الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحالمُ بكأسٍ مُسكرٍ بقلم:إسلام محمد زيدان

تاريخ النشر : 2019-12-10
الحالمُ بكأسٍ مُسكرٍ بقلم:إسلام محمد زيدان
الحالمُ بكأسٍ مُسكرٍ

أجواءُ رمضان تملأُ المكان، البخورُ الطيبُ الذي يعده والدي، ويعملَ على جلبِ عناصره ذكيةُ الرائحة من دكانِ العطارةِ بوسط المدينة، الطعامُ الشهيُّ الذي تَعُدُّه والدتي يومياً، ابتهالات النقشبندي، قرآن ما قبل المغرب بصوتِ الشيخ رفعت، الموسيقى المميزة لخواطر الشيخ الشعراوي، الزينات التي علقها الأولاد
بمداخلِ البيوتِ والشوارعِ، الفانوسُ الخشبيُّ الأخضر العملاق المعلق بشارعنا، نقر عم حُسَينْ المسحراتي على طبلته الصغيرة حين يجوب الحي بأكمله منادياً "اصحى يا نايم صحي النوم.. اصحى بقينا في شهر الصوم.. اصحى يا ايمن يا علاء يا
سارة يا دعاء يا محمد يا كريم يا حودة يا بندق اصحى يا مينا اصحي يا ولاء اصحى يابو شريف رمضان كريم".

لم يذكرني عم حسين أبداً على أنغامِ دقاته، يمرُ ببيتنا دون أن ينادي على أحدٍ من إخوتي أو يذكر اسمي، ألوالدي دخل في ذلك؟ فدائماً ما يأتي عم حسين في ثاني أيام العيد مصطحباً ابنته طويلةُ الساقين بعرجهما الواضح، ونحول جسدها، وجحوظ عينيها السوداوين؛ ليأخذا ما يجودَ به الكرماءُ من نفحاتِ الشهر الكريم
وعطياتِ العيد... يوماً ما اعطاه والدي مبلغاً ضئيلاً وابتسمَ في حرجٍ وربتَ على رأسِ الصغيرةِ طويلةَ الساقينِ وأغلق الباب.. ومن يومها لم نسمع اسمائنا وكأن حسيناً قد أزال بيتنا من خارطة المدينة.

لم أُبالِ كثيراً، ما يُهِمُني كوبَ الكركديه المثلج بالمسجد الكبير، فبرغم السكري الذي أصابني صغيراً وبرغم أنني ممنوعٌ عن كل الأطعمة أو المشروبات المحتوية على السكر الا بحسابٍ شديد ومراجعة الدكتور إيهاب طبيبُ الاسرة، إلا وإنني لا أستطيع أن أفوّتَ على نفسي متعة تذوق كوب الكركدية المثلج الجميل
المنعش الذي يمر به الشيخ صبري خادم المسجد بين المصلين خلال جلسة الاستراحة بصلاةِ القيامِ؛ التي يعطي فيها إمامُ المسجدِ درسه الذي لا يزيدُ عن ربعِ الساعة.. خمسةُ عشرَ دقيقةٍ من المغامرةِ، يُطربُ لها قلبي وتزدادُ دقاته، ويجري العرقُ الباردُ على وجهي كلما اقتربَ عم صبري من الصفِ الذي اجلسُ به.

احياناً لا يتصادف أن يقدمَ الكركدية واحياناً يقوم بتقديمه.. تُحَضِّرَ
والدتي الكركديه مغلياً مُحلىً بعسلِ النحلِ، منقوعٌ به قطعاً من التمرِ الهنديِ ذو المذاق المميز اللاذع المحبب، ولكن يتفوق عليها عم صبري، هناك خطوةٌ غيرُ معروفةٍ تجعل لذلك الكوبِ لذةً ومغامرةً اُخاطرُ من اجلها، يتوقف الزمن بالشيخ صبري وهو يَمدُ يده إلى المصلين حاملاً الأكوابَ البلاستيكية الملآنة بالسائل المحبب إلى النفسِ.. النفسُ تهفو إلى ذلك الكوب بشدة، ادعو
الله ألا يتذكرني ويُقدمُ مشروبه السحري اليَّ، ولكنه دائماً ما يتذكر عماراً وأبيه الغاضب الذي أنبه مراراً لمرض ولده بالسكري الذي لا يجب أن يتناول معه أي نوع من السكريات.. ولكنني ما عدت صغيراً، لقد بلغت من الكبر خمس عشرة ربيعاً واستطيع أن ادبر اموري واتخذ قراراتي..

يومٌ ما سأستطيعُ أن أفعلَ ما يحلو لي وأشربَ ما يحلو لي وأتصرفَ كما يحلو لي، هكذا دعوت بخمسِ ليالِ قدرٍ قَضيتَهُنْ من يومِ معرفتي بمرضي المزمنِ، أتضرعُ وأبتهلُ أن يرزقني اللّٰهُ بتلك النشوةِ والخدرِ اللذيذ، والكوب يَسْري في جوفي ويُسَري عني.. فتمرُ الأيامُ والرمضانات ويبتعدَ الشيخ صبري رافضاً
اعطائي ما أبغِ. وقد شارفَ رمضانُ السادسِ على الإنقضاءِ، دعوتُ كثيراً تلك الليلة.. لست طامعاً ولست راغباً في هلاكي ولكنها المغامرة بطعمِ كوبٍ واحد، استطيعُ أن أشرب ذلك الكوب بأي مقهى كأصدقاءِ أخي الأكبر أو بأي مَحلٍ للمشروباتِ والعصائرِ كأمي حين يبلغُ منها الظمأُ ساعة القيظ في نهار أغسطس مبلغاً عظيماً.. ولكن كركديه عم صبري مختلف جداً وناعم وشهي.

لم أعلم أن دعوتي استجيبت؛ حين توعكَ والدي ولزمَ الفِراشَ بتلك الليلةِ فنزلت المسجدَ منفرداً لأصلي القيام، وأن الشيخ صبري يَحضرُ جنازةً في بلدته ذلك اليوم، ولن يأتي إلا بفجرِ اليومِ التالي، أن وَلدَه الصغيرِ عبدُ الرَحمنِ هو مَنْ يقوم على خدمة المسجد هذه الليلة.. لم أُفكرَ إلا وأنا أربت على كتفِ عَبدُ الرَحمنِ الصغيرةِ، المهندمُ جِلبابَه يشبه ذلك الذي يرتديه الشيخ سالم إمام المسجد، تَفوحُ رائحةَ الطيبِ منه.. لم أفكر في ابتسامتي الشَاكرةُ صَنيعه حين ناولني كوباً ثالثاً عَقبِ انتهاء الصلاةِ.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف