الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تداعيات الأسى..وتجليلت الفرح في ديوان "كيف قطعت الطريقَ إليَّ" بقلم:محمد المحسن

تاريخ النشر : 2019-12-15
تداعيات الأسى..وتجليلت الفرح في ديوان "كيف قطعت الطريقَ إليَّ" بقلم:محمد المحسن
تداعيات الأسى..وتجليلت الفرح في ديوان "كيف قطعت الطريقَ إليَّ" للشاعر التونسي صلاح الدين الحمادي*
بقلم:محمد المحسن

"لماذا نكتب؟..لكي لا نهلك" (دوسارتو)


تمثل تجربة الشاعر التونسي صلاح الدين الحمادي نقلة نوعية في صرح الشعر التونسي المعاصر،إذ تؤسس لحداثة شعرية متميّزة عبر مجاميعه الشعرية التي نخص منها:
-“وجع الأسئلة”(1994)
-“وادي الليل”(2000)
-“”مدونة الملاعين الطيبين(شعر بالإشتراك).(2001).

ويعتبر ديوان"كيف قطعت الطريق إليَّ" لصلاح الدين الحمادي مرحلة جد متقدمة في نضج تجربته الشعرية وتبني خطاب الشمولية والإستمرارية في بعث الأسس الجديدة للشعرية المعاصرة على ركائز ودعامات قوية تمتح من تجدد المواقف لدى الشاعر وخلق بدائل جديدة لفهم العالم والإنسان.
نحت الشعر..في دروب الإغتراب:
لعلّ الإحساس بالإغتراب في زمن-ظللنا فيه الطريق إلى الحكمة-يشكّل أبلغ محفّز للأداء الكتابي،بإعتباره يمثّل إنقلابا حادا في سياق الحياة الإنسانية وعلى كل المستويات،الزمان والمكان وأبعاد شخصية الإنسان وتداعيات تحولاتها على مستوى الأحداث التي مرّت وتمرّ به.كما أنّ-الإغتراب-يحرّض لدى الشاعر موجهات جديدة لمواقفه إزاء الوجود .مما يفضي به إلى إتخاذ أو تبني رؤى وتطلعات تتباين في مديات إندياحاتها الفلسفية.وذلك بنسب تأخذ بالإزدياد صوب العمق والبلاغة كلّما تتوغّل المواجع في ضراوتها وتزداد وعورة تضاريسها.غير أنّ درجة حساسية الشعور بالأسى تتباين من إنسان إلى آخر تبعا لمرجعياته المعرفية ومديات إنغماره في سبر أغوارها أفقيا وعموديا.وهذا ينسحب أيضا على مستوى الكتابة الشعرية.فكلما كان الشاعر يمتلك ثراء معرفيا معززا بتجربة شعرية،كلما تمكّن من إنتاج نصوص تداعب الذائقة الفنية للمتلقي وتدفع به إلى إعادة قراءتها لإكتشاف الفسح التي تمنحها إياه لمزيد من التأويل المفضي إلى إنتاج نصوص ما بعد القراءة.فكيف بنا والشاعر صلاح الين الحمادي الذي انبجس من مدينة شاعرة/حالمة-المهدية-ونهل من -غيمها-الماطر، تمرّس على الكتابة الإبداعية على ضفاف البحر كما على تخوم المواجع،وتعلّم بالتالي هضم الأسى الذي ينتاب الشعراء أثناء تحليقهم في الأقاصي،بمخيلة أضراسها المعرفة.”مهموما..أنتظر دواء الله..ثورة بعضي على بعضي أو ما قد تسفر عليه لجان التفكير بعواصم جسدي العرجاء(ص57)..حزين؟! ولكنّ هذا الذي أنت فيه من السخط لا يستحق الألم/إذا غيبوك/شعارك يضحى إحمرارا/ورمزك نارا/وكل الحروب دروب/وكل الدروب حروب/وإنّ السلاح القلم (ص53)..”
لا يخلو هذا المنجَز الإبداعي من بعد مجازي تتلاقح عبره دلالات النصوص الشعرية وتتوالد لتمحص الهم الشعري،والرؤية الغدية،في إرتقاء من الذاتي إلى الجمعي ،ومن المحلي إلى الدولي،وتتوالى الصور المجازية،والإستعارية،بأساليب يتعرى من خلالها عالم الشاعر الشعري،فيعرض الضيق النفسي،والواقع المر المكبّل بظلام الحاضر،والمدثر بنار الإنعتاق،ويصاعد الضيق والحرج بالنفس حتى تصرخ(أحلامنا انكسرت يا أيّها النّاس/نجماتنا سُرقت/قد أُترع الكأسُ/أرواحنا انفجرت..)(ص114).
لنركس،بهذا التوجّع،في تاريخ المشهد العربي المترجرج،ونسمع صداه لدى المسلم الأوّل:”متى نصر الله” ويجذبنا بعد الصور المجازية،والإستعارية وإدراكها،بما تخلقه من مفأجأة القارئ بإنعتاقها من عقال الوهم،وبجنوحها الموغل في الغرابة والتخييل،بما يشبه ما أسماه”إمبسون”بالنمط السادس من أنماط الغموض،حيث المخالفة قائمة بين وضع الصورة في النص،وبين وضعها في الذهن،لأنّها تتخطى توقيع علاقات محسوسة،ومعقولة،يعيها المتلقي،إلى البحث عن إيجاد علاقات يمثل اللاوعي مصدر تشكيلها الوحيد،تجوز من خلاله المرئي والمسموع والملموس،والمعقول إلى الحلمي والوجداني،حيث تبدل معاني الألفاظ غير معانيها،وتتلبس بالسياق،لتنبجس منها علاقات متعددة،ومختلفة نحو التناقض الذي يولّد الإنسجام..ومما راقني في هذا القلب وهذا الكشف قول الشاعر:في جديد الزّمان أسئلة وغموض رهيب/خيوط من اللّيل تغتال أحلامنا/نجوم تفاجئ عشّاقها بالرّحيل/عذاب التذكّر/عذاب البديل/سراب الذين يريدون بعض المقاعد في البرلمان/ضيق المكان..(ص45).
وفي أثناء هذا النشاط النصي والنموّ الشعوري تتخلّق اللغة الشعرية بتخصيص خصائص نصية علائقية من خلال حركة ذات أهمية قصوى في البناء الشعري،تتفاعل فيها العديد من الآليات والمؤثثات الشعرية تتغيأ إنتاج رؤية للمحيط والخارجي.وتتعمّد تفعيل الإنفعال في الآخر..
ما من شك إنّنا نواجه شاعرا ذا فطنة ودراية بالشعر.شاعر ناهض-المواجع-ولم يستسلم لوحدته.فقد حرّض القلم كيما يكون أنيسا له”حزين؟! ولكنْ هذا الذي أنت فيه من السخط لا يستحق الألم/إذا غيّبوك/شعارك يضحى إحمرارا ورمزا ونارا/وكل الحروب دروب/وكل الدروب حروب/وإنّ السلاح القلم..ص(53)”تلك هي فلسفته الداحضة للإغتراب والمواجع..”والجدير بالذكر أنّ معرفة المعجم الشعري للتجربة يساهم بوضوح في كشف عوالمها الداخلية،كما يسهم في تلمُّس معالم رؤياها ذلك أنّ اللغة مقرُّ كينونة الأشياء”(1)”،وأنّ الوجود يكتشف فقط من خلال اللغة،ويبدأ وجوده عند الإنسان لحظة كشف اللغة عنه كما يقول هيدجر”(2):”والدراسة الإحصائية تضع أيدينا على بعض الترددات ذات المغزى،والتي تسهم في رصد المحاور التي يدور عليها الخطاب”(3).والملاحظ أنّ المتن اللغوي للخطاب الذي بين أيدينا شأنه شأن الشعر الحديث عامة يغلب علية مفردات الوجع والغربة والخواء والإستباحة والموت والإستبداد،فقد هيمن على هذا الخطاب ما يربو على تسع وأربعين مفردات من هذا القبيل،علما أنّ غير قليل من هذه المفردات يتردّد كثيرا لدى الشاعر،فقد تردّد الحزن إحدى عشرة مرّة وتردّدت النّار أربع عشرة مرّة، أما الليل والموت فقد ترددا سبع عشرة مرّة،في هذا الخطاب الذي يقع فعليا في 128صفحة من القطع الصغير،وفي ذلك ما فيه من الدلالة على الإيغال في السوداوية،وحتى تكتمل الصورة بإستقراء مقنع يحسَن أن نقف على المتن اللغوي للعالم الآخر الذي يتمثل بمفردات من قبيل الجمال والصبح والورد والضّوء والحب والعشق والأزهار والشوق والغرام،فقد بلغت مفردات هذا العالم تسعا وأربعين مفردة وفي هذا الأمر هامش فسيح من الأمل ورسم خلاّق لمعالم المستقبل المشتهى..
وجليّ أنّ مفردات عالم الحب والخير والنماء والخصب لم تعد دالة على هذه المعاني في علاقاتها التركيبية هذه،على أنّها-وهي كذلك-تدلّ على أنّ الشاعر مسكون بهذه المعاني التي تشكّل مفردات عالم مشتهى ومطموح إليه،مما يشي بأننا أمام رؤيا على ما توحي به من إستباحة بالهم اليومي وبالمنظومة القيمية تعي جيدا ما هي فيه فتشهد معترفة بالحرص الذي ندب نفسه للشهادة،وإدراك الذي يعي جيدا ما يشهد به،ويطمح إليه،فهذه الرؤيا على كونها مستباحة منهكة بهمومها اليومية والمصيرية ما تزال من الناحية الفكرية صلبة قادرة على رسم معالم المستقبل المشتهى،وهذا ما يمكن أن يشي به قول الشاعر:”الطريق التي كنت أحرس آخرها/أينعت بعد فيض من السنوات/الذي فات مات/علينا إذن أن نؤجّج بالقول أحلامنا/ونقطع حبل التوهّم والأمنيات..(ص49).
ومما يشي بوعي رؤيا هذا الخطاب الشعري للعالم المشتهى المتخيّل عالم المستقبل قول الشاعر:”أهلا وسهلا يا حبيبُ/اللّيل مرّ من هنا خببا/يلوّح لي بمنديل الأمل/ويقول هل…/طالتك أيدي الياأس فآنهدّ الجبل؟/أو لم تكن دوما جبل؟…وبي شوق إلى الهوى/يأتي إلىَّ على مهل…/يأتيك قبل خروج هذا العام/نجم فآقتنصه ولا تكن متردّدا..(ص93/94).
بعد ما تقدّم يمكن القول إنّ صلاح الدين الحمادي كان عارفا بأهم ميزات قصيدة النثر،فبنية القصيدة الداخلية والخارجية تقوم على التنوّع في الإيقاع واللغة والسرد والشخوص.هي عالم من وحدة نقائض-هدم وبناء-وتنوّع في الصيغ الشكلية والإشراقية وعلى كل المستويات.وهي بالتالي إنجاز إبداعي يتسوّر محراب المعاناة والواقع المؤلم ويقدّم في ذات الآن حلما باشلاريا عبر صور وعلاقات شعرية وثنائيات وأضداد،وإيقاعات سردية وفنية تركس في الماضي وتعمّق الإحساس بالحاضر وتستشرف المستقبل.
و"كيف قطعت الطريق إليَّ"بهذه الصورة ينم عن دراية ومران كتابي من جهة،ومع فكرة الشعر من جهة أخرى،وليست فكرة الشعر سوى الأرق والسؤال،نحسهما في كل كلمة،في كل نبضة،في كل صورة،في كل قصيدة،فيوحدنا مع الشاعر قلق الصور وبلاغة الشعر بمنآى عن التقليد المفتعل المثير للشكوك،والذي درج عليه الطارئون..
محمد المحسن-تونس

الهوامش:
*صلاح الدين الحمادي:عضو اتحاد الكتّاب العرب بسورية.
رئيس إتحاد الكتّاب التونسيين.
-صدر له من الكتب:
-وجع الأسئلة(شعر) الدار العربية للكتاب.تونس1994.
-وادي الليل(شعر)الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم.تونس2000.
-مدونة الملاعين الطيبين(شعر بالإشتراك)أديكوب.تونس2001..عدا عن ثلاث قصص موجهة للأطفال.
1-)المرايا المحدبة/305/للدكتور عبد العزيز حمودة.ط1 الكويت 1998.
2-)المرايا المحدبة/153-154/.
3-)تحليل الخطاب الشعري/60/ط 1 الدار البيضاء 1968.الدكتور محمد مفتاح
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف