الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في ديوان "بحيرة الصمت" بقلم: محمد الصفى

تاريخ النشر : 2020-01-15
قراءة في ديوان "بحيرة الصمت"  بقلم: محمد الصفى
قراءة في ديوان " بحيرة الصمت " للشاعرة نعيمة زايد عندما يصبح الشعر أداة لرتق الأوجاع و متنفسا للبوح الصادق

بقلم : محمد الصفى :

" لا يزال الشعر عاطلاً حتى تزينه الحكمة ، و لا تزال الحكمة شاردة حتى يؤويها بيت من الشعر . "

                                                                                    " أحمد شوقي "

       لقد استطاعت نعيمة زايد نقل هواجسها الفكرية و الفنية من خلال قصائدها بكل قوة، تارة كشاعرة ترسم الحروف و الكلمات و أخرى كشاعرة ترسم لوحاتها بالصمت في جمالية متناسقة مليئة بالحس المرهف و الشاعري رغم أنه يحتاج أحيانا لمجهود من قبل المتلقي للاستيعاب و التفسير، كونها تعتبر الكتابة متنفس بوح و تواطؤ مع اللغة من خلال رؤيا للعالم و الكون، و تشكيل للوحة قد تختزن ألوان القصيد بعمق الدلالة، فهي مكونة بلوعة الحرف و تجلياته الهائمة في الذات المتعطشة لرتق الأوجاع و الآهات التي تراوح بين الذات و المجتمع و بين الوطن الذي تتوزعه عذابات الحرمان و الغياب و الهجر، كاشفة هذه الأسرار في كتلة مشاعر تغوص في أغوار النفس، مشبعة بالجمال و الحب.

      هكذا جاء ديوان الشاعرة نعيمة زايد " بحيرة الصمت " سمفونية عشق على أوتار القلب الثائر و عزف على أوتار حزينة تتلمس من خلاله إيصال صرخاتها بكل التشكيلات البلاغية و النصية، متخذة من كلمة الصمت محورا لديوانها، إذ نجد معظم القصائد تحبل بدلالاتها على اختلاف ألوانها النفسية، مشكلة معاني بليغة تضاهي الصمت الناطق بالحياة و الحركية و الصراع الداخلي، كبعد رابع لأبعاد الحياة، كما رسمها " انشتاين " على أنها غابات يملؤها الصمت لكن صمت فلسفي، يؤرخ لحس التواصل متى كان، صانعا معان سامية متناثرة بين القصيد و الآخر، فالصمت لدى نعيمة زايد قد يكون كما قال عنه الشاعر الكبير محمود درويش " . لو أَرهفنا السمع إلى صوت الصمت ... لصار كلامنا أَقل " فهو إشكالية مفاهيم دوغمائية، تحمل نقائضها في ذاتها مشكلة معطيات دلالية لمفاهيم قد تكون بلا نهاية، تقول في قصيدتها " قليل من الصمت لأنمو " :

المقاومة داخل الذات

أنا الآن بمفترق السؤال

يجترح التيه خاطري

بقيامة أخرى عند قبة الجسد

كعبة أخرى أبارز بها العشق

هذا هو الصمت بوضوحه وغموضه، بسكونه و هيجانه، بسورياليته وواقعه، بكل الأشياء اللامتناهية و اللانصية في ديوان الشاعرة، الذي يتضح من خلال عنوانه وعناوين القصائد أيضا أنه يتسم بالطابع الوطني بامتياز و العربي رغم اختلاف الأفكار والصور إلى أنها دون استثناء وطنية صادقة فهي المرأة الوطنية الحرة و العربية الشامخة التي يسكن روحها وقلبها رغم انه تعيش أحيانا بعيدة عنه:

فأنا شجرة الماء

بين جبلين نهري ينتج الحياة

أصوغ لريح التوجس

رعشة أخرى خارج عريها

أرسم عتاقتها

و أعتق خمرتها بنرجس روحي

خارج أنواء الجرح

و بنظرة معمقة في الديوان نجد أن جل قصائده هي وحدة نسقية واحدة للقصيدة النثرية المترابطة بأسلوب ملهم و أفكار جمعت ألوان المحسنات البديعية من طباق و جناس و تشخيص و تشبيه، رسمت الوطن كحبيب و كأم كأسمى و أطهر و أنقى علاقة يمكن أن تكون في الكون، كما رسمت التاريخ المجيد للعرب و بطولاتهم التي ولت و اندحرت بالريح و الأمطار و المسافات و المدارات، قصيدة " برقية طريق :

يحتدم فيك الوطن

طويلا

يعتصر أغنياتك

رصاصا

أيا لحنا لم يولد للأقفاص

أطلق جناحيك

أنا الريح القادمة ؟

هدهد أوداجك

ليشدوك الليل

قصائد لها تأويلات ودلالات وظفتها الشاعرة ما بين ترحالها بين ألميريا و ارجوليس و البصرة و مكناس و فاس و مسقط رأسها إيموزار كندر من خلال كلمات تراقصت في أغلب هذه القصائد من قبيل: الجسد ، الجرح، المسافات، الريح، العرش، الصلاة، زوربا، الترحال، النار، السكر و بقع الضوء، و نقاء الماء الذي لا تصلح الصلاة إلا به، كما يمكننا أن نلاحظ أنها تجاوزت لما هو وطني و قومي إلى ما هو حضاري و إنساني لما راكمته من رحلاتها و انفتاحها على عادات و تقاليد شعوب و تراثهم الإنساني مستوحية منه رموزها " غرناطة ، ارجوليس، الحمراء، تولو، تانكارو، العريش، العرجون .. " و هي بذلك استطاعت أن تمدنا بقالب شعري متمرد يزاوج بين الايقاع الكلاسيكي و الحديث، قد يحيلنا في بعض قصائدها للبناء القصصي من خلال مناجاة ذاتية و حوار داخلي " عرافة .. ما فوق السكينة "

هناك بعريش الروح

و أنا أقرأ كف الصبح رأيتك

عيناك

تخيط باللحظ لغم نشيد

و ترسم عطش قمر

و كنخلة جذورها أنا و الجريد و السعف

و بالعرجون ظل الليل الذي كان

نجمة واحد قضت مضجعه

لقد استطاعت نعيمة زايد من خلال ديوانها أن تؤكد على أن القضية الوطنية و الإنسانية هي قمة انشغال ذاتها بكل أبعادها مبرزة تلك الجراح و العذابات التي تعتليها كبحيرة ترسبت بها كل هذه المواجع رغم ارتباطها بالجانب العاطفي، فنجدها أحيانا متحدية و أخرى مسترسلة في استسلامها مسربلة بالأمل الذي تتوق إليه، و لعل إدراجها لاسم " زوربا " في عدد من قصائدها " فزوربا حسب رواية لليوناني نيكوس كازانتزاكيس رجل تعلم منه " باسيل " دروس في الحياة بعد أن يئس من ظروفها، فعشقها و تفنن في عيشها " ، تقول في " الصبار وجه الرطب " :

كأنك زوربا يكسر ذبذبات الريح

يراقص أشلائها

حينها تعثرت بنعمة خالصة

ترسم وجهك

تجمع أشلاء الريح صلواتي

لتلقيها اليوم

على سيارة يتلقفنها

أو لتبثها يقطينة

كي تغدو مشكاة

أما " الريح " عند نعيمة زايد و التي وصل تكرار كلمتها تسعة و عشرين مرة، فلم يكن اعتباطيا، لما لهذه الكلمة من دلالات رمزية ارتبطت بالأسطورة قبل الشعر حيث مثلها الإغريق بهيئات بشرية ووضعها تجارهم و ملاحوهم في مكانة الاحترام كألهة و أقاموا لها معبدا، و لدى المسلمين فهي منبع السقيا و الرحمة التي تحيي الأرض بعد موتها، ويجري فيها الفلك بأمره، " ويرسل الرياح لواقح " كما لها دلالات العذاب " إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر "، فكانت مصدر إلهام للشعراء، لقد كان لهذا التكرار صوت من اللاصمت الذي تبنته في قصائدها، صوت الأمل بحكم أن ذات الشاعرة هي دائمة الحلم، هذا الأخير لذي يطالعنا هو الآخر في قصائدها، رغم ما يعتصرها من ألم و معاناة، حلم قدوم شمس تضيء بأشعتها ظلمات ما يكابده الوطن و الانسانية، تقول في " علامة و لا استفهام " :

ولأني امرأة ملآى بالطفولة

تعبر البحر دون بلل

تداهمها الغبطة

و خلف دفة الريح

تقيم أعراس

الجنون و تغفو

إلى أن تقول في قصيدتها " ما قبل الحقيقة " التي جمعت بين الريح و الحلم :

ايا موكادور

أحضني ريحي ثانية

فلك الرشفة الأولى

و لي ما بعد النهاية

حلم أثير

شبه خلاصة:

يبقى أن هذا الديوان خفقة شاعرة وظفت فيه جملة من الوسائل التعبيرية التي أكسبته قوة ومثانة و قيمة، من لغة إيحائية متنوعة الدلالات و صور فنية بالغة متناسقة و متممة لبعضها البعض، كما وظفت ما يعرف بالتقنيات التعبيرية الحديثة من قبيل التناص و التضاد و الرمز و الوصف، مشكلة سمفونية خالدة بإيقاع دافئ يرمي لعشق الحياة كونها ترى أنه على العالم كله أن يسبح في بحيرة من الحب والجمال و النقاء، و هو ما استشففناه من المواضيع التي عبرت عنها في قصائدها و التي تهم الإنسانية، مواضيع سياسية، اجتماعية، وطنية، قومية، وجدانية و كذا فلسفية تعانق الذات البشرية و دواخلها. من أجل ِلفجر منشود سيولدُ لا محالة غدًا رغم الظلام والعواصف التي تجتاحه. 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف