للمسلمين تَفَجُّعِي ورثائي
شريف قاسم
للمسلمين تَفَجُّـــعِي و رثائي | وعَلَيْهِمُ في ذا الزمانِ بكائي | |
تمشي على أشلائِهم قـَدمُ الأسى | وتقيلُ حولَ جماجمِ الشُّهداءِ | |
كم طفلةٍ نادتْ أباهـا فانثنى | صوتُ الطفولةِ باءَ بالإعياءِ | |
واستنجَدَتْ بأخٍ لها لكنَّها | عادتْ كَعَوْدِ الطفلةِ البلهاءِ | |
فالأمُّ قد ذُبِحَتْ وأمَّـا أُختُها | فغدتْ أسيرةَ أدمعٍ و شقاءِ | |
دَعْ ماجرى ، تبًّـا ،وما يجري على | حُلْوِ المغاني من أذى الأعداءِ | |
هم جرَّدوها من مباهجِ أهلِها | فالحقدُ حّــدُّ المُديةِ الحمراءِ | |
والعالمُ المتَحَضِّرُ الغافي على | صوتِ الجراحِ ونغمةِ الإيذاءِ | |
ويفيضُ شجوي من معاناتي على | حالِ الضياعِ وتنبري أرزائي | |
فالجمرُ في صدري وصدري ناله | من حالهم وهجٌ على أحنائي | |
لمصابهم ضاقت بي الدنيا ، وكم | عزَّيْتُ نفسي لو أفادَ عزائي ! | |
ولطالما أنشدْتُهم شعرًا يفيضُ ... | ... مرارةً ، كمرارةِ الضَّرَّاءِ | |
بئسَ العزاءُ إذا تقنَّعَ بالبكا | ونَعَتْهُ يأسًـا صفعةُ الإزراءِ | |
هاموا ببيداءِ المواجعِ غائرًا | جرحُ المُصابِ بعالَمٍ نسَّاءِ | |
هاموا ، ووهجُ الكربِ يحرقُ يومَهم | ويكرُّ يتركهم إلى الإدجاءِ | |
وإذا صحوا لاللضياءِ ، ولا إلى | رحبِ النهارِ المشرقِ الأرجاءِ | |
لكنْ إلى دنيا الكآبةِ والأسى | ولتيهِ بأسِ مكائدِ السفهاءِ | |
وإلى عويلِ الدَّاءِ عشعشَ في الحشا | وحروقِ لذعِ الهمِّ في الحوباءِ | |
وأشدُّ من إيلامِ هذا : نومُهم | عن غايةٍ تُرجَى لدى العلياءِ | |
وَتَمَرُّدُ الأهواءِ في أبنائِهم | قد قادهم هَمَلا بحبلِ فَناءِ | |
هاهم قد التحفوا بأسبابِ العَنَا | وتسنَّمُوا زورًا رؤى العظماءِ ! | |
وعواصفُ البلوى تعربدُ فوقَهم | وَتَقَلُّبُ الإيذاءِ بالإيذاءِ | |
ولربما هم يُحسدون لأنهم | لم يعبؤُوا بالإثمِ والفحشاءِ | |
عاشوا السنينَ ولم تُؤرِّقْ عينَهم | فتنُ الزمانِ ، وقبضةُ البأساءِ | |
وتزاحُمُ الآلامِ بين ضلوعِهم | ومصارعُ الآباءِ والأبناءِ | |
وتآمرُ الأوغادِ ما استترتْ به | أيدٍ تُديرُ فُجاءةَ اللأواءِ | |
ولربما ركعوا لقاتلِ عزِّهم | ورأوا به أسطورةَ استقواءِ | |
تَبًّـا لمَن قد أذعنوا لعدوِّهم | واستمرؤوا الإذعانَ للجبناءِ ! | |
دفنوا الصَّدى الموَّارَ لمَّـا لم يعوا | مافي جوانحِهِم من الأصداءِ ! | |
هم يملكون الأمرَ ، بئسَ ضلالُهم | لم يُعرَفُوا في الناسِ بالضُّعفاءِ | |
الفاتحون يُجلُّهُم هذا المدى | إذْ أنقذوا ظمأى الورى بالماءِ ! | |
ماءِ الهدايةِ والتَّراحُمِ والإخا | ماءِ السُّمُوِّ العَذْبِ بالغرَّاءِ | |
ماءِ الحياةِ يصونُ جِذْلَ كرامةٍ | لم تُفتَقَدْ في غمرةِ الأرزاءِ | |
إنَّ الفروعَ ترعرعتْ ، وتمايستْ | بالزَّهْوِ في دوحِ الهدى الغنَّاءِ | |
واشتدَّ كفُّ العزمِ : فيه أسِنَّةٌ | وصليلُ سيفُ اللهِ في الهيجاءِ | |
سُنَنُ الإلهِ الماضياتُ بكونِه | هيهاتَ أن تُطوَى بلا إمضاءِ | |
فعلى جباهِ الآثمين أدلَّةٌ | للخزيِ آتٍ ليس من إبطاءِ | |
إنِّي أُبشرُكم بأنَّ عدوَّكم | واهٍ ، وأنَّ مآلَه لفناءِ | |
مهما استبدَّ بغيِّه وبظلمِه | مهما استعانَ بقوَّةِ التُّعساءِ | |
مهما تآمرَ واستمدَ زفيره | وشهيقَه من جوقةِ الجهلاءِ | |
يأتيه ـ إن أجَلٌ دنا ـ مالم يكنْ | في الفكرِ بالحُسبانِ في الإمساءِ | |
فإذا النياشينُ التي أغرتْه... | ... للطغيانِ والجبروتِ والخُيَلاءِ | |
داستْ عليها أرجُلٌ تمشي إلى | رضوانِ ربِّ العرشِ في الظلماءِ | |
أيَّامُ بغيٍ أقفرتْ آناؤُها | من كلِّ خيرٍ جاءَ في الآناءِ | |
كم سامَ أهلينا الكرامَ معربدٌ | أو خائنٌ للأمَّةِ الثَّكلاءِ | |
وكم استباحَ دماءَها وثراءَها | وَعُلُوَّ شأنِ مكانها الوضَّاءِ ! | |
والظلمُ أعمى لن يزولَ بحكمةٍ | لكنْ يزولُ بركلةِ الوطَّاءِ | |
ولقد عتا ، وعنتْ له أجيالُنا | إذْ لفَّها كالحيَّةِ الرقشاءِ | |
مستأسدًا مستنسرًا متوحشًا | وكأنَّه في الغابةِ الدهماءِ | |
فالشؤمُ واللؤمُ المقيتُ بوجهه | بانا عليه ، وشاعَ في الأحياءِ | |
وهي النُّحوسُ زمانُها معدودةٌ | أيامُه ، كالحقدِ والغُلواءِ | |
حرقتْ خطاياهم سنابلَ مجدِنا | إذْ أنَّ عينَ الشَّعبِ في إغفاءِ | |
لكنَّه الأُفُقُ الحفيُّ بمجدِنا | مازالَ تعمرُه يـدُ اللألاءِ | |
والشَّعبُ بعدَ النَّومِ طلَّقَ غفلةً | وأزاحَ عنه قباحةَ الأقذاءِ | |
وطوى بأضلُعِه لهيبَ عُتُوِّهم | وأتى الطغاةَ بريحِه الهوجاءِ | |
هبَّتْ كتائبُه كآسادِ الشَّرى | كالموجِ كالإعصارِ في الدَّأماءِ | |
كَفَرَ الإباءُ بمذهبِ الصَّمتِ الذي | جعلَ الفتى كالآلةِ الخرساءِ | |
وبكلِّ أُذْنٍ للرجالِ أصمَّها | ثقلُ الخطوبِ و وطأةُ الأرزاءِ | |
قد علَّلتْنا بالهُراءِ وعودُهم | ولعلَّهم من أكذبِ الخطباءِ | |
وسيهربون أمامَ إقدامِ الشُّعوبِ ... | ... وليس للأنجاسِ من شفعاءِ | |
فهُمُ الأراذلُ شوَّهوا وجهَ الضُّحى | بنحيبِ ثكلى الغارةِ الشَّعواءِ | |
دارَ الزمانُ ،وليس من قيمِ العلى | ستكونُ للخوَّارِ والبَكَّاءِ ! | |
لن يؤثرَ العهدُ الجديدُ مغفَّلا | أو رأيَ إمَّعةٍ من الجبناءِ | |
الحالياتُ هنا أبتْ أعنانُها | أن تُستَرَقَ لفتنةِ الإغواءِ | |
أو تقبَلَنْ ليلَ الهزائمِ ، إنَّها | بنتُ السَّنى ، والليلةِ القمراءِ | |
لم ترتضِ المزمارَ أوهَنَ جيلَها | فكبا ، تُمرغُه يدُ الصَّهباءِ | |
مذمومة تلك الخصالُ استعبدتْ | روَّادَها بتفحُشٍ وغِناءِ | |
بالعاهراتِ وبالفجور وبالخنا | والليلةِ الحمراءِ والسَّوداءِ | |
آهٍ على ( اقرأْ ) أتتْ فوَّاحةً | بالوحيِ والتوحيدِ والبُشَرَاءِ | |
وعلى المصاحفِ أُلقيتْ في غفلةٍ | للناسِ قد طالت لطولِ ثَواءِ | |
والحربُ معلنةٌ على خيرِ الورى | وعلى بهاءِ السُّنَّةِ الغرَّاءِ | |
هم جلُّ قومي ويحني ماذا لهم | أروي من الميلاد والإسراءِ | |
من بدرِ معركةِ الخلاصِ من الدجى | من جاهليةِ عصرِنا الرعناءِ | |
من قادسيةِ مجدِنا وشموخِنا | من نفحِ حطِّينٍ ومن سيناءِ | |
من شمس قرآنِ النُّبوةِ أشرقتْ | فانجابَ ليلٌ وانمحى بضياءِ | |
من ألفِ ألفٍ من مآثرِ أمتي | تُلفَى بذاكرةِ الزمانِ النَّائي ! | |
من عطرِ قرطبةٍ ومن زيتونةٍ | من أزهرِ الأبرارِ لا السُّفهاءِ | |
من حسرتي وتوجُّعي وتفجُّعي | وتضرُّعي وتولُّعي ورجائي | |
وقراءتي لهموم قومي مادروا | كيف السَّبيلُ إلى العلى لِلقاءِ ! | |
هجروا مكانتهم ، فضاعتْ هيبةٌ | كانتْ لهم في أعينِ الأعداءِ | |
واربدَّت الأيامُ في آماقِهم | واسودَّت الدنيا بعينِ الرَّائي | |
وهم الجناةُ بها ، وهم ما كفَّرُوا | عن ذنبِهم بالتوبةِ البيضاِءِ | |
بل أمعنوا بفسادِهم ، وبردَّةٍ | موسومةٍ بالرِّدةِ الحمقاءِ | |
شمطاءَ أو رقطاءَ في أدوارِها | مُذْ غيَّبتْ عُميانَها بعَماءِ ! | |
سلَّتْ صوارمَها على أبناءِ أمتنا ... | ... ولم تُشهرْ على السفهاءِ | |
وتبادرتْ بفسادها ، وبخبثِ ما | عندَ الجناةِ ، وسارقي الأسماءِ | |
ماتَ الصَّباحُ بوجههم ، فسقى الرؤى | ثقلُ التثاؤُبِ باليدِ العسراءِ | |
فنهارُهم ولَّى بقبحِ تقاذُفٍ | بيدِ الفصامِ النَّكْدِ واللأواءِ | |
وَرَواحُهُم أمسى عليهم سُبَّةً | إذْ غُلَّ بالخسرانِ والضوضاءِ | |
هوسٌ دعاهم للضلالِ فأسهبوا | في طمسِ نورِ الدَّعوةِ السَّمحاءِ | |
لكنَّهم صُدِمُوا بما لم يأتِ في | حسبانِهم من مزنةٍ سقَّاءِ | |
تروي منابتَ عزِّنا وفخارِنا | ليعودَ طيبُ الخيرِ في الأشذاءِ | |
إنَّ البشائرَ نمنمتْ همساتُها | كالودْقِ هزَّ الروحَ في الميثاءِ | |
فزهتْ قناديلُ الربيعِ عشيَّةً | وبصبحها الفوَّاحِ في الأجواءِ | |
المشهدُ الآتي سليلُ نبوَّة | لامِن هوى الطاغوتِ والأهواءِ | |
لم يُبْقِ ثجُّ الخيرِ يومئذٍ هنا | متسولا حتى من البُعَداءِ | |
وأذانُنا شقَّ الدجى فتفتقتْ | آلاؤُه حللا بلا إحصاءِ | |
ورحيلُ ليلِ الظلمِ آنَ أوانُه | فلقد نبذنا قاتلَ البُرَآءِ | |
ولقد كفانا زورُهم وهُراؤُهم | ولفائفُ التدليسِ في الآراءِ | |
كم لوَّعتْ أخطاؤُهم تاريخَنا | فشكى إلينا اللؤمَ في الأخطاءِ | |
جرُّوا لذلتِهم رُقيَّ ربيعِنا | ياوحشةَ المرفوعِ باستهزاءِ | |
حقبٌ تمرُّ مريرةً مشحونةً | بالحقدِ من أفعالِهم والدَّاءِ | |
وعلى يديهم بُدِّلتْ أثوابُنا | ووعاؤُنا الغالي بشرِّ وعاءِ | |
وقلوبُنا كادتْ تموتُ لحسرةٍ | ولِمـا عرا من قسوةِ الأعباءِ | |
هذي حكايتُنا مآسينا بها | تُتلى دُجىً في أُذنِنا الصَّمَّاءِ | |
ويضجُّ تاريخٌ ، ويشمخُ فارسٌ | وتُكسَّرُ الأقفالُ في الإدجاءِ | |
وإذِ القبورُ ـ وأهلُها هم مَن لَووا | أعناقَهم لأوامرِ الجبناءِ | |
ذاتُ المقابرِ بُعثرتْ ، وإذِ الدِّما | تغلي ، ونارُ الثأرِ في الأحشاءِ | |
وإذِ الجموعُ ترى الحياةَ قشيبةً | دونَ المُضيِّ لقِمَّةِ الجوزاءِ | |
الَّلهُ أكبرُ إنَّه البعثُ الذي | أحيا السَّنا في الليلةِ الدَّكناءِ | |
المسلمون ... استيقظوا رغمَ العتاةِ ... | ... صناعةِ الشيطانِ والأزياءِ | |
والجاهليةُ آذنتْ برحيلِها | بمتاعِها ذي الوصفةِ البلهاءِ | |
والناسُ قد سئِموا من النُّخبِ التي | عاشت على أكذوبةِ الإطراءِ | |
اللهُ خالقُهم ، فلن يُستَعبَدوا | أو يَعْبُدُوا إلاَّهُ في الآناءِ | |
أزجى لهم نورَ النُّبُوَّةِ خالدًا | لم تَطوِهِ حقبٌ ، وعصفُ بلاءِ | |
واليومَ لبَّتْهُ الشعوب ، وجانبتْ | ماجاءَ من كُفْرٍ ومن غُلواءِ | |
واستعصمت باللهِ غيرَ مهينةٍ | وتفاخرتْ بالسُّنَّةِ الزهراءِ | |
هبَّتْ وبالقرآنِ ظلَّلَ ركبَها | مافيه من أرج ومن سيماءِ |
شريف قاسم