مصباح(فوزي)رشيد
**
في أول رحلة تقودني إلى القرية التي افتُتنتُ بها ذات يوم وأنا أتقلّب بين أرجائها الغامرة بالمناظر العجيبة والمتباينة، وكأنّني في أطلانتس، وكنت قد قرأت كثيرا عن أسطورة أطلانتس الضّائعة بسحرها وجمالها الرّائع.
في مركز بلدتي التي لم تقصّر قط في حبّها ورعايتها لي، ومن مكان مهمّش فيها لا يعتاده المسافرون كثيرا، وقفتُ طويلا حتى كلّت ساقاي، وهممتُ بنفسي أن أعود على قراري من اليأس وطول الأنتظار، ثم فجأة، تراءى لي "هيكل" سيارة تتلكّأ، ثمّ غير بعيد عنّا توقّفت، وكنا نَفرٌ من المتسابقين نلفّها، والمحظوظ هو من سيفوز بالسّباق وينال فيها موطئ قدم له. وبسخرية المتهكّم صاح فينا صاحبها، وهو يمعن النّظر في ملامحي الغريبة: " اركبوها بسلام آمنين مطمئنّين ". كأنّها " سفينة نوح "، وصاحبها الذي يُكنّى بـ"لالانڨ" وهي كلمة مشتقّة من الفرنسية وقد تعني المتفوّه، لأن صاحبنا كان بالفعل يطلقُ "الشرّات" والمعاني، وقد حمّل سيارة (البيجو 404) ما لاتطيقه سيارة أخرى مهما كان نوعها وحجمها، من الرّكّاب الذين فاقوا عدد المقاعد المتوفّرة، وأنواع السّلع والبضائع، وقارورات غاز البوتان التي تم زجّها في الصندوق الخلفي إلى جانب صناديق الخضر وأكياس الخبز وغيرها من المتطلّبات المعيشية الضّرورية لحياة المواطنين في الأماكن المعزولة. سيارة (البيجو 404) العائلية، هي الأكثر استعمالا سيّما في الأماكن القاحلة والبعيدة المعزولة، والأكثر رواجا في شمال أفريقيا، وتعدّ بمثابة غنيمة حرب بالنسبة للمستعمرات القديمة. وفي الأخير، وبعد طول انتظار تحرّكت بنا قافلة العم " لالانڨ "، وكان قدري أن أجلس في آخر مقعد خلف كل الركّاب. وأمّا الجو فقد كان باردا جدّا، ونحن نتكلّم عن أوّل يناير، موسم الشّتاء و البرودة القارسة، و بلدتي التي اشتهرت كثيرا بالبرودة في فصل الشّتاء، لعلوّها النسبيّ عن مستوى سطح البحر. لم أشعر خلالها بعدد الكيلومترات وهي تمضي، لأن الرّؤية كان مغيّبة تماما، بفعل الحشد الذي قيّد كل حركاتنا وسكناتنا داخل المركبة، وأنفاسنا المتزايدة، ونحن في طريقنا إلى الجنوب المعروف بمناخه الجاف ونباته الصّحراوي. وفي أوّل فرصة للنّظر عبر الزّجاج المضبّب من كثرة الأنفاس، رحتُ أُشاهد أكوام الحلفاء المتنامية كالفطر في الأبوار المترامية، فبدأتُ أشعر بالدفء ينعش أطرافي المتجمّدة.
**
في أول رحلة تقودني إلى القرية التي افتُتنتُ بها ذات يوم وأنا أتقلّب بين أرجائها الغامرة بالمناظر العجيبة والمتباينة، وكأنّني في أطلانتس، وكنت قد قرأت كثيرا عن أسطورة أطلانتس الضّائعة بسحرها وجمالها الرّائع.
في مركز بلدتي التي لم تقصّر قط في حبّها ورعايتها لي، ومن مكان مهمّش فيها لا يعتاده المسافرون كثيرا، وقفتُ طويلا حتى كلّت ساقاي، وهممتُ بنفسي أن أعود على قراري من اليأس وطول الأنتظار، ثم فجأة، تراءى لي "هيكل" سيارة تتلكّأ، ثمّ غير بعيد عنّا توقّفت، وكنا نَفرٌ من المتسابقين نلفّها، والمحظوظ هو من سيفوز بالسّباق وينال فيها موطئ قدم له. وبسخرية المتهكّم صاح فينا صاحبها، وهو يمعن النّظر في ملامحي الغريبة: " اركبوها بسلام آمنين مطمئنّين ". كأنّها " سفينة نوح "، وصاحبها الذي يُكنّى بـ"لالانڨ" وهي كلمة مشتقّة من الفرنسية وقد تعني المتفوّه، لأن صاحبنا كان بالفعل يطلقُ "الشرّات" والمعاني، وقد حمّل سيارة (البيجو 404) ما لاتطيقه سيارة أخرى مهما كان نوعها وحجمها، من الرّكّاب الذين فاقوا عدد المقاعد المتوفّرة، وأنواع السّلع والبضائع، وقارورات غاز البوتان التي تم زجّها في الصندوق الخلفي إلى جانب صناديق الخضر وأكياس الخبز وغيرها من المتطلّبات المعيشية الضّرورية لحياة المواطنين في الأماكن المعزولة. سيارة (البيجو 404) العائلية، هي الأكثر استعمالا سيّما في الأماكن القاحلة والبعيدة المعزولة، والأكثر رواجا في شمال أفريقيا، وتعدّ بمثابة غنيمة حرب بالنسبة للمستعمرات القديمة. وفي الأخير، وبعد طول انتظار تحرّكت بنا قافلة العم " لالانڨ "، وكان قدري أن أجلس في آخر مقعد خلف كل الركّاب. وأمّا الجو فقد كان باردا جدّا، ونحن نتكلّم عن أوّل يناير، موسم الشّتاء و البرودة القارسة، و بلدتي التي اشتهرت كثيرا بالبرودة في فصل الشّتاء، لعلوّها النسبيّ عن مستوى سطح البحر. لم أشعر خلالها بعدد الكيلومترات وهي تمضي، لأن الرّؤية كان مغيّبة تماما، بفعل الحشد الذي قيّد كل حركاتنا وسكناتنا داخل المركبة، وأنفاسنا المتزايدة، ونحن في طريقنا إلى الجنوب المعروف بمناخه الجاف ونباته الصّحراوي. وفي أوّل فرصة للنّظر عبر الزّجاج المضبّب من كثرة الأنفاس، رحتُ أُشاهد أكوام الحلفاء المتنامية كالفطر في الأبوار المترامية، فبدأتُ أشعر بالدفء ينعش أطرافي المتجمّدة.