الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مواكب جبران خليل جبران بين الواقع والنموذج المنشود بقلم:د. أحمد جبر

تاريخ النشر : 2019-12-09
مواكب جبران خليل جبران بين الواقع والنموذج المنشود

د. أحمد جبر

تلك هي حكاية المواكب البشرية، تترجمها مواكب الشعر الذي فاض على لسان ملك الحس والمشاعر جبران خليل جبران، في تتال مستمر متواصل ومتصل جراء النفس الشعري الذي سيطر على الشاعر عند نظمه لهذه لقصيدته المعنونة بـ ( المواكب )، وهي قصيدة حظيت بعدد لا بأس به من الدراسات، إضافة إلى اجتزاء مقاطع منها صدحت بها سيدة الغناء وملكة الصوت المميز فيروز في أغنيتها:( أعطني الناي وغني فالغنى سر الوجود ).

نعم فقد أجاد جبران في غنائيته الغناء للوجود والعيش الإنساني الحر الكريم القائم على الفطرة والبساطة والقيم والمثل الإنسانية التي تحقق للجميع عيشا حرا كريما سعيدا وقد جاءت قصيدته بين البحر البسيط والرمل وهما غنائيان لكل  منهما تفعيلاته ، وله نغماته ونبراته ، وإيقاعاته وإيحاءاته الخاصة به، ناهيك عن تنوع القوافي الذي منح الشاعر نفسا أطول، وقد بلغت القصيدة مائتين وثلاثين بيتا.

 ويتحدث جبران خليل جبران عن رائعته هذه بقوله :( أما المواكب فحلم رايته في الغابة ولما رمت إبرازه وجدتني كحفار يحاول صنع تمثال في ضباب البحر وماذا يفعل الشاعر بأحلامه وليس لديه بينها سوى الألفاظ والأوزان وهي سلاسل وقيود )، وهو بذلك يرى في الالتزام بالألفاظ والقوافي والأوزان قيودا تحد من انطلاقة الشاعر، لذلك يلجأ جبران إلى التنويع في البحر العروضي إضافة إلى التنويع في القوافي وهذا ما ساعده على تفريغ شحنته بشكل كامل.

والمواكب بالنسبة إليه حلم رآه في الغابة بسكينتها وبجمالها وبساطتها، لكن الشاعر يقر بأن ما أقدم عليه كان شبيها بحفّار يحاول صنع تمثال في ضباب البحر وكأنه يشير إلى يأسه وكبر همه ، وكيف لا وهمه قد تجسد في المواكب البشرية والمقارنة بين حياتها وحياة الغابة ما يستدعي في الذهن لامية الشنفرى عندما اختار الصحراء ووحوشها أهلا له ومجتمعا يقر بأفضليته على المجتمع البشري.

المواكب بين الإثبات والنفي

يبدأ جبران قصيدته بإثبات الواقع الذي تعيشه المواكب البشرية، ويقدم تشخيصا شاملا له، فهو واقع مؤلم قائم على الشر، مصطَنع الخير، وبهذا يلخص الشاعر حياة البشر وواقعهم التعيس الذي يعيشونه ويتخاصمون من اجله، وهم كالقطعان يسيرها ويوجهها صوت الراعي في إشارة منه للحاكم الذي يكون مصير عاصيه الاندثار، لقد اختزل الشاعر موقفه من الواقع في المقطع حيث كثافة المعاني والدلالات التي تشير إليها الألفاظ بشكل شمولي يمهد إلى التفصيل في ما بعد عبر ثنايا المقاطع اللاحقة، كما يعلن فيه نقمته وثورته عليه، فهو عالم شر وتصنّع كل من فيه قطعان مسيّرة، يقول :

الخير في الناس مصنوعٌ إذا جُبروا والشرُّ في الناس لا يفنى وإِن قبروا

وأكثر الناس آلاتٌ تحركها                أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ

فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ                    ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ

فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها      صوت الرعاة ومن لم يمشِ يندثر

وبانتهاء المقطع الأول ينتهي توصيف الشاعر لفعال البشر وحكامهم، وما يتصفون به من شر لا يتوقف ولا ينتهي حتى بموتهم، فهم يقبرون وهو باق على قيد الحياة، ثم يتبع الشاعر المقطع الأول بالثاني الذي تصدره النفي في معظم مقطوعات القصيدة، وهو بهذا المقطع الثاني يرد على المقطع الأول، وكأنه في حداء متبادل، وقد استخدم أداة النفي ( ليس) ، مبرزا حال الحياة في الغابة التي تخلو من الرعاة والحكام وليس من فيها قطيعا من الماشية أو الحيوانات بل لهم مكانتهم وقيمتهم بعكس من كانوا في المواكب البشرية وكأنهم العبيد الذين لا يحركون ساكنا إلا بالأمر ويختم المقطع بم يشبه اللازمة الإيقاعية التي تتردد وتتكرر في نهايته ما يشير إلى أهمية الغناء للعقول فهو غذاؤها ومتعتها وهو أبقى من المجيد ومن الذليل حيث يقول:

ليس في الغابات راعٍ .......... لا ولا فيها القطيعْ

فالشتا يمشي ولكن ........... لا يُجاريهِ الربيعْ

خُلقَ الناس عبيداً ........... للذي يأْبى الخضوعْ

فإذا ما هبَّ يوماً ........... سائراً سار الجميعْ

أعطني النايَ وغنِّ ........... فالغنا يرعى العقولْ

وأنينُ الناي أبقى .......... من مجيدٍ و ذليلْ

إن الغابات خالية من الأحزان والهموم، وضيق النفس فالنسيم إن هب لا تخالطه سموم المدنية والتجمعات المتناحرة، ويختم بطلب الناي والغناء لأن في الناي والغناء ما يمحو المحن، ويبعد الهم والحزن عن النفس، وقد كُتب له البقاء بعد فناء الزمان، وعلى الرغم من وصفه لصوت الناي بالأنين يبقى التناغم قائما بين تفعيلات بحر الرمل وهذا الصوت الذي يصدره الناي، يقول:

ليس في الغابات حزنٌ ......... لا و لا فيها الهمومْ

فإذا ... هبّ ... نسيمٌ......... لم تجىءْ معه السمومْ

ليس حزن النفس إلا ......... ظلُّ وهمٍ لا يدومْ

وغيوم النفس تبدو ........... من ثناياها النجومْ

أعطني الناي وغنِّ ........... فالغنا يمحو المحنْ

وأنين الناي يبقى ............. بعد أن يفنى الزمنْ

كما يأتي جبران في مقطع من مقاطع قصيدته على ذكر الدين ويخص أهله الداعين له، ورجالاته التي تسخره من اجل خدمة مصالحها ولا عجب في ذلك فقد وقع الشرق والغرب في حقب زمنية ماضية ضحية لرجالات دين وظفوه لمصالحهم الخاصة، وقد اظهر البعض منهم مواقف متطرفة حيال المسلمين وغير المسلمين والمسيحيين وغيرهم كذلك، مصورا ما يقوم به الناس من عبادات بالتجارة فلولا الثواب لكفروا، ويظهر الشاعر موقفه من ذلك كله نافيا قيام الدين أو تطبيق شرائعه بعد محمد صلى الله عليه وسلم والمسيح عليه السلام، يقول:

      و الدين في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ      غيرُ الأولى لهمُ في زرعهِ وطرُ

من آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ           و من جهول يخافُ النارَ تستعرُ

فالقومُ لولا عقاب البعثِ ما عبدوا      رباًّ و لولا الثوابُ المرتجى كفروا

كأنما الدينُ ضربٌ من متاجرهمْ       إِن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا

ليس في الغابات دينٌ ......... لا و لا الكفر القبيحْ

فإذا... البلبل ... غنى .......... لم يقلْ هذا الصحيحْ

إنَّ...دين الناس يأْتي .......... مثل ظلٍّ و يروحْ

لم يقم في الأرض دينٌ ...........بعد طه و المسيح

أعطني الناي و غنِّ ............ فالغنا خيرُ الصلاة

وأنينُ الناي يبقى .............. بعد أن تفنى الحياةْ
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف