الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أدب الحرب في "ذاكرة الغد" شهادات ورؤى وتجارب بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-12-06
أدب الحرب في "ذاكرة الغد" شهادات ورؤى وتجارب بقلم: رائد الحواري
أدب الحرب في
"ذاكرة الغد"
شهادات ورؤى وتجارب
رغم بقاء فلسطين تحت الاحتلال منذ عام1948 وحتى الآن، ورغم خوض العرب اكثر من حرب، حرب في 1973، والتي كتب عنها "جمال الغيطاني" أكثر من رواية: "الحصار من ثلاثة جهات، الرفاعي"، ورواية "الرصاصة لا تزال في جيبي" "لإحسان عبد القدوس" إلا أن ما كتب من أدب الحروب يبقى محدود نسبيا، فهناك بعض الروايات كتبت عن حرب 1967 مثل "سلاما على الغائبين" للروائي السوري "أديب نحوي" وهناك بعض الروايات التي تحدثت عن الاجتياح الإسرائيلي "الرب لم يسترح في اليوم السابع، آه يا بيروت، للروائي "رشاد أبو شاور" ورواية "نشيد الحياة" لروائي "يحيى يخلف" وإذا أضفنا بعض الروايات التي تحدثت عن الحروب الداخلية/الأهلية مثل رواية "حبيبتي مليشيا" لتوفيق فياض التي تحدثت عن أحداث أيلول الأسود في الأردن، والروايات التي تحدثت عن الحرب الأهلية اللبنانية " مثل "طيور الرغبة" "لمحمد الحجيري"، تبقى رواية الحرب محدودة، وأعتقد أن هذا يعود إلى انشغال الروائي العربي بالقضايا السياسية والاجتماعية التي فرضها النظام الرسمي عليه.
إذن بقى أدب الحرب محدود، إلى أن جاءت الحرب العراقية الإيرانية، وفتحت الأبواب أمام الأديب العربي ليكتب بزخم عن الحرب، إن كان في مجال الشعر أو القصة أو المسرحية أو الرواية، فالأدب العراقي قدم مجموعة كبيرة من الأعمال الحربية، وهذا يعود إلى اهتمام وزارة الثقافية والاعلام العراقية، التي أبدت رعاية واهتمام بأدب الحرب، ورغم حالة (الحصار) التي فرضها النظام الرسمي العربي على الأديب والأدب العراقي، إلا أن بعض الأعمال استطاعت أن تنفذ منه، وتصل إلى القارئ، منها رواية "قلعة عباس كوشيا" للروائي "يوسف يوسف" وبعدها جاء حصار دول الصحراء المتحالفين مع التتار الجدد، ليحرقوا كل ما انتج من أدب عراقي قديما وحديثا.
يشاء القدر أن نجد كتاب "ذاكرة الغد، شهادات ورؤى وتجارب" وهو من منشورات وزارة الثقافية والاعلام العراقية، دار الشؤون الثقافية العامة 1990، ليحدثنا ما يقارب أربعون كاتبا عراقيا وعربيا عن أدب الحرب، والجميل في هذا الكتاب أنه يوضح "علاقة الكاتب بما يكتب. الكاتب بالنص.
الحرب كائن متوحش بالنسبة للكتاب، يقول عنها "محمد حياري": "أيتها التفاصيل النائمة تحت جلودنا منذ سنوات تسع، ماذا سنقول عن محبتنا الموجعة؟ لقد تغير كل شيء فجأة، عندما اندلعت الحرب التي اقتلعتنا من وسط احبتنا غي البيوت الأمنة، وألقت بنا في الغربة متناثرين في السواتر الموحشة والليالي الكالحة"ص58، فالحرب عالم جديد على الإنسان العادي، فما بالنا على الأديب، الذي يمتلك أضعاف مضاعفة من المشاعر والاحاسيس!؟، لهذا كانت الحرب عالم جديد على الأديب، فهو ليس بعالمه ولا بمكانه، وهذا ما أكده الأديب العراقي "جواد الحطاب" عندما قال: "من المؤكد أنكم تتسألون: هل أن هذا الفتى الشاعر، والذي يجلس أمامكم الآن، رقيقا وادعا، وعلى شيء من الأناقة .. قد استطاع أن يصوب بندقيته، ويقتل، بمفهوم المثقفين "قتل"؟ هل كان يملك الجرأة على أن يضغط زناد البندقية لينهي "حياة" حياة بكاملها وبكل متعلقاتها الاجتماعية من أب وأم وربما زوجة وأطفال؟
سؤال مشروع ... مشروع جدا... واجعته في أول صولة لنا على العدو ونحن نحرر أرض "زين القوس" وارتعبت..
كيف يمكن للمثقف .. للشاعر ..للحالم، المجنون بالحياة أن يقتل؟ ولكن ثمة سؤال قبله أرقني "كيف يكون كبرياء المثقف الشاعر، وهو بكامل شبابه وفتوته، يوم تكون أرضه محتلة من عدو!! وحتى لو كان لهذا العدو كل المتعلقات الاجتماعية!؟ كيف يمكن أن بقول لامرأة يحبها: أحبك، دون أن تتقطع أوصال هذه الكلمة من الخجل، وهو يحمل فوق لسانه "لكنه" مستعمر!!.
لأعترف أمامكم: بأنني كنت أكره أشد الكره الوجبات القتالية الفردية.. تلك التي تضطر فيها للقتال وجها لوجه، ليس خوفا من المواجهة، لكن المعارك الكبيرة (رغم من مشروعية قتل عدو) تمنحك تبريرا ..تعطيك فرصة أن تدعي: أنا لذي قد سقط امامك .. وعيناه مزروعتان في عينيك ..لم يكن بسبب بنقديتك...لذلك، بإمكاني أن أقول ـ وبضمير مستريح ـ أن رصاصنا كان طاهرا .. نظيفا ..ولم يقتل أحدا .." ص98، هذا القول يلخص فكرة رواية "الرعب والجرأة" "للكسندر بيك" والتي تتحدث عن فكرة قتل العدو، فإن لم تقتله قتلك، وأن تلكأت أمامه سحقك، والكتاب الروس عالجوا هذا الأمر في أكثر من رواية، منها رواية "الفدائي الصغير" لغينادي نيكراسوف" والتي يطرح فيها بطل الرواية فكرة: أن يكون الخصم/العدو المراد قتله من الشيوعيين الألمان، فيرد عليه الجد: "كلهم فاشيون، فكل من يقف ضد هتلر أعدم أو سجن، أما هؤلاء فكلهم فاشيون "" و"جواد الحطاب" يؤكد على هذا الأمر، فمن يقف في مواجهتك ويدوس أرضك ليس إلا عدو، ولا مكان/صفة أخرى له إلا هذه الكلمة، واجزم لو أن دول طوائف النفط وما جاء على الدبابات الاميركية من العراقيين لو استوعب هذه الفكر أو قرأ ما كتبه الأدباء العراقيون حول فكرة ومفهوم من هو العدو، لما أقدموا على التعامل مع المحتل الامريكي، وحاربوه كعدو محتل، لكنهم لم يقرأوا، وإن قرأوا لم يكونوا وطنيين/قوميين.

فالحرب وأحداثها تفرض نفسها على الكاتب، وعليه أن يقص/يروي/يقصد الأحداث التي يعيشها/سمعها/شاهدها، يقول "علي خيون" عن كتابة أحداث الحرب: "...في آخر ليلة، لي هناك، قررت أن أمكث في ملجأ الطبيب كي أضمد الجرحى، وأن أعود مع (عجلة) مياه الشرب، التي كانت تقطع مسافة طويلة ومقصوفة، قبل أن أصل ملجأ الطبيب، سقطت قذيفة غادرة فالتهمت القطن النظيف والشاش والأدوية، كانت تنتهك بوحشية رموزا للإنسانية ومع سيارة الماء عدت استمع إلى قصص أخرى وأحفظها في جهاز التسجيل الصغير الذي كان معي، وهي قصص صادقة، بسيطة، تحرك الذاكرة مثل أغنية اثيرة إلى النفس، فأخذت بعضها وأخرجته في مجموعة (الحداد لا يليق بالشهداء) الصادر عام 1981" ص66، فالكاتب عاش التجربة، وكتب عنها وعن تجارب الآخرين، فكانت المجموعة القصصية في حقيقتها واقعية، لكن الشكل الذي أخرجت فيه أدبي، وهنا تأكيد على أن الكاتب يكتب تجربة، تجربته، تجارب الأخرين، وليس بالضرورة أن يكون العمل الأدبي من نسيج الخيال، و"علي خيون" يذكر في شهادته مجموعة من الروايات والمجموعات القصصية بمجملها تتحدث عن تجارب مشاهدة أو مسموعة أو عاشها الكاتب.
لهذا/ أدب الحرب له (قدسية) استثنائية، فهو ليس أدب فحسب، بل أحداث واقعية، دفع ثمنها دماء الشهداء والجرحى، يقول "جواد الحطاب" حول مكانة أدب الحرب: "نرجوكم، أن تقرأوا ما كتبناه بعمق، فقد وضعنا بجانب كل حرف منه قطرة دم من أجل أن يبقى العراق، وطنكم، والحرف نبيلا"ص105.

ويحدثنا "حسن مطلق" عن تقنية أدب الحرب فيقول: "... فحظ الخيال أقل، وكلمات العزاء أقل فاعلية وتأثيرا من الفعل، فلا قيمة للعزاء إذا لم يقدم على شكل فعل، أن تعمق معي خندق القتال أفضل من أن تقول لي: أصبر، وكان علي أن أنقل الفعل نفسه في القصة أو الرواية خاليا من كل كلمة مفتعلة، خاليا من كل تطلع آمل" ص86، لكن هذه (الواقعية) لا تكون مجرد تقرير صحفي، بل تأتي/تقدم بصورة جميلة، يحدثنا عن اصابة رفيقه في المعركة: "في أحدى الأمسيات من زمن الحرب، طارت شظية مسننة فنبتت في ظهر خالد وهو يضحك بكل قوة، لكن الابتسامة لم تسقط عن وجهه فجأة، بل انسحبت بتمهل لتحل محلها صورة الألم، وكأنه حقن بالحبر" ص86، لهذا الأدب يبقى أدبا، ويقدم بشكل وبصورة جميلة، والتي بدورها تخفف على المتلقي من قسوة وسواد الأحداث.
وللمكان أيضا حضوره في أدب الحرب، فالمعارك تحدث على الأرض، وفي جغرافيا معروفة، وفي مكان حميم على الأديب، يحثنا "علي خيون" عن علاقته بالمكان: "فليس هناك شيء يفوق المكان في الأهمية بالنسبة للجندي، وبالنسبة للقاص والروائي والمسرحي.. فطول تلك المدة، في لحظات الحاجة إلى الأمن، كنت أحمل في داخلي صورة لبيتي القروي أينما ذهبت، فمعرفة المكان معرفة مباشرة تكفي لإنشاء قصة صادقة" ص87، من هنا نجد الأدب بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص يذكر ويركز على حضور المكان، وللافت للنظر أن التعبير الذي استخدمه "علي خيون" متعلق بالجندي وبالأديب معا، وهذا يشير إلى حالة التوحد والانصهار بين شخصية الكاتب وشخصية الجندي، فهو يعبر عن كونه جندي وكاتب، وهذا يعكس ما قاله السابقون واللاحقون في هذا الشهادات عن الحرب وأثرها على الكاتب/الأديب، فهم يكتبون من داخلها ومن واقعها/واقعهم.
عن أثر الحرب على النص الأدبي يحدثنا "ثامر معيوف" فيقول في شهادته: "...فإلى أية جهة تنظر؟ ...وأين هو المكان الذي سيظل نظيفا من الشظايا حتى انقطاع القصف المعادي؟.
..لا تحتاج والحالة هذه إلى استعمال ملقط في انتقاء الشخصيات والأحداث فأنت تستحي باستمرار من أصدقاء الملجأ الحيويين أكثر من أبطال قصصك.. كنت تطلي ملامحهم وعواطفهم بمساحيق الفن المطلوب توغل في منحنيات الحرفة وتنفض عنهم تراب القتال من أجل قارئ مستريح نظيف يأنف من بعض الغبار الذي تراكم على غلاف مجموعتك الأخيرة أوالأولى.. لا فرق .. انك إذن تفرط بجزء من التجربة من المستحيل ردم نقصه .. بل انك تخون أصدقاء الملجأ والمزغل والأرض الحرام..

...أن الامرأة التي تنجب في زمن الحرب انما تغرس راية على قمة جبل.. لا تذكر أن زوجتي قرأتها عندما وضعتها في روايتي الأولى آنذاك فتحت الرواية وقلت لها: هذا السطر كان برقية لك.." ص93، يبدو للوهلة الأولى أن "ثامر معيوف" من أنصار (الواقعية المجردة)، ومن أنصار البساطة والوضوح والمباشرة، هذا صحيح (مجازا) حيث يركز ويهتم بالأحداث الحربية ويعطيها مساحة من العمل الأدبي، فهو يقدم نص أدبي حربي واقعي، ويهتم بأولئك الذي استشهدوا/جرحوا/قاتوا في المعركة: " ذات مرة رأيت جنديا يطفو على قنبلة غاز في نهر الكارون، لو حذفت مشهد القتال المستعر على الضفة الشرقية فسوف اتهم بسرقة هذه اللقطة من تيار أدبي عالمي مع أنني لم أجدها إلا في تيار نهر اسمه الكارون.
الأدب نتاج انتباهة قوية ومن أجل هذه الحقيقة البسيطة جدا يتعمد كثيرون في نصوصهم أن يقودوا اللغة باتجاه أن تكون سلسة طيعة عالية الانسجام في انسيابيتها فالمهمة انتقلت إلى خط آخر أي ليس بأن نضع ما هو موجود في سياق اللغة وانما أننضع اللغة نفسها في سياق ما هو موجود وما هو عندنا خاصة وأن تجاربنا لم تبدأ بعد أن انتهينا دروس تفكيك وتركيب البندقية وانما بدأت قبل هذا الوقت بكثير.
الآن ما نزال مصرين على مبدأ الأول وهو أن ننقل إلى النص قضية الحياة، وبالذات قضية الحياة كما هي ماثلة عليه في اللحم والحي، عندئذ نعرف ما هو الفرق أو ما هي الخصوصية بين مقاتل عشنا معه في الملجأ ومقاتل بعيد عاش معه هوميروس." ص95، إذا ما توقفنا عند هذا الرأي سيبدو لنا متطرف (تقليدي/رجعي)، لكن إذا ما تقدمنا مما كتبه الأدباء الروس عن الحرب وخاصة ثلاثية "قسطنطين سيمونوف" الأحياء والأموات، رحى الحرب، الصيف الأخير" يمكننا أن نجد حقيقة وأهمية هذا الطرح، فهو متعلق بأحداث الحرب فقط، وليس بأحداث (عادية) لهذا نجد أصرار "ثامر معيوف" على حقيقة العمل الأدبي، فهو يجد فيه توثيق لحدث مهم إنسانيا، فهناك أروح زهقت أو رجال جرحوا أو أسروا، وعندما نقرأ موضوع عادي في عمل أدبي ـ أثناء الحرب والمعارك ـ سيكون هذا المضوع ـ حتى لو قدم بشكل جميل وأنيق ـ في غير مكانه ومحله، فعندما يكون هناك شهداء وجرحى لا يمكن أن يقف الأديب متفرجا وكأنه يعيش في كوكب آخر، فمن يستشهد أو يجرح هم أهله وشعبه، من هنا يمكننا تفهم هذا الطرح واستيعابه ضمن الموضوع والظرف والسياق الذي جاء فيه.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف