الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الذاتية في الرواية المغربية بالأمازيغية بقلم: الطيب شورن

تاريخ النشر : 2019-12-12
الطالب الباحث: الطيب شورن
الذاتية في الرواية المغربية بالأمازيغية
عرفت الرواية المغربية بالأمازيغية مسارا متدبدبا تأثرت فيه بوضعية الأدب الأمازيغي الذي ظل شفاهيا لعدة قرون، قبل أن يشهد تحولا كبيرا أواسط سبعينات القرن الماضي، حيث عمد العديد من الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي الأمازيغي إلى بلورة حماسهم ونضالهم من أجل الدفاع عن اللغة-الثقافة الأمازيغية والحفاظ عليها، في مبادرة لجمع النتاج الأدبي الأمازيغي الشفوي وتدوينه( )، وبموازاة ذلك تم السعي إلى الابداع والكتابة في الأجناس الأدبية كالشعر والسرد باختلاف أنواعه، خاصة القصة والحكاية، إذ عرفت هذه المرحلة صدور أول ديوان شعري باللغة الأمازيغية هو "ديوان "إسكراف"/القيود" للشاعر محمد مستاوي سنة 1976"( ). وتلاه بعد ذلك ظهور المجموعات القصصية والحكايات، أما الرواية فقد تأخر ظهورها لقرابة العقدين من الزمن، حيث لم يصدر أول عمل روائي أمازيغي إلا سنة 1994م بصدور رواية علي أيكن "Assekkif n Inzaden" "حساء الشعرية"( ).
ويعد هذا التحول محطة مهمة في تاريخ الثقافة الأمازيغية التي تسعى إلى النهوض والانبعاث واثبات الذات، حيث يلاحظ المتتبع للشأن الثقافي الأمازيغي إقبالا مهما من قبل المثقفين والمبدعين والطلبة الباحثين على الابداع باللغة الأمازيغية شعرا ونثرا، مدفوعين برغبة جامحة في ترسيخ هذه الثقافة، وفي اثبات قدرتها على المواكبة والتفاعل مع الأجناس الأدبية التقليدية، كالشعر والقصة والحكاية الشعبية، وفي أكثرها حداثة، كالقصة القصيرة والرواية والقصة القصيرة جدا، دون نسيان الإقبال المتزايد على ترجمة الأعمال الأدبية الأجنبية إلى اللغة الأمازيغية( ).
لقد تظافرت عوامل للتوقيع على شهادة ميلاد الرواية الأمازيغية، ومن ضمنها الدوافع الأيديولوجيا، وتتمثل في كون جل الذين قادوا مغامرة وضع أسس فن روائي أمازيغي هم من المناضلين المدافعين عن اللغة-الثقافة الأمازيغية، وبالتالي كانت مغامرتهم هذه هي محاولة لتأكيد ذات اللغة الأمازيغية والبرهنة على قدرتها على التفاعل حتى مع أكثر الأجناس الأدبية وأنواعها حداثة، وهذا ما نجد المبدعين يلحون عليه في حواراتهم الصحفية، مؤكدين أن دوافعهم للكتابة تنبع، من بين ما تنبع منه، من رغبة شديدة في رد الاعتبار للغة الأمازيغية والبرهنة على قدراتها الابداعية وطاقاتها التعبيرية وغنى صورها الجمالية، وهذا ما يثبته رائد الرواية الامازيغية في الفترة الراهنة محمد أكوناض؛ وذلك جوابا على استفسار صحفي حول ما إذا كان يكتب لرد الاعتبار للغته وثقافته الأمازيغيتين. أما الأديب محمد بوزكَو فيقول حول كتابته الروائية التي تخوض في التاريخ وتستلهمه: "من لا ذاكرة له لا حاضر له ومن لا تاريخ له لا مستقبل له... وقدرنا نحن الأمازيغ أننا ضحايا نسيان التاريخ... بل وتزويره".
هذا، ولم تكن الرواية الأمازيغية لترى النور لولا تفاعلها أولا مع الإنجاز الروائي المغربي المكتوب باللغة العربية وباللغة الفرنسية واطلاع الكتاب ثانيا على ما حققته الرواية العالمية، حيث يتقن أغلب المبدعين الأمازيغ أكثر من ثلاث لغات (الأمازيغية والعربية، إلى جانب الفرنسية أو الانجليزية أو الإسبانية في شمال المغرب).
في ظل هذا السياق من المثاقفة والتعدد اللغوي والثقافي، بدأت الرواية الأمازيغية تصنع لنفسها مسارا خاصا، منشغلة فيه بأسئلتها الخاصة، والتي يبقى سؤال الهوية والقضية الأمازيغية أكثرها حضورا؛ إذ يمكن القول دون مواربة إن أهم ملاحظتين يمكن تسجيلهما على التجربة الروائية الأمازيغية في ظرفيتها الراهنة هما: على مستوى المضمون انشغال المبدعين بسؤال الهوية وإعادة تعريفها، وعلى مستوى الشكل نزوع الروائيين نحو التذويت واستحضار الذات باعتبارها رهانا سرديا؛ حيث أدى سعي الروائيين إلى بلورة رؤاهم النضالية ضمن مشاريع سردية، من جهة، وخرق الحدود بين الأجناس السردية، والصعوبات التي يطرحها التحول من الشفاهة إلى الكتابة من جهة ثانية، إلى تطبع هذه التجربة في مرحلتها التأسيسية بالذاتية؛ فما يميز جل الأعمال التي تندرج في هذه التجربة الاستيقاع والاستيخال بتعبير البحاث المغربي "رشيد بنحدو"؛ حيث يقصد بالاستيقاع متح النص من تجارب واقعية عاشها السارد/ البطل في الزمان والمكان، أما الاستيخال فالمقصود به هو التماس الخيال وملء الشروخات وسقطات الذاكرة واللحظات المسكوت عنها بأحابيل فنية ووسائل بلاغية، وهو نفس المفهوم الذي أُطلِق عليه نقديا مصطلح "التخييل الذاتي" الذي يعتبر واحدا من أكثر المفاهيم النقدية استئثارا باهتمام النقاد الأدبيين في العقود الأخيرة؛ فمنذ أن ظهر على غلاف كتاب "fils ,1977"، للأديب الفرنسي "سيرج دوبروفسكي" بعبارة Autofiction، شكل بؤرة اهتمام النقد الأدبي؛ ومادة محفزة على إعادة طرح سؤال الحدود بين الأجناس الأدبية، فهذا الجنس الأدبي يميزه طابعه الزئبقي الذي يتأبى على التصنيف والتحديد والتموقع؛ إذ تلبس فيه الذات لبوس التخييل، وتجرد من ذاتها ذاتا أخرى متخيلة، تنتجها سرديا تقف إزاءها موقف الكشف والتأمل، وتنتقل بها من الذات الواقعية إلى الذات المتخيلة التي تنتمي إليه ولا تنتمي إليه في نفس الآن، فمن بين ما يميز السرد الذي ينحى نحو التذويت في رأي الباحث المغربي "محمد الداهي "هو التردد؛ ويتجلى في التباس الأنا بغيره على القارئ. "إن إضفاء الكاتب الطابع التخييلي على ذاته، متوسلا صيغا وطرقا مختلفة، يربك القارئ في تحديد هويته السردية، ويجد نفسه كما لو كان يخاطبه بهذه العبارة الملتبسة: "أنا وليس أنا" ، وهذا ما عبر عنه سيرج دوبروفسكي في مؤلفه " Le livre brisé الكتاب المحطم" بقوله: "أنا كائن خيالي" ، وكما عبر عن ذلك أيضا رولان بارت في مؤلفه " Roland Barthes par Roland Barthes رولاند بارت بقلم رولاند بارت" إذ يقول: "كل هذا ينبغي اعتباره كما لو صدر عن شخصية روائية ".
في هذا السياق تأتي هذه الورقة المتواضعة للوقوف عند التخييل الذاتي المغربي بلأمازيغية بالدراسة والتحليل والمقارنة، وذلك بغية استخلاص أهم مميزات هذا الجنس الأدبي، حيث سنعمل على التقاط الصورة الجمالية التي تنتجها الذات عن آناها المتخيلة، ذلك أن الذات السردية تلجأ إلى إنتاج الآخر بتجريد الذات المبدعة من ذاتها آخر تقف إزاءه موقف الكشف والتأمل، وهكذا يفرض الآخر وجوده في التخييل الذاتي المغربي، لأن "الآخر موجود سلفا داخل التمثيل واللغة بما أن هذين الأخيرين يستدعيان آخر ليلتقي بغية الخلوص إلى أنا تتكلم وتكتب وتمثل وتفك الرموز" . فضلا عن كون مفهوم الهوية وإعادة تعريفها والبحث عن الاعتراف يستأثر باهتمام كتّاب الأقليات من المهمشين والمقصيين اجتماعيا بسبب معتقداتهم الدينية أو ميولاتهم الجنسية أو انتماءاتهم السياسية؛ وخاصة من الأقليات العرقية وذلك بسبب موقعهم الهش في النسيج الاجتماعي العام.
1. السرد الأمازيغي وإشكالية التجنيس:
إن التخييل الذاتي جنس ملتبس ليست له سمات أجناسية محددة، يتأبى على التعريف والتصنيف ويتمرد على التحديد؛ إذ "التذويت ليس مجرد نسبة خطاب إلى ذات متلفظة بل هو تخصيص يطال جميع المستويات الخطابية والنفسية والاجتماعية. إنه خطاب تقول من خلاله الذات كلامها، استيهاماتها وأحلامها" . وهو نفس الاتجاه الذي يسير فيه محمد برادة وهو يحدد مفهومه للتخييل الذاتي؛ يقول: "ليس التذويت بمعنى رغبة كل روائي إلى إبراز ذاته وأفكاره واستيحاء تجربته الذاتية المحضة، ولكن انصهار الذات في الخطابات المحيطة بها، فكما يرى ميشل فوكو في تحليل الخطاب لا توجد ذات الكاتب منفصلة عن وظيفته التي تتحدد من خلال صيغ وجود الخطاب عامة" ؛ وهذا ما تجسده رواية "ئكاض ن وهران" حين جنسها كاتبها الحسين بويعقوبي أنير رواية على واجهة الغلاف، لكن ما إن نجتاز هذه العتبة ونخوض في غمار النص حتى تعترضنا تفاصيل تتقاطع مع أحداث ذات مرجعية واقعية عاشها بويعقوبي في أحياء مدينة وأكادير وأثناء هجرته إلى فرنسا لاستكمال دراسته، مما يجعل القارئ يخرج بقناعة أن بطل الرواية وساردها وكاتبها هم شخص واحد، وربما لهذا السبب يتميز التخييل الذاتي بالموقع المتميز والفريد الذي يحتله الراوي بالسبة للخطاب السردي، فالتباسه بالبطل وبالكاتب، يجعله يتبوأ موقع البؤرة السردية، فإما يصدر عنه الكلام والأحداث، أو توجه إليه ويتأثر بها وتتأثر به، فهو البدء والمنتهى، و"يصبح الميثاق السيرذاتي في التخييل الذاتي محرفا بدعوى عدم وجود تطابق مرجعي بين الأطراف الثلاثة: الكاتب والسارد والشخصية. وعليه، إما يضفي التخييل على القصة (ينزاح السارد/الشخصية عن الكاتب في بعض مظاهر قصة حياته) أو على هوية السارد (تختلف هوية السارد عن هوية الزوج الكاتب/الشخصية) أو على هوية الشخصية (تختلف هوية الشخصية عن هوية الزوج السارد/ الكاتب)" .
ثمة منطقة مربكة وملتبسة ما بین التخييل الروائي ومحكي السیرة، حيث إن السیرة منظومة من الوقائع المعاشة داخل الزمان والمكان وما یحف بهما من شخصيات وأحداث، بمعنى أن مرجعیتها خارجیة بالضرورة، أما محكي الذات فمرجعیته داخل الروایة، بما هو التولیفة الحكائیة المؤسسة على الخیال مع التأكید على أولویة ومركزیة البناء الروائي، بما أن الكتابة، كل كتابة تضع أسسها المتينة على مستوى المتخيل، ذلك أن المبدع، حين يكتب، لا يمتح مباشرة من الواقع، بل من الصور الذهنية التي ينتجها ويكونها في ذهنه أو مادته الرمادية، من صور تخص هذا الواقع، أو تمثله وتعينه، وهي صورة تعكس في صور معاني ودلالات ومفاهيم، رؤية الكاتب للواقع المعاش وللواقع المحتمل والمرغوب، بمعني أنها صور تتشكل من الوعي الكائن والوعي الممكن للكاتب ولواقعه، "فعملية الكتابة هي عملية صياغة هذا المفهومي غير الجاهز الذي يرتسم أوليا في الذهن بفعل ممارسة النشاط التعبيري، لذا يمكن القول إن الصور المفهومية (المعاني) المرتسمة في الذهن هي صور تنزاح، بارتسامها، عن الواقع، فتفارقه، تختلف عنه ولا تطابقه" ، وبالتالي فإن استجلاب أي مقطع سیرذاتي واستدخاله في الروایة لا یعني بالضرورة تمدید الذات على كرسي الاعتراف وإفشاء يومياتها السرية واستعراض حميمياتها لجمهور القراء، إنما إعادة توزیع دور وفاعلیة الخیال حسب متطلبات الروایة الحدیثة، التي اختصر مدخلها دوبروفسكي في التخییل الذاتي.
كما أن التخييل الذاتي بمحاولته التوفيق بين التخييل والسيرة الذاتية، يتيح "للكاتب إمكانات واسعة للتعبير عن استيهاماته، وإيقاظ مشاعره المغفية من مرقدها، واستحضار أحلامه المحبطة، وهذا ما يدعم الميثاق الاستيهامي (La pacte fantasmatique ) الذي يكشف عن "الحقيقة الداخلية" في منآى عن أية مراقبة ذاتية أو وصاية خارجية" ، ويسمح بتصريف الهموم الذاتية بتموقعه في فضاء تخومي بين خارجية الموضوعي وحميمية الذاتي، ويبرز الهواجس الذاتية والهوياتية للأنا، "ليس باعتبارها ذات السيرة الذاتية، المطابقة لذات المؤلف في الواقع، وإنما باعتبارها ذات المؤلف المتخيلة داخل التخييل من أجل إنتاج معرفة حولها، برؤية روائية وفنية تجعلها سؤالا في البحث" ، أو باعتبار الذات رؤية ثقافية وفنية لوضعية معينة؛ وذلك بتحويل التاريخ الذاتي إلى أفق للكتابة يخترق الحدود الأجناسية ويمارس هواية البوح والاعتراف في منطقة تنتفي فيها الحدود بين الواقعي والخيالي، بين الذاتي والإنساني، بين الفردي والجمعي...، فالتخييل الذاتي في نظر فانسون كولونا هو عمل أدبي يمكن الكاتب من أن يختلق لنفسه شخصية ووجودا دون أن ينسلخ عن هويته الحقيقية (اسمه الحقيقي).
2. التخييل الذاتي الأمازيغي وسؤال الهوية:
لا يمكن الحديث عن التخييل الذاتي الأمازيغي دون استحضار تلازمه اللصيق بالذاكرة، حيث تعتبر الذاكرة في كثير من الأعمال التي تندرج ضمن خانة التخييل الذاتي العين التي لا تنبض والنبع الخصب الذي يمتح منه المبدعون والكتاب مادتهم الحكائية ويشتغلون عليها بعد ذلك، ترقيعا وتصويبا وحذفا وإضافات؛ فالتخييل الذاتي يعتبر مشروعا ذاتيا يؤلف بين التخييلي والسيرذاتي. أما اشتغال الذاكرة في التخييل الذاتي الأمازيغي فيعكسه ارتباط الكتّاب بالمكان الأصلي البادية أو المدينة الصغيرة أو حتى الوطن في حالة عاش الكاتب فترة من حياته أو استكمل مشواره الدراسي خارج هذا الوطن، ويوصف هذا المكان الأصلي بكثير من الرومانسية والحنين، حيث يحمل دلالات الامتلاء والانسجام مع المحيط والتحكم في المصير، و بالتالي فهو يعكس حنين الذات إلى هوية مرغوبة تسعى إلى استعادتها وإعادة تملكها، كما أن اشتغال الذاكرة في التخييل الذاتي الأمازيغي ليس فقط من أجل استلهام مادة حكائية فحسب، ولكن باعتبارها وسيلة الابحار في عوالم التخييل الرحبة. فقد كانت الذاكرة ولا زالت خطابا للذات يتم من خلاله البحث عن هوية محددة أو تحديد لهذه الهوية.
انشغال المبدعين بسؤال الهوية تعكسه طبيعة البطل في نصوصهم، يتبنى هذا البطل وجهة نظر المبدعين الكتاب حول الهوية واللغة الأمازيغيتين. وفي الحنين والارتباط بالعادات والتقاليد العريقة لهذه الهوية وهي وجهة نظر تنفي عامل الزمن وتؤمن بالثبات وهو ما تعكسه صورة البطل ومختلف الشخصيات في كثير من الأنواع الأدبية والفنية، إلى درجة يمكن القول معها إنها تسقط في النمطية والابتذال. ومن بين هذه الصفات
 شاب متعلم ومثقف
 يتشبث بالهوية والتقاليد والعادات
 نمطية اللباس وحب الموسيقى الأمازيغية القديمة لفن الروايس
 يمثل قيم الخير والطيبة والشجاعة
 اجتماعي من الطبقة المتوسطة
- مع تسجيل أنه قد لا تجتمع كل هذه الصفات في نفس الوقت ونفس الشخصيات ولكنها تتردد كثيرا، وربما يجد هذا المعطي تفسيره في كون هذا النتاج السردي جزء من نضال يقوم به الروائي من أجل بعث لغته و ثقافته من رمادها كطائر الفنيق، وضخ دماء جديدة في شرايين هذه اللغة وتجديد الحياة في أوصالها بالكتابة في الأشكال الابداعية الحديثة، مما أعطى في أغلب الأعمال الروائية تداخلا كبيرا بين الكاتب والراوي والبطل، كما جاء هذا الثلاثي في جل الأعمال يحمل هما واحدا مهما تبدلت أحواله مداخله، هو سؤال الهوية، فالكاتب/البطل/الراوي يحاول جاهدا بعث رسالة إلى العالم من خلال لغته مفادها أنه يحمل جينات وهوية ثقافية تختلف كثيرا أو قليلا عن الصورة النمطية التي تنظر للأمازيغ باعتبارهم عربا، أن الكتلة الجغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج كتلة متجانسة من حيث اللغة والدين والثقافة، صوت السارد الأمازيغي يسعى لنقض هذا الطرح، والتأكيد على هويته الثقافية الأمازيغية المغربية. ومن أجل هذه الغاية كثيرا ما يتم التوسل بتيمة الهجرة، كونها الوسيلة التي تتيح للسارد أن يجعل نفسه في مرآة الآخر، سواء كان هذا الآخر داخليا (المغربي الناطق بالدارجة أو كل الذين يقفون موقف المعارض لرغبة المبدع في بعث لغته والاعتراف باختلافه الثقافي) أو خارجيا، يسعى الروائي/السارد/البطل أن يعرفه بنفسه وأصله وثقافته، كما يوضح المقطع التالي: "اسمي إيدر، وأنت؟
- أنا ميلاني. يبدو من ملامحك أنك عربي، ما هو بلدك؟
- أنا من المغرب، لكني لست عربيا.
- وماذا تكون؟ أليس المغرب بلدا عربيا، يتحدث شعبه بالعربية، ويقع في الشرق؟
- إذا كنت تسمعين عن البربر، فأنا واحد منهم.
- نعم سمعت عنهم، لكنهم يتواجدون بالقبائل بالجزائر، ويوجد الطوارق في الصحراء أيضا. بربر القبائل معروفون بإعداد أكلة الكسكس، أما الآخرون فمعروفون بإعداد الشاي، وامتطاء الجمال"( ).
إن سؤال الهوية هو دائما سؤال صحي ينم عن الحياة في أوصال المجتمع، ودينامية نخبه الثقافية والسياسية والاجتماعية، فسؤال من أنا ومن نحن، ليس بحثا عن بث النزاع والتفرقة داخل المجتمع والأمة، ولا عمالة خارجية ولا غيرها من التهم الجاهزة والمعلبة التي تلفق دائما لمن يحمل صوتا مخالفا لما تتبناه العامة، ولكنه سؤال يحمل في عمقه وعيا كبيرا بالذات، وفهما متجذرا لمفعول الزمن الذي يحمل كل شيء على تجديد صيرورته وهو يعيش سيرورته. كما أن طرح سؤال الهوية في إطار العلاقة بين الذات والأنت لا يعني السعي إلى رفض هذا الأنت وإلغاء دوره بقدر ما يعني إعادة النظر في محددات هذه الهوية، فلولا وجود الأنت لما وجدت الهوية الفرديه للذات ولا هويتها الجماعية، لأن الهوية الذاتية هي قضية تتعلق برؤية الذات ضمن الجماعة، الهوية الجماعية تتعلق برؤية هذه الجماعة ضمن الجماعة الآخرى، وتقبل كل ما تطرحه من مفاهيم وأعراف وتقاليد.
في ورقتنا هذه ندافع عن فكرة أن لا حدود فاصلة بين الأنا والآخر، حيث إن كل أنا هي آخر وكل آخر هو أنا في نفس الوقت، وهذا ما نلاحظه في علاقة الأشخاص بعضهم ببعض داخل المجتمع أي مجتمع، حيث نكون إزاء عدد لا متناه من الذوات والآخرين، وهذا "يدل على أننا عدد من المهايا الشخصية بنوع وعدد ممن ندخل معهم في أدوار معاشهم. فالأب هو آخر بالنسبة للإبن" . أما على مستوى أطروحتنا فالأخر هو الوجه التخييلي للذات، ففي الواقع يقدم الآخر نفسه كل مرة في كينونة مختلفة، ومدلولات ومضامين متنوعة. ولا يحتمل الآخر دالا واحدا بكل مرة، بل يتبدل عند كل واقعة تبعا للحال التي يتطرق منها للآخر.
مفهوم الآخر الذي نعتمده في هذه الورقة قريب جدا من مفهوم الغير أو الآخر في علم النفس؛ حيث يعرف أريك فروم مفهوم الآخر: "بأنه الإحساس ببعض الذات، الذي لا ينفصل عن الإحساس ببعض الآخرين" ، أي أن الإحساس بالذات ملازم للإحساس بالآخرين والشعور بهم، فالذات الأمازيغية حين تموقع نفسها في التخييل الذاتي بصفتها آخر لهذه الذات، إنما تروم إستكشاف ذاتها وتأملها وإدراكها من خلال النظر إليها من الخارج، وبالتالي ينحو مفهومنا للآخر في هذا المستوى منحى مخالفا لتصور الفلسفة الظاهراتية للآخر، فسارتر باعتباره رائد الفلسفة الظاهراتية، فبالإضافة إلى قولته الشهيرة: "الجحيم هو الآخر أو الآخرون"، يعتبر الغير مجرد قنطرة تتعرف الذات من خلالها على نفسها. يقول: "أنا في حاجة إلى توسط الآخر لأكون ما أنا علیه". ويضيف أن الغير "هو ذلك الذي ليس هو أنا ولست أنا هو. وفي حالة وجود علاقة عدمية بين الأنا والغير، فإنه لا يمكنه أن يؤثر في كينونتي بكينونته، وفي هذه الحالة ستكون معرفة الغير غير ممكنة. فبمجرد الدخول في علاقة معرفية مع الغير معناه تحويله إلى موضوع، أي أننا ننظر إليه كشيء خارج عن ذواتنا ونسلب منه جميع معاني الوعي والحرية والإرادة والمسؤولية. وهذه العلاقة متبادلة بينهما".
إن التلازم بين صور الذات والأنت، قد أبرزته أعمال العلماء النفسيين والاجتماعيين الذين اهتموا بالقضايا المتصلة بالذات والآخر. وبما أن الهاجس الذي يشغل الذات المبدعة هو بعث هويتها، فهي بحاجة إلى الكشف عن هذه الهوية عبر الاحتكاك بالأنت؛ وبالتالي تسعى إلى إنتاج هذا الآخر سرديا عبر تجريد ذات أخرى منها. يقول (إدوارد سعيد) "عن أكثر العلاقات تجسيداً للآخر: "إن أزمة الهوية لا تظهر إلا في المجتمعات التي تدخل في ديناميكية الحداثة". والأزمة بمفهومه تعني أنها مجرد بدء الجهد المؤلم أو المفرح في تحديد الذات" .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف