الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حين يؤسس الروائي المحسن بن هنية لسرد روائي مختلف بقلم:محمد المحسن

تاريخ النشر : 2019-12-12
حين يؤسس الروائي المحسن بن هنية لسرد روائي مختلف بقلم:محمد المحسن
..حين يؤسس الروائي التونسي المحسن بن هنية لسرد روائي مختلف..ويضع رهانات جديدة له

الإهداء: إلى كافة المبدعين الذين يمارسون فعل الإبداع..بجسارة من لا يهاب سطوة-الرقيب-تصدير: ليس للكتابة من جدوى بلا همّ إنسانيّ كبير،ومن غير معاناة مخيلة حية للتعبير عن هذا الهم..هي انغمار متواصل للتنقيب عن كل ما ينفع منظومة البث على أداء دورها بكفاءة عالية، تغري منظومة التلقي على القراءة المنتجة للتأويل.وبوصفها إجابة لأسئلة وجودية كبيرة،تستدعي مخيلة ذات دربة اشتغال تمنحها القدرة على إنتاج نصوص تنم عن جهد معرفي بيّن.

قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ الروائي التونسي المحسن بن هنية يمثّل على خريطة الرواية التونسية أيقونة مهمة لها خصوصيتها،وحالة خاصة من حالات الشأن الروائي الذي يجمع داخله ما بين المتخيل والسيرة ووقائع اجترار تاريخ الذات الاجتماعي والأيديولوجي في تجربة إنسانية وإبداعية مستمدة من واقعه الخاص الذي عاشه فعلا ومازال يعايش فيه مراحل تحولات حادة في الزمن العربي المعاكس..وتمثل مرآة الذات التي انعكست عليها مسيرة حياته الحافلة بؤرة كبيرة انعكست بدورها على إبداعه الروائي وشكلت عالمه السردي الخاص لسنوات طوال،كما تمثل صورة الآخر في منجزه الإبداعي جانبا مهما استعاده بن هنية في نسيج أعماله السردية جميعها وجسد من خلاله تجربة لها أبعاد متعددة كان لها تأثيرها الخاص على إبداعه الروائي على وجه التحديد بل وعلى ملامح أخرى من منجز الإبداع العربي المعاصر.وذات بن هنية في حد ذاتها وهي الباحثة عن نفسها،والمتفتحة على الآخر وعلى العالم من حولها تريد أن تدرك المعنى وتمتلكه.فكل علاقة للذات بذاتها هي علاقة بالعالم والآخر،كما أن كل علاقة بالآخر هي علاقة بالذات.وهذا (الازدواج) تعبير عن وحدة صميمية مفقودة بين (الأنا) و(الآخر) في عالم يشترك فيه أكثر سكان روايات بن هنية بشعور ومطامح سياسية متماثلة، وهو شعور يتجاوزهم بإستمرار نحو تأكيد خصوصية الوضع البشرى،حيث يكون الإنسان غائبا عن ذاته.يعيش المحسن بن هنية الرواية كما يجب أن تعاش،ويسرد ويروي وقائع الحياة كما يجب أن تسرد وتروى،وكانت ذاته في خضم هذا-الطوفان الإبداعي-مرآة للواقع الذي اختاره هو والذي كانت سطوة الآخر بصورها المختلفة دائما ما تشكّل تجاهه عقبة كؤود لواقع ما كان ينشده. فنراه يعيش شتات الذات ويرتطم بالآخر في شتى صوره،ويحاول هذا الآخر في ذات الآن بشتى الطرق أن يسقطه ويكسر حدة تمرده،ومن ثم تصادمت ذاته مع سطوة القمع عند هذا الآخر المتمثل أولا في السلطة المناوئة لفكره كما تمثل أيضا في صورة المرأة كما جسد خطوطها برؤيته وفلسفته الخاصة،وقد انعكس ذلك كله على منجزه الروائي الذى أبدعه عبر مسيرة حياتية لا تزال مفعمة بعطر الإبداع.وإذن؟العالم الروائي عند محسن بن هنية إذا،هو عالم قائم بذاته،يكاد أن يكون معادلاً للمجتمع الخارجي ترتبط عناصره ارتباطاً سببياًويستمد كل عنصر قيمته النسبية من علاقته بالأجزاء الأخرى،وتلتقي ممراته الجانبية وأزقته الخلفية بشارعه الرئيسي،فكل وقائعه منتظمة في إطار ثابت يحدد لكل واقعة وزنها الخاص،وقد تتساوى فيه إحدى النزوات الشخصية،فكل الأشياء المحيطة بنا قد اندمجت في شبكة من الدلالات الفكرية والإنفعالات الجاهزة؛ويتحدد شكل الرواية عند بن هنية بالفعل المتبادل بين الشخصيةووضعها،فرواياته تتميز من زاوية رئيسية بالطابع الانتقالي،بالصراع بين عدة متناقضات،بذلك التيار المتدفق المتغير دائماً في مواجهة التسلسل الطبقي المتحجر،إن ملحمة الحياة الخاصة عند بن هنية تتنفس بالدلالة العامة.وليست الحبكة الروائية عند بن هنية إلا حركة المقدمات لتجنب نتائج وفقاً لمقاييس مضمرة، فإن ما يحدث في النهاية هو التعقيب الأخلاقي والفكري على سلوك الشخصيات،وهو لا يختلف في ذلك عن سائر كتاب الرواية البلزاكية،فالخاتمة يحددها السياق الموضوعي العام لكل لحظات الفعل المتعاقبة،تدفع أخلاقاً كريمة وتلتزم بقواعد اللعبة وتأخذ نجاحاً أو العكس..ومن هنا،فإن الحبكة الروائية لدى بن هنية تنسج في صبر شبكة من “العلاقات”اللاواقعية خلف الإسهاب في سرد التفصيلات الواقعية،فالعلاقات السببية المحركة للواقع والمحددة للشخصيات تحتوي على تصورات مثالية عن الإنسان ومكانه في العالم،وهي تطبع بطابعها ما يسود تلك المرحلة من بحث عن قيم حقيقية في عالم يبدو زائفاً،بتحقيق الوفاق السعيد بين الإنسانية والأرض والسماء.على سبيل الخاتمة:ليس مشكلة في أن تستحيل كاتبا،فالمفردات والألفاظ مطروحة على-رصيف-اللغة،لكن الأصعب أن تكون ذاك الكاتب القارئ،وهذا الدور المزدوج يجعل الكاتب كرها ملتزما أمام قارئيه في أن يقدم لهم قدرا معرفيا ومعلوماتيا مهما يشارف اكتمال ثقافة الآخر الذي يجد ملاذه المعرفي عند كاتبه،هذا الدور قام محسن بن هنية عبر مشروعه الروائي الطويل،ومن خلال نثرياته المدهشة،وكبار الكتاب والشعراء من أمثال توفيق الحكيم ويوسف إدريس وأدونيس ويوسف الخال ومحمد الماغوط مرورا بالاستثنائي محمود درويش وجمال الغيطاني وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي وغيرهم كانوا يمررون قدرا معرفيا مذهلا عبر سياقاتهم النصية الإبداعية أو السردية مستهدفين خلق حالة من الوعي المعلوماتي لدى القارئ الذي اختلف دوره عن السابق بعد أن استحال شريكا فاعلا في النص غير هذه الشراكة الباهتة التي أشار إليها رولان بارت بإعلان موت المؤلف.فالمؤلف لم يعد ميتا كما استحال في سبعينيات القرن الماضي،ولم يعد إلى أدراجه القديمة منعزلا عن نصه،بل هو الصوت الآخر الذي يدفع القارئ إلى البحث عن مزيد من التفاصيل واقتناص الإحداثيات السردية بمعاونة الكاتب نفسه.والمحسن بن هنية الغارق في تفاصيل الوطن وتراثه الأصيل استطاع أن يوفر هذا الوعي المعلوماتي لدى قارئه الأمر الذي يدفعنا بأن نجعله في زمرة الكتاب الحجاجيين،أي الذين يمتازون بإقامة الحجة عن طريق تدعيم الطرح الفكري بطروحات فكرية وفلسفية ذات شراكة متماثلة بعض الشيء.يبدو هذا الطرح المعلوماتي في تفاصيل المشهد السردي للكتاب والذي نجح الشعر بقوالبه أن يفرض سطوته وقوته القمعية في إحداث التأويل والإمتاع ومن قبلهما الدهشة لدى القارئ من خلال الصورة والتصوير الفني لأحداث تبدو سياسية محضة،وفيها يدعم بن هنية طرحه الفكري بأفكار ومساجلات فكرية تؤدلج الدور السياسي للمثقف وأنه ليس بالقطعية تنظيريا أو مكتفيا بالمتابعة بدون المشاركة في صنع القرار السياسي،وأنه بمثابة أيقونة شرعية للحراك المجتمعي.ختاما أقول أنّ الروائي التونسي المحسن بن هنية يؤسس لسرد مختلف إذ تراه أشبه بالمسرحيين وهم يدشنون أسسا لفنهم،فهو كذلك في معظم رواياته،يعتلي مسرحا سرديا يقص التاريخ بعدسات غير متمايزة رغم أنه لا يدخل في قالب المسرح وكنهه،فهو لم يتبع القوالب الفنية الجاهزة لكتابة الرواية بل عمد منذ البداية إلى تأريخ السرد والحكي بصورة مغايرة لما اتفق عليه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حينما ازدهرت الرواية واستحالت إلى أفلام سينمائية ذات شهرة.فبرغم كون الرواية حدثا تاريخيا محضا يحكي سيرة رجل وعصر،إلا أن بن هنية لم يكترث بتصعيد الحدث التاريخي إلى سدة الاهتمام القرائي مثلما اهتم باستقطاب الدهشة والمتابعة لدى القارئ في التعرف على مزيد من الحكايا المرتبطة بالشخوص أكثر مما ترتبط بالأحداث التاريخية.فأنت تطالع شخوصا كثيرة مختلفة المهن والطبائع والأمكنة والثقافات،وفي كل شخصية أنت مضطر تماما إلى نسيان الحدث التاريخي المسطور في كتب التاريخ لإكتشاف ملامح أكثر دهشة عن طبائع هذه الشخوص،فتجد نفسك مهموما بتتبع تفاصيل شخصيات مثل العطار،والمؤذن..والمدير..والسكرتيرة الجميلة..وشخصيات أخرى كثيرة،وفي كل هذه الشخصيات لم يقع بن هنية في فخ التنافر والتفكك البنائي للحدث الرئيس بل استطاع أن يقبض بإحكام على متابعة القارئ للحدث.وأعتقد أن بن هنية منذ خطه لسطور روايته الأولى وضع رهانات جديدة للسرد الروائي وهي حضور القارئ بقوة رغم انفصاله زمنيا عن حدث الحكي.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف