أدب العائدين
د. محمد عبدالله القواسمة
يطرح الدكتور عادل الأسطة في كتابه" أدب العائدين: تساؤلات وقراءات" الذي صدر في طبعة ورقية هذا العام في رام الله عن دار الرقمية، وفي طبعة إلكترونية عام 2015م، مصطلح "أدب العائدين"؛ ليدرس بوساطته الأدب الفلسطيني الذي نهض به الأدباء الفلسطينيون الذين عادوا إلى فلسطين بعد اتفاقات أوسلو عام 1993، منهم: محمود درويش، ومحمود شقير، ومريد البرغوثي، وحسن خضر، وغسان زقطان، وربعي المدهون وغيرهم.
يميز الأسطة في كتابه بين مصطلح العائدين ومصطلح أدب العودة، ويرى أن أدب العودة، وإن ظل يتواصل حتى اللحظة مع أدب العائدين، فهو سابق له؛ إذ بدأ بعد نكبة 1948م حاملًا حلم العودة، ومعبرًا عن حق الفلسطيني بوطنه، كما في كتابات عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وهارون هاشم رشيد، وسميرة عزام، وغسان كنفاني وغيرهم.
ولو دققنا في مصطلح أدب العائدين لرأينا أنه مصطلح ملتبس، وغير محدد، ولا يشير إلى ظاهرة ذات خصائص واضحة المعالم، ولا يدل على الحقيقة، وما يجري على أرض الواقع المعايش. فهو يختلط أحيانًا بأدب العودة كما يقرر الأسطة نفسه ذلك. كما لا نستطيع أن نعرف على وجه الدقة من هم الأدباء العائدون: هل هم الذين جاؤوا إلى فلسطين بعد أوسلوا مثل درويش وزقطان، أو الذين دخلوا فلسطين زائرين مثل ربعي المدهون الذي جاء بجواز سفر بريطاني، ومثل رشاد أبو شاور ومريد البرغوثي الذين جاؤوا بموافقة دولة الاحتلال؟ إننا نجد الاضطراب واضحًا في الإجابة عن هذين السؤالين، فنرى الأسطة يعد هؤلاء وأمثالهم تارة من الأدباء العائدين، وتارة من الأدباء الزائرين الذين جاؤوا فلسطين وعادوا إلى المنافي التي قدموا منها. فلا ندري هل ما كتبه هؤلاء أدب عودة أم أدب عائدين أم أدب منفى. نقرأ في كتابه: " إن ما كتبه هؤلاء ليس فقط أدب عودة، ويجدر أن يدرس تحت مسمى آخر هو "أدب العائدين"، علمًا بأن بعض هؤلاء سرعان ما عاد إلى المنفى، وبالتالي فقد لا يدرج تحت مسمى الأدباء العائدين"
الحقيقة الواضحة أن الأدباء الذين عادوا إلى فلسطين بعد اتفاقات أوسلو لم يعودوا إلى ديارهم التي طردوا منها، فلم يعد درويش إلى البروة، ولا يحيى يخلف إلى سمخ، ولا الشاعر أحمد دحبور إلى حيفا. لقد عادوا مكبلين بأوسلو، وقد أدركوا ذلك، فهذا دحبور يقول عن عودته:
"وصلت حيفا ولم أعد إليها
يا حسرتي عليّ أم يا حسرتي عليها
وصلتها ولم أعد إليها".
وهذا محمود درويش في كتابه "حيرة العائد" 2007م يورد أنه كان زائرًا وطنه ولم يكن عائدًا:" هكذا أجد نفسي هنا. لم أذهب ولم أرجع، لم أذهب إلا مجازًا، ولم أرجع إلا مجازًا"
لعل إطلاق الأسطة مصطلح أدب العائدين نجم عن الانجرار وراء السياسة، التي أظهرت بأن الفلسطينيين بعد أوسلو عادوا إلى وطنهم، وسيحققون بناء الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين، وربما جاء انعكاسًا للحلم الذي يحلم به كل فلسطيني بالعودة إلى الوطن، أو ربما أطلقت التسمية عن طريق المجاز الذي يتصف به الأدب عادة. ولكن المنهج النقدي لا يلجأ إلى بناء المصطلح وفق التقسيمات السكانية، وتصنيفات المعابر والحدود، والاستعانة بعناصر من خارج الظاهرة الأدبية فنقول أدب العائدين، وأدب المقيمين، وأدب اللاجئين، وأدب الزائرين، وربما يكون مصطلح أدب العودة أكثر دلالة على الأدب الفلسطيني الذي عبر عن مشاعر الشعب الفلسطيني، وحلمه، وأمله، وعلاقته بوطنه منذ النكبة حتى هذه اللحظة. كما أنه مصطلح يشير إلى ظاهرة أدبية لها خصائصها الفنية، وحدودها التاريخية، وفعلها في الواقع المعايش بل إنها امتداد لأدب الأطلال والحنين إلى الديار منذ العصر الجاهلي، كما في المعلقات، وهي لمّا تزل ماثلة حتى فيما يسميه الدكتور عادل أدب العائدين.
والخلاصة إن مصطلح أدب العائدين، كما يظهر في كتاب الدكتور عادل الأسطة لم يكن موفقًا في الدلالة على الأدب الذي نهض به الأدباء الفلسطينيون الذين عادوا إلى فلسطين في ظل اتفاقات أوسلو؛ لأنهم ببساطة لم يعودوا إلى بيوتهم وأرضهم التي سلبت منهم، ولم يمارسوا حريتهم في كتابة أدب يحمل مشاعر لقائهم وطنهم كما حلموا به. إن ما كتبه هؤلاء من أدب لم يكن أدب عائدين. فما هو إلا أدب أفرزته مرحلة ما بعد أوسلو، إنه أدب الحائرين كما يرى درويش، وأدب المحطمين نفسيًا كما في شعر دحبور، وأدب الحسرة والألم كما يرى غيرهم.
[email protected]
د. محمد عبدالله القواسمة
يطرح الدكتور عادل الأسطة في كتابه" أدب العائدين: تساؤلات وقراءات" الذي صدر في طبعة ورقية هذا العام في رام الله عن دار الرقمية، وفي طبعة إلكترونية عام 2015م، مصطلح "أدب العائدين"؛ ليدرس بوساطته الأدب الفلسطيني الذي نهض به الأدباء الفلسطينيون الذين عادوا إلى فلسطين بعد اتفاقات أوسلو عام 1993، منهم: محمود درويش، ومحمود شقير، ومريد البرغوثي، وحسن خضر، وغسان زقطان، وربعي المدهون وغيرهم.
يميز الأسطة في كتابه بين مصطلح العائدين ومصطلح أدب العودة، ويرى أن أدب العودة، وإن ظل يتواصل حتى اللحظة مع أدب العائدين، فهو سابق له؛ إذ بدأ بعد نكبة 1948م حاملًا حلم العودة، ومعبرًا عن حق الفلسطيني بوطنه، كما في كتابات عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) وهارون هاشم رشيد، وسميرة عزام، وغسان كنفاني وغيرهم.
ولو دققنا في مصطلح أدب العائدين لرأينا أنه مصطلح ملتبس، وغير محدد، ولا يشير إلى ظاهرة ذات خصائص واضحة المعالم، ولا يدل على الحقيقة، وما يجري على أرض الواقع المعايش. فهو يختلط أحيانًا بأدب العودة كما يقرر الأسطة نفسه ذلك. كما لا نستطيع أن نعرف على وجه الدقة من هم الأدباء العائدون: هل هم الذين جاؤوا إلى فلسطين بعد أوسلوا مثل درويش وزقطان، أو الذين دخلوا فلسطين زائرين مثل ربعي المدهون الذي جاء بجواز سفر بريطاني، ومثل رشاد أبو شاور ومريد البرغوثي الذين جاؤوا بموافقة دولة الاحتلال؟ إننا نجد الاضطراب واضحًا في الإجابة عن هذين السؤالين، فنرى الأسطة يعد هؤلاء وأمثالهم تارة من الأدباء العائدين، وتارة من الأدباء الزائرين الذين جاؤوا فلسطين وعادوا إلى المنافي التي قدموا منها. فلا ندري هل ما كتبه هؤلاء أدب عودة أم أدب عائدين أم أدب منفى. نقرأ في كتابه: " إن ما كتبه هؤلاء ليس فقط أدب عودة، ويجدر أن يدرس تحت مسمى آخر هو "أدب العائدين"، علمًا بأن بعض هؤلاء سرعان ما عاد إلى المنفى، وبالتالي فقد لا يدرج تحت مسمى الأدباء العائدين"
الحقيقة الواضحة أن الأدباء الذين عادوا إلى فلسطين بعد اتفاقات أوسلو لم يعودوا إلى ديارهم التي طردوا منها، فلم يعد درويش إلى البروة، ولا يحيى يخلف إلى سمخ، ولا الشاعر أحمد دحبور إلى حيفا. لقد عادوا مكبلين بأوسلو، وقد أدركوا ذلك، فهذا دحبور يقول عن عودته:
"وصلت حيفا ولم أعد إليها
يا حسرتي عليّ أم يا حسرتي عليها
وصلتها ولم أعد إليها".
وهذا محمود درويش في كتابه "حيرة العائد" 2007م يورد أنه كان زائرًا وطنه ولم يكن عائدًا:" هكذا أجد نفسي هنا. لم أذهب ولم أرجع، لم أذهب إلا مجازًا، ولم أرجع إلا مجازًا"
لعل إطلاق الأسطة مصطلح أدب العائدين نجم عن الانجرار وراء السياسة، التي أظهرت بأن الفلسطينيين بعد أوسلو عادوا إلى وطنهم، وسيحققون بناء الدولة الفلسطينية المستقلة على أرض فلسطين، وربما جاء انعكاسًا للحلم الذي يحلم به كل فلسطيني بالعودة إلى الوطن، أو ربما أطلقت التسمية عن طريق المجاز الذي يتصف به الأدب عادة. ولكن المنهج النقدي لا يلجأ إلى بناء المصطلح وفق التقسيمات السكانية، وتصنيفات المعابر والحدود، والاستعانة بعناصر من خارج الظاهرة الأدبية فنقول أدب العائدين، وأدب المقيمين، وأدب اللاجئين، وأدب الزائرين، وربما يكون مصطلح أدب العودة أكثر دلالة على الأدب الفلسطيني الذي عبر عن مشاعر الشعب الفلسطيني، وحلمه، وأمله، وعلاقته بوطنه منذ النكبة حتى هذه اللحظة. كما أنه مصطلح يشير إلى ظاهرة أدبية لها خصائصها الفنية، وحدودها التاريخية، وفعلها في الواقع المعايش بل إنها امتداد لأدب الأطلال والحنين إلى الديار منذ العصر الجاهلي، كما في المعلقات، وهي لمّا تزل ماثلة حتى فيما يسميه الدكتور عادل أدب العائدين.
والخلاصة إن مصطلح أدب العائدين، كما يظهر في كتاب الدكتور عادل الأسطة لم يكن موفقًا في الدلالة على الأدب الذي نهض به الأدباء الفلسطينيون الذين عادوا إلى فلسطين في ظل اتفاقات أوسلو؛ لأنهم ببساطة لم يعودوا إلى بيوتهم وأرضهم التي سلبت منهم، ولم يمارسوا حريتهم في كتابة أدب يحمل مشاعر لقائهم وطنهم كما حلموا به. إن ما كتبه هؤلاء من أدب لم يكن أدب عائدين. فما هو إلا أدب أفرزته مرحلة ما بعد أوسلو، إنه أدب الحائرين كما يرى درويش، وأدب المحطمين نفسيًا كما في شعر دحبور، وأدب الحسرة والألم كما يرى غيرهم.
[email protected]