الأخبار
بايدن ونتنياهو يجريان أول اتصال هاتفي منذ أكثر من شهرإعلام إسرائيلي: خلافات بين الحكومة والجيش حول صلاحيات وفد التفاوضالاحتلال يفرج عن الصحفي إسماعيل الغول بعد ساعات من اعتقاله داخل مستشفى الشفاءالاحتلال يغتال مدير عمليات الشرطة بغزة خلال اقتحام مستشفى الشفاءاشتية: لا نقبل أي وجود أجنبي بغزة.. ونحذر من مخاطر الممر المائيالقسام: نخوض اشتباكات ضارية بمحيط مستشفى الشفاءالإعلامي الحكومي يدين الانتهاكات الصارخة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الطواقم الصحفيةمسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي"إسرائيل حولت غزة لمقبرة مفتوحة"تقرير أممي يتوقع تفشي مجاعة في غزةحماس: حرب الإبادة الجماعية بغزة لن تصنع لنتنياهو وجيشه النازي صورة انتصارفلاديمير بوتين رئيساً لروسيا لدورة رئاسية جديدةما مصير النازحين الذين حاصرهم الاحتلال بمدرستين قرب مستشفى الشفاء؟جيش الاحتلال يعلن عن مقتل جندي في اشتباكات مسلحة بمحيط مستشفى الشفاءتناول الشاي في رمضان.. فوائد ومضار وفئات ممنوعة من تناولهالصحة: الاحتلال ارتكب 8 مجازر راح ضحيتها 81 شهيداً
2024/3/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ذاكرة ضيقة على الفرح 23

تاريخ النشر : 2019-12-09
ذاكرة ضيقة على الفرح 23
سليم النفار 


الشارع الذي يقسم المدينة الى قسمين ، كان يُسمى قديماً " بغداد " ولكن بعد الحركة التصحيحية التي شهدتها سويا في الثامن من آذار من العام 1963 ، سُميَ الشارع باسم الثامن من آذار ، ولكن كان البعض من سكان المدينة يحلو لهم تسميته بشارع العشاق .

هناك في شارع بغداد العريض ، الذي يقسم اللاذقية الى شطرين : اللاذقية الفوقا اذا جازت تسميتي ، حيث الأسواق والمحال المختلفة والأحياء السكنية ، واللاذقية التحتا حيث الأحياء السكنية الأرستقراطية ، والمقاهي العصرية ودور السينما ، بخلاف أنها الشرفة المُطلة على البحر ، حيث المرفأ البحري ومتنزه البطرني والمطاعم الفاخرة ، على كتف ذلك الشارع كان يربض مقهى الأوديسا الثقافي ، الذي كان دائماً عامراً بلقاء المثقفين ، يستمعون الى بعضهم البعض ويتحاورون فيما يستجد من أمورهم ، هناك على ناصية الشارع الذي يضجُّ بالحياة ، وكأن عوليس الأوديسا يواصل رحلة البحث عن الوطن والحبيبة ، غير أن رواد الأوديسا في اللاذقية كانوا يواصلون رحلة البحث ، عن الوطن داخل الوطن ، عن معنى الحرية في أوطانٍ تأكلُ شمس أبنائها !

 هناك تعرفتُ على شعراء كبار كانوا يأتون من دمشق وحمص وحلب ، في مهرجان نيسان للأدباء المكرسين و الذي كان يُعقد سنوياً من قِبل اتحاد الكتاب العرب ، وذلك بعد مهرجان آذار الخاص بالأدباء الشباب : خالد أبو خالد ويوسف طافش وعلي الجندي و علي كنعان و ممدوح عدوان ، وحسن حميد وعصام ترشحاني وآخرون ، يرسمون بالكلام سلالم الحلم ، الى الغد المُشتهى .

بعضٌ من هؤلاء كانت لقاءاتنا فيهم موسمية ، لا أعرف اذا ما زالوا يتذكروننا ، غير أن البعض الآخر توطدت فيما بيننا وبينهم علاقات صداقة ، ومازلنا نتواصل على ذات الأمل الذي نحاول ، ضخَّهُ في عروقِ الهواء ، مهما اتسعت دائرة السواد .

ذات يومٍ كنتُ هناك أنا وصديقي : محمد وحيد علي الشاعر الجميل ، صاحب ديوان – فرس في برية الليل – وكنت بصدد حوار معه لصالح صحيفة الاسبوع الادبي ، كما كنت قد اتفقت في هذا الموضوع مع الصديق الاستاذ : حسن حميد .

كان ابن مدينة " حارم " الذي يكبرني بثمانيةِ سنوات ، صاحب تجربة في التثقيف الذاتي ، فهو لم يتحصّل على شهاداتٍ عليا غير البكالوريا .

 كان هادئاً وديعاً ، رقيقاً في جملته القصيرة ، التي تلسعكَ بدون استئذان بإنسانيتها الطافحة ، فهو لا يغضب ، ولكن جملته وتقاطيع وجهه اثناء الحوار معه ، تدلكَ على جمرٍ يتقلبُ في دواخلهِ ، فيحمل القول الهادئ نسائمه اللاسعةَ .


كان حواراً شيقاً حول التجربة الشخصية ، وحول أسئلة الواقع الثقافي المختلفة ، وربما الحداثة وما تثيره من أسئلة ، كانت حاضرةً بقوة في الحوار ، الى جانب الحديث عن القصيدة وأدواته في صوغ لحظتها ، وأرقها وايقاعها ، تلك المقابلة التي أخذت حيزاً واسعاً بعد 

اسبوع من اللقاء ، في صحيفة الأسبوع الأدبي ، خلقت أجواء أعلى من الحميمية بيني وبين الشاعر محمد وحيد ، وكثيراً ما كنا نلتقي في الأوديسا ، أو نتمشى في شارع " ابراهيم  هنانو" في اللاذقية الفوقا ، حيث تأخذنا الخطى الى ساحة " الشيخ ضاهر العمر " فنركن قليلاً في مقهى الحكيم الشعبي ، نحتسي القهوة مُنصتين الى تفاصيل الحياة في ذلك المقهى ، الذي كان رواده من المتقاعدين و كبار السن ، الذين يزجّون وقتهم بلعب الورق أو النرد ، وأثناء لعبهم تسمع أحاديثهم المختلفة وآرائهم في الحياة بكل أشكالها .

ساحة الشيخ ضاهر العمر ، وسط المدينة حيث النوافير ، التي على جوانبها المطاعم الشعبية والمقاهي ، ومواقف السيارات التكسي المُتجهة الى المحافظات ، هناك ضجيج الحياة الجميل الذي يعمل في كل الاتجاهات ، من المقاهي نرقب تلك الصور المختلفة .

وسط ذلك الضجيج كنّا نتحدث في كلّ شيء ما عدا السياسة التي تمس النظام ، لأن الإحساس بالخوف من عواقب الامور ، مرتفع في تلك البلاد ، وتلك الامكنة المفتوحة ، المخيم وحده الذي كان يشكل حاضنة آمنة ، للحوار فيما بيننا وبين الاشقاء السوريين ، حيث السهرات الجميلة في بيوت الاصدقاء ، تلك السهرات التي تجمع القوميين والشيوعيين ، والبعثيين المحترمين الصادقين ، الغيورين على مصلحة الامة .

على الرغم من كل تلك التوجسات ، التي كانت تحيق بنا ، لكنني الان أستذكر ذلك الواقع ، وأنا بعيدٌ عن أي تأثيرات ، فأرى فيه اللوحة الجميلة ، وأنظر بدهشةٍ الى جرأتنا التي كنا نمارسها في التعبير عن رأينا ، في تلك الجلسات الخاصة ، و تلك اللقاءات في المقاهي الثقافية ومقهى الجامعة الكبير ، ذلك الذي كان وسط جامعة تشرين في كلية الآداب ، حيث صخب الحوار في الأدب والفن والحياة . 

سوريا مهما اختلفنا معها ، فإننا لا نختلف على دورها الحيوي ، والفاعل والصادق تجاه القضية الفلسطينيية ، وعلى الرغم من اختلاف النظام هناك مع القيادة الفلسطينيية ، في تلك المرحلة  أعتقد أن القيادة الفلسطينيية في تلك الفترة ، لو قدمت قليلاً من التنازلات لصالح القيادة السورية ، وأحسنت ادارة التحالف معها لكنا بخير أفضل مما نحن اليوم عليه ، ولكن يبدو لي الان بعد ذلك الزمان ، وما نحن الان فيه ، أن شاشة الرؤيا كانت مُعطلة عند البعض ، لصالح رؤيا مختلفة أعتقد أنها أفقدتنا الرؤيا تماماً ، ومن يمتلك غير ذلك فليدلنا .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف