الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مناقشة رواية أوراق خريفة بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2020-01-20
مناقشة رواية  أوراق خريفة بقلم: رائد الحواري
مناقشة رواية أوراق خريفية
ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق للثقافة والنشر تم مناقشة رواية «أوراق خريفية» للروائي محمد عبد الله البيتاوي، وقد افتتح الجلسة الشاعر فراس حاج محمد، قائلاً: الرواية تقع في ثلاثة فصول: أوراق التوت، أوراق التين، أوراق الورد، وقد عمل الكاتب في الصحافة منذ ستينيات القرن الماضي، وكتب القصة والرواية، وله ثلاث مجموعات قصصية وهي: «دعوة للحب، مرسوم لإصدار هوية، أوراق منسية» وله ثلاثية روائية «فصول من حكاية بلدنا: المهزوزون، الصراصير، شارع العشاق». في هذه الرواية نجد أكثر من مسألة، تحتاج للنقاش، وسأتحدث عنها لاحقاً.
ثم فتح باب النقاش وتحدث الصحفي همام طوباسي قائلاً: رواية جميلة وممتعة، تناول أكثر من جانب، منها ما هو متعلق بالحب، ونظرة المجتمع للفتاة، ومنها ما هو متعلق بالمجتمع والفساد المتفشي فيه، والرواية تحدد الزمن بالانتفاضة الثانية، من هنا أجد تماثل الزمن مع رواية عفاف خلف لغة الماء، لكن موضوع الرواية مختلف.
وتحدث الشاعر عمار دويكات فقال: قبل الولوج إلى صفحات هذه الرواية أود التذكير أن قراءتي لا تتعدى رؤية انطباعية أتفاعل معها وأتذوقها، فأقدم رأيي بكل صراحة ووضوح. في البدء وقفت مستعجباً من تلك الكلمات التي قدَّم بها الكاتب إهداءه:» إلى شجرة السّرو الحرجية التي تسمو ولا تتنازل عن أوراقها «ولكني عندما انتهيت من آخر كلمة في الرواية، أبصرت ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بين الإهداء وبين النص، ولعل هذا الشيء يؤكد لما ذهب إليه بعض النقاد حين اعتبروا الإهداء نصاً موازياً للعمل الأدبي، وأنه إحدى العتبات المحيطة بالنص. تكمن روعة الإهداء وعبقريته أنه جاء مخالفاً لكل المضمون الذي قامت به بطلة الرواية «غادة»، تلك المرأة التي كانت قِبلتها البحث في الوهم المكتنز وراء شعار الحرية، وذلك من خلال إنشاء علاقة غرامية وتطورها إلى علاقة إباحية تحت حجة واهية مرضية هي في حقيقتها، فهي -أقصد غادة- كانت تبرر أنها تريد من يفهمها فكرياً ويقدرها كإنسانة واعية صاحبة فكر تحرري ومنفتح، وذلك بعيداً عن جسدها الذي طالما تفاخرت به طوال صفحات الرواية، بل جعلت غالبية المحيطين بها يُذهلون بجسدها، ويلهثون وراء رغباتهم وشهواتهم، وذلك بداية بشوقي مروراً بمدير عملها وزميلها عامر والشاعر والأديب والروائي حتى جارها لم يسلم من هذه المبالغة التي أبعدت الرواية عن الواقعية، حيث بدت الرواية من هذه الزاوية مبالغ في أحداثها وهذا في رأيي لا يحسب لصالح الكاتب والرواية. الغلاف أيضاً يعتبر من عتبات النص، إذ بدا لي أنه أُنجز على عجل، إذ لم يحمل مضامين أو حتى إشارات ترتبط عضوياً بالنص الذي يسكن بين دفتيه. الرواية احتوت على عناصرها بكل وضوح : المكان: كان محلياً بل وضع الكاتب أسماء الأمكنة من شوارع وأحياء ومدن، وهذا في تقديري يحمل إيجابية وسلبية في ذات الوقت، إيجابية؛ إذ يعمق روح الانتماء والمعرفة لمن يعرفون هذه الأمكنة، وسلباً؛ فإنه يحرم الرواية من عالميتها وإسقاطاتها على أماكن أخرى في هذا العالم. الزمان: جاء في معظمه تخيلاً ذي قفزات زمانية مختصرة، عن طريق إنشاء حالة من الذكريات لدى بطلة الرواية، زمان قريب نسبياً كانت به أحداث الرواية واضحة، إذن لقد سجل الكاتب وأرّخ لتلك الفترة الزمنية من عمر هذا الوطن. الشخوص: منح الروائي للراوية كامل التصرف المُطلق، فهي التي تحكمت بكامل خيوط الرواية!!، وكانت أيضاً تتحكم بدور كثير من الشخوص داخل الرواية، بل كانت أحياناً تتدخل في ذهن القارئ (ص297 أول فقرة)، ولقد ظهر شخوص بشكل مفاجئ وغير مقنع (كإخوة غادة صابر وجواد). اللغة: في هذا النوع من الروايات الواقعية الاجتماعية يجب أن تكون اللغة بلا تعقيد ولا تقعير، لغة سهلة تراعي الطبقات المتحدِثة واللحظات المؤثرة على وتيرتها، لغةٌ تقدم الفكرة سهلة من أجل الوصول السهل والجميل للغاية والهدف، وهذا بالفعل ما فعله الكاتب. مع التحفظ الشديد على بعض الكلمات التي جاءت خارج السياق والتي كان بمقدور الكاتب أن يجد بديلاً عنها بكل سهولة، ولكن لماذا جاء بها هكذا.. لا أعلم!!. السرد: لمعرفتي الشخصية بالكاتب قد كنت أسمع صوته داخل الرواية، بل كنت أرى لغة جسده وانفعالاته، وقد لا يحق لي قول ذلك، لكن من الصعب علي أن أميت المؤلف هنا وهو أمام عيني. الحبكة: لم يذهب الكاتب إلى التعقيد والتقديم بل جعل النص متوالياً منسجماً سلساً، وهذا أيضاً يرجع لطبيعة المضمون المقدم في الرواية. النهاية والعقدة: جاءت مفتوحة مطلقة، بلا حدود أو جهات، وهذا الشيء يجعل القارئ يضع توقعاته واستشرافاته لنهايات كثيرة لم تحسم في الرواية. المسكوت عنه في الرواية: لا شك أن روايةَ «أوراق خريفية» جاءت من رحم الواقع الفلسطيني، إذ قدَّمت الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في فترة زمنية محددة ما بين 2005-2006، أي في نهايات انتفاضة الأقصى التي انطلقت سنة 2000، هذه الفترة التي كانت حبلى بالأحداث التي أثَّرت على شكل الخارطة المحلية والوطنية، أحداث تلخصت في رسوبيات انتفاضة الأقصى وانتخابات المجالس البلدية والتشريعية وفوضى السلاح والسيارات المسروقة وغياب القانون والانفلات الأمني وغيرها، هنا قدّم لنا الكاتب واقعاً حقيقياً عايشه كثيرون منا، بل واكتوى بناره أيضاً. ولم يغفل الكاتب عن دور الاحتلال في تعميق هذه الحالة، ولم يغفل الكاتب أيضاً عن تأصيل هذه الحالة الفوضوية لدى الناس أنفسهم ورغبتهم في إبقائها لتحقيق مصالحهم الشخصية. لا شك أننا أمام رواية أسقطت كثيراً من أوراق التوت عن كثير من القضايا الحساسة والهامة في مجتمعنا، وهذا بحد ذاته يحسب للكاتب، لكن المبالغة في كثير من المشاهد البصرية الغرامية -ولا أريد أن أوصفها بوصف آخر- جعل المشهد العام للرواية مؤذياً وغير منصفاً للمرأة بشكل خاص وللمجتمع بشكل عام، هذا المجتمع الذي تتأصل به الأخلاق والقيم، دون إنكار ما به كغيره في كل المجتمعات من تجاوزات وخطايا.
وتحدث رائد الحواري فقال: هناك أدباء ينتمون لواقعهم، لمجتمعهم، فتجد أعمالهم صورة عن المجتمع، لكنها صورة أدبية، تجد أصوات الناس فيها، وتجد مشاكلهم، همومهم، ذكور وإناث، همومهم الشخصية والوطنية والقومية، وبما أن المجتمعات العربية ما زالت تخضع لواقعها المتخلف فبالتأكيد سيكون هناك حديث عن الفساد والانتهازية، وإذا علمنا أن الراوي يتحدث عن فلسطين فسيكون هناك تناول لأحوالها وحياة الناس، وسيفاجأ القارئ بحجم الخلل الأخلاقي والأمني.
في هذه الروية تتحدث «غادة»، الفتاة النشطة في جامعة النجاح، والتي تختار الانتماء لحركة فتح لأن حبيبها «شوقي» ينتمي لهذا التنظيم، لكن ما أن يأخذ حاجته الجسدية منها حتى يتركها دون مقدمات أو إبداء أية أسباب فيسافر إلى أمريكا ليكمل دراسته، وهنا تقع غادة في مشكلة اجتماعية، فهي تعلم أن المجتمع يرفضها لأنها فقدت «بكارتها» من هنا ترفض كل من يتقدم لخطبتها، لألى تنكشف «جريمتها»، وتستمر في رفض المتقدمين إلى أن تصل إلى حالة شبهة العنوسة، هذا هو العمود الفقري للرواية وهي من تسرد الأحداث، وبما أن الكاتب هو «محمد عبد الله البيتاوي» والساردة هي «غادة» سيكون هناك دخول إلى العقل الباطن «لغادة» حتى نرى هل نجح «البيتاوي» في تحرير شخصية «غادة» من هيمنته ككاتب/كذكر، أم أنه أعطاها حريتها وحررها؟.
«غادة»
محور الأحداث ومركزها، هذه الفتاة المنتمية للحب ولحبيبها، تسلك سلوك المنتمي للحب وللحبيب، لهذا نجدها تقدم على التخلي عن ميولها التي كانت مع الجبهة الشعبية إلى فتح فقط لأن الحبيب «شوقي» هو في هذا التنظيم: «رغم قربي من الجبهة الشعبية... لقد ملك إحساسي ومشاعري وفكري، وقعت في هواه بسرعة أذهلتني ولما كان فتحاوياً، اضطررت للانضمام إلى فتح» ص13، بهذا العطاء كانت غادة فهي تنفي ذاتها في سبيل الحب والحبيب، وليتها توقفت عند هذا الحد، بل نجدها تقدم ذاتها على طبق من ذهب إلى الحب والحبيب: «...يرتوي مني بلا حساب، كنت متيقنة من أننا سوف نتزوج بعد أن نتخرج في الجامعة، فنسيت حرصي الغريزي، وتحذيرات أمي... وأسلمت روحي وجسدي له، ولكنه اختفى فجأة بعد أن أمضينا معاً يوماً في قمة السعادة والحب وهو يمشط تضاريسي بشغف أزهرت له روحي» 14، إذا ما توقفنا عند الفقرة السابقة سنجد هناك حديث عن المتعة الروحية/الحب والمتعة الجسدية، وسنجد أيضاً حديث (شبه حيادي) عن الخطأ الذي اقترفاه «غادة وشوقي» وكأن الساردة تبرر لنا ما حدث، فالمتعة واللذة التي أخذتها في تلك الجلسة لم تكن لتنسى من ذاكرتها لأنها حصلت على النشوة، ليست الجسدية فحسب بل العاطفية، فمن تقيم معه العلاقة هو الحبيب والحب الأول، لهذا وجدناها لا تتحدث بألم أو بشعور بالذنب لما أقدمت عليه، لأنها ما زالت أسيرة لتلك الجلسة الرائعة والتي لن تنسى.
لكن بعد أن تمضي فترة النشوة وتذبل رائحة الحب الذي كان، نجد «غادة» أخذت تتوقف بشكل موضوعي على ما حدث، مما أقدمت عليه من جريمة بحق نفسها وأسرتها: «فأنني لن أنسى يومي الأخير معه.. لقد أمضيت معه أكثر من ثلاث ساعات ارتشفنا فيها الحب حتى ثملنا.. وغادر على أمل اللقاء في اليوم التالي.. ولكن اليوم التالي لم يأت أبداً.. فقد اختفى، وكان علي أن أبذل قصارى جهدي كي أنسى ما كان» ص15/16، أثر الحب ما زال مؤثراً عليها، رغم معرفتها بأن الحبيب كان مخادع، وأن حبها ما كان إلا سراب، فعقلها يقول لها أن هناك خداع وخيانة أقدم عليها «شوقي» لكنها ما زالت أسيرة لتلك المتعة التي أخذتها، لهذا لم يكن موقفها حاسم من فعل خيانته لها.
لكن «غادة» لم تكن تريد أن تكون تلك النشوة لمرة واحدة، بل أرادتها لتكون مستمرة، إلى آخر العمر، وهنا تبدأ في الوقوف على حقيقة ما جرى: «لقد ضاع كل شيء.. وبقيت لي الذكريات الأليمة المريرة» ص17، تبدو أن «الشربة دار مفعولها» مع «غادة» لهذا نجدها تعي حالتها، تعي ما حدث لها ومعها، تعي ما أقدمت عليه، ما فعله «شوقي»، فهي كفتاة شرقية تربت على أن الشرف يكمن بين الفخذين، فإذا انفرجا فلن يكون هناك شرف: «هل أملك مؤهلات الزواج بعد أن فقدت عذريتي منذ زمن بعيد في مجتمع لا يرى عند البنت إلا إثبات عذريتها ليلة الزفاف؟ لقد أضعت كل شيء يوم استسلمت لعواطفي الجياشة... كان الحلم لذيذاً.. لم أتوقع أن أصحو من حلمي على واقع شديد القسوة والألم والمرارة» ص18، وهنا نطرح سؤال هل من حق المجتمع أن يكون بهذه القسوة على الفتاة التي تفقد عذريتها؟، أم إنه يجب أن ينظر إلى الفتاة كخاطئة، وأن ندمها وتوبتها تكفي للعفو عنها؟، اعتقد أن «غادة» في هذا القول تطرق جدران كان يجب أن تطرق منذ زمن، وأن يتقدم المجتمع من جديد إلى أفكار أكثر اجتماعية مما هو سائد.
إذن هناك حالة نفسية تعاني منها «غادة» وبالتأكيد ستنعكس على تصرفاتها، على رغباتها: «من يصدق أنني بت أعشق أفلام الرعب؟» ص19، وهذا أمر طبيعي ينسجم مع الحالة النفسية التي تعيشها «غادة» ولا أقول تمر بها، فهي تعاني من ماضي يجعلها أسيرة للحرمان من المتعة الجسدية والروحية معاً، وتجد هناك «غول» في المجتمع الذي سيسحقها إذا ما علم بأنها فقدت «شرفها» الكامن بين فخذيها، وهنا إشارة من «غادة» إلى أنها إنسانة أولاً وأخيراً، ولا يجوز أن تدفع ثمن «خطأ» اقترفته وهي فتاة إلى نهاية العمر، فهناك زمن للعقاب، محدد، لأي جريمة تقترف، لكن أن يدفع الإنسان عمره كاملاً لخطأ اقترفه، فهذه جريمة المجتمع بحق الأفراد.
الكابوس الذي خلفه «شوقي» لم يكن ليُمحا بسهولة، لهذا نجد أثره في «غادة» من خلال هذا الكابوس: «...ولكن الليلة بقيت متنكدة مغمومة مهمومة بعد أن استيقظت.. أتكون رؤيتي لشوقي في المنام هي السبب؟» ص51، الحلم يعبر بطريقة ما عما نشعر به، نحس به، ما يقلقنا، وهذا الإتيان «لشوقي» في المنام يشير إلى أن أثر فعلته ما زال فاعلاً ومؤثراً في «غادة»، وهذا ما يجعلنا نقول أن الساردة استطاعت أن تقنعنا بأنها راوية للأحداث، ساردة حقيقية تتقن فن السرد الروائي، وإلا ما استطاعت أن تدخلنا إلى أحلامها. وإذا ما دخلنا إلى تفاصيل الحلم سنجد هناك صراع بين حاجتها كمرأة للعلاقة الجسدية والروحية، وبين ما تركته تجربتها مع «شوقي» من ألم وجروح لا تمحى من ذاكرة ولا من أثرها وتبعياتها حتى الآن:
«..أريد أن أعود إليك.. أنت الوحيدة التي منحتني كل شيء دون مقابل.. ولكنني هجرتك بصفاقة تفتقر إلى أدنى درجات الكياسة والذوق ولا أقول الشفقة أو الرحمة... أنت..
فقاطعته قائلة في غيظ:
لا داعي لنبش الماضي.. لقد نسيت أسيتك، فدعني أعيش حاضري الذي اخترته لنفسي.. أنت لم تعد شوقي بالنسبة لي وإنما بت شوكي، الذي يؤلمني وينغص راحتي.. لم تعد شوقي الذي كنت سعيدة به..
صحوت من نومي على جملتي الأخيرة.. لقد سبب لي هجره كآبة قاسية، عانيت منها كثيراً قبل أن أبرأ منها.. أيكون قد عاد ليعبث بحياتي التي بدأت أستعيد شيئاً من استقرارها؟!» ص52.
من خلال ما قاله «شوقي» يمكننا الاستنتاج أنها ما زالت تحن إليه، لهذا جاء في الحلم بصورة إيجابية، بصورة النادم على جريمته، لكن بما أن هناك «الأديب» الذي أخذت تميل إليه، والذي يعطيها شيء من الحنان والمتعة الجسدية، مما أنساها الجرح الذي سببه «شوقي» فهي تفضل واقعها الآن مع «الأديب»، حيث واقع حقيقي وصادق، ولا يحمل أي شعور بالألم، وكأنها بخيارها بين شوقي والأديب تختار النقي الصافي، وتحجم عما سبب لها ويسبب الألم، وكأنها اكتفت بما أصابها، ولا تريد أن تقدم على تجربة مع شخص مجرب.
إذا كان هذا خيارها في الحلم، في العقل الباطن، فما هو خيارها في الوعي؟ تسرد لنا الطريقة التي استخدمها ليقترف جريمته، فيطوعها لتعطيه جسدها، وهي كامرأة يعد جسدها أغلى ما تملك:
«..أنت الآن تتقمصين شخصية أمك، أمك التي تزوجت ولم تعرف أباك إلا في ليلة الدخلة... هل تعتقدين بأن أمك اليوم تحب أباك؟ أنا أقول لك لا وألف لا.. أنها تعيش حالة ولدتها العشرة والعادة والألفة.. الحب الحقيقي فهو ما نعيشه الآن أنا وأنت، ولكنك تحاولين قتله بالمسموح والممنوع.. الحب عطاء بلا حدود» ص62، الذاكرة ما زالت تحتفظ بالواقعة، بالطريقة الناعمة والسلسة التي دخل بها إلى جسدها، لهذا كان وقع الفعل عليها شديد والوطأة: «لم يخطر ببالي أبداً بأنني لم أكن بالنسبة له أكثر من إناء يفرغ فيه شهوته ويرضي غروره... لهذا لم أعبأ بتحذيرات عقلي» ص63، إذن هناك انسجام وتوافق بين العقل الواعي والعقل الباطن، «غادة» تنسجم تماماً بين حالتها النفسية والعقلية، بين حالة الوعي واللاوعي، وهذا ما يحسب لها كراوية للأحداث، فهي تقنعنا بما تقدمه من مشاعر وتحليل.
لكن، لكل إنسان حاجته الجسدية والروحية، ولا يمكن أن نهمل الحاجة الجسدية، فهي وجدت في دمه، وحاجته إليها كحاجته للماء، للطعام، للهواء، فالإنسان لم يولد ناسك، لهذا نجدها تتحدث عن أثر مشاهدة ممارسة الجنس عند الأطفال، «قال عاصم: تيجي نعمل بابا وماما... وجدت زينة تخلع فستانها، وعصام يخلع سرواله، ثم تعانقا فجأة وراحا في قبلة طويلة» ص22، هذا المشهد حدث مع غادة عندما: «رأيت أبي راقداً فوق أمي وهما شبه عاريين.. صدمني المنظر» ص23، رغم أن هذه المشاهد جاءت ضمن حوار يدور حول ضرورة منع الأطفال من مشاهدة العملية الجنسية بين الأبوين، إلا أنها تحمل بين ثناياها الحاجة الملحة للمرأة، وكأن غادة من خلال هذه المشاهد تريد أن تقول أنها كمرأة من حقها أن تحصل على حاجتها الجسدية كما هو حال الآخرين، وهذا ما نستشفه من عقلها الباطن، لأنها ركزت على تفاصيل الحدث الذي تم بين الطفلين «زينة وعصام».
من هنا يمكننا القول أن هناك صدمة شديدة حدثت لغادة فكان لا بد من البحث عن وسائل/ أشخاص/ أعمال تخفف من وطأة ما حدث، فهي أولاً وأخيراً إنسانة وليست جماداً، لهذا تبدأ بالبحث عن مخرج لأزمتها، فتجد في صديقها الأديب حاجتها: «تجربتي تلك لا أريد أن يعلم بها أحد.. ولكن ما بات يقلقني هو أن عواطفي قد بدأت تميل نحو ذلك الصديق الأديب.. ولكن هل هو قادر على أن ينسيني تجربتي الأولى» ص29، هناك حالة صراع بين الحاجة العاطفية الآن وبين تجربتها السابقة، فهي تمر في حالة مخاض، حالة من عدم الاستقرار، لكنها بطبيعتها كإنسانة عليها أن تتخلص مما علق بها من بثور، فتجربتها السابقة ما زالت تدفع ثمنها، وما زالت عالقة بها، تجرها إلى الخلف، إلى الماضي، لتكون أسيرة له، بحيث تفقد رؤيتها إلى المستقبل.
هذا الصراع بين الماضي المتمثل «بشوقي» والحاضر المتمثل «بالأديب» نجده في هذا البوح الذي تحدثنا به: «فهل كان من الممكن أن تكتمل سعادتي الحقيقية، وأصل قمة نشوتي، بأن أموت بلذة بين يديه وهو يرشف رضاب شفتي؟ هل كان ما حدث نتيجة لتفكير ووعي مسبقين مني، زرعهما العقل الباطن، أم أن الأمور قد ساح بعضها على بعض، فكان ما كان دون إرادة مني أو منه؟» ص96، تجربتها السابقة ما زالت مؤثرة وفاعله، لهذا رغم أخذها لحاجتها العاطفية والجسدية والنفسية إلا أنها غير متأكدة بصدق/بنقاء هذه التجربة الجديدة، فالماضي يعكر صفو الحاضر، ويشوش المتعة والسعادة الحاضرة الآن.
العلاقة مع الأديب تأخذ منحى جديد، فهو المعالج النفسي لها، وهو من يستطيع أن يخرجها ويحررها من ماضيها المؤلم، وهذا ما نجده من خلال بوحها لما تحمله من عقدة الذنب تخبر الأديب بما جرى لها: «أكان من الممكن أن أفقد بكارتي لو أن شوقي كان يتمتع بشيء من الحكمة والتروي؟ ولكن لماذا أتهم شوقي ولا أتهم نفسي؟» ص119، بما أن غادة الآن تبوح بسرها، بما تحمله من ألم للأديب، فهي تتخلص من ماضيها، وتلقي به بعيداً، فكلنا يعلم أن الكلام يريح النفس، ويعطيها شيء من السكينة، وها هي غادة لأول مرة تبوح بسرها لإنسان، وهذا ما يجعلنا نقول أنها تتقدم بالطريق الصحيح لتتخلص من خطيئتها، وإذا ما أضفنا إلى ما سبق أن هناك علاقة ملامسة وقبل بينهما يمكننا القول أن الأديب هو المخلص والطبيب الذي استطاع أن يخرجها من ماضيها ويقدمها من المستقبل بطريقة سوية.
الفساد
ما يحسب للأدب الفلسطيني الحديث أنه يتناول الفساد، واضعاً المجتمع والأفراد والسلطة أمام حقيقة الوضع المزري الذي نعانيه، فعندما يمس الفساد ظاهرة ويشكل طبقة فلا بد من مواجهة، وهذا ما جاء في رواية «أوراق خريفية» من أشكال الفساد هذا الحادث:
«ـ.عمن أبلغ الشرطة؟ وأين هي الشرطة أصلاً.
ألم تأخذ رقم السيارة التي ضربتك؟
وكم سيارة تسير في هذه الأيام بأرقام حقيقية؟
أهي من السيارات المسروقة؟
الشرموط لم يكفيه ما فعل بالسيارة.. المصيبة أنه نزل يعربد وهو يشهر السلاح في وجهي» ص69.
إحدى مظاهر الفساد التي تطال الأفراد والسلطة التي تتغاضى عن مثل هؤلاء الأفراد الخارجين على القانون، وعندما يتم تناول الحملات الأمنية على السيارات المسروقة نجد هذه الصورة: «...السبب يكمن في أن بعض رؤساء تلك الحملات أنفسهم، يهمهم أن يبقى الواضع على ما هو عليه، هذه سيارة فلان وهذه سيارة علان» ص71، هذا فيما يتعلق بالأوضاع الداخلية، أمن المواطن، أما فيما يتعلق بالتخابر مع الاحتلال وتشويه صورة النضال الوطني الفلسطيني فنجده بهذا المشهد: «...ما أكثر الصبية الذين باتوا يعتقلون عند الحواجز الاحتلالية وهم يحملون أحزمة ناسفة... كل مسؤولي التنظيمات أعلنوا احتجاجهم على تكليف الصبية بمثل هذه الأعمال، ولكن لا حياة لمن تنادي، حتى بات الشك واضحاً في أن من يقوم بذلك إنما هم الإسرائيليون أنفسهم بواسطة رجال مخابراتهم، وقد يساعدهم في ذلك عملائهم الذين ما زالوا يعبثون بالشارع الفلسطيني، دون وازع أو رادع» ص161، وهذا الاختراق للمجتمع الفلسطيني يشير إلى تلكؤ السلطة في ملاحقة هؤلاء العملاء الذين ينتشرون ويتكاثرون يوم بعد يوم.
تتمادى الاختراقات الأمنية إلى الفصائل المسلحة والتي فقدت العديد من عناصرها بسبب الخلل الأمني: «...استطاع أن يزرعهم في أوساط حركة المقاومة.. فهو بهذا يضرب عصفورين بحجر واحد... يتعرف على المقاومين ليقوم بتصفيتهم من جهة، ومن جهة أخرى لنقل صورة سيئة عن رجال المقاومة حتى يتحرك الشارع ضدهم» ص237.
الأقوال الدارجة في المجتمع
هناك أكثر من ثلاثين قول دارج في الرواية، وقد جاءت على لسان شخصيات الرواية دون استثناء، فكل الشخصيات تحدثت بأمثال أو آيات قرآنية أو كلام دارج، وهذا ما يقرب الشخصيات من القارئ، وتجعله يشعر بأن هذه الشخصيات قريبة منه، لأنها تتحدث بلغته، بثقافته، وهذا يحسب للراوية، من هذا الأقوال: «ياريت الي جرى ما كان» ص23، «النساء يتمنعن وهن راضيات» ص28، «أن الصائبات أكثر من الخائبات» ص29، «البنت إن ضحكت وبان نابها، ابطحها ولا اتهابها» ص33، «الله جميل يحب الجمال» «لا تحنبلها أكثر من اللازم» ص44، «الجائع يأكل الصخر» ص55، «أنت لزقة انجليزية» ص56، «نارك ولا جنة غيرك» ص57، «قالوا لفرعون من فرعنك، قال؟ ما القيت حدا يردني» ص70، «ساعة لقلبك وساعة لربك» ص78، «الميه تكذب الغطاس» ص82، «القرد بعين أمه غزال» ص93، «لغرض في نفس يعقوب» ص109، «إكفي القدرة على تمها، بتطلع البنت لأمها» ص143، «هنيئاً لمن وفق رأسين بالحلال» ص152، «الشهر اللي مالك فيه، اتعدش أيامه» ص157، «صحيح أنو اللي استحوا ماتوا» ص176، «حكم قراقوش ولا حكمك» ص200، «أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» ص219، «أعرف من أين تؤكل الكتف» ص220، «الدرب اللي تودي ما اتجيب» ص227، «عسى أن تكرهوا أمرا وهو خير لكم» ص230، «عفا الله عما سلف» ص245، «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم» ص246، «المعدن الصلب لا يظهر إلا على المحك» ص251، «السلاح بإيد الخرى بجرح» ص259. كل هذه الأقوال والأمثال والآيات القرآنية متداولة شعبياً، ونجدها حاضرة في ثقافة المجتمع والأفراد، لهذا نقول أن الراوية كانت قريبة من المتلقي ويشعر بالحميمة مع شخصياتها.
أما الأستاذ رامي مثقال فقال: صورة الغلاف «الأوراق المتساقطة» تشير إلى المرأة التي تسقط، ويمكننا القول أيضا فلسطين التي وقعت تحت الاحتلال تمثل تلك الأوراق.
ثم تحدث الشاعر الدكتور خليل قطناني فقال: بوسع الدارس أن يستقبل النص الروائي من زوايا عدة وأبعاد متعددة؛ من مثل عتبة النص، والبناء اللغوي، وتحليل عناصر النص الروائي، ولكني ارتأيت أن أداخل المحاور الآتية:
1. سرد (وجهة النظر): من المعلوم أن الروايات الكلاسيكية قد سيطر عليها السرد من فوق وتمتع السارد بصفة (كلي المعرفة)، ويمكن تصنيف الرواية أوراق خريفية ضمن سلسلة الواقعية، وهو ما يستدعي من ناحية معينة سرد وجهات النظر، وتنتج وضعيات وجهة النظر عن اختيار وعي إحدى الشخصيات لتكون مصدراً لرؤية العالم السردي، وبحسب تقنية وجهة النظر يتموضع الروائي بشكل ما في وعي إحدى الشخصيات؛ ليكشف لنا الواقع الذي لا ينظر إليه حينئذ نظرة موحدة، وتعتمد وجهة النظر على ذوات الروائي والراوي والمروي عليه والقارئ، وهنا تموضع الروائي في وعي الساردة؛ لتقديم آراء متباينة تصل حد التناقض في بعض الأحايين، والمتلقي يلمس تعدداً واضحاً في طرح زوايا تبئيرية للسرد سواء فيما يتعلق بوجهة نظر الساردة حول المرأة ووجهة نظر الصديق الأديب في الانتخابات والتنظيمات، والحملات الأمنية، حتى إنه يدخل عميقاً في عقلية بعض التنظيمات السياسية ورؤيتها للواقع والتغيير؛ ما منح النص بعداً تجريدياً وحيادياً وهو ما مكن القارئ من المشاركة الفعلية في تحليل الحدث الروائي.
2. التحليل السياسي والاجتماعي للواقع: يطرح الدارسون سؤالاً اشتباكياً يقول: هل تعد الكتابة الوجه الآخر والبديل (أو هكذا يفترض) للواقع المعيش بما يطرحه النص على لسان شخوصه من نقدات وتحولات وتغيرات؟ بطبيعة الحال فإن النص يمثل وجهات نظر متنوعة ومتعددة حول عديد القضايا المطروحة في السرد، وهنا تبرز قيمة النص «وخصوصية الموضوع؛ الفاعل والقيمة الضرورية للعمل السردي». وبنية التحليل قائمة على تجربة واقعية تابعتها شخصيات النص في كل مفاصل الأحداث. وبوسع القارئ التدليل على صحة هذا التوجه قدرة الصديق الأديب على التنبؤ بفوز إطار سياسي ما في الانتخابات البلدية، وفشل آخر مستنداً إلى تحليله القائم على الملاحظة والمشاهدة، وفي ضوء ما تقدم يستطيع المستقبل أن يقول: إن البيتاوي كاتب اجتماعي بامتياز بما حفل نصه من موضوعات وأحداث سياسية واجتماعية وفق المنطلقات الفكرية للروائي نفسه، وبأسلوب واقعي، ولغة متناولة، والمتابع لتسلسل الأحداث يجد أنها تتمازج وتتفاعل في ذاتها وشخوصها المستلة من الواقع بكل تناقضاته.
3. البعد المعرفي للنص والخلفية الثقافية: وهذا جلي بما تطرحه الرواية من بعد تاريخي، وأيديولوجي، وديني، غير أن السردية في بعض الأحايين لم تسائل النص الغائب إلا على شكل تعليقات نهائية، من مثل قول النص: على سيرة الجنس الآخر، هل قرات كتاب سيمون دو بفوار الجنس الآخر؟ وفي معرض تعليق الساردة على قول الصديق عن مدى رضاها عن ذاتها يرد عليها: «أرجوك خذي كلماتي دائماً كاملة لا مجزأة... فانت لست من القوم الذين يقولون: لا تقربوا الصلاة، وينسون تكملة الآية الكريمة، وأنتم سكارى» ص73. حين يستدعي شخصية خالد بن الوليد إذ لم يعدّ شهيداً رغم جهاده الطويل كما يحدث في فوضى(المصطلح) عندنا، وكذلك شخصيتي الفاروق وعمرو بن العاص. وأحياناً يسائل للتاريخ؛ يحاكم، ينفي أو يثبت، وينتقد «إهمالنا لتاريخنا» على عكس اليهود تماماً ص74. ظهر ذلك في مقارنته بين كتاب التاريخ العرب واليهود. وفي موضع آخر تربط الساردة بين حالتها الشبقية والتخديرية مع الصديق دون أن يقتلها وبين إحدى بطلات آرنست همنغواي التي قالت لثائرها «كم أتمنى أن أموت الآن.. فإن الموت في هذه اللحظة سيكون لذيذا جدا» ص96. (الاستزادة ينظر الصفحات 168-169).
4. الموقف النقدي: من البديهي أن الواقعية التسجيلية لا تطرح اي انتقادات واقتراحات للواقع عبر تجربة الكتابة، في حين أن الواقعية الاشتراكية تصف الواقع، وتتبنى رؤيا خاصة لما يجب أن يكون أو كيف يمكن أن يكون عبر ثنائية (الوعي القائم والوعي الممكن) وهو ما يظهر بوضوح في النص على لسان الصديق الأديب، وتطول المداخلة إذا أردنا أن نمثل لذلك فقد لا تخلو صفحة من موقف نقدي فيما يتعلق بالموقف من الحب، والمرأة والأمن، والمناهج الدراسية، والإعلام، والحياة الاجتماعية والسياسية. فهو لا يسجل الحدث ويهرب إلى الحدث الآخر، بل يتوقف ملياً ولا يغادره حتى يسجل موقفاً منه، حتى في الأمور الصغيرة، وهو في معرض تبنيه لموقف ما نراه يفسح المجال لآراء أخرى معارضة أو موافقة ومعياراً ذلك الحوار والقناعة.
5. التجربة الإبداعية وسيكولوجية الكتابة وطقوس السرد ومعايشة الواقع بل والاحساس به ألما وطموحاً ولذة وإخفاقاً وغواية... نرى ذلك في كل حوارات الساردة مع الصديق الأديب ومع الصديق الشاعر أيضاً؛ ففي ص11 تقول الساردة: «لقد أقنعت نفسي في حينه أنه من الأفضل لي ككاتبة أن لا أكون مقيدة باتجاه محدد حتى أستطيع أن ألمّ بكل الخيوط، كي أتمكن من طرح أفكاري دون قيود» وكذلك ص67 يقول الصديق الكاتب: «الكاتب الموهوب لديه قدرة على التقاط الأمور الصغيرة التي تبدو تافهة في أعين الآخرين ولكنها في الواقع هي المحرك الرئيس للأحداث» وتتضح سيكولوجية الكتابة في ص119: «قال لي ذات يوم: إن الكتابة دون تجربة لا تؤدي إلى نتائج سليمة، وإنما تسلمنا إلى محاولات تخيلية فجة».
6. ثقافة الجسد كموتيف ذكوري وثقافي وعرفاني وفلسفي وطبي بالإضافة إلى نسقيه الرمزية والجمالي، ولعل التركيز في الرواية كان على تمظهرات الجسد وعلاقته بالإيمان يقول النص: «كثيرون لا يتعاملون مع المرآة إلا كجسد، لا قيمة للعواطف والمشاعر الإنسانية عندهم» ص34. وباعتقادي أن النص لم يتقدم نحو ثقافة الجسد نحو العرفانية الصوفية، أو تحولاته الحداثية، اللهم في قصة السكرتيرة التي تمكنت من الإيقاع بالمدير من خلال العبث بالجسد، في حين فشلت غادة بذلك.
7. تداولية وسيميائية الأمثال الشعبية، وهو ما شكل ظاهرة يمكن تتبعها في كل مفاصل النص السردي، حينما تشتبك مع البعد الشعبي في النص السردي لنكن حذرين ومتسمين بالدقة؛ إذ لا يجوز دراسة الكائن اللغوي الشعبي إلا تداولياً وسيميائياً؛ فإذا كانت السيميائية التي تعنى بالعلامة اللغوية ودلالتها فإن التداولية تدرس اللغة في حياة مستعمليها، وثمة ثلاث خطوات لتحقيق ذلك: أولاً: قراءة تلفظية لنص المثل، ثانياً: قراءة المعنى الحقيقي، وثالثاً: قراءة المعنى الثاني التداولي وحيثيات توظيفه في السياق السردي. ولنضرب لذلك مثلاً، حيث ورد المثل الآتي في النص: «قالوا لفرعون مين فرعنك؟ قال ما لقيت حدا يردني». يحيل المثل لشخصية فرعون الطاغية المتجبر واستعباده للشعب، لكن ما علاقة فرعون بالرواية وأحداثها؟ جاء المثل بمثابة استعارة تمثيلية لظاهرة المسلحين الذين يفعلون ما يحلو لهم دون أن يحرك الناس أي ردود أفعال تجاههم، كما في حادثة سيارة أحد المسلحين (ص70). فجاء المثل ليسقط حالة فرعون كحالة مغروسة في الوجدان الثقافي العربي على حالة الفوضى... ومثل ذلك يقال في بقية الأمثال «حارة كل من إيدو إلو» ص72، و«بطيخ يكسر بعضه» ص73، ومن مثل التعليق على نجاح الحملة الأمنية «والمية سوف تكذب الغطاس» ص82. ويمكن مراجعة المثل الشعبي ص93. 8. الهامش والمركز في النص: يتمثل المركز في (الله بوصفه سلطة عليا قاهرة أولاً، وقد ظهر ذلك في ثنائية القدر والنصيب، والرجل ذو السلطة الذكورية ثانياً، المدير مثلاً) وكذلك الحاكم بوصفه ممثلاً عن اللوغوس الأعلى وظل الإله الحملة الأمنية، ورجل الشرطة ورئيس التنظيم، والعصابات المسلحة والأتاوات نماذج مطروحة. ولكن السؤال هل حطمت الرواية ذلك المركز وكسرته وأحالته إلى الهامش الذي يتمثل بـ(العقل، المرأة، والعبيد المواطنون) ففي ص248 في معرض حديث الساردة عن جلطة الأب وإصابة الأخ «ما بتلبسني الآن ليس حزناً وإنما هو لون من ألوان القهر التعسفي القدري الذي لا يستطيع أحد معه شيئاً وأي سؤال يطرح أو عبارة تقال لن تخلو من لون من ألوان الكفر والجحود، أعلم أنه لا اعتراض على أحكام الله؛ لأنه وهبنا عقلاً يمكن أن يرشدنا إلى طريق الحق والصواب»
8. الحُبكة الروائية: الحبكة الشدّ، وتحبكت الفتاة بنطاقها: شدته في وسطها، الاحتباك شدّ الإزار وإحكامه. (ابن منظور: مادة حبك). ويعرف اي. ام. فورستر الحبكة: سلسلة متصلة من الأحداث ترتبط مع بعضها ارتباط السبب بالنتيجة لتصل في النهاية إلى حل مرضي للشخصية. ومن الدارسين من يوازي بين الحبكة والشخصية فالشخصية هي الحبكة والحبكة هي الشخصية، (إف سكوت) ويرى ابراهيم خليل أن للحبكة ثلاثة عناصر الصراع والعقيدة والحل (النقد الأدبي الحديث). ويرى القباني أنه «كلما توافرت أنواع الصراع الثلاثة: المادي والأخلاقي والظروف المعاكسة كان حظها من النجاح أكبر» (القباني: 43) وإذا تلقينا هذه المفاهيم بالقبول، أقول هذا الشرط؛ لأن رواية ما بعد الحداثة لا تركن للحبكة بل لتداعي الأحداث وتجريب أشكال حداثية - نجد الصراع مشتبكاً بين شخصيات النص غادة وشوقي من جهة، وغادة وأمها، وغادة ومديرها، والصديق الأديب مع شوقي، والأب والابن.. واذا ما استثنينا صراع الحدث الرئيس بين شوقي وغادة وما ترتب عليه من إفرازات نفسية واجتماعية وظروف معاكسة، فإن الصراعات الأخرى تبدو سطحية من حيث معالجتها، أما عن تشابك الأحداث السياسية فقد ظهر من خلال متابعة الحملة الأمنية والانتخابات البلدية ص109. وقد يرقى الصراع حتى يتحول إلى صراع بين قوتين متضادتين أو فكرتين متعارضتين كما هو موضح بين فكرة الإلزام والالتزام ص128، فكرة الحرية بين الشرق والغرب ص168، وفكرة القوة مقابل القوة ص70، فكرة التعصب بين اليهودية والتكفيريين ص 172-174. غير أن بؤرة الصراع تتأزم في دواخل الساردة حينما تواجه ظروفاً معاكسة تماماً سواء في تجربة الحب الفاشلة مع شوقي، أو حدوث بُعد اختياري مع الصديق الأديب، ولا يكاد القارئ يتعثر بلحظة التأزم للحدث الذي يفضي إلى حل. وتبقى الرواية مرشحة لمقاولات أخرى.
"أما الشاعر مبين كوان فقال: هناك زخم في الأعمال الروائية، لكن ليس كلها تقرأ، لكن في رواية أوراق خريفية، استطاع الراوي أن يشدنا إلى الأحداث، فهناك خيوط متصلة ومتواصلة تشد القارئ، كما أن واقعية الرواية ولغتها السهلة والسلسة أسهمت في جذب القارئ لها، المكان حدده السارد في مدينة نابلس، وهذا ثبت الجغرافيا التي تجري عليها أحداث الرواية، لكن هناك بعض الكلمات الصعبة، وكلمات تقرأ بطريقتين، وفي الختام أقول أن الرواية جميلة وممتعة.
أما الروائية خلود نزال فقالت: أوراق خريفية صفراء جافة على خلفية سوداء وفضاء ضبابي مع حبات ندى كأنها الأمل الذي قد يعيد لها شيئاً من طراوة أو عمر إضافي. الحرية بين المطرقة والسندان هي القضية الكبرى التي ناقشتها رواية أوراق خريفية كي نخرج بهذه النتيجة بعد انتهائها، فالحرية التي تمتعت بها غادة من قبل أسرتها وأساءت استغلالها وكذلك المجتمع الذي تحرر من الاحتلال ليجنح الى الانفلات في ظل دخول السلطة الوطنية لينزلق في دوامة فلتان أمني وأخلاقي شملت كل نواحي الحياة في الشارع والمدرسة وحتى البيوت التي تفرق أهلها وربما صاروا أعداء نظراً لتعدد الاحزاب والانتماءات وسوء استخدام الحريات أو فهمها إن جاز التعبير. غادة وهي الراوية وبطلة القصة التي ضربت عرض الحائط تعاليم الدين وما يتقبله المجتمع أو يرفضه والعادات والتقاليد وحتى حدود الأدب تتنازل عن حريتها الحقيقية بامتلاك نفسها وشرفها وسمعتها وتركض وراء مفهومها الخاطئ للحرية بأن تهب نفسها لمن أحبت دون تفكير رغم أنها متعلمة وواعية ولا بد أنها سمعت عن حالات كثيرة مثلها لم تكن ضحيتها سوى المرأة. ولو أنها تروّت قليلاً لأدركت أن الذي يحب لا يرضى لمن أحبها الفضيحة والعار. والمدهش في بطلة الرواية والتي حين عرض عليها شوقي فرصة أخرى ترد بأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وهي التي ألقت بنفسها بين يدي صديقها الأديب مرة أخرى بنفس التنازل وعدم احترام الذات وبدون أدنى إحساس بالذنب وكأنه ما من طريق آخر لإثبات الصدق في الحب سوى العلاقة المحرمة، وكما قال الشاعر من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام، وأنا رأيت أن الكاتب استطاع أن يلج إلى أعماق الساردة ويتلمس مشاعرها ويعبر عنها بشكل مقنع رغم كونه رجلاً. أما في ما يخص صديقها الأديب فقد استغربت إبقائها لاسمه سراً طيلة الرواية حتى بعد العلاقة الحميمة التي صارت تربطهما. ولا أدري إن كان قصدها بذلك كل الأدباء من الرجال؟؟ وهذا أيضاً يكرر صورة الرجل الانتهازي الأناني الذي ينظر إلى المرأة كجسد مثله تماماً مثل شوقي حبيبها السابق واللذان لم تكن نيتهما صادقة معها وكلاهما تهرب منها بطريقة مختلفة مع نتيجة واحدة هي سقوطها في كل مرة كورقة خريف صفراء جافة تتقاذفها الريح وتُداس بالأقدام في مجتمع ذكوري لا يلقي اللوم في العلاقات المحرمة إلا على المرأة وهي التي تتحمل وزرها بينما يكمل هو حياته مع أخرى وكأنه بريء وشريف. أثارت القصة أيضاً قضية تحرش أرباب العمل بالموظفات والمضايقات التي يتعرضن لها، استخدام كلمة فنجال قهوة باللام لا أدري هل هو خطأ مطبعي أم مقصود، اللغة العامية التي جاءت على لسان الشخصيات تكون أحياناً مربكة ولا يمكن لغير النابلسي فهمها أو قراءتها بالشكل الصحيح، أحياناً كنا نرى أفكار الكاتب بشكل صريح على لسان الشخصيات خصوصاً غادة وما تحمله تلك الأفكار من رفض لواقع آخذ في الانحدار أكثر وأكثر في ظل أزمة أخلاقية واسعة لم يعد خفياً على أحد استفحالها، وأخيراً فإن الرواية كتبت بنفس طويل ولغة سهلة وأحداث واقعية ومتخيلة في وطن امتص الاحتلال وأبناؤه منه كل أسباب العيش الكريم فذبلت أوراقه وأوشكت على السقوط.
وتحدثت الروائية فاطمة عبدالله قائلة: لا تقتصر معاناة الفلسطيني على الاحتلال وفرض هيمنته على شتى صور الحياة الإنسانية، إنما يعاني الفلسطيني شأنه شأن أي عربي آخر الجهل والتخلف والاستغلال والتسلط، فالواقع المعاش يقضي على أحلام الكثير من الشباب ويجعلهم يتعلقون بالأوهام ويعيشون هواجس تمنع تقدمهم وتفتح وعيهم، ليبقوا في دائرة مغلقة حُدد محيطها ورسمت بيد الآخر، في هذه الدائرة المغلقة ومحيطها هي مساحة الحرية المتاحة التي سنجد بها غادة وأوراق خريفية. حيث تفتتح الرواية بمشهد مغادرة غادة للبيت متوجهة إلى عملها وإحساس الكآبة يتسلل إلى أعماقها ص7 وتختتم الرواية وغادة تلف وتدور في الشوارع فاقدة الطريق وقد تعطلت بوصلتها واستظل الأمل في نهاية نفق ص300. يحيلنا عنوان الرواية «أوراق خريفية» إلى أحد مشاهد الطبيعة المتجلة في اصفرار أوراق الأشجار وسقوطها، لتكون عرضة لعبث الريح وخطوات المرأة، أو تتكدس على الحواف هنا وهناك حيث النهاية واللاعودة، بينما تقف الأغصان عاريه بألوانها واعوجاجها واستقامتها، هي دورة الحياة تورق الأغصان وتستمر الحياة. ثلاثة أوراق خريفية هي عناوين داخل الرواية، أوراق التوت، أوراق التين، أوراق الورد.
سقوط أوراق التوت دلالة على كشف مستور يسبب الخزي والعار، حيث شاع قول (سقطت ورقة التوت)، يبدأ السرد بضمير المتكلم فيجد المتلقي نفسه يتنقل بين الذكريات والأفكار والحكايا والمبادئ التي تعصف بذهن غادة ويدخل المتلقي إلى دهاليز نفسها وقلقها وحيرتها، عذابها وانهيارها.. ثم صمودها وتحديها، يتجول بين الهم العام والهم الخاص للشخصية الرئيسية للرواية، ومن خلالها ينهمك الكاتب في تبادل التخاطر حول الأزمات والقضايا الكبيرة والصغيرة، يحاول التواصل مع نفسه من خلال غادة يحاور ويسرد فيما يملك من رؤى واجتهاد، ومن هذه القضايا الانتساب للتنظيمات السياسية والأسس التي يختار الفرد عليها الالتحاق بأي من هذه التنظيمات فنجد غادة تلتحق بتنظيم فتح فقط لأن الشاب الذي أحبته فتحاوي «نعم أقولها بكل وضوح لأنني لم أعتد مغالطة نفسي.. إن شغفي بحبيبي قادني نحو فتح بعد أن صرح لي بأنه أحد كوادرها العاملين في الجامعة» ص11. تقع غادة في المحظور وتستسلم لمن تحب فيستغل الشاب عاطفتها الوطنية في البداية ثم عاطفتها تجاهه بعد ذلك ليسلبها أعز ما تملك، ثم يتركها لتعاني مرارة الخذلان والتخلي تصارع مجتمع يعتبر عذرية الفتاة شيء مقدس دينياً واجتماعياً. قضايا كثيرة يمسك بـ تلابيبها الكاتب يقارن بين جيل الانتفاضة الأولى وجيل الانتفاضة الثانية، وأثر وسائل التكنولوجيا الحديثة في تربية الأبناء وفقدان السيطرة على تصرفاتهم وسلوكهم ص 19. في التربية الجنسية ومحظوراتها نجد ص 22 مشهداً غريباً يقع تحت عين الأم وبصرها وتترك لنفسها متعة التأمل والمشاهدة تتملكها الدهشة لفعل ابنها والإعجاب به، فهل كانت ستبدي ذات ردة الفعل لو كانت هي والدة البنت، فهنا يعري الكاتب حقيقة أخرى وعيب آخر من عيوب التربية في المجتمع، فيعيب تصرفات البنت ولا يعيب شيئاً على الولد، مما يؤدي إلى اختلال ميزان القيم والأخلاق. تحرش المدير والموظفات والسكوت عن تصرفاته، والاجحاف بحق المرأة وتسريحها من العمل دون الرجل في حال حدوث أزمة مالية في الشركة التي توظفها ص32، ظاهرة إطلاق النيران «الطخ» في كل المناسبات، واقتناء السلاح ص65، ص66، العربدة في الطرق والسيارات المشطوبة والمسروقة، الشهيد وإطلاق الصفة على كل ميت ص73، إهمال التاريخ والسماح بتزويره، مفهوم الحب والحرية، وقضايا أخرى كثيرة يعريها الكاتب ويسقط ورقة التوت عنها حتى ص92.
أوراق التين تستر خلفها عيوباً كثيرة، لكن هذه العيوب تفضح وتكشف بسبب ما بها من شقوق وقولك ص92. يتعرى الغصن الرمادي وتمضي غادة تعيش سوء الاختيار والتعلق، ولا يزال الأديب يوجهها ويصحح من أسلوبها في الكتابة بحب وحنو ويلاطفها تحت جناح علاقة اعتبرتها هي حب بينما هو لديه اعتبارات أخرى حيث يقرر لاحقاً أن علاقتهما هي فقط صداقة.. موضوعات أخرى كثيرة يتناولها الروائي مثل الحملة الانتخابية والحملة الأمنية ومحاولة بسط النظام ص97، اجتياح قوات الاحتلال المتكرر للمدينة، الانتخابات وفوز حماس في انتخابات المجالس البلدية والقروية، الحجاب وسطوة الذكورة ص128، المظاهرات والعملاء وعبثهم بالشارع الفلسطيني ص161. المدير وتجاوزاته اللأخلاقية وتحرشه، الزواج المثلي والعولمة وقضايا عربية وعالمية فيذكر صدام حسين، المسيحية واليهودية، المحافظين الجدد، التصوف وقتل الحريري، والكثير الكثير حتى ص182، حيث تتعرى شجرة التين بالكامل.
أوراق الورد تدخلنا غادة في حياتها العائلية وعلاقتها بوالدها ووالدتها وأخواتها وأزواجهم ومحيطها، يقع المدير في هذا الفصل في شر أعماله فسكرتيرته الساذجة تصنع له كميناً يحتم عليه الزواج منها ص197. يصاب والد غادة بجلطة دماغية نتيجة فهم خاطئ عن ابنه ورفاقه ويصاب عبد الرؤوف برصاص مسلح أزعر، ثم قضية المستشفيات والزيارات والخلافات العائلية، الانتخابات وجهود القائمين عليها لكسب الأصوات، هذا ما يخص موضوع الرواية.
أما من الناحية الفنية، فشخصية غادة هي الشخصية الرئيس ومن خلالها يعبر الكاتب عن وجهة نظره وهي المسؤولة الأولى عن نمو الخطاب داخل الرواية وتقاطعاته الزمانية والمكانية ومن خلال شخصيتها تتضح ملامح شخصيات الرواية تتحدد بذور الصراع وتنمو الشخصيات ويتطور دورها على امتداد السرد فيظهر دور الأب وعبد المغيث في أوراق الورد وما يحيط بهما من أحداث، رسم الكاتب التفاصيل الجسمية والمظهر العام لغادة وكذلك أظهر طباعها وحالتها النفسية، واهتم فقط بإبراز بعض تفاصيل المظهر للأديب والمدير. مكان الرواية: هو مدينة نابلس وأحياؤها وهي مدينة الكاتب وهو أدرى بشعابها، ولكن ما حدث في هذه المدينة يمكن قياسه على باقي المدن الفلسطينية. زمن الرواية: هي فترة ما بعد انتفاضة الأقصى حيث أشار الكاتب إلى أحداث كثيرة واقتحامات وحظر تجول واغتيالات ومن ثم الانفلات الأمني والحملات الأمنية وفترة الانتخابات وانتهت بيوم الانتخابات دون تحديد الفائز، ويعد هذا تأريخ لهذه المرحلة والأحداث في تلك الفترة. اللغة الفصحى: هي لغة القص والوصف، أما لغة الحوار فكان باللهجة الفلسطينية واللهجة الفلسطينية المحكية لمدينة نابلس وطعّم الكاتب السرد بكثير من الأقوال والحكم والأمثال، هذا لأن الرواية واقعية فلم يتقيد الكاتب بالفصحى فكانت العامية والفصحى الممزوجة بالعامية هي لغة الحوار وهنا نلمس مجهود الروائي في انطاق شخوص روايته بما يتناسب مع فكرهم وثقافتهم وموقعهم الاجتماعي ويصطدم المتلقي في الظروف الصعبة القائمة ببعض ألفاظ وتعابير الشارع، كانت اللغة حالمة وايحائية المفردات والصور في وصف بعض المشاهد، وكان الكاتب في نهاية كل فصل يربط بين الطبيعة والحالة النفسية والفكرية السائدة في هذا الفصل ويوظفها لخدمة الحدث.
وتحدث الشاعر فراس حاج محمد فقال: الرواية تثير مجموعة أسئلة، المتعة والجمالية حاضرة، الرواية تعتمد على غادة الساردة، وهناك علاقة بين الساردة والبنية الروائية، فالكاتب الضمني يكتب الرواية من داخل الرواية، فالساردة هي امرأة والكاتب رجل، وهذا ليس مستغرب في عالم الأدب، الجديد. في هذه الرواية جعل غادة تملك زمام السرد الرواية، فبدونها لا يوجد رواية، وللرواية رمزية تتمثل في إمساك فصول الرواية: أوراق التوت، أوراق التين، أوراق الورد، وهنا نطرح السؤال لماذا جاءت أوراق التوت في البداية، أعتقد لأنها تكشف عيوب شخصية، وأوراق التين أكبر لكنها مخرمة، وهي تشير إلى عيوب المجتمع ككل، أو أوراق الورد، فلها علاقة بالأحلام الفرد عن المستقبل، لكن هذا المستقبل لم يكن مشرق، بل مستقبل قاتم/ وهنا تم هز القارئ الذي سيفكر بهذا السواد وهذا الواقع البائس.
الرواية تذهب إلى أدب السيرة الذاتية، هناك جوانب جمالية في الرواية، لكن اللغة المختلطة بين المحكية والفصحى، لم تكن مريحة، وكان على السارد اعتماد لغة واحدة للشخصيات، ولم يلتزم الكاتب باللهجة النابلسية، بل جعل هناك لهجة فلسطينية عامة.
وفي نهاية اللقاء تحدث محمد عبدالله البيتاوي فقال: أتعمد الصمت في الرد على وجهات النظر، فأنا مع موت المؤلف، ومع هذا سأجيب عن بعض الملاحظات، بخصوص الشخصيات النابلسية جعلتها تتحدث باللهجة النابلسية، وبخاصة الكبار منهم، أما الباقون فقد تحدثوا باللهجة الفلسطينية العامة، ويمكن أن يكون هناك بعض الخلل في حديث بعض الشخصيات، فالكاتب لا يكتب قرآن كريم، بل نص أدبي ويمكن أن يقع في بعض الأخطاء، كما أن طبيعة الشخصيات تفرض على الكاتب أن يعطيها لغة خاصة تتحدث من خلالها، فلا يجوز أن نجعل لغة الأديب مثل لغة المزارع والعامل والشخص العادي مع الاحترام للجميع.
أما بخصوص المكان فإنه من الضروري اهتمام الكاتب الفلسطيني بالمكان، فصراعنا مع الاحتلال على الأرض، يفرض علينا تناولنا للمكان وتثبيت حضوره حتى في الأدب، وأعتقد أن ذكر المكان لا يقف حاجزاً بين المحلية والعالمية، فطبيعة النص الأدبي وجودته هو الذي يجعل هذا النص عالمي أو محلي.
وفي نهاية اللقاء تم تحديد الجلسة القادمة يوم السبت الموافق 1/2/2020 لمناقشة الديوان الشعري «في مديح الواقع» للشاعر الفلسطيني «مرزوق حلبي».
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف