نبض الحياة
القيصر يحرر الأملاك
عمر حلمي الغول
أثارت قضية بيع أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في القدس العاصمة الفلسطينية حالة من الغضب والسخط، والإستقطاب والضغط والضغط المضاد في اوساط أقطاب الكنيسة نفسها، وأوساط اتباع الديانة المسيحية من الطائفة الأرثوذكسية والشعب العربي الفلسطيني عموما، وأخذت القضية ابعادا وطنية وقومية وعالمية، لإنها لم تقتصر على الإحتيال والتزوير، بل تمادت حتى بلغت حد المصادرة، وهو ما دعا له النائب الليكودي عازايا، أضف لذلك وكشكل من اشكال الضغط على ابناء الشعب الفلسطيني المسيحيين، دعا وكاد ينجح نير بركات، رئيس بلدية القدس الصهيوني السابق إلى فرض ضرائب على الأملاك الكنسية كلها ( الكنائس والأديرة والمدارس ... إلخ) وذلك بهدف الضغط عليهم لتهجيرهم عن الوطن الفلسطيني، بالإضافة للإعتداءات المتكررة على الكنائس والأديرة، محاولة عزلهم عن محيطهم الوطني.
وكما يعلم الجميع، فإن قضية الأملاك الكنسية تعود لزمن البطريريك السابق إيرينيوس الأول، الذي سهل بيعها لشركات ثلاث تابعة للمنظمة الصهيونية "عطيرت كوهانيم" في باب الخليل عام 2004 (فندقا "البترا" و"إمبيريال" و"بيت المعظمية")، وايضا من خلال التزوير، الذي قامت به المنظمة الصهيونية الإستعمارية، وهو ما إعترف به مدير فندق بترا السابق، تيد بلومفيلد، الذي كشف أن المنظمة الاستيطانية «عطيرت كوهانيم» دفعت المال له كي يقنع عائلة قرش، التي كانت تقطن في الفندق كمستأجرين بالمفتاحية (أي محميين) وبيع حقوقهم في المبنى للجمعية الاستيطانية.
وكشف بلومفيلد عن «أعمال غير مألوفة نفذتها عطيرت كوهانيم، وتشمل عمليات احتيال، تزوير مستندات وتقديمها للمحكمة، وإعطاء رشوة ودفعات مالية ومحاولات لتقديم رشى جنسية أيضا». كما أن «عطيرت كوهانيم» شوشت مجرى المحكمة بواسطة شهادة كاذبة وإخفاء مستندات بشكل متعمد.
غير ان البطريرك الجديد ثيوقولس الثالث، ورغم ما شاب ولايته في البداية من ملاحظات من قبل اتباع الكنيسة الشرقية وفي الأوساط الفلسطينية الوطنية عموما، غير انه إتخذ قرارا بإستعادة املاك الكنيسة، وقاد حملة على الصعد والمستويات المختلفة وبدعم واضح من القيادتين الفلسطينية والأردنية ومجلس الكنائس العالمي لإلغاء قرار بيع الأملاك، الذي اقرته المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الثلاثاء الموافق 11 حزيران/ يونيو 2019. وإدعت المحكمة حينها لتغطية عار قرارها، انه نتيجة "غياب أدلة إرتكاب مخالفات (في عملية البيع والتزوير لهذا) نعتقد ان المحكمة كانت على حق في التحقق من صحة البيع".
لكن قبل ايام، وتحديدا يوم الأربعاء الماضي الموافق 28/ 11/2019 ألغت المحكمة المركزية في القدس قضية البيع، وأعادت الأملاك للكنيسة، لإن جمعية "عطيرت كوهانيم" مارست التزوير، وهو ما كانت ذكرته رئيسة المحكمة سابقا، ومع ذلك قررت صحة البيع، وبالنتيجة ان المحكمة طعنت في وثائق ومستندات الجمعية الصهيونية الإستعمارية. وهذا يعتبر إنتصاراً للكنيسة وللقيادة الفلسطينية وللجهود الشجاعة، التي بذلت على هذا الصعيد.
لكن كي تستقيم الأمور جيدا، يفترض ان يتم تسجيل الإعتراف بأهمية وثقل الدور المركزي، الذي لعبه القيصر الروسي، بوتين، الذي إلتقى في 30 تشرين اول/ إكتوبر 2019 في المجر مع زعماء كنائس الشرق، وأكد في مؤتمر صحفي، أن مسيحي الشرق في وضع كارثي، ولا يجوز أن يستمر ذلك. كما انه عاد وإلتقى مع البطريرك ثيوفولس الثالث في 21 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي (2019) في روسيا، واكد على دعم الكنيسة ومسيحي الشرق عموما وفلسطين خصوصا. والأهم مما تقدم، ان الترتيبات الروسية الإسرائيلية لزيارة الرئيس الروسي لإسرائيل وفلسطين في كانون ثاني/يناير العام القادم (2020) وضعت ملف الأملاك الكنسية، وطالب الروس بحل الموضوع عشية زيارته، الأمر الذي وضع القيادة الإسرائيلية تحت ضغط من نوع خاص، مما أملى عليها إعادة النظر في قرارها الخطير كنوع من المساومة في العلاقة التبادلية بين البلدين.
لذا لم تكن خطوة المحكمة المركزية الإسرائيلية نتاج حسن نية، ولا كرم أخلاق من القيادة اليمينية الصهيونية المتطرفة، ولا تخلي عن مشروع الضم والمصادرة والتهويد للعاصمة الفلسطينية العربية خصوصا والضفة الفلسطينية عموما، انما تأتِ نتيجة جملة الضغوط الوطنية والقومية والعالمية وفي مقدمتها الروسية. وعليه يفترض تسجيل الشكر للرئيس فلاديمير بوتين على جهوده الإيجابية على هذا الصعيد. وهذة الخطوة تدلل مجددا على ان روسيا الإتحادية مع اقرانها من الأقطاب الدولية الأخرى تستطيع ان تسهم بدور إيجابي في صناعة السلام، وتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967. فهل ترتقي روسيا لتحمل مسؤولياتها التاريخية لبناء صرح السلام الممكن والمقبول؟
[email protected]
[email protected]
القيصر يحرر الأملاك
عمر حلمي الغول
أثارت قضية بيع أملاك الكنيسة الأرثوذكسية في القدس العاصمة الفلسطينية حالة من الغضب والسخط، والإستقطاب والضغط والضغط المضاد في اوساط أقطاب الكنيسة نفسها، وأوساط اتباع الديانة المسيحية من الطائفة الأرثوذكسية والشعب العربي الفلسطيني عموما، وأخذت القضية ابعادا وطنية وقومية وعالمية، لإنها لم تقتصر على الإحتيال والتزوير، بل تمادت حتى بلغت حد المصادرة، وهو ما دعا له النائب الليكودي عازايا، أضف لذلك وكشكل من اشكال الضغط على ابناء الشعب الفلسطيني المسيحيين، دعا وكاد ينجح نير بركات، رئيس بلدية القدس الصهيوني السابق إلى فرض ضرائب على الأملاك الكنسية كلها ( الكنائس والأديرة والمدارس ... إلخ) وذلك بهدف الضغط عليهم لتهجيرهم عن الوطن الفلسطيني، بالإضافة للإعتداءات المتكررة على الكنائس والأديرة، محاولة عزلهم عن محيطهم الوطني.
وكما يعلم الجميع، فإن قضية الأملاك الكنسية تعود لزمن البطريريك السابق إيرينيوس الأول، الذي سهل بيعها لشركات ثلاث تابعة للمنظمة الصهيونية "عطيرت كوهانيم" في باب الخليل عام 2004 (فندقا "البترا" و"إمبيريال" و"بيت المعظمية")، وايضا من خلال التزوير، الذي قامت به المنظمة الصهيونية الإستعمارية، وهو ما إعترف به مدير فندق بترا السابق، تيد بلومفيلد، الذي كشف أن المنظمة الاستيطانية «عطيرت كوهانيم» دفعت المال له كي يقنع عائلة قرش، التي كانت تقطن في الفندق كمستأجرين بالمفتاحية (أي محميين) وبيع حقوقهم في المبنى للجمعية الاستيطانية.
وكشف بلومفيلد عن «أعمال غير مألوفة نفذتها عطيرت كوهانيم، وتشمل عمليات احتيال، تزوير مستندات وتقديمها للمحكمة، وإعطاء رشوة ودفعات مالية ومحاولات لتقديم رشى جنسية أيضا». كما أن «عطيرت كوهانيم» شوشت مجرى المحكمة بواسطة شهادة كاذبة وإخفاء مستندات بشكل متعمد.
غير ان البطريرك الجديد ثيوقولس الثالث، ورغم ما شاب ولايته في البداية من ملاحظات من قبل اتباع الكنيسة الشرقية وفي الأوساط الفلسطينية الوطنية عموما، غير انه إتخذ قرارا بإستعادة املاك الكنيسة، وقاد حملة على الصعد والمستويات المختلفة وبدعم واضح من القيادتين الفلسطينية والأردنية ومجلس الكنائس العالمي لإلغاء قرار بيع الأملاك، الذي اقرته المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الثلاثاء الموافق 11 حزيران/ يونيو 2019. وإدعت المحكمة حينها لتغطية عار قرارها، انه نتيجة "غياب أدلة إرتكاب مخالفات (في عملية البيع والتزوير لهذا) نعتقد ان المحكمة كانت على حق في التحقق من صحة البيع".
لكن قبل ايام، وتحديدا يوم الأربعاء الماضي الموافق 28/ 11/2019 ألغت المحكمة المركزية في القدس قضية البيع، وأعادت الأملاك للكنيسة، لإن جمعية "عطيرت كوهانيم" مارست التزوير، وهو ما كانت ذكرته رئيسة المحكمة سابقا، ومع ذلك قررت صحة البيع، وبالنتيجة ان المحكمة طعنت في وثائق ومستندات الجمعية الصهيونية الإستعمارية. وهذا يعتبر إنتصاراً للكنيسة وللقيادة الفلسطينية وللجهود الشجاعة، التي بذلت على هذا الصعيد.
لكن كي تستقيم الأمور جيدا، يفترض ان يتم تسجيل الإعتراف بأهمية وثقل الدور المركزي، الذي لعبه القيصر الروسي، بوتين، الذي إلتقى في 30 تشرين اول/ إكتوبر 2019 في المجر مع زعماء كنائس الشرق، وأكد في مؤتمر صحفي، أن مسيحي الشرق في وضع كارثي، ولا يجوز أن يستمر ذلك. كما انه عاد وإلتقى مع البطريرك ثيوفولس الثالث في 21 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي (2019) في روسيا، واكد على دعم الكنيسة ومسيحي الشرق عموما وفلسطين خصوصا. والأهم مما تقدم، ان الترتيبات الروسية الإسرائيلية لزيارة الرئيس الروسي لإسرائيل وفلسطين في كانون ثاني/يناير العام القادم (2020) وضعت ملف الأملاك الكنسية، وطالب الروس بحل الموضوع عشية زيارته، الأمر الذي وضع القيادة الإسرائيلية تحت ضغط من نوع خاص، مما أملى عليها إعادة النظر في قرارها الخطير كنوع من المساومة في العلاقة التبادلية بين البلدين.
لذا لم تكن خطوة المحكمة المركزية الإسرائيلية نتاج حسن نية، ولا كرم أخلاق من القيادة اليمينية الصهيونية المتطرفة، ولا تخلي عن مشروع الضم والمصادرة والتهويد للعاصمة الفلسطينية العربية خصوصا والضفة الفلسطينية عموما، انما تأتِ نتيجة جملة الضغوط الوطنية والقومية والعالمية وفي مقدمتها الروسية. وعليه يفترض تسجيل الشكر للرئيس فلاديمير بوتين على جهوده الإيجابية على هذا الصعيد. وهذة الخطوة تدلل مجددا على ان روسيا الإتحادية مع اقرانها من الأقطاب الدولية الأخرى تستطيع ان تسهم بدور إيجابي في صناعة السلام، وتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967. فهل ترتقي روسيا لتحمل مسؤولياتها التاريخية لبناء صرح السلام الممكن والمقبول؟
[email protected]
[email protected]