
الدارجة في لغة رواية أم سعد لغسان كنفاني
د. أحمد جبر
يمكن القول بأن أعمال غسان كنفاني الأدبية قد لاقت رواجا وإقبالا كبيرين على امتداد فلسطين والوطن العربي بل والعالم أجمع، كما يمكن القول بأن غسان كنفاني قد تمكن من خلال معالجاته الأدبية والفنية المتنوعة من جذب اهتمام القارئ لأدبه وإثارته لدرجة جعلت الكثيرين يتعلقون بنتاجات هذا الأديب الكبير الذي خاض تجربة نضالية واقعية وطويلة في مواجهة عدو شرس وأعداء آخرين ظلوا متخفين وراء حجب ناهيك عن مقاومته لأفكار النظم الرجعية وأطروحاتها فهو أديب يوظف إيديولوجيته في فنه وبغض النظر عن تلك الأيديولوجية فإن غسان قد تمكن من توظيف انتصار هذه الأيديولوجية لصالح الجماهير الكادحة في أدبه وان كان على صعيد نظري أو عملي في بعض البلدان، وهي جماهير تلك الطبقة المسحوقة التي تضحي وتدفع الثمن غاليا في سبيل الحرية والاستقلال كما تدفعه في زمن الهزائم مرارة وعذابا وتشردا.
ولما كان غسان كنفاني أديبا واقعيا اشتراكيا جماهيريا فان مخرجاته ستعكس بين الحين والآخر ما يشف عن انتمائه وانتصاره لتلك الطبقة العريضة من الجماهير، ولا عجب في ذلك فهو يصدر روايته أم سعد بقوله إلى أم سعد الشعب والمدرسة ويردف إهداءه هذا في الصفحة التاسعة بقوله عن أم سعد بأنها مدرسة يومية مرتبطة بتلك الطبقة الباسلة والفقيرة ، ليصرح بعد ذلك بقوله:" إننا نتعلم من الجماهير ونعلمها" ومع ذلك يقر غسان كنفاني بأنه وغيره كذلك لم يتخرجوا بعد من مدارس الجماهير التي عدها المعلم الحقيقي الدائم الذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءا لا ينفصم عن الخبز والماء واكف الكادحين ونبض القلب.
لذلك كان من الطبيعي والموضوعي أن يلج غسان كنفاني في لغته المستخدمة في روايته فضاءات واسعة من اللغة تعكس صورة الموقف والمشهد وترمز بشكل أو بآخر إلى ثقافة الشخوص في روايته كما أنها تضفي طابع الشعبية والجماهيرية على سرديته هذه ومن هنا جاء توظيف الدارجة الفلسطينية في هذه الرواية التي جسدت دور المرأة الفلسطينية بل فلسطين رمزا للعمل والكفاح ضد المستعمر.
إن الأديب الذي يحتضن الجماهير في أدبه وفنه لا يمكن إلا أن تقابله الجماهير بحضنها الدافئ وتمده بكل أسباب القوة والخلود فهو يستلهم موضوعاته منها وهي الملهم والمعلم الذي يرسم الدرب أمامه ويخط طريق فنه ويحدد له الأهداف والغايات ويمكنه من الوسائل التي يرقى بها ليكون أديبا جماهيريا وبطلا شعبيا، وهذا الالتصاق بالجماهير وبقضاياها يثير في غسان كنفاني مكامن فنه وملكته الأدبية التي راحت توظف مفردات العامة واللهجة الدارجة اليومية في الكثير من مواضع نموذجه الفني النضالي المتجسد في رواية أم سعد وغيرها من الأعمال الأدبية لتكون أعمالا حية تنبض بالحياة كذلك العود اليابس الذي قطعته أم سعد من دالية صادفتها في الطريق لتزرعها فتمتص مياه التربة لتنبت دالية نامية خضراء مثمرة تجسد الأمل والأمنيات في الغد الآتي، وعندما تأتي أم سعد على ذكر المختار فإنها تنعته هازئة به بقولها:" الأهبل " وهو نعت ولفظ دارج في اللهجة الفلسطينية كما ورد على لسانها عند ذكر المختار عندما أراد أن يجمع توقيعات سعد ورفاقه قولها يريدهم أن يكونوا " اوادم" بمعنى أنهم ملتزمون لا يقومون بإثارة الآخر أو التعدي عليه ومنها قولها :" يعني نوكل كف ونقول شكرا وقولها: أوادم يعني بنحارب وهيك يعني هيك أي ليس بالمعنى الذي يقصده المختار ومنها :" راحت عليك " وسلم عالأهل يا ابني ودير بالك و قل له دخيلك ويخزي العين وطققت رقبته واسم الله عليه ويا يما ردي علي وأنا هون يما وجوعان والزوادة وسأمرق من هنا وغيرها كثير. ومن هذه المفردات ما ورد على لسان السارد ( الكاتب) عندما وظف المثل الشعبي الدارج بقوله: "أردت تكحيلها فعميتها".
لقد ناغم غسان كنفاني كعادته بين الموقف والمقال وبين الشخصية وما ينسجم معها من مفردات لا تخرج عن إطار اللهجة الشعبية المحكية وان بدت في بعض المواضع تستخدم لغة المثقفين أو المتعلمين وهذا ما يجعل الرواية لصيقة بشريحتها المنتمية على صعيد شعبي وثقافي بعيد عن لغة المترفين وأصحاب الصالونات.
د. أحمد جبر
يمكن القول بأن أعمال غسان كنفاني الأدبية قد لاقت رواجا وإقبالا كبيرين على امتداد فلسطين والوطن العربي بل والعالم أجمع، كما يمكن القول بأن غسان كنفاني قد تمكن من خلال معالجاته الأدبية والفنية المتنوعة من جذب اهتمام القارئ لأدبه وإثارته لدرجة جعلت الكثيرين يتعلقون بنتاجات هذا الأديب الكبير الذي خاض تجربة نضالية واقعية وطويلة في مواجهة عدو شرس وأعداء آخرين ظلوا متخفين وراء حجب ناهيك عن مقاومته لأفكار النظم الرجعية وأطروحاتها فهو أديب يوظف إيديولوجيته في فنه وبغض النظر عن تلك الأيديولوجية فإن غسان قد تمكن من توظيف انتصار هذه الأيديولوجية لصالح الجماهير الكادحة في أدبه وان كان على صعيد نظري أو عملي في بعض البلدان، وهي جماهير تلك الطبقة المسحوقة التي تضحي وتدفع الثمن غاليا في سبيل الحرية والاستقلال كما تدفعه في زمن الهزائم مرارة وعذابا وتشردا.
ولما كان غسان كنفاني أديبا واقعيا اشتراكيا جماهيريا فان مخرجاته ستعكس بين الحين والآخر ما يشف عن انتمائه وانتصاره لتلك الطبقة العريضة من الجماهير، ولا عجب في ذلك فهو يصدر روايته أم سعد بقوله إلى أم سعد الشعب والمدرسة ويردف إهداءه هذا في الصفحة التاسعة بقوله عن أم سعد بأنها مدرسة يومية مرتبطة بتلك الطبقة الباسلة والفقيرة ، ليصرح بعد ذلك بقوله:" إننا نتعلم من الجماهير ونعلمها" ومع ذلك يقر غسان كنفاني بأنه وغيره كذلك لم يتخرجوا بعد من مدارس الجماهير التي عدها المعلم الحقيقي الدائم الذي في صفاء رؤياه تكون الثورة جزءا لا ينفصم عن الخبز والماء واكف الكادحين ونبض القلب.
لذلك كان من الطبيعي والموضوعي أن يلج غسان كنفاني في لغته المستخدمة في روايته فضاءات واسعة من اللغة تعكس صورة الموقف والمشهد وترمز بشكل أو بآخر إلى ثقافة الشخوص في روايته كما أنها تضفي طابع الشعبية والجماهيرية على سرديته هذه ومن هنا جاء توظيف الدارجة الفلسطينية في هذه الرواية التي جسدت دور المرأة الفلسطينية بل فلسطين رمزا للعمل والكفاح ضد المستعمر.
إن الأديب الذي يحتضن الجماهير في أدبه وفنه لا يمكن إلا أن تقابله الجماهير بحضنها الدافئ وتمده بكل أسباب القوة والخلود فهو يستلهم موضوعاته منها وهي الملهم والمعلم الذي يرسم الدرب أمامه ويخط طريق فنه ويحدد له الأهداف والغايات ويمكنه من الوسائل التي يرقى بها ليكون أديبا جماهيريا وبطلا شعبيا، وهذا الالتصاق بالجماهير وبقضاياها يثير في غسان كنفاني مكامن فنه وملكته الأدبية التي راحت توظف مفردات العامة واللهجة الدارجة اليومية في الكثير من مواضع نموذجه الفني النضالي المتجسد في رواية أم سعد وغيرها من الأعمال الأدبية لتكون أعمالا حية تنبض بالحياة كذلك العود اليابس الذي قطعته أم سعد من دالية صادفتها في الطريق لتزرعها فتمتص مياه التربة لتنبت دالية نامية خضراء مثمرة تجسد الأمل والأمنيات في الغد الآتي، وعندما تأتي أم سعد على ذكر المختار فإنها تنعته هازئة به بقولها:" الأهبل " وهو نعت ولفظ دارج في اللهجة الفلسطينية كما ورد على لسانها عند ذكر المختار عندما أراد أن يجمع توقيعات سعد ورفاقه قولها يريدهم أن يكونوا " اوادم" بمعنى أنهم ملتزمون لا يقومون بإثارة الآخر أو التعدي عليه ومنها قولها :" يعني نوكل كف ونقول شكرا وقولها: أوادم يعني بنحارب وهيك يعني هيك أي ليس بالمعنى الذي يقصده المختار ومنها :" راحت عليك " وسلم عالأهل يا ابني ودير بالك و قل له دخيلك ويخزي العين وطققت رقبته واسم الله عليه ويا يما ردي علي وأنا هون يما وجوعان والزوادة وسأمرق من هنا وغيرها كثير. ومن هذه المفردات ما ورد على لسان السارد ( الكاتب) عندما وظف المثل الشعبي الدارج بقوله: "أردت تكحيلها فعميتها".
لقد ناغم غسان كنفاني كعادته بين الموقف والمقال وبين الشخصية وما ينسجم معها من مفردات لا تخرج عن إطار اللهجة الشعبية المحكية وان بدت في بعض المواضع تستخدم لغة المثقفين أو المتعلمين وهذا ما يجعل الرواية لصيقة بشريحتها المنتمية على صعيد شعبي وثقافي بعيد عن لغة المترفين وأصحاب الصالونات.