم والقيادة بكل معانيها في قصة الرأس، فحين يجد المتلقي نفسه أمام عنوان كهذا ( الرأس) سرعان ما يُعْمِلُ عقله ويحث تفكيره للوصول إلى المغزى من هذا العنوان وهل يجسد رمزا لشيء آخر أم انه يقصد المعنى المباشر للمفردة.
إن المتفحص والمتأمل في هذا الكون يجده قد ركب وفقا لنظام معين قدّره الخالق والمبدع عز وجل، وسيّر كل ما فيه وجعل لكلٍ فلكه الذي يسبح فيه ويتحرك، فلا يشذ عنه ولا يحيد ولو حدث ذلك فان عقد هذا الكون سينفرط وينهار، ولو أعملنا الفكر في كل الموجودات لوجدنا أنها خلقت وفقا لنظام معين يختص بها ويحدد صلتها بغيرها فحتى اللغات في عالمنا هذا تسير وتتركب وفقا لنظام لغوي يتناغم معها ووفق قواعد ومواد منظمة للحرف والكلمة والجملة والفقرة، لذلك فان النظام ينتظم الصنف والصنف بالآخر، فلكل نظامه، وللكل منظمٌ فاعلٌ من اجل الاستمرار والبقاء في مواجهة التحديات وتلبية الحاجات.
يوسف إدريس في حلته الأدبية هذه " الرأس " يعالج هذا الموضوع من خلال قصته القصيرة التي اختار لها عنوانا هو " الرأس " ، فأي رأس يقصد يوسف بهذا الاسم؟ هل يقصد ذلك الجزء من الجسد؟ وان كان ذلك، فالرأس منظم للجسد تجتمع فيه مستشعرات ومستقبلات ومرسلات ومنذرات وموجهات وهكذا، وهو في أعلى الإنسان لا في وسطه ولا في أسفله، أم انه يقصد رأس القوم سيدهم الذي يرعاهم وينظم أمورهم ؟ أم قائدهم الذي يقودهم وينظم حركتهم ويعمل على استقرارهم وأمنهم ؟.
إنها قصة قصيرة، ولكنها ذات مغزى كبير، فبطل القصة طفل مصري خرج ليصطاد السمك، وراح يتتبعه في قناة المائية الجارية، علّه يحظى بصيد ثمين فيعود إلى البيت وقد انفرجت أساريره وزاد فرحه بها، وفي تلك الأثناء التي كان الطفل فيها يتفحص المياه الجارية رأى سربا من الأسماك ففرح بذلك المشهد وراح يتتبعه ويراقب سيره وحركته، وسرعان ما ينشد الطفل وينجذب لذلك المشهد وينسى ما خرج من اجله وراح يداعب سرب السمك تارة بالحشائش وأخرى بقطع صغيرة من رغيف الخبز الذي كان يحمله، وما أن يلقي بالخبز للسمك حتى تنبري بعض الأسماك لتقضم منها ما تستطيع حتى تبقى قريبة من السرب.
لقد كرر الطفل عمله هذا أكثر من مرة وفي كل مرة كان يراقب سمكة لا تبرح مكانها وهي تلك السمكة التي تحتل موقع الصدارة في ذلك السرب، حتى كرر الأمر مرة أخرى فخرجت السمكة الرائدة القائدة من مكانها وقضمت شيئا من الخبز وسرعان ما عادت لمكانها ، ولكن الطفل يصر على تكرار الأمر مرة أخرى بكمية كبيرة من الخبز وما كان من السمكة الرائدة أن تركت مكانها وراحت تأكل والسرب ماض في طريقه وما هي إلا هنيهات حتى انبرت سمكة من الصف الثاني لتحتل مكان الصدارة وتقوم بقيادة سرب السمك ، وعندما عادت السمكة الأولى لتأخذ مكانها المعتاد قامت السمكة التي احتلت مكانها بطردها وزجرها فما كان منها إلا أن تحاول الاصطفاف في الصف الثاني فيطردها الصف وهكذا في الثالث والرابع حتى أصبحت السمكة في مؤخرة السرب.
إنها الضرورة الماسة والملحة لوجود نظام ينتظم الجماعة ينظم حركتها وسيرها كما يحافظ على ترتيب صفوفها ووحدتها، وهذا المشهد لقافلة السمك بكل ما حدث فيه من حركة واضطراب ولو لحظة يشف عن أهمية النظام والتزام القائد في المقدمة مع رص الصفوف وترتيبها.