الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

علاقة الكاتب ببطله جربت أن أموت جمعة الفاخري بقلم: رائد الحواري

تاريخ النشر : 2019-12-01
علاقة الكاتب ببطله جربت أن أموت جمعة الفاخري بقلم: رائد الحواري
علاقة الكاتب ببطله
جربت أن أموت
جمعة الفاخري
في الفكر لا يمكن أن تكون هناك حقيقة مطلقة، بل حقيقة نسبية، وفي الأدب الذي تتوالد فيه المدارس الأدبية بين حين وآخر، وتنفي/تناقض المدرسة الجديدة ما سبقها، أصبح من المستحيل تقديس النظرية، أو استدامة الاعتماد عليها كحقيقة، كما أن التباين والاختلاف حتى عند أصحاب المدرسة الواحدة، حيث نجد اكثر من تعريف للمدرسة وأكثر من مفهوم ـ وهذا أمر طبيعي وضروري في الفكر الإنساني، الذي يسعى في كل يوم لتقديم ما هو جديد وتجاوز ما هو سائد أو مسلم به ـ أصبحت أي نظرية تعد من الماضي الذي يجب تجاوزه، وأصبح من الضروري تقديم فكرة متطورة تعطي مفهوم جديد حداثي (غير جامد) بكل ما يتعلق بالأدب.
اللافت في هذه المجوعة علاقة الكاتب ببطل القصة، فبدت العلاقة في البداية علاقة حب ومودة : "لكن كيف سأصف مشهد موته المهيب..!؟
سأجعله يسلم جسده الطاهر للموت في طمأنينة.. غمض عينيه، وأبقي على محياه البسام ابتسامة رضا ساحرة تليق ببطل رواية منتصر .. بطل سيثير القراء على مساحة خمس مئة صفحة كبيرة" ص4، السارد هنا يأخذ صفة الكاتب، ويتحدث بوضوح دوه في تحديد مسار بطله والكيفية التي يريد أن يميته بها.
لكننا نجد هذا الحب بدأ (تخبو)، وتجه الحديث عن شخص (غريب) أقرب إلى الصورة المجردة:" مات ...!؟ توقف قلبه عن النبض تماما.. تعطل كل شيء.. بما فيها حياته نفسها..!

أخيرا صار السطر الأخير في حياته المثيرة آيلا للكتابة ..متأهبا للتربع بزهو فوق الورق .. فيما تنتظر الكلمة الأخيرة في تاريخه جرة من قلمي القاصر..!؟" ص6، لماذا هذا التراجع من السارد؟، ألم يقل أنه يريد أن يميته ميتة استثنائية؟، أم أن الكاتب ـ بعد أن تحدث بحيادية، وجد أن بطله يتفوق عليه ـ فاعجب به، وعمل على سرقته من القصة، وحل فيه، بحيث أصبح الكاتب والبطل هما نفس الشخص؟، اعتقد أن هذه الأسئلة مبررة وموضوعية، حيث يقول الكاتب: " أنا لم أجرب الموت.. بل ليس ثمة حي جرب الموت قل أن يموت.. فالموت هو الشيء الوحيد الذي يجربه المرء مرة واحة دون أن يكون يوسعه أن ينقل مشاهده للآخرين.
لكن علي أن أفعل .. البطولة تحتم علي خوض هذه التجربة المتفردة، فالبطل العظيم يلح على براعتي أن نبتكر له موتا عبقريا يليق بعظمته وتفرده... ليس ثمة حل آخر غير ان أموت.. ولما لا...!؟ سأموت .. ثم أعود لأنقل مشهد الموت وألعه على بطلي العظيم ... سأموت بتجربة حقيقية للموت.. سأختار يوما عظيما ... ليس أنسب من يوم الحب ...فالناس ستبتهج بذلك" ص9، الاعجاب ببطل القصة جعل الكاتب (يسرق شيء من البطل) بحيث يجرب الكاتب الموت ليتحدث عن بطله بصورة لائقة: "ها هم يحملونني إلى المستشفى...أنه موت بطل.. فليس أعظم من ذلك ولا أدهش..!
هكذا كانت أعماقي تترجم لي الضجة الهائلة التي تكتنف موتي المثير..!" ص11و12، فهنا نجد حضور للبطل وللكاتب معا، فالكاتب شارك البطل الموت، فبدا وكأنهما شخص واحد، لكننا نجد أيضا حضور للبطل، فما زال له مكانة في أحداث القصة.
لكن الكاتب بعد أن أخذ دور البطل ـ في تجربة الموت ـ يتقدم اكثر من الغاه وشطبه من القصة، حتى أنه ينسى أن يتحدث عن بطل قصة وليس عن نفسه: "...عيد الحب.. زوجتي الحبيبة التي سأهدي لها الرواية .. وسائل الاعلام المتربصة بخبر موتي.. مشروعي الحلم .. جائزة نوبل المشتهاة..!؟
أيدي الاطباء تضغط على صدري .. تجس نبضي للمرة الأخيرة .. لحظة اسلمت فيها روحي كان صحفي مغمور يندس بين الاطباء راصدا الحدث الاستثنائي، مسجلا لوقائع المثيرة التي كنت اجرب الموت لرصدها..!" ص13و14، إذا ما عدنا إلى بداية القصة والتي قال الكاتب فيها: "لقد وعدتها أن تكون رواية باهرة، لسببين اثنين، لأنها ترصد حياة رجل عظيم، أعنى موته المثير الذي غدا حياة، ولأنني سأهديها لها في عيد زواجنا الثلاثين..
إنها مشروع عمل أدبي كبير سيؤهلني لنيل جائزة نوبل في الرواية" ص3، فهنا كان الهدف والغاية من كتابة الرواية/القصة جائزة نوبل واهدائها لزوجته، ـ زوجة الكاتب ـ لكن في النهاية نجد أن البطي يمحى ويزول، ويحل بدلا منه الكاتب نفسه، واعتقد أن هذه السرقة لشخصية البطل لم تكن ضمن سياق القصة، لكن الكاتب أخذته الحمية والنرجسية ليحل بدل البطل، فقبره قبل أن يميته، من خلال شطبه من أحداث القصة، بحيث لم يعد هناك بطل يُروى عنه، بل بطل يروي عن نفسه.
كل هذا يجعلنا نقول أن القاص فقد السيطرة على القصة، بحيث دخل (عنوة) إلى الأحداث وسرق دور البطل (المسكين) الذي كان من المفترض أن يكون وسيلة ليحصل الكاتب على جائزة بوبل وليسعد زوجته بهدية استثنائية، لكنه وجد أن بطله يتفوق عليه، فعمل على الحلول فيه، ثم قتله، هو، ولم يجرب البطل الموت، بل الكاتب هو الذي جرب الموت.


عدت من الموت..!
الكاتب يتوغل أكثر في جريمته ـ قبر البطل ـ واخفاه، ويأخذ في تكملة سرد الأحداث المتعلقة بموته، ففي بداية القصة نجده يركز على وجوده في المستشفى، فيذكر الملاءة البيضاء بغزارة: " الملاءة البيضاء تهتز وتهدأ" ص15، الملاءة تنبض بهدوء... تتشقق الملاءة...الملاءة البيضاء سيدة اللحظة بجدارة" ص16، الملاءة البيضاء تتكوم على طرف السرير.. تواصل الملاءة اهتزازها المرعب... تهتز ثانية... الملاءة تزداد اهتزازا... تسقط الملاءة عن السائر الجسد المسجى .. مهرجان السقوط يتواصل .. تنشق عن جسده مكتمل ..عن جثة كانت على مرمى نبضه من العدم .. ثم عادت تتماثل للحياة على نحو عجيب..!" ص17و18، "الملاءة كشف ما وراءها... الملاءة البيضاء محاطة بألف نبضة مذعورة.. الملاءة البيضاء تتكوم كلها تحت السرير.. النظرات المرعبة برعب اللحظة المفزعة تتقافز بين الملاءة البيضاء والرجل الجالس على طرف السرير بوجه يشع بياضا غريبا" ص18، وآخر ذكر لها جاء في الصفحة 20: " الملاءة البيضاء لم تعد تجذب العيون فالجسد المتوقد بنشاط ظاهر انتزع منها سيادة اللحظات" وإذا توقفنا عند معنى "الملاءة البيضاء" والتي تشير إلى النقاء والصفاء والسلام والهدوء، لكن الكاتب كثيرا ما اقرنها: ب"الاهتزاز التكوم، تسقط، محاطة، تتقافز، تتشقق" وقليلا ما جاءت بوصف ناعم "سيدة اللحظة، تنبض بهدوء، وهذا الذكر وبهذه الغزارة يشير إلى حالة اضطراب الكاتب، فبدت الملاءة وكأنها البطل الذي قبره الكاتب، لهذا جاءت وصفها عنيف وقاسي، رغم أنها/أنه شخص مسالم لم يفرض نفسه على أحد، بل الكاتب هو الذي أوجده/خلقه لكنه سلب منه الحياة وأقبره قبل أن يتشكل.
وكتأكيد على تأنيب الضمير الذي يعيشه الكاتب نجده يستخدم صيغة "الرجل" "الرجل المعلن موته" ص20، "الرجل الذي اربك حسابات الموت، وخلط أوراق البشر فغير مفاهيم وقناعات حول الموت والحياة هو أنا" ص 21، وهنا يبدو ان الكاتب يحمل شيئا من الشعور بالذنب، تجاه قبر/اجهاض البطل، ويستمر هذا الشعور بالذنب، ويتقدم في جريمته أكثر، ويأخذ في الحديث عن نفسه كسيد وبطل مطلق للقصة: " حين عدت للبيت كان عيد الحب يلملم فرحة المحمر المغشوش ويمضي تاركا قلوبا مواربة على فرح مريب.. راقصة على صدى لحن واهم .. أواه ..! كم يمنحنا الوهم سراب لا تنبت غير أشواك الخيبة والخذلان..!؟" ص27و28، أليس هذا الكلام يؤكد على أن هناك شعور بالشيء غير سوي قد حصل؟، لهذا نجد ألفاظ قاسية "المغشوش، تركا، مريب، الخيبة، الخذلان" وكأن الكاتب بعد أن قبر/انهى وجود البطل، لم يجد في أخذ دوره ذاك الشيء العظيم، بل وجده مجرد شيء عادي، ولم يستحق أن يعرض نفسه لهذا الشعور، والاحساس بالذنب، الذي بدا ظاهرا في لغته وفي ألفاظه التي يستخدمها في الكتابة.
وهذا ما أكده عندما قال: "... يحدثني عن المجد .. يصرف تطلعي عن نوبل المزعومة.. يوشوشني بأن العظماء لا ينتظرون أن تحظى صنائعهم المعجزات بجوائز بشرية .. يجب أن تتعالى نفوسهم عن الطموحات السفلية .. وتتجافي عن السقوط في مستشفيات الطمع البشري المقيت" ص29و30، إذن وصل الكاتب إلى (عبثية الهدف/الغاية) ووجدها تافهة، لا تستحق كل ذاك العناء والشعور بالذنب، فهو أقدم على جريمة قتل البطل، ليكون هو العظيم الذي جرب الموت، لكنه تفاجأ بالاكتشاف تفاهة (العظمة) وانحطاطها، لهذا يحاول من جديد استعادة حضور البطل المقبور: "لكن الرواية أخذت منعرجا آخر، فالرجل الذي كنت أحاول أن أرصد موته الباهر اقترح علي نهاية أخرى.. رأى لها نهاية أكثر إثارة وإدهاشا... شعرت أنه كان يكتب سيرته بنفسه .. ويشاركني صياغة فصولها .. فهولم يعد مجرد بطل للرواية .. بل صار كاتبا لها، يملي علي تفاصيلها بحرفية بارعة.. مسيرا قلمي وفق مشيئته.. مسخرا قدراته الخارقة لنسج خيوط الرواية ببراعة وغبقرية...صرت أخاف أن تمنح (نوبلي) المأمولة له هو فأفقد بعدها كل شيء.. فالرجل كان يمثل معجزة في فكره وأخلاقه وإنجازاته الإنسانية الباهرة.
لا يهم فقد صرت جزءا منه.. وقد فزت بتقمص شخصيته .. بالذوبان فيه .. والحلول في روحه .. ظفرت معه بتجربة الموت حيا" ص 31، الكاتب لم (يتراجع) عن قتل البطل إلا بعد أن وجد (تفاهة العظيمة) لهذا يحاول أن يعيد البطل إلى الحياة، مبررا اختفاءه الكلي من الأحداث، بواسطة تقمص دوره، والصحيح أنه لم يتقمص دوره، بل ألغاه تماما، وسرق تجربة موته.
وهنا يستعيد الكاتب قدرته على التحكم بأحداث القصة/الرواية، فقد تم إزالة المنافسة/الصراع بينه وبين البطل، وها هو يعود إلى بيته: "... هرعوا إلى غرفتي... اقتحموا علي الدار فتبعهم الفضوليون ... غصت الغرفة بهم .. وقفوا مذهولين جميعا.. نظروا إلي باندهاش.. كنت أبكي .. بكى جميعهم بعيني .. بعيني بطلي المتوج بالمجد والخلود .. تجمدوا انبهارا مما يحدث" ص33، هذا المسار السوي ـ اعطاء كل شخص حقه ـ حتى لو كان صحاب الحق من اختراعنا، من خلقنا نحن، فهو يبقى صاحب حق ولا يجوز ان نأخذ منه ما أعطيناه، وهنا يتقدم الكاتب خطوة أخرى إلى الأمام فيتخم قصته/روايته بهذه طريقة:"...كان بطلي العظيم يقترب مني.. يربت على كتفي بحنو بالغ.. يبتسم في وجهي .. يملأ أعماقي فرحا .. يدعوني ثم يهمس في أذني بلطف قائلا: فلنجرب الحياة..!؟
حاولت عناقه.. أن ارتمي بين أحضانه فسقطت أرضا فلم يكن ثمة أحد.. تلفت في حيرة مثل مجنون، وعلى سريري ثمة ملاءة بيضاء بدت كأنها تنبض تتنفس.. كأن تحتها جسد مسجى..!؟" ص35، النهاية المذهلة جاءت بعد ان أعاد الكاتب البطل الميت إلى الحياة، فاستعاد عافيته واتزانه وقدرته على الكاتبة والابداع، فأخرج لنا نهاية صادمة، موت الكاتب وبطل الرواية القصة معا.
وبهذا اقتص الكاتب من نفسه، بمبدأ "العين بالعين والسن بالسن" فكان حكمه عادلا مرضيا، لنا نحن القراء وللضحية نفسها، لهذا كانت (نهاية) الرواية/القصة مذهلة، فالعدل سيد الاحكام.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف