الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

البوح الشعري في مجموعة "للحزن عيون تعرفني" بقلم: د. محمد عبدالله القواسمة

تاريخ النشر : 2019-12-15
البوح الشعري في مجموعة "للحزن عيون تعرفني" للشاعرة هناء البواب
د. محمد عبدالله القواسمة
عرف الشعر العربي منذ القدم ظاهرة وصف الشعر للشعر، أو كلام الشاعر على شعره، وكشف تفاصيل ولادة القصيدة لديه، وبيان أسباب نظمها ومصادرها وأهميتها، وما يتوخى لها من ذيوع أو تأثير. ضمن هذه الظاهرة نجد كثيرًا من الشعراء المعاصرين من يتناول في شعره الحديث عن الشعر ووظيفته، وتوضيح مواصفات القصيدة الجيدة، والتعليق على شعر الآخرين وغير ذلك.
تنبه النقد العربي القديم إلى هذه الظاهرة؛ فتناولها تحت مسمى وصف الشعر، كما فعل عبد القاهر الجرجاني في كتابه "دلائل الإعجاز"؛ إذ عرض كثيرًا من الأشعار التي كان موضوعها الشعر، منها أشعار لطرفة بن العبد، وحسان بن ثابت، وأبي تمام، والمتنبي وغيرهم. وفي العصر الحديث أطلق على هذه الظاهرة مصطلح الميتا شعر، والميتا كلمة يونانية تعني الـ"ما بعد"، فيحمل المصطلح في الشعر القصيدة في القصيدة أو القصيدة حين يكون موضوعها الحديث عنها. وأنا أميل إلى استخدام مصطلح البوح الشعري بدلًا من المصطلح الغربي، حيث يبوح الشاعر أسراره الشعرية، ويكشف في شعره عن مواقفه من الشعر والشعراء.
تجلّت ظاهرة البوح الشعري في مجموعة الشاعرة هناء البواب "للحزن عيون تعرفني"(عمان: بيت الثقافة والفنون، 2019م) فخصصت بعض القصائد للشعر، كما يبدو في عنواني القصيدتين: "القصيدة المتمردة"، و"لعنة الشعراء". وتناولت الشعر في مواضع متفرقة من قصائد المجموعة. ففي "القصيدة المتمردة" نجد الشاعرة تبدي التفاخر والاعتزاز بشعرها الذي يجب على الآخرين الترحيب به وإجلاله؛ فهو من ذات شاعرة ذات أهمية في عالم الشعر:
أنا شاعر
وعلي نظم قصائدي
وعلى الحضور الاستماع
لا بأس في شيء من التصفيق
والتهليل
والإكبار (ص50)
وهذا يذكرنا بقول المتنبي الذي يعلي من شأنه وشأن شعره:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدا
تبين الذات الشاعرة مسوغات هذا الإكبار لقصيدتها؛ فهي رائعة، وساحرة برموزها، ومؤثرة بموسيقاها التي لا تتمرد على وزن الخليل بن احمد الفراهيدي، ولكنها أيضًا لا تفقد خصوصيتها.
من عادتي
أن أنظم الأشعار
ما قال لي أحد
بأن الوزن مكسور
ولا أني خرجت على الخليل
ومن الخليل (ص50-51)
وتبين في موضع آخر من القصيدة مواصفات الشعر الجيد، كأن يكون ذا رموز ساحرة، ومعان محيرة غير مباشرة، ويحمل فكرة غير مألوفة. وأن تكون القصيدة مثل محارة، أو عروس، أو أميرة متفردة، ومتمردة على ما هو سائد، متمردة على الذات، والتراث الشعري القديم الذي سبق عصر هارون الرشيد بألف عام.
هي أم هذا الشعر
وهي أبوه
وهي المعجم
هي قدس أقداس الوجود
وموطن الإعجاز
والإبداع
هي تحفة فنية
من قبل هارون الرشيد بألف عام (ص53)
وفي موضع آخر من القصيدة ذاتها ترفض الذات الشاعرة موقف النقاد والنحاة ومن والاهم من الطغاة حين ينكرون شاعريتها، وينسبون قصيدتها لغيرها، وهي ترى أنهم مع ذلك لن يستطيعوا أن يمنعوا قصيدتها من الانتشار؛ لأنها لا تخرج عن منطق الحق والعدل ومنطق الواقع:
ثاروا عليًّ
ثاروا عليها
أنا لست صاحبها
ولا لي أن أدافع عن معانيها
هو زعمهم (ص53-54)
وفي قصيدة "لعنة الشعراء" ترى الذات الشاعرة أنًّ الشعر تعبير عن أحاسيس الذات، ويقوم على العواطف الرقيقة، والموسيقى العذبة، والكلمات المؤنسة التي تصدر عن قلب رؤوف؛ لتعبر بصدق عما في النفس من أفكار ومعانٍ، وتبعث الحياة في النص الشعري:
أنا سأرسل الكلمات موسيقى
وكيف أشاء!
وكيف أشاء!
سأنفخ في وريد الحرف روح الصحوة
الخضراء (ص76)
وفي موضع آخر من القصيدة ترى الذات الشاعرة أن أمثالها من الشعراء مكتوب عليهم أن يتعرضوا للأذى والألم، وأن يكونوا في مأزق وجودي نتيجة حسهم الراقي، وفي مأزق حياتي نتيجة تضييق الآخرين عليهم في معيشتهم؛ لهذا فلا غرابة أن تصيبهم لعنة الشعراء التي تشبه لعنة الفراعنة:
أنا قد جئت أعلن أن هذا الحرف
يسرد لعنة الشعراء
فكيف تعيش
كيف تسود
والأقلام تعرض صورة
صماء (ص77)
إن رسالة الشعر عند الشاعرة هناء أن تبعث ليس الجمال في نفوس متلقي شعرها حسب، بل أن تبعث فيهم أحاسيس الحب للحياة وللناس أيضًا. تقول في القصيدة نفسها:
أتيت أميط زيف اللفظ
أعبر نحو فجر مشرق
بالحب، تصبغ كفه في عرسه الحناء (ص78)
أما المواضع التي تناولت الشاعرة الشعر في قصائدها فيواجهنا قولها في قصيدة "كفاك":
أنا أول امرأة تريق جنونها شعرًا فما أحلى الجنون وأعذبه (ص13)
في هذا البيت يتضح اعتداد الشاعرة بشعرها، وتتكشف رؤيتها للشعر بأنه الخروج عن المألوف إلى حد الجنون، بل إنه نوع من الجنون. وهي نظرة منحدرة من رؤية الشعراء الأقدمين للشعر، بأنه يتأتى للشاعر بوساطة الجن الذين يختزنهم وادي عبقر المشهور.
وفي قصيدة "امرؤ القيس"، أمير شعراء العصر الجاهلي، الذي قتل والده بنو أسد بعد أن كان ملكًا عليهم، وعرف بصيحته المشهورة:" اليوم خمر وغدًا أمر"، وذهب ليطالب بدم والده، تتقنع الشاعرة بقناع هذا الشاعر، وتدعو إلى التسامح مع الآخرين، فكان على امرئ القيس ألا يهب في طلب الثأر ممن قتلوا أباه، وأن يضمد جراحه، ويحاول النسيان؛ فالحياة لا تتسع للكره، والشاعر أولى من غيره بأن يتبنى الحب. وهي قد اعتادت أن تحب الناس جميعًا، وأن تصفح عمن جرحها؛ لهذا فهي تخاطب امرأ القيس:
الثأر فوق دم ينال.. وربما كان انتقامك أن تضمد جرحا(ص61)
ثم تقول في نهاية القصيدة:
أنا يا امرأ القيس الجريح جريحة عاشت تجود على الخناجر صفحا(ص63)
وتبدو الدعوة للحب لازمة في قصائد الشاعرة، ذلك الحب الذي يحتوي حتى من يعذبنا:
كم مرة سيموت قلبي بالهوى عجبًا لقلب كم يحب معذبه (ص14)
هكذا تجلت في مجموعة الشاعرة هناء البواب" للحزن عيون تعرفني" ظاهرة من ظواهر الشعر القديمة، هي ظاهرة وصف الشعر للشعر، أو ما أسميناها ظاهرة البوح الشعري. وقد تبلورت من خلال موقف الشاعرة من الشعر وتوضيح رسالته، التي تقوم على الحب لكل شيء في الوجود. وجاءت قصائدها تخفق بألفاظ ومعان لا تغيبها موسيقى الخليل، ولا همسات الشعر الحر، وظهرت فيها الرموز التاريخية والأسطورية بقدر لا يطمس الجمال أو يخفي الأفكار. لقد استفادت الشاعرة من التراث الصوفي، ومن تراث الشعر العربي عبر عصوره المختلفة دون أن تفقد صوتها. لقد تعاملت مع ظاهرة البوح الشعري بحس شعري وإنساني شفيف، رافقه إحساس عميق بقيمة الشعر والإنسان، وبقيمة الحب الذي يتسع للكون كله.
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف