الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

شيراز الأديبة في حضرة الأدب بقلم: منجد صالح

تاريخ النشر : 2019-12-05
شيراز الأديبة في حضرة الأدب بقلم: منجد صالح
شيراز الأديبة في حضرة الأدب

قبل عدة أيّام، وصلتني رسالة نصّية، على هاتفي النقّال، من الكاتبة الرقيقة شيراز عنّاب، من مدينة نابلس. يقول نص الرسالة: "مرحبا سعادتك، كيفك، عندي فعالية في طولكرم في جامعة خضوري حبيت أدعوك لها". وأضافت: "يوم السبت 30-11 في جامعة خضوري الساعة 12 ظهرا حوار لكتابي. الدعوة من الست أسمهان عزوني. برعاية محافظ طولكرم. يشرفني حضورك ويسعدني. شيراز عناب". دعوة كريمة من كاتبة رقيقة.

فأجبتها في نفس اليوم برسالة نصّية جوابيّة هذا فحواها: "تحيّاتي لك. مبروك مقدّما. يُشرّفني الحضور. وسابذل جهدي. إن شاء الله سأكون معكم بكل سرور. مع التوفيق ومزيد من التألّق والعطاء. مع الإحترام والمودة".

فأجابت: "أهلا وسهلا فيك أستاذ، وجودك شرف لي". بارك الله فيك.

قبل الموعد بيوم، أي يوم الجمعة 29-11، إلتقيت مع الصديق أبي يزن. حدّثته عن الدعوة وعن نيّتي الذهاب الى طولكرم، فرحّب بالفكرة، ورحّبت أنا برغبته الإنضمام الي في هذه الرحلة الأدبية. أبو يزن بالرغم من براعته في عالم العطارة والصيدلة والكيمياء، إلا أنّه لا يقل براعة في تذوّق الأدب. فهو ناقد "مُرّ" للنصوص الأدبية، يساعده في ذلك الى جانب موهبته، مقدرته وقوّته في إحتضان كنوز اللغة العربية، نحوها مع صرفها وما بينهما.

إنطلقنا يوم السبت صباحا من مدينة رام الله، حوالي الساعة العاشرة أو تزيد، قاصدين "باب الله"، ومتوجّهين الى مدينة طولكرم. متحفّزين للمشاركة في لقاء أدبي ممتع، لكن متخوّفين قليلا من طول الطريق "ووعورتها"، بالمعنى المجازي من إحتمال وجود حواجز محتملة، تُعيقنا عن الوصول الى مبتغانا في التوقيت المُحدّد. ففي بلادنا، من فرط فرحتنا وسعادتنا وجودة حظّنا، دائما نعرف متى نبدأ الرحلة، ولكن لا أحد منّا يضمن حسن سيرها وموعد وصولنا. وخاصة أن أمامنا في الطريق حاجزين "دوليّين": حاجز زعترة وحاجز عنّاب. بالإضافة الى حواجز أخرى "محلّية" و"طيّارة" محتملة، تظهر في أي برهة.

لكن الذي أعطانا مزيدا من الطمأنينة أننا نسافر يوم السبت، يوم "سبوت" أو "سبات" الإسرائيليين والمستوطنين، مما يجعل مستوطنة "يتسهار"، سيّئة السمعة والصيت، التي سنمرّ بمحاذاتها أقل خطورة. من هذه الزاوية بالتحديد ربما يتمنّى الفلسطيني الذي يتمتّرس صامدا في ربوع بلادنا أن تكون كل أيامنا "سبوتا" لأنّها أفضل الأيام وأئمنها للسير على الطرقات!!!

بعد أن تعدّينا مخيم الجلزون وقبل أن نصل بلدة دورا القرع، عرّجنا على النبع الذي ظهر من الحفر في الجبل لبناء فيلا أو عمارة، والذي اصبح مصدرا للماء النقي للشرب يتزوّد منه مئات بل آلاف الناس المارين من أمامه أو القاصدينه بأوانيهم للتزوّد بالماء أسبوعيا. ماء زلال يخرج من بطن الجبل المحفور وكانه يخرج من ثلاجة. يشرب الإنسان منه ماء هنيئا مريئا ويشكر الله على نعمه ويشكر صاحب الأرض الذي قام ببناء بنية تحتية معقولة وتركها للناس سبيلا يتزوّدون بالماء فيطفئون ظمأهم وكثير منهم ينقلون الماء لحاجاتهم البيتية. بارك الله في صاحب الأرض وزاده الله من نعيمه. فالواضح أنّه قد بنى قصرا مُنيفا على بعد عدّة أمتار نزولا.

وأستمرينا نزولا لنكون بعد دقائق في حضرة قرية عين سينيا، تستقبلنا باحضان دافئة كما كانت تستقبل ثوار عام 1948وعلى راسهم المجاهد الكبير عبد القادر الحسيني. تمتلك عائلة الحسينى بيتا كبيرا على الجبل الجنوبي للبلدة. كان عبد القادر الحسيني يُخزّن ويُخفي في حجره وفي مخازن الزيت أسفله السلاح لتزويد ودعم ثوار جيش الجهاد المقدّس في فلسطين. وكان يقيم فيه من وقت لآخر هو وزملاؤه الثوار بين عامي 1936 و1948، حيث إستشهد في معركة القسطل أثناء قيادته لها، ضد العصابات الصهيونية، في الثامن من نيسان 1948. رحم الله الشهيد القائد عبد القادر الحسيني، ورحم الله الشهيد القائد إبنه فيصل الحسيني الذي وافته المنية شهيدا في الكويت بتاريخ الحادي والثلاثين من أيار عام 2001. رحمهما الله رحمة واسعة وأدخلهما فسيح جنّاته.

من عين سينيا إستمرّينا في الطريق الفسيح نزولا حتى الدوّار المتفرّع منه طريقا تصعد الى مدينة بير زيت شمالا، أو طولا الى الشمال حيث "تتلقّفك" على يمين الدوار "درنة" عوسج من الباطون المسلّح والبرج الباطوني المسلّح، المدجّج بالسلاح وبالجنود المدجّجين. في أيّة لحظة يهبط الجنود عدة أمتار ويقفلون الشارع، "ويمرمرون" عيشة الموظفين المتحفّزين للوصول "سريعا" الى اعمالهم صباحا الى رام الله، أو العائدين المتعبين من دوام يوم كامل، المُتأمّلين للوصول الى بيوتهم في شمال الضفة الغربية، قبل أن يُرخي الليل عليهم سدولة. وفي كلا الحالتين ربما يُخيّب الجنود اللامبالين المُتحنجلين آمالهم ورغبتهم "بركن" سياراتهم ساعة أو ساعتين "للتفتيش الدقيق"، دون أن يبدو لذلك سببا ظاهرا إلا غطرسة القوّة يمارسونها على شعب اعزل يحاول ان يمارس طقوس حياته الطبيعية في ظروف غير طبيعية، بسبب وجودهم الطاريء والعنيف والمقيت.

وصلنا مفرق وادي عيون الحرامية، ومع أعمال التوسعة على المُفترق، التي تُضيّق حاليا على حركة السير. يمكن أن ينتظر المرؤ في سيّارته نصف ساعة، نتيجة لعجقة السير، ولسيل السيارات "الطائرة" القادمة من عل، من الطريق الإلتفافي الواسع القادم الهابط النازل بمحاذاة بلدة سلواد.

وسلواد هذه لا يمكن ان نمرّ بجوارها، حتى لو كنا في أوج إستعجالنا، إلا أن نتوقف قليلا لنستنشق نسيم الشموخ والعزة، نسيم العملية "الفدائية" البطولية الأبرز والأخطر. قام بها الشاب البطل ذو ال 22 ربيعا من بلدة سلواد، ثائر حمّاد، بتاريخ الثالث من آذار عام 2002. إستخدم فيها بندقية قنص أمريكية، من طراز إم 1، من مخلفات أسلحة الحرب العالمية الثانية. إشتراها ثائر من ماله الخاص بألف وخمسمئة دينار أردني، ومعها 350 رصاصة. وبدأ يتدرّب عليها بجهد ذاتي حتى أتقن القنص تماما الى درجة أنه أصبح بإمكانه إصابة الذبابة. أصبح قنّاصا مُبدعا. قنّاصا محترما. قناصا يفيض بالحياة وبالوطنية. قناصا ذكيّا فتيّا.

في ذلك الصباح الباكر من شهر آذار، من بداية الربيع. وشهر آذار شهر البطولات حيث جرت فيه معركة الكرامة الخالدة، في 21 آذار عام 1968. تمنّطق الشاب الفتيّ ببندقيته بعد أن تمنّطق بزيّه العسكري، ورابط على الجبل تحت شجرة زيتون مباركة ترعاه وترعى خطواته، تمتّرس بين الصخور على بعد 120 مترا "فوق" مغفر وادي عيون الحرامية. كان مغفرا صغيرا على زمن الأردن. وقد وسّعه وحصّنه الإحتلال ليصبح مقرّا ومهجعا لجنوده، وحاجزا عسكريا دائما للتنكيد على المواطنين المسافرين على طريق نابلس رام الله ذهابا وإيابا.

كان الشبل قد تمنّطق أيضا بعيون الصقر. ساعتين كاملتين من الصبر في مراقبة الموقع. الى ان جاءت اللحظة المناسبة. أطلق ثائر الرصاصة الاولى لتستقر في جمجمة الجندي الأول فصرعة. ثم إستمرّت حفلة العتابا والميجنا والعزف على اليرغول. حفلة "حوبس يا أبو ميّاله، حوبس رُد الخيّاله، من عادانا لنعادية وبالبارود نشنّع فيه". عزف ثائر على بندقيّته ستة وعشرين رصاصة، كانت نتيجتها مقتل 12 جنديا صهيونيّا، وجرح تسعة آخرين. وفي النهاية إنفجرت البندقية لقدمها وتفسّخت الى قطع متناثرة.

إنسحب الفهد من الموقع بخفة وسلام، إستدار نحو بلدة جلجيا ومنها الى بلدة العز والفخار، سلواد، التي أنجبت مثل هكذا شبل، ايقونة في الإقدام والبطولة. تاركا وراءه مئات الجنود المدجّجين الذين وصلوا للموقع يتخبّطون حتى يستطيعوا أن يُحدّدوا ويُميّزوا الجهة التي إنهمرت على "زملائهم" رصاصات القصاص العادل.

تجاوزنا الموقع لكن لم نتجاوز ذكريات عزّته، ومررنا بسنجل. كانت تشتهر بزراعة العنب هي وجارتها عارورة. ومررنا من أمام ترمسعيّا، صاعدين وهابطين وفي وجوهنا تقفز مستوطنة شيلو التي تزرع العنب في الأراضي التي صادرتها من اراضي ترمسعيا وأراضي سنجل، الأرض تعرف انها تجود بمحصول العنب، في أراض تنافس جبال الخليل في إنتاجها للعنب.

وبمرورنا بمحاذاة اللبن الشرقية أصبحنا ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نابلس. ومنها الى الساوية، وصعودا في الطريق الإلتفافي العريض الى حاجز زعترة، الذي يشبه الى حد كبير حاجز عصيون جنوب بيت لحم. وربما الصفة الاكثر حزنا ومأساوية هو عدد الشهداء الكبير الذين سقطوا على الحاجزين في السنوات الأخيرة، معظمها بدواعي الدهس أو الطعن. حتى لو كان الجنود في قرى محصّنة في بروج معلّقة لا يصل إليها أحد إلا بدرج كهربائي معلّق أو بطائرة هليوكبتر.

إندفعنا في الطريق المكتظ دائما بالمركبات الذي يخترق حوّاره، ومن طرفها ناحية مدينة نابلس أنحرفنا يسارا على الطريق الإلتفافي لنمر من أمام مستوطنة يتسهار السابته. ولنستمر بسرعة كبيرة على الطريق الإلتفافي الذي يتواصل ويتعامد مع الطريق نابلس – طولكرم. قبل الولوج في هذا الطريق بدت أمامنا بقعتين شديدتي الإخضرار، أولها مشتل الجنيدي، وثانيهما نادي المدينة، وهو نادي رجال الاعمال في مدينة نابلس، المتخم بأشجار الصنوبر وبالمشتركين الاغنياء.

بسرعة إخترقنا عنبتا، وأبهرتنا الشوارع العريضة والمسفلتة بجمالية والمخططة بنظام وإقتدار. وحمدنا الله على أنه في بلادنا يوجد مثل هكذا شوارع، وذكرنا الحمد الله بالخير كونها حُسنت وعُبدت في عهده كرئيس سابق للوزراء. وهو عنبتاوي للعلم والتوضيح.

دخلنا حدود مدينة طولكرم وكان الوقت قد أدركنا، لكن بذلنا جهدنا وما زلنا نبذل. وصلنا بوّابة جامعة خضوري وإخترقنا حرمها، برضاها، وبالإستئذان على البوّابة، ووصلنا الى مبنى مكتبة الجامعة. حمدنا الله وتنفسّنا الصعداء. وإقتربنا وسمعنا أصوات المناقشة فالباب كان مفتوحا.

الصالة كانت مليئة الى حدّ ما. إتّخذنا لنا مكانين متاحين في الناحية اليسرى من المدرّج. وأنصتنا. النقاش كان يدور بين الكاتبة ديما السمّان، المُحاورة، وبين الكاتبة شيراز عناب المدافعة عن كتابها أو الشارحة عن كنه وفحوى قصصها. لم يدم النقاش طويلا بعد وصولنا، يبدو أنه كان قد بدأ منذ مدة قبل وصولنا.

فتح باب النقاش للحضور والجمهور. تكلّم عدة أشخاص كان أظرفهم صبية قريبة من موقع مقاعدنا عبّرت عن سعادتها على المشاركة، وبهجتها بهذه الفرصة المتاحة. وعبرّت شاكرة بقوة الشخص الجالس بجانبها لإتاحته الفرصة لها لحضور مثل هكذا لقاءات ادبية وثقافية. وقد تبيّن أن الشاب سعيد الحظ المشكور بقوّة، ما هو إلا خطيب الصبية، حيث خطبا مؤخرا. مبروك الخطبة ومن ثم الزواج وبالرفاة والبنبن.

بشكل عام ما إستطعنا أن ندركه من المناقشة كان جميلا منسّقا، حوار بين كاتبتين رقيقتين. وقد إرتأت عرافة الحفل في النهاية توزيع عدد من الكتب بالقرعة، على إعتبار أن عددها قليل ولا يُغطّي إسماء الحضور كلّهم. كانت خطوة ذكية وخفيفة الظل. وبدأ سعيدو الحظ يتوافدون على المنصة للسلام على المحافظ والكاتبتين ولإستلام الجائزة.

إسمي كان الأخير أو قبل الأخير من المختارين بالقرعة. هبطّت نحو المنصّتة لإستلام جائزتي المستحقة. وكان في نيّتي عمل شيء آخر. وصلت الى المنصّة مصافحا حتى وصلت الى الأديبة شيراز.    

صافحتها وبالكاد هنأتها على كتابها. كنت أحاول تبادل حديث ولو قصير معها حول كتابها، وإذا "بفرقعة" من ورائي، على إعتبار أنني أدير ظهري للمدرّج ووجهي للمنصة مقابل شيراز. ضجّة جلبة مبارزة مباراة مجادلة منابزة بالألقاب مباراة مصارعة ديوك. إلتفت لوهلة ورائي لأتبيّن قليلا أنّها "دبكت" بين عطوفة المحافظ عصام أبو بكر وبين الكاتب والناشط الإنترنتّي زياد جيّوسي. لماذا وكيف؟؟؟ لا أدري. علمها عند ربّي. وتبيّنت أيضا لوهلة بأن كل واحد منهما قد تمنّطق بدرع من دروع القرون الوسطى وتحصّن وراء منجنيق، يقذف "الدبش" على الطرف الآخر، ممزوج بالسباب والشتائم والتهديد والوعيد بالثبور وعظائم الأمور.

كيف يمكن أن ينقلب الطقس في بلادنا، من ربيعي مشمس الى شتوي مدلهمّ أغبر، خلال ثانيتين؟؟؟!!! وهل هذا أصبح جزءا لا يتجزّأ من جيناتنا وكروموسوماتنا، نرضعه من حليب أمّهاتنا، أم أنّها حالة طارئة بسبب الإحتلال؟؟؟!!! ستنجلي وتنقشع مع رحيله ومغادرته.

كنت قبل اقل من ثلاث دقائق قد بدأت بالسلام، على المنصّة، على عطوفة المحافظ. كان يقف بجانب الكاتبة الرقيقة والكاتبة ديما السمان، التي أدارت حلقة نقاش كتاب زميلتها شيراز. كانت الأجواء مفعمة بالودّ. سمحت لي أن أهدي كتابي القصصي، ضاحية قرطاج، الذي صدر قبل ثلاثة شهور، لعطوفة المحافظ وتبادل بعض تعابير المجاملة، وعمل صورة تذكارية بالمناسبة.

وعندما إستدرت للسلام على الكاتبة ديما السمان، ومن بعدها شيراز، بكل أمان وإطمئنان، إلا وفاض الطوفان وثار البركان، فلم يعد هناك أمان، وأغلب الظن أن ما جرى هو نحس ورجس من عمل الشيطان. "أمان يا ربي أمان"!!! هل نضحك؟؟ هل نبكي؟؟ هل سنقسمها مناصفة، نضحك ونبكي "فيفتي فيفتي"؟؟ هل نضحك من شرّ البليّة، أم نبكي من هزليّة الموقف؟؟

في لحظات تلت، لملم الطرفان المتحاربان سيوفهما، وخرجا الى الفضاء الفسيح، ومنها ربما الى ما وراء الغيوم!!!

بقيت أمام شيراز أحاول أن أهدّأ من "روعها"، فقد أصبحت رموش عينيها ترف ثلاثة أضعاف المعدّل الطبيعي من هول وقع الصدمة غير المتوقّعة وغير اللطيفة. يداها الرقيقتان ترتجفان قليلا، وبدأت طلائع الدموع تظهر في مقلتي عينيها توشيان بقرب تنسمّها الحرية وخروجها من محبس مقلتي عينيها. هدّأتها وطمّأنتها بأن الغمّة إنقشعت، وكانت غمّة غيمة عقيمة لا ماء ولا خير فيها.

وخرجنا من قاعة مكتبة جامعة خضوري، متسلّلين، مسرعين، ربما لتفادي الحديث عن المسرحية التي إرتجلها البطلان. وغطّت على الفعالية الأدبية الجميلة. إفترقنا ربما على عجل دون وعود بضورة اللقاء مجددا للتباحث في الادب والشعر والثقافة، التي نحبّذها دائما ونرحّب بها.

في طريق العودة الى رام الله. كان أمامي على "تابلو" السيارة كتاب شيراز القصصي. دققت به وبالصورة المرسومة على غلافه، صورة حذاء، وعلى عنوانه. وقلت في نفسي إن شيراز مبدعة، لقد إنّتقت عنوانا جريئا، عنوانا مبدعا، عنوانا معبّرا. لقد إختارت عنوان: "أريد حذاء يتكلّم" ... أريد حذاء يتكلّم!!! ودمتم بألف خير. تصبحون على وطن. أكثر ديمقراطية وأكثر جمالا على جماله الطاغي. وطن يكثر فيه ويتكاثر: الحاجة محفوظة إشتيّه وفدوى طوقان ودلال المغربي وثائر حمّاد وأشرف نعالوه وعمر أبو ليلى، بهيّو الطلة والطلعة والخلق دائما.   
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف