الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دراسة في الأدب النفس لرواية "بنش مارك" بقلم:د. سلطان الخضور

تاريخ النشر : 2019-11-30
دراسة في الأدب النفس لرواية "بنش مارك" بقلم:د. سلطان الخضور
بسم الله الرحمن الرحيم
دراسة في النقد الأدبي النفسي بعنوان
انعكاس المسمى والغلاف على المحتوى وعلاقته بنفسية الراوي
في رواية "بنش مارك" لتوفيق جاد
د. سلطان الخضور

يجود علينا الروائي توفيق جاد برواية جديدة تم طبعها على نفقة وزارة الثقافة بعنوان" بنش مارك". وقبل الخوض في بعض التفاصيل لا بد من الإجابة على أسئلة لها علاقة باختيار العنوان لأنه وصورة الغلاف إشارة دالة على المحتوى الذي تتضمنه الرواية. وقد ارتأى الباحث أن يحدد الدراسة بانعكاسات عمل الروائي وما عنون او اختار على الرواية
فهل هي سابقة أن تعنون رواية باللغة العربية بعنوان غير عربي؟

للجواب على هذا السؤال هناك تفسيرات أربعة، أولها تطبيق قاعدة خالف تعرف واختيار اسم غير عربي لرواية عربية، قد يكون ملفتاً للنظر ويشكل عامل جذب للقارئ، حيث تتولد لديه الرغبة في معرفة كنه الرواية وتفاصيلها. والثانية أن تكون هناك علاقة وثيقة بين العنوان والمضمون، بمعنى أن هناك ارتباط عضوي له علاقة بتفاصيل الرواية ومجرياتها أراد الروائي ابرازه. أما الاحتمال الثالث - وهذا ما نستبعده - أن يكون الكاتب مبهوراً بالعنوان لأنه غيري عربي فأحب استخدامه للتخليد كنوع من التحبب والتقرب، أما الاحتمال الرابع وهذا من المستحيلات أن الروائي بحث عن اسم بين مفردات لغتنا فعجزت، فلجأ إلى الانجليزية لتساعده في الحل، والعربية كما نعلم جميعاً زاخرة غنية فضفاضة بليغة في الرقة والغلظة، يجد الباحث في ثناياها ما يريد. نرجح الاحتمال الثاني أن هناك ارتباط بين الراوي وعنوان الرواية, وهذا ما سيتضح في الصفحات القادمة.

ثم هل يشكل المسمى غير العربي لرواية توفيق جاد سابقة في تاريخ الأدب العربي الذي يفترض أن يوسم بوسم عربي دال؟
إن البحث في هذا الموضوع يجعل الباحث يخرج بنتيجة "وإن كنت لا أحبذها" أنها ليست سابقة فقد سبق الروائي توفيق جاد الكثيرون من العرب والأجانب ووسموا أعمالهم بوسم غريب بهدف لفت النظر ومنهم من نجح في ذلك ومن هؤلاء الروائي العراقي احمد سعداوي الذي فاز بجائزة الرواية العربية عام الف وتسعمئة وستة عشر عن روايته "فرانكشتاين في بغداد” والمغربي طارق بكاري الذي وصلت روايته القائمة الطويلة بنفس المسابقة ونفس العام عن روايته "نو ميديا" كمصطلح اعلامي ورواية “شيزوفرينيا” للسودانية لينا عامر، و”أرض زيكولا” للمصري عمرو عبدالحميد والحديث يطول.
أما بالنسبة لرواية" بنش مارك" موضوع البحث فإننا في هذا المجال نرى أن هناك ارتباط روحي وظيفي بين الروائي والرواية حيث نعلم أن عمله قبل التقاعد كان بالمساحة وأن pinchmark بالإنجليزية هي علامة ارتكازية ارشادية يمكن ان يستعين بها المساح الذي يمسح الارض لتعيين العلامات والدلالات وتحديد المسافات، فهو ارتباط وظيفي، وظفه الكاتب لخدمة الرواية كمدعاة للتساؤل من جهة وليكون علامة بارزة تذكره بما مضى.

هذا بالنسبة للراوي فماذا بالنسبة للرواية؟ يتصل المسمى بالمتن بأماكن محددة خصصت في الرواية كنقاط ارتكاز يعتمد عليها، حيث انطلقت الأحداث منها كمنزل الراوي في الرصيفة, ومقهى السنترال في عمان الذي افتتح عام الف وتسعمئة وثلاثين كثاني مقهى في عمان، لكنه اختص بنوعية الزبائن وهم المثقفون وكان أيضاً نقطة تلاق يعتمد عليها لمن يريد أن يرى شخصاً ولم يستطع مهاتفته. وهناك نقطة ارتكاز ساهمت سلبية الرد بشكل ايجابي، وهي سفارة الجماهيرية العظمى لتكون انطلاقة جيدة نحو الحياة ولها تأثيرها البارز في مجريات أحداث الرواية، وتأتي جملة" وعلي أن أشق طريقي نحو الحياة، فالحياة لا تنتهي برغبة أو حلم تحطم" لتجدد الأمل.

ويمثل مقهى كفر عانه الذي كان يديره يوسف النبهان حسب الرواية نقطة الانطلاق الرئيسة التي سترسم خطوط المستقبل على الأرض، ولا نستطيع أن نورد جميع الأمثلة التي مثلت نقاط تحول في حياة الروائي توفيق جاد، ما يدفعنا للبحث في موضوع الثنائيات المتضادة التي استطاع الراوي بحنكته أن يعكسها بالصورة التي اختارها على الغلاف الأمامي وهي صورة لشجرة كان يفترض أن تكون لشجرة تين حسب القصة التي تعكسها الواردة في الرواية والتي ارتبطت بشجرة الزيتون هما شجرتان تمثلان الحياة بالنسبة لبلاد الشام بشكل هام والتي ترينا الحياة بحلوها ومرها، بربيعها وخريفها، بذكرها وانثاها، وجلسة الذكر والأنثى التي أشارت إلى التضاد، فإدارة الظهر للآخر تشير إلى عدم الرضا عما كان, فالصورة التي اختارها تعكس قدراً من التوحد العاطفي الذي تعاني منه بيوت كثيرة لسبب أو لآخر في أغلبها تتمحور حول فقدان الحب, وقد نستشف من الصورة أن الجفاف كان ذكورياً في حين كانت الأنثى تمثل ربيعاً جميلاً يحلو الاستئناس به, ف "سما" كما تشير نهايات الرواية لم توفق في زواجها الأول الذي كان من ثري لم يستطع أن يحقق لها استقراراً نفسياً أو عاطفياً بسبب عجزه الجنسي وأن المال على كثرته لم يجلب له شيئاً من السعادة, وانها كانت تشعر في البيت الذي كان يفترض أن يكون بيتاً للزوجية أنها مجرد سلعة جميلة أو قطعة من المجوهرات تزين زند حماتها, فلم تكن بذات قيمة تذكر.
ولأن الحب هو العمود الأوسط لبيت الزوجية, فقد أصرت " سما" على الطلاق من زوجها وعادت لنقطة المرجع الأولى, عادت لمن كانت تحبه, لابن عمها " قيس" الذي أصر على الزواج منها رغم تردد عمه الذي كان يقيس السعادة بكثرة المال, فعاشا بسعادة وهناء وأنجبا سهلاً وابنتين هما حيفا ويافا.

وما كتب على الوجه الآخر من الكتاب يشكل نقلة نوعية في الثنائية من ألم الماضي البائس إلى المستقبل المفعم بالأمل، فالجملة الأولى "سحب الأمل بدأت تتكاثر فوق رأسي" تجرنا إلى الواقعية وعدم المبالغة في الحلم كما بين الكاتب في أكثر من موقع في تفاصيل الرواية، فالراوي يؤكد أن هناك اشراقات سعيدة ستزيل الهم والغم ويقول أنه سيلتزم الواقعية ولن يشطح في الحلم حتى لا يهزم وانه سينهض من كبوته وسيبني من جديد بلا كلل ما تم تحطيمه من أمنيات وسيدفن الماضي لصالح المستقبل وسيعدم التجهم لصالح الابتسام.

وفي الرواية قرأت ما يجمع بين الأمرين كنقطة الارتكاز أو نقطة التحول وثنائية الحياة، إذ تتحدث الرواية عن متجاورين في الأرض, كان للمساحة دور في اظهار الحد بين قطعتيهما وكان لا بد أن تكون هناك نقطة نرتكز عليها. المهم أن أحد الجارين كان كلما حرث ارضه يدخل بمقدار ثلم على عرض عود الحراثة حتى لا تتم ملاحظته، ومع السنوات لاحظ جاره أن أرضه بدأت مساحتها تقل، ونتيجة المسح كانت أن السارق كان اقتطع من أرض جاره ما مساحته أربعة امتار على طول المزرعة، فلما واجهه جاره بالحقيقة وتم ترسيم الحد لأرض الجارين، يقول الكاتب إن الحدود دائما تسبب المشاكل حتى بين الدول. إن هذه القصة تبين أن هناك سارق ومسروق، ومعتدي ومعتدى عليه وحق وباطل لكنها توضح أيضاً أن الارض لا تختفي وأن الحق وأن طال انتظاره سيظهر وسيهزم الباطل لأن حجة الباطل ضعيفة، والأرض ستعود لأصحابها وإن قضمت فلا يمكن بلعها، ولا بد من مكان لنقطة الارتكاز لتظهر الحقيقة حتى لو استعمرت.
وقد أجاد جاد السرد بالتفصيل, مما يضع المتلقي في المشهد ويعطى الرواية زخما عمل لمصلحتها وجعل خيوطها تنسج بتمهل ودقة تستحق الذكر.
اما التسلسل الزمني المنطقي لأحداث الرواية فقد أعطاها قوة, حيث أضفى عنصر التشويق وقاد المتلقي بتسلسل للأحداث أخرج بمشهدية عالية تسحب ذهنية المشاهد ليتطلع إلى الحدث التالي ليرى نتائجه وبالتالي نتيجة الرواية.
وقد تراوحت الرواية بين النهايات السعيدة كالمشهد الخاص بالتسجيل بالكلية ودراسة علم المساحة والحزينة مثل مراجعته لسفارة الجماهيرية ما جعل المشاهد تتقلب بالمشاهد بين المد والجزر وتدخل عنصر التشويق.
ولا تخلو رواية "نقطة مرجع" كما يترجمها المؤلف من دروس يمكن ان يستفيد منها القارئ كالصفحات الخاصة بعلم المساحة والتي بين فيها الكاتب أن اقدم من كتب عن علم المساحة هو اليوناني" هيروديت " في القرن الخامس قبل الميلاد الذي عاش في عهد " سنوسرت الثالث " وأن المصريين القدماء هم من اوائل من استعان بعلم المساحة للتخطيط لموقع الهرم الأكبر والقناة التي اوصلت بين البحرين المتوسط والاحمر, وأضاف أن اليوناني "هيرون " أدخل رسم الخرائط لمساحات صغيرة في مصر إبان حكم محمد علي. وتحدث كذلك عن أنواع الخرائط كالخرائط البحرية والجوية التي أطلق عليها " المجسات" والمساحة " الجيوديسية "التي تبحث في تمثيل سطح الأرض حسب شكلها الحقيقي وحسب كرويتها أما المساحة المستوية فهي التي ترسم الأرض على أساس مستو وتهمل كروية الارض, وكذلك المساحة الطوبوغرافية التي تستخدم للأرض بارتفاعاتها وانخفاضاتها ومعالمها الطبيعية والصناعية وترسم بخطوط وهمية تسمى حطوط " الكونتور " وغير ذلك من الخرائط.

ولا تخلو الرواية أيضاً من النقد البناء فها هو في حديثة عن العمل الجماعي والعمل بروح الفريق يقول أن التقدم والتكنولوجيا جعلت ارباب العمل يجنحون إلى التكنولوجيا على حساب البشر، وكانت كما يقول رغبتهم الجامحة بالربح هي الدافع وليس الرغبة في التطور ويقول بالحرف ما نصه" غزتنا التكنولوجيا الحديثة، أصبحنا نرى تقدماً مرعباً ينذر بالخطر القادم، مثل وحش كاسر يهجم على فرائسه فاغراً فاه ليبتلعها جميعاً، بدأ الإقلال من الأيدي العاملة. أصبح المساح لا يحتاج لأكثر من مساعد أو قياس واحد، تم الغاء الفريق كما في مجالات الحياة جميعها" وفي مقام آخر يقول" وستأتي الثورة المناهضة لهذا التقدم، وستعيد الأمور إلى نصابها، هي الثورة ضد الآلة" أرى في ذلك الضيق مما نحن فيه والدعوة للوراء، ولكن الحق أن عالم التكنولوجيا ما زال في حالة الصعود، ونحن كأمة أقل استخداما من غيرنا في العالم، فنحن الأقل انتفاعاً لكننا الأكثر تضرراً لاعتبارات عديدة لا مجال لذكرها هنا.
على صعيد البناء الفني, بنيت الرواية بناء صحيحاً من حيث الشكل, واتبعت تسلسلاً زمنياً منطقياً مترابطا و اشتملت في معظمها على السرد القصصي, لكن هذا السرد كان في صلب الموضوع ما أعطاها زخماً مكانياً وزمانياً مشوقاً. واحتوت الرواية على لوازم الكتابة من حيث التفقير والترقيم والهوامش وحملت مضامين جوهرية ذات علاقة بالعنوان, وتدرجت في المسير كالقطار, لتقف في محطات عدة وحيثما اقتضى الموقف من الناحية الزمنية.
أما على صعيد المفردات فقد احتوت الرواية على مفردات سهلة ومفهومة للقارئ العادي, وخلت من المصطلحات العلمية التي تحتاج إلى تفسير, الا ما تعلق بوحدات المساحة وقياساتها لكنها اشتملت على ايضاح لهذه المصطلحات أينما اقتضى الأمر.

لقد وفق " توفيق جاد" كروائي في استحضار العديد من المشاهد المحفزة، والتي تحمل بين ثناياها دروساً وعبر يستفيد منها القارئ ومن الممكن أن يجعل منها نقاط ارتكاز لرسم معالم المستقبل أو للجنوح يمنة أو يسرة بحثاً عن بر الأمان.

وفقكم الله جميعاً لخدمة الثقافة والمثقفين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف