الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في قصيدة مازن دويكات "سلام عليك.. على أرضنا"بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-12-11
قراءة في قصيدة مازن دويكات "سلام عليك.. على أرضنا"بقلم: رائد الحواري
قراءة في قصيدة مازن دويكات
"سلام عليك.. على أرضنا"
مهداة لمحمود درويش

الحزن فيه الألم، والأديب/الشاعر الجيد هو الذي يستطيع أن يقدم الحزن بأقل الأضرارـ فلا يرهق القارئ بالحزن، لكنه في ذات الوقت يُوصل الفكرة التي يريد تقديمها، هناك شاعر عراقي "منصور الريكان" له لغة خاصة في تقديم الحزن الذي يقدمه، ويمكننا أن نطلق عليه "الحزن الناعم"، والشاعر "مازن دويكات" يقدم قصيدة مهداة إلى محمود درويش، تحمل بين ثناياها الحزن، فكيف قدم الشاعر هذا الحزن؟:
"إلى أين تذهب هذا المساء
وضوء سلالتك امتد فينا
وأطلقنا في مثلثه مثلما نشتهي
ونحب ولا ننتهي"
صيغة النداء غالبا ما تستوقف المتلقي، ولافت أن المنادى قريب وليس بعيد، لهذا استخدم الشاعر صيغة السؤال "إلى أين" وتأكيدا على قرب المنادى جاءت الألفاظ بيضاء: "وضوء، سلالتك، أمتد، وأطلقنا، نشتهي، نحب" فلو كان هناك توتُّر لتحدث الشاعر بألفاظ قاسية وبصوت عال، لكنه يتحدث بروية وهدوء رغم الألم. يستوقفنا تعبير "امتد فينا" كدلالة على حضور الغائب/درويش، الذي سينميه الشاعر في البيت التالي:
"آن للماء أن يتجدول بين أصابعنا
قم إذن يا فتى
لم نصل بعد مسقط أرواحنا
صوتك المتناسل دربني أن أكون
كما زهرة اللوز فوق الغصون
وأن لا أخون"
أيضا نجد ألفاظ: "يتجدول، المتناسل" التي تشير إلى استمرارية حضور الغائب/درويش، وجمالية الأبيات السابقة تكمن في حركة الماء "يتجدول" وإذا أخذنا رمزية الماء/الحياة وصفة الطهارة التي يحملها، وحالة الانتقال من حالة دنيا إلى حالة عليا بعد استخدامه، والتي جعلت الشاعر يقول "وأن لا أخون" فبدون الماء ما كان ليستمر الشاعر في الدرب الصعب، ويكون "كالقابض على الجمر" فالماء الذي تجدول أبقى "مازن دويكات" صامدا جلدا أمام الصعاب. يمكننا القول أن الشاعر أبدع في تأكيد استمرار حضور درويش وأثره الايجابي فينا وعلينا، وهذا ما نجده في الألفاظ المجردة التي جاءت في الأبيات السابقة: " للماء، يتجدول، أصابعنا، نصل، أرواحنا، صوتك، المتناسل، درّبني ، زهرة، اللوز، الغصون" كل هذا يجلنا نقول أن "مازن دويكات" يقدم حزنه بطريقة لم نألفها عند غيره، فهو يقرن المدلول اللفظي مع المعنى مع التراث الديني.
"إلى أين تذهب، ثمة عمر جديد
على التل ينتظر
وصباح سعيد
على شارع الحب يقطر
وأنت القريب البعيد
وهذا الذي في المدى من ندى..
جدول ماؤه المستحيل
تعلم أن لا يسيل
إذا ما تعمد من سلسبيل لقاحك
إلى أن تذهب قل"
يستمر الشاعر في مواصلة الحديث عن حضور "درويش واستمراريته وأثره الفاعل فينا من خلال: "تعمد من سلسبيل لقاحك" فهنا يستخدم الشاعر أثر/صفة/دور الماء، أليس من يتعمد بالماء يتقبله يسوع؟، أليس من يغتسل يدخل الإسلام ظاهرا نقيا؟، أم يتحول الوحش أنكيدو إلى إنسان بعد أن أغتسل؟، من هنا جاء ذكر حالات/صفات متعلقة بالماء: "يقطر، ندى، جدول، ماؤه، يسيل، سلسبيل"، وأن الشاعر بطريق غير مباشرة يؤكد على استمرارية حياة درويش، أليس الماء أساس الحياة؟، فهذه الألفاظ تأخذنا إلى الحياة، وليس الحياة العادية فحسب، بال الحياة العالية، الرفيعة، التي يسمو فيها الإنسان إلى مراتب الملائكة والقديسين، وهذا تأكد من خلال "عمر جديد، صباح سعيد، جدول ماؤه، تعمد من سلسبيل" هذه المقاطع بمعناها المجرد تشير إلى تنامي الحياة واستمراريتها لتصل إلى حالة الظهارة والكمال، فبدأت بعمر جديد، وختمت ب "تعمد".
إذن التعمد يعد حالة تجديد ايجابي، ليس في المظهر/الشكل فحسب بل في المضمون/الفعل أيضا، فهو يأتي بعد أن يصل الإنسان إلى روحية/فكرية تجعله يحلق إلى العالم الجديد:
"والسماء الأخيرة خلف جناحك
تحاول أن تستمد الثبات فتهوى
فيرفعها ويثبتها في المدار
هبوب رياحك
فراغك مكتمل
والعصافير مدت مناقيرها
وأحتسب جلنار صباحك"
نحن أمام عالم سماوي/فضاء، لكنه منطلق من الأرض، فالتعميد بالماء النازل من السماء جعل القصيدة ترتفع إلى أعلى: "السماء، جناحك، فيرفعها، هبوب، رياحك، العصافير" كل هذه الألفاظ مرتبطة بالسماء وليس بالأرض، وكأن الشاعر يقول أن (صعود درويش) إلى السماء يعد حالة أرفع له وأعلى مكانة من الأرض، وهذا يؤكد على حضوره لكن في مكان أعلى. بعد أن انتقلت/صعدت روح درويش إلى السماء، فلم يعد يكترث الشاعر ليتحدث عن غياب الجسد:
"تعال إذن
وأخرج الآن واترك مواتك يلهو
كما يشتهي في بياض الكفن
ولا فرق بين الغياب
وبين الحضور
إذا لم تكن في الوطن
وأنت واقف في التراب
تسير به في ثباتين
مهما يدور الزمن
وصار البعيد
يصب الندى في مراحك"
إذا ما توقفنا عند هذا المقطع، نجد أن القصيدة أخذت تتجه نحو السواد والقسوة، وكأن الشاعر (استفاق) من (سكرة) الشعر وأخذ يتعاطى مع (الموت) كحقيقة/كواقع فجاءت الألفاظ "موتك، الكفن، ولا، واقف، لم، يدور، البعيد، يصب" من هنا عاد إلى الأرض: "الوطن، التراب، الزمن" ونجد أفعال قسوة والجهد: "أخرج، اترك، واقف، تسير، يدور، يصب" فالألفاظ قاسية رغم وجود القليل من البياض في "يلهو، يشتهي، بياض، الوطن، الندى، مراحك"، فهذا المقطع يعد (ندب) لدرويش الغائب. ولكن هناك وحدة وانسجام في المقطع، فجاء متكامل ومتواصل، والعلاقة بين الألفاظ حاضرة: "أخرج/واترك/الغياب/الحضور/الوطن/التراب/تسير/الزمن/البعيد" كلها متواصلة ومتكاملة فيما بيها، وهذا اعطا المقطع جمالية تخفف من وطأة القسوة فيه، أيضا يأخذنا هذا السواد إلى طقوس الموت (ندب بعل/تموزي) التي مارسها أجدادنا في الماضي، فهو ندب/حزن تاريخي/تراثي.
"أرى الآن زيتونك العذب
يمتد في سرة الأرض
تلتفت دائرة من جذور وتعلو
وهذا العلو أصطفته السماء
وغامت إلى ما يشاء الهطول
وما تشتهي البذور المهملة
مطر ينسج الخصب فوق الحقول
وماذا يقول الذي أثمل العشب
من يتقاسم هذا النمو، دموع الغمامة
أم دمنا!"
يستعيد الشاعر عافيته من جديد، متذكرا "البعل/تموزي" من الموت، فجاءت الطبيعة الخصبة من خلال: "زيتونك العذب، سرة الأرض، جذور تعلو، أصطفته السماء، يشاء الهطول، تشتهي البذور، مطر ينسج الخصب فوق الحقول، أثمل العشب، هذا النمو" فالطبيعة أحد المهدئات/المسكنات التي يلجأ إليها الشاعر وقت الضيق، كحال المرأة والكتابة، فهنا يرسم لنا الشاعر بداية الربيع وعودة البعل/الحياة إلى الأرض، فجاءت البياض والخضرة لتزيل السواد والقسوة الذي حل، وجمالية هذا المقطع تكمن في أنه جاء متربط بحالة التواصل والتكامل التي جاءت في بداية القصيدة: "سلالتك، المتناسل، يتجدول" من خلال: "يمتد في سرة الأرض، جذور تعلو، مطر ينسج، هذا النمو" فالأفعال والمعاني السابقة تشير إلى فعل متواصل ومتكامل، مما يزيل ـ بطريقة غير مباشرة ـ حالة السواد الندب السابقة، فالفرح يزيل الحزن والألم، فعودة "البعل" تنسي غيابه. يتقدم الشاعر من الحاضر الذي بدا بهذا الشكل:
"...
آن لي أن أقول
وأبكي على كتف أمي البتول:
عرفت المنافي جميعا
وما جف بين الحدود لهاثي
وكنت أتيت
هنا ما تسير لي.
لي غزالة كنعان
وحقل صغير من الأقحوان
وأم وبيت...
ولي ما تسير من سندس العشب..."
الواقع البائس ينعكس على القصيدة، فجاءت سوداوية: "أبكي، المنافي، جف، الحدود" وحزينة: "غزالة كنعان، وحقل صغير، وأم وبيت، سندس العشب" فهذه الألفاظ البياض لم تأتي بمعنى البياض، بل جاءت بشكل التحسر على حالة (عادية/طبيعية) من المفترضان تكون متاحة لكل إنسان، لكن الشاعر والشعب الذي ينتمي إليه الشاعر يفتقدها.
ويختم القصيدة بربط الواقع بغياب درويش:
"سلام عليك . وعلى ارضنا
على وردة أرخت فيض نبضك
حين تجدول في نبضنا
وسلام على ابجديتك الطيعة
وجناح الوصايا يرف
وينهمر الحرف
إلى أن تؤثثنا المفردة
...
وعرفنا النهاية واحدة
والبداية ساجدة
ربما ستقوم بنا ربما ستقوم
إذا الموت فر بعيدا
وخلفنا وحدنا
وإذا ما نجى أن نصوبه في الصلاة
على بعضنا
وسلام عليك وهنا ولنا
وسلام على ما تريد الحياة من الموت
أن لا يموت هنا
وإذا ما اراد، على عجل أن يموت بنا
ولنا في بلادي الحياة"
ألفاظ الإيمان المتعلقة بالدين حاضرة وبكثرة: "سلام عليك، الصلاة، الوصايا، ساجدة، ستقوم" علما بأن هناك تكرار ل"سلام" مما يجعل الخاتمة وكأنها صلاة جنائزية على الغائب، واللافت ان الشاعر يستحضر الديانات الثلاث في هذا المقطع، فنجد العهد القديم في "وصايا" والعهد الجديد في "سلام، ستقوم" والقرآن الكريم في "سلام، صلاة ساجدة" وهذا الاستخدام الثلاثي يشير إلى إيمان الشاعر بقدر الموت الذي تكرره أكثر من مرة.
قبل أن نغادر القصيدة نذكر أن الشاعر استحضر العديد من أعمال محمود درويش في هذه القصيدة، من خلال ذكر ألفاظ/عبارات استخدمها أو من عناوين الدواوين، كما هو الحال عندما قال:
كما زهرة اللوز فوق الغصون" فهذا يشير إلى ديوان كزهرة اللوز وأبعد" وعندما استخدم "وأنت القريب البعيد" جاء يتماثل مع ما جاء في الجدارية: "وأنا البعيد" وعندما قال "ومن قش سبع وستين سنبلة" يأخذنا إلى حبوبة سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل"، وعندما قال " ولا فرق بين الغياب" يأخذنا إلى ديوان في حضرة الغياب، وعندما قال: "سلام عليك" يأخذنا ديوان ورد اقل، سلام عليك وأنت تعددين نار الصباح، وهذه الاشارات وغيرها تشير إلى حضور درويش واستمراريته في الحياة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف