بشرى بن فاطمة
كثيرا ما يخضع التعبير الحداثي في المرحلة المعاصرة إلى توقعات فلسفية وتصورات تفاعلية وجودية لا تنفصل عن الواقع والحياة والاقتصاد وثقافات التحول التي فرضها التطوّر الاستهلاكي والتغيير المعيشي وانعكاساته على المواقف التعبيرية والإنسانية في الفنون، ما دفعها إلى أن تحاول فكّ الرموز من خلال مفاهيمها وتقنياتها وكثافة خاماتها التعبيرية وتعيد تجاوباتها مع الزمان والمكان والانتماء، وهو ما يضفي صفة المعاصرة على المدرسة الفنية الحداثية ويمنحها تفاسير ومصطلحات إضافية على تعبيرها الأصلي مثل الواقعية المفرطة hyper-reality أوphoto-reality والتجريد المعاصر وما بعد السريالية أو السريالية المعاصرة.

هذا التيار الذي انطلق من السريالية في إفراط خيالها وهواجسها وتطور معها في تقنيات صياغتها الذهنية والحسية والتعبيرية للفكرة والخيال والتواتر المتوتر في تعبيره وهو ما دمج التجربة السريالية العربية مع واقعها وربط تجاربها جماليا مع خيالها الحالم وواقعها المؤلم والمعقّد والمتصاعد في صراعه مع الأزمنة والأمكنة، ما أفرز صيغا جديدة في توظيفها الجمالي وترتيبها التشكيلي.
خاصة وأن السريالية في مفاهيمها تبقى تيارا فنيا مثيرا بغموضه ورموزه ومبالغاته وجرأته التي تحاول الانفلات بالفكرة البصرية أبعد من القراءة السطحية التي قد تبدو مجرد فهم لا يقترب من عمق التجلي البصري.

فالسريالية المعاصرة تجاوزت الرؤى الأولى وتعمّقت تقنيا وأسلوبيا في السرد والتمشي والتفاعل والاندماج مع بقية الفنون لمرحلة ما بعد الحداثة في الأداء المفهومي والفيديو وكذلك مع فن الفوتوغرافيا والكولاج والأداء والبوب آرت والفنون الرقمية.

فالسريالية برؤاها المعاصرة لا تحمل مجرد هلوسات وهواجس وفزعا من الكوابيس بل تحمل كل هذا لتخرج بعيدا عن الأطر وتحوّلها إلى رمزيات تعبيرية ذات منحى تفسيري، تحاول به استخراج الوقت من زمنه كتفكيك لمداه الوقتي والمرحلي وفصل الأمكنة عن أطرها كتوظيف تعريفي لجغرافيا الانتماء الأول للإنسانية وللذات.
والزمن هو تحولات استرجاعية لسرديات تذكر، المكان فيه قد يكون الذاكرة ومداها المطّلع على الأفق الآخر من الترددات البصرية وما تثيره في المفاهيم التشكيلية مثل تجربة السعودي فيصل سمرة التي تستنطق الواقع الجمالي ورؤاه ورموزه وتعبيراه وترسباته النفسية وانطلاقاته التفاعلية في أفق الفهم والأداء.
أو تجربة الفلسطينية منى حاطوم في التوافق التعبيري لرمزيات الوطن بين الهاجس والتفكك والخيال والتماسك والخوف والتمادي والمبالغات التقديرية لمداها وانطلاقاتها المتناقضة.
كما في الميثيولوجيا التي يوظّفها مصطفى الحلاج مثلا من خلال تفكّكها الزمني الصامد وملهاتها الأسطورية التي تقتلع الزمن من وقته وتستثير الأمكنة لتعبّر عن أطر أخرى هي فلسطين الأسطورة التي تقع بين المأساة والملهاة وبين الصراع الوجودي في البقاء والفناء والتشرد والانتماء وما تخلّفه من ترسبات نفسية، وهو ما يبدو في أسلوبه الموظّف على الشاشة الحريرية وما يفرزه البعد الضوئي وما تختاره الملامح وهي تتسرب منتشية أو غاضبة مرهقة أو راحلة بأشكالها الخرافية ومداها المجهول والمفزع في المكان والزمان اللامعلنين في انسيابهما.

أما عدنان يحي فلا يتفاعل مع السريالية من منظورها الغرائبي بل يحاول مجادلة اللغة التوثيقية التي يجب أن تقرأ من خلالها المعاناة فكأنه يستوقف الأزمنة على مداها الدموي وينتشل الأمكنة من دخانها الضبابي في حركية غاضبة صادمة التعبير وكأنه يعزل التاريخ ويقرأ وقته ويحدّد خارطة أمكنته من جديد على جغرافيا ذاكرته ومدنها الحيّة، حيث ألوانه الداكنة ثقيلة وغامقة وألوانه الباردة خفيفة بما تعكسه في توازنات الحركة والفراغ على الحالات والملامح في تشوهاتها العميقة ونفسياتها التائهة.
وفي اعتماد الصورة والتوظيف الفوتوغرافي يقع محمد قبلان ومحمود الزيات على الفواقعية المبالغة في واقعيتها برؤية تسخر من الأحداث ومن مسبباتها وكأنها تستوقف الزمن وتعيد ترتيب المكان حتى يتماشى مع الصورة النهائية اللامعقولة على واقع حقيقي.
أما تجربة سمر غطاس مع الوسائط المتعددة فتعالج رقميا الفتوغرافيا مع مفاهيمية المحتوى الترتيبي للحالة والمعايشة في زمنها الحاضر وفي خيالها المرتبط بالمكان وتفاصيله المتفاعلة مع تلك الحالات والهواجس وكأنها تحاكي رؤاها بين الوجود والتلاشي وتحاول أن تغير مساراتها التوظيفية.

أما في التصورات السريالية وتواتراتها التعبيرية المعاصرة المتوافقة مع النحت والرسم فتبدو في تجربة بسام كيرلس مثلا متصاعدة في قوة اندماجها مع الفكرة والمفاهيم وهي تطوّع حدّتها وصلابتها أمام انكسارات الوقائع والحالات وبالتالي تستجيب لهواجس الخيال حسب انبعاثات الفزع والحيرة والقلق والتفاعل بينها كأن يعتمد الهدم بدل البناء والتشويه عوضا عن الجماليات المألوفة من خلال توظيف الأقنعة.
وكذلك الامر بالنسبة للسريالية الموظّفة مع فنون الفيديو والفيديو التجريبي والأفلام القصيرة كما أعمال ليلى ونادية حطيط والأساليب الرمزية التفكيكية التي تستجيب للغة الحركة مع الأداء لطرح المفاهيم بجدلية ترتّبها مع المشاهد لتحديد الرؤى الفكرية واندفاعها الوجودي.
إن السريالية المعاصرة ومداها التقاربي في التوظيف التعبيري لا تنفصل عن قيم الغرابة وهلامية الزمان وترسبات الوقت في مكانه وانكساره على العقد المتتالية في برمجة التعايش والتقارب والانفصال والفصل وبالتالي ساعدت التقنيات الحديثة والخامات المتعددة والبرامج الرقمية على الابتكار في مفاهيمها وهو الذي أسّس لذاته المابعد حداثية التي توافقت مع كيانات مختلفة ورؤى جديدة من التصورات البصرية والفكرية.
الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
كثيرا ما يخضع التعبير الحداثي في المرحلة المعاصرة إلى توقعات فلسفية وتصورات تفاعلية وجودية لا تنفصل عن الواقع والحياة والاقتصاد وثقافات التحول التي فرضها التطوّر الاستهلاكي والتغيير المعيشي وانعكاساته على المواقف التعبيرية والإنسانية في الفنون، ما دفعها إلى أن تحاول فكّ الرموز من خلال مفاهيمها وتقنياتها وكثافة خاماتها التعبيرية وتعيد تجاوباتها مع الزمان والمكان والانتماء، وهو ما يضفي صفة المعاصرة على المدرسة الفنية الحداثية ويمنحها تفاسير ومصطلحات إضافية على تعبيرها الأصلي مثل الواقعية المفرطة hyper-reality أوphoto-reality والتجريد المعاصر وما بعد السريالية أو السريالية المعاصرة.

ليلى ونادية حطيط Leila and Nadia Hotait
خاصة وأن السريالية في مفاهيمها تبقى تيارا فنيا مثيرا بغموضه ورموزه ومبالغاته وجرأته التي تحاول الانفلات بالفكرة البصرية أبعد من القراءة السطحية التي قد تبدو مجرد فهم لا يقترب من عمق التجلي البصري.

بلال قبلان Bilal Kabalan

مصطفى الحلاج Mustafa Al-Halaj
والزمن هو تحولات استرجاعية لسرديات تذكر، المكان فيه قد يكون الذاكرة ومداها المطّلع على الأفق الآخر من الترددات البصرية وما تثيره في المفاهيم التشكيلية مثل تجربة السعودي فيصل سمرة التي تستنطق الواقع الجمالي ورؤاه ورموزه وتعبيراه وترسباته النفسية وانطلاقاته التفاعلية في أفق الفهم والأداء.
أو تجربة الفلسطينية منى حاطوم في التوافق التعبيري لرمزيات الوطن بين الهاجس والتفكك والخيال والتماسك والخوف والتمادي والمبالغات التقديرية لمداها وانطلاقاتها المتناقضة.
كما في الميثيولوجيا التي يوظّفها مصطفى الحلاج مثلا من خلال تفكّكها الزمني الصامد وملهاتها الأسطورية التي تقتلع الزمن من وقته وتستثير الأمكنة لتعبّر عن أطر أخرى هي فلسطين الأسطورة التي تقع بين المأساة والملهاة وبين الصراع الوجودي في البقاء والفناء والتشرد والانتماء وما تخلّفه من ترسبات نفسية، وهو ما يبدو في أسلوبه الموظّف على الشاشة الحريرية وما يفرزه البعد الضوئي وما تختاره الملامح وهي تتسرب منتشية أو غاضبة مرهقة أو راحلة بأشكالها الخرافية ومداها المجهول والمفزع في المكان والزمان اللامعلنين في انسيابهما.

بسام كيرلس Bassam Kyrillos

عدنان يحي Adnan Yahya
أما تجربة سمر غطاس مع الوسائط المتعددة فتعالج رقميا الفتوغرافيا مع مفاهيمية المحتوى الترتيبي للحالة والمعايشة في زمنها الحاضر وفي خيالها المرتبط بالمكان وتفاصيله المتفاعلة مع تلك الحالات والهواجس وكأنها تحاكي رؤاها بين الوجود والتلاشي وتحاول أن تغير مساراتها التوظيفية.

سمر غطاس Samar Ghattas
وكذلك الامر بالنسبة للسريالية الموظّفة مع فنون الفيديو والفيديو التجريبي والأفلام القصيرة كما أعمال ليلى ونادية حطيط والأساليب الرمزية التفكيكية التي تستجيب للغة الحركة مع الأداء لطرح المفاهيم بجدلية ترتّبها مع المشاهد لتحديد الرؤى الفكرية واندفاعها الوجودي.
إن السريالية المعاصرة ومداها التقاربي في التوظيف التعبيري لا تنفصل عن قيم الغرابة وهلامية الزمان وترسبات الوقت في مكانه وانكساره على العقد المتتالية في برمجة التعايش والتقارب والانفصال والفصل وبالتالي ساعدت التقنيات الحديثة والخامات المتعددة والبرامج الرقمية على الابتكار في مفاهيمها وهو الذي أسّس لذاته المابعد حداثية التي توافقت مع كيانات مختلفة ورؤى جديدة من التصورات البصرية والفكرية.
الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections