الأخبار
بايدن ونتنياهو يجريان أول اتصال هاتفي منذ أكثر من شهرإعلام إسرائيلي: خلافات بين الحكومة والجيش حول صلاحيات وفد التفاوضالاحتلال يفرج عن الصحفي إسماعيل الغول بعد ساعات من اعتقاله داخل مستشفى الشفاءالاحتلال يغتال مدير عمليات الشرطة بغزة خلال اقتحام مستشفى الشفاءاشتية: لا نقبل أي وجود أجنبي بغزة.. ونحذر من مخاطر الممر المائيالقسام: نخوض اشتباكات ضارية بمحيط مستشفى الشفاءالإعلامي الحكومي يدين الانتهاكات الصارخة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الطواقم الصحفيةمسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي"إسرائيل حولت غزة لمقبرة مفتوحة"تقرير أممي يتوقع تفشي مجاعة في غزةحماس: حرب الإبادة الجماعية بغزة لن تصنع لنتنياهو وجيشه النازي صورة انتصارفلاديمير بوتين رئيساً لروسيا لدورة رئاسية جديدةما مصير النازحين الذين حاصرهم الاحتلال بمدرستين قرب مستشفى الشفاء؟جيش الاحتلال يعلن عن مقتل جندي في اشتباكات مسلحة بمحيط مستشفى الشفاءتناول الشاي في رمضان.. فوائد ومضار وفئات ممنوعة من تناولهالصحة: الاحتلال ارتكب 8 مجازر راح ضحيتها 81 شهيداً
2024/3/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الانتفاضة الشعبية الاولى، دروس متجددة؟! بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد

تاريخ النشر : 2019-12-09
الانتفاضة الشعبية الاولى، دروس متجددة؟! بقلم:د. رياض عبدالكريم عواد
الانتفاضة الشعبية الاولى، دروس متجددة؟!

د. رياض عبدالكريم عواد

لا يهدف هذا المقال مناقشة أحداث الانتفاضة وأسباب ودوافع انطلاقتها في الثامن من ديسمبر 1987، لأسباب مباشرة الكل يعرفها، وفي ظروف سياسية تمثلت بصمود بيروت، وتشتت قوات الثورة ومؤسساتها وتوزيعها على المنافي العربية، وفقا لشروط وعقد ايجار لمقرات المنظمة، تنتهي بعد 10 سنوات من تاريخ بدايتها. أن هذا التاريخ يمكن أن يؤرخ لنهاية مرحلة الكفاح المسلح من الخارج، وهزيمة هذا الخيار بعد أن أصبح مستحيلا واستنفذ أهدافه، وفي نفس المعني أن الأرض المحتلة أصبحت مركزا للنضال الوطني.

ان الأوضاع داخل الأرض المحتلة تميزت بتنامي العمل الجماهيري، خاصة بين الطلاب والعمال والمرأة وفئات المجتمع المهنية الأخرى، حيث كانت تتنافس فصائل م ت ف في تشكيل الأطر الجماهيرية التي قادت النضال السياسي والشعبي في هذه المرحلة. كما تميزت هذه المرحلة بظهور تيار سياسي ديني وطني، تصدى للاحتلال والمستوطنين في عمليات عسكرية نوعية، غلب عليها الطابع الفردي واستخدام السكاكين، مما ألهب الروح المعنوية لجماهير الأرض المحتلة.

أن الأوضاع الاقتصادية داخل الأرض المحتلة، في هذه المرحلة كانت جيدة، بل جيدة جدا، فحركة العمال والبضائع والمعبر والعلاج والسياحة والكهرباء، من وإلى إسرائيل كانت نشطة وسهلة، تدر على القطاع ملايين الشواكل، وتوفر حياة جيدة للمواطنين، ورغم كل ذلك اندلعت هذه الانتفاضة الشعبية.

من هنا نستطيع أن نسجل الدرس الأول، الذي يقول بوضوح، أن أسباب اندلاع هذه الانتفاضة هي أسباب سياسية وطنية بامتياز، تنبع من توق الشعب الفلسطيني للحرية والاستقلال.

ان هذه البديهية يجب الا تغيب عن تفكيرنا دائما وباستمرار. ان القضية الفلسطينية هي قضية وطنية سياسية بامتياز، أسبابها تنبع من داخلها intrinsic factors، ومن تناقضها مع عدوها الاحلالي الاستيطاني، ومن حاجة الشعب الماسة إلى حلول تلبي تطلعاته وروحه الوطنية. ان أي حلول أو مقاربات تحاول أن تتعاطى مع القضية الفلسطينية من أبواب إنسانية ومعيشية واقتصادية، ستفشل بالتأكيد امام الحاجة الماسة للفلسطينيين لحل وطني سياسي لقضيتهم، لا يقفز فوق ثوابت الفلسطينيين المحددة والمعروفة.

لقد طالت انتفاضة الحجارة لسنوات وسنوات، استخدمت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي العنف المفرط تجاه المدنيين، من تكسير عظام أيدي الشباب وارجلهم، وفقا لقرار رابين، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، وصولا إلى استخدام مختلف الأعيرة النارية ضد المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط حوالي 1300 شهيدا وآلاف أخرى من الجرحى على مدى سنين الانتفاضة الطويلة.

أن هذا العنف المفرط دفع كثير من الفصائل الفلسطينية ونشطائها للمطالبة بضرورة عسكرة الانتفاضة، كردة فعل ومحاولة للانتقام من قوات العدو. ان كل من رفع هذا الشعار، غير الواقعي والمستعجل والذي يتعامل مع الامور بروح ثأرية بعيدا عن السياسة، يعرف جيدا استحالة تطبيق هذا الشعار لأسباب كثيرة لا داعي لذكرها الان.

أن قصر النفس والشعور بالاحباط من سقوط الشهداء والجرحى، دون ردود موجعة ضد العدو، إضافة إلى الاعتقالات الواسعة بين نشطاء الانتفاضة، دفع الفصائل إلى تشكيل ما سمي بالقوات الضاربة، وهي اجنحة شبه عسكرية، تتسلح بالسكاكين والتقاصير وقليل من المسدسات.

نشطت هذه الأجنحة الضاربة في اتجاه فرض الإضرابات الأسبوعية وفي المناسبات التي تقرها القيادة الوطنية الموحدة، كما تصدت للعمال وحاولت تمزيق البطاقات الممغنطة التي لديهم ومنعهم من العمل في إسرائيل، وكذلك واجهت التجار وحاولت أن تمنعهم من استيراد البضائع من اسرائيل، التي يتوفر لها بديل محلي.

ان المجال الأساسي الذي نشطت فيه هذه القوى الضاربة هو ملاحقة العملاء والمتعاونين مع إسرائيل، حيث استنفذت هذه المهمة جل جهودهم، وطغت على مختلف أنشطة الانتفاضة الجماهيرية الآخرى. لقد تعاملت هذه المجموعات الضاربة مع موضوعة العملاء، خاصة في المراحل الاخيرة، بعشوائية أقرب إلى الروح الانتقامية والتنافس بين الفصائل، بعيدا عن الحق والقانون وروح التعاون وتبادل المعلومات والخبرات اللازمة. لقد سقط بعض من الناس ضحايا لهذه السياسة العشوائية اللاواقعية، التي كان يوجهها ويقودها ابو جربانة، كما أن معظم من اعتقل من هذه المجموعات الضاربة وحكم بأحكام عالية، كان بسبب ملاحقة العملاء أو التخطيط والاشتراك في تصفية بعضهم.

أن ملاحقة العملاء والاعتقالات الواسعة بين نشطاء الانتفاضة أفرزت ظاهرة المطاردين في مراحل الانتفاضة النهائية، ورغم ما في هذه الظاهرة من تحدي للعدو وإرادته وقوته وجبروته، الا أن نوعية عددا من المطاردين وضعف وعيهم، ومستوى تعليمهم المتدنى والتزامهم الوطني، قد انعكس على نوعية نشاطاتهم وتدخلاتهم في شؤون الناس والعائلات، ومحاولاتهم حل المشاكل الاجتماعية التي تفاقمت لأسباب عديدة، الاحتلال وعملائه ليس ببعيدين عنها.

من هنا نستطيع أن نستخلص الدرس الثاني من هذه الانتفاضة العظيمة. أن النضال الشعبي هو نضال شاق وطويل لا تحكمه ردات الأفعال، ولا توجهه روح الانتقام من العدو، لأن قوتنا وامكانياتنا، على مختلف الصعد، لا يمكن مقارنتها مع قوة العدو وإمكانياته. اننا نعتمد في نضالنا على قوة عدالة قضيتنا، ومدى صمودنا واستمراريتنا بالمواجهة الطويلة، دون التسرع بالمطالبة السن بالسن والعين بالعين، أو محاولات الحصاد قبل الأوان.

أن المطالبة بعسكرة الانتفاضة كان مطلبا غير واقعيا وغير ممكنا، وهو خطأ دفع الفصائل إلى حرف الجهود، من النضال الشعبي الجماهيري إلى استخدام المجموعات والنخب التي أطلقت عليها تسميات كثيرة، ووجهت جل عملها إلى داخل المجتمع، مما أثقل على كاهل الناس، ونفرهم من هذه الممارسات، وأدى الى تآكل الحاضنة الشعبية، وقود الانتفاضة الأساسي. كذلك أدى هذا الى الانفضاض من حول الفصائل ومجموعاتها، وصولا إلى رفض ممارساتها، والمطالبة بوقف هذه الانتفاضة، التي أصبحت تأكل أبناء المجتمع وأبنائها، وتغرس سكاكينها في لحم المجتمع الحي، مما أفسد التعليم، وخَرج فئات جاهلة، مازال المجتمع يعاني من أثارها.

أن الدرس الثالث والأخير، وهو الدرس الاهم، يتركز على عدم مقدرة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها الوطنية من فرض القيادة الوطنية الموحدة وقراراتها وبرامجها، التي شكلتها في الايام الأولى لاندلاع هذه الانتفاضة، على كل النشاطات والنشطاء، وسمحت تحت الضغط والقوة من بروز قيادتين تنافس القيادة الوطنية الموحدة، وتتناقض مع برامجها.

لقد تشكلت حماس بعد أشهر من اندلاع الانتفاضة، واستمرت في سياستها التي كانت تنتهجها زمن المجمع الإسلامي، من رفض التعاون مع القوى الوطنية ومحاولة السيطرة بالعنف والقوة على المؤسسات والمساحد والجامعات، ومواجهة القوى الوطنية والقوى الإسلامية الوطنية، المتمثلة بحركة الجهاد الاسلامي، بقوة الجنزير والساطورة ومية النار، اضافة الى التشويه والتكفير، ونعت الخصوم بأبشع الصفات والتهم، من العلمانية الكافرة إلى الشيعية الماجوسية، لتفرض نفسها على الشارع وعلى مختلف القوى السياسة، وهذا ما كان. لقد استطاعت حركة حماس أن تفرض نفسها وتصبح جهة أساسية يحسب لها حساب في الشارع الفلسطيني. لقد استمر هذا النهج وهذه الممارسة التي أسست الى انشقاق المجتمع والسلطة فيما بعد؟!.

ان هذا يبين بوضوح، أن السلبيات التي واكبت الانتفاضة الأولى، كانت في معظمها ذات طابع أمني أو اجتماعي، ولم تطال البنيان السياسي الفلسطيني داخل الارض المحتلة أو يتأثر بها- ذلك البنيان- الا حين دخل الإسلام السياسي في معترك هذه الانتفاضة .. محاولا ركوبها والاستئثار بها .. ورافعا شعارات من باب .. "الإسلام هو الحل" .. فحدث حينها الشرخ والتصدع في ذلك البنيان، والذي كان متماسكا بشكل أو بأخر ..

بالرغم من مقدرة حماس على فرض وجودها بالقوة داخل الأرض المحتلة، الا انها لم تستطع أن تمد هيمنتها ووجودها إلى الخارج، بسبب قوة م ت ف وفصائلها، وحداثة الحركة وعدم ملائمة الظروف الإقليمية والدولية، التي كانت مازالت لا تبحث عن بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا هو الأهم.

انه درس هام، يجب أن نتعلمه ولو مؤخرا، ان ازدواجية القوة والسلطة والقرار، هي عوامل مدمرة للقضية الوطنية، يجب عدم قبولها والعمل على انهائها، لانها تمثل عامل التفجير الداخلى الرئيسي، وهي الوسيلة التي يركبها كل من يريد أن يتدخل في الشأن الفلسطيني، ويفتح دكانا جديدا وفقا لمصالحة، أو يحاول أن يستثمر معاناة الناس الإنسانية لفرض حلوله السياسية غير الوطنية.

لن تتقدم القضية الوطنية ولن تحل مشكلة غزة دون استيعاب هذا الدرس الهام.

أن دروس الانتفاضة الشعبية كثيرة، ولكن يأتي على رأسها مقدرة القيادة الفلسطينية على استثمار هذه الانتفاضة، باتجاه حل سياسي يلبي الطموح الوطني الى حد ما، وفقا لبرنامج م ت ف. من هنا كانت أوسلو، اهم نتيجة موضوعية لهذه الانتفاضة، تعبر عن الواقع السياسي وموازين القوى السائدة، بعيدا عن تراجع اليمين الإسرائيلي ومعاداته وانقلابه على هذه الاتفاقية، وعن الفشل الفلسطيني المؤسساتي والشعبي في الاستفادة من هذه الاتفاقية/الفرصة التاريخية.

ان الانتفاضة الشعبية أشارت بوضوح أن طريق المقاومة الشعبية الطويلة والشاقة، هي الطريق الأكثر ملائمة للنضال الفلسطيني. أن هذا يتطلب من الفصائل الفلسطينية أن تتهيأ من جديد للانخراط في هذه المقاومة الشعبية السلمية التي تحتاج إلى أحزاب مدنية، تتحلى بروح الصمود والعطاء وطول النفس، بعيدا عن الخطابية والشعارتية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف