بشرى بن فاطمة
العمل النحتي المعاصر تطوراته التعبيرية بين تأثيرات الفلسفة والواقع والإنسانية
ارتبط فن النحت منذ جذوره التكوينية الأولى بالإنسان والأرض والخلود والغيب والدهشة والصناعة والخلق والابتكار والتصور الماورائي والفلسفة الإبداعية والمثالية التركيبية والخامة الصلبة والحضور البارز أو الحفر والفخار والخزفيات، فقد سجل التاريخ هذه العينات التي جسّدت حضورا وحضارات وتماهت معها في تطورها الفكري الإنساني وعايشت مدى تأثره بالفلسفة والفكرة.
وقد كان للنحت التأثير البالغ على التلقي وكان مثار الدهشة والإبهار بمحاكاته صلابة الخامة وقسوتها ورضوخها أمام الصقل حدّ التفاعل والاندماج والتواصل ما حوّل مصطلح "قاطع الأحجار" الذي عُرف به النحات إلى حدود القرون الوسطى إلى فن له قيمه ودرجاته وخاماته وأمثولاته الفلسفية وأساليبه التعبيرية والهندسية الفكرية والحسيّة.
إن المدلول التاريخي أثبت مدى أهمية الفكرة وفلسفة التاريخ والانسان والوجود والرؤى البصرية ومدى تأثيرها الواضح على النحت فمنذ "مايكل أنجلو" و"دوناتيللي" ارتكز النحت على العبقرية الإبداعية في تصميم الشكل الإنساني ومعايشاته وتصورات الكون والطبيعة والابتكار الذي ارتبط بفلسفة المرحلة اللاهوتية وبحثها الخارق عن القوة الإبداعية للفكرة الخالدة التي تخرجها من المُسمى السطحي إلى العمق الفني.
فالنحت في تعامله مع الأشكال والخامات والخزفيات لا يقع على السطح بقدر ما يشكّل له أبعادا تكون مُجسّمة بصريا، بما يثير المتعة ويستوعب الفكرة والقرب والتآلف بين الابتكار والصقل خاصة وأن النحت قيمته الذهنية لا تتأتى من الملمس أو المشاهدة بل من الحركة والخامة والفكرة والرؤية وعناصر التكوين ومقصد الترتيب القياسي وخصوصا التأثيرات الفكرية وفلسفة التوليف التركيبي بين المادي والمعنوي والإنساني، وهو ما جعل النحت متعدّد الوظائف حسب الفكرة ومداها من التذكاري إلى الديني والتدويني والتوثيقي والتشخيصي.
ولعل هذا الإصرار على الخلق ساهم في تطوّر النحت مع الحركة الحداثية التي قدّمها رواد التكعيبية والتجريد والسريالية أمثال بيكاسو وجياكوميتي وماتيس، ما أثار المفاهيم الجمالية بمنظور مختلف مع الأسلوب التنفيذي في توافقاته التعبيرية وهو ما أضاف على الحركة الكلاسيكية قيما جديدة تجرأت على التواتر المثالي، وبالتالي أضافت مع الحركة تأملات في فلسفة الفراغ للتحرر من الخامة والتفرع عبرها نحو الوسائط المتعدّدة والشمولية والتصميم الرقمي والقطع الجاهزة وفلسفة الفكرة والزخرف الحروفي أو الرمزي والحفر والخشب والأبعاد متعدّدة المفاهيم والاشتغال الأدائي مع فكرة الخامات المبتكرة والتصورات النابعة من الواقع وهو ما خفّف في الظاهر التنفيذي للمنجز النحتي من التواصل اليدوي والصقل الكامل وبالتالي أعلى من التواصل المفهومي الفكري والذهنية البصرية عند التلقي.
حيث ربط هذا المسار التطويري بين الأفكار والخيال والصناعة والتجريب والابتكار والواقع ما خلق للنحت همزة الوصل الاستشرافية التي اتصلت أيضا بالإنسان ومحيطه وهو ما شكّل ارتباطه بالرموز والمفاهيم التي صاغت محدثات الإنشاء وفقا للفكرة وخدمة لفلسفتها الجمالية ومعانيها.
فالفلسفة الأساسية التي وقع عليها التعبير النحتي تلاقت في الوجود والانسان والخلود والابداع بمثالية وقوة وفلسفة بقاء لها بالغ التأثير على عناصر التجلي الأولى للكون والكائنات والتي استمرت في التعبير حتى حدود الكلاسيكية الحديثة وتغيرت في تفاصيل الاستيعاب الذاتي للفن مع الحداثة وما بعدها حين تحوّلت النظرة نحو الانسان وذاتيته وواقعه ومستقبله وإمكانياته الجاهزة وبساطته المعقّدة في التوظيف الفكري للنحت فنا وتعبيرا صقلا نحتا وتركيبا حفرا وابتكارا وتدويرا.
فمنذ فترة ما بعد الحربين العالميتين مشحونة بالقيم المختلفة التي حاولت كسر النمطية السائدة بمعالجة الفوضى بالفوضى والتدرج بعدها نحو الترتيب وهو ما منح قدرة للنحت على تصوير واقعه والتعبير عنه ورفضه والتمرد عليه، كما أفرز أيضا رؤى مختلفة عن التصور الجمالي المثالي في التعبير النحتي وبالتالي خلق قيما متفرّدة في التجلي والخيال والإنجاز لم تقف عند حدود جغرافية واحدة بل أصبحت حركة عالمية حملت خصوصية كل انتماء سواء في التقنيات والقيم أو في الفكرة والفلسفة ورموز التعبير.
وهو ما يلاحظ في الكثير من التجارب العربية التي اتخذت لها مسارات إنسانية وعالجت قضاياها الواقعية اجتماعية وسياسية وثقافية بما يثير الرمز والعلامة البصرية من مستحدثاتها التي تستنطقها فلسفة المفاهيم المقصودة لتعبّر عن وجودها وكيانها وتفاصيلها بمواكبة جادّة وتفرّد استطاع أن يفرض ذاته وانتماءه من خلال خاماته وقيمه وقياساته وتصوّراته.
وهذه التجارب لم تعتمد في تعبيرها على التقليد بقدر ما تفاعلت بالتجريب والمتابعة وابتكار الخصوصية من الواقع سواء في تجارب التعبير عن الوقائع من حروب واجتياح ومعتقلات وتضييق حريات وتحولات اجتماعية وانقسامات اجتماعية وتعبيرات عن الهوية وغيرها من المواضيع التعبيرية التي تلازمت مع الكيان الإنساني ومداه الوجودي.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
العمل النحتي المعاصر تطوراته التعبيرية بين تأثيرات الفلسفة والواقع والإنسانية
ارتبط فن النحت منذ جذوره التكوينية الأولى بالإنسان والأرض والخلود والغيب والدهشة والصناعة والخلق والابتكار والتصور الماورائي والفلسفة الإبداعية والمثالية التركيبية والخامة الصلبة والحضور البارز أو الحفر والفخار والخزفيات، فقد سجل التاريخ هذه العينات التي جسّدت حضورا وحضارات وتماهت معها في تطورها الفكري الإنساني وعايشت مدى تأثره بالفلسفة والفكرة.
عدنان يحي Adnan Yahya
عبد الحي مُسلم Abdel Hay Mosalem
فالنحت في تعامله مع الأشكال والخامات والخزفيات لا يقع على السطح بقدر ما يشكّل له أبعادا تكون مُجسّمة بصريا، بما يثير المتعة ويستوعب الفكرة والقرب والتآلف بين الابتكار والصقل خاصة وأن النحت قيمته الذهنية لا تتأتى من الملمس أو المشاهدة بل من الحركة والخامة والفكرة والرؤية وعناصر التكوين ومقصد الترتيب القياسي وخصوصا التأثيرات الفكرية وفلسفة التوليف التركيبي بين المادي والمعنوي والإنساني، وهو ما جعل النحت متعدّد الوظائف حسب الفكرة ومداها من التذكاري إلى الديني والتدويني والتوثيقي والتشخيصي.
Bassam Kyrillos بسام كيرلس
ميرفت عيسى Mervat Essa
عزت مزهر Ezzat Mezher
نبيل نجدي Nabil Najde
وهو ما يلاحظ في الكثير من التجارب العربية التي اتخذت لها مسارات إنسانية وعالجت قضاياها الواقعية اجتماعية وسياسية وثقافية بما يثير الرمز والعلامة البصرية من مستحدثاتها التي تستنطقها فلسفة المفاهيم المقصودة لتعبّر عن وجودها وكيانها وتفاصيلها بمواكبة جادّة وتفرّد استطاع أن يفرض ذاته وانتماءه من خلال خاماته وقيمه وقياساته وتصوّراته.
محمود السعدي Mahmoud Al-Saady
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections