الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الأستاذ شنطة بقلم:جهاد الدين رمضان

تاريخ النشر : 2019-11-29
الأستاذ شنطة بقلم:جهاد الدين رمضان
الأستاذ شنطة

   حدثني صديقي الدكتور "رودي" عن صديقه الأفريقي، قال :

صديقي الأفريقي رجل مسالم لاجئ مثلك في النمسا، كان يتعرض لمضايقات البوليس و مفتشي التذاكر في كل مكان و زمان بسبب لون بشرته الذي وضعه موضع الشبهات، كان ملتزماً بالقانون و لا يركب وسائل المواصلات بدون تذكرة، إلا أن دوريات البوليس توقفه كلما رأته ليخضع للتفتيش و السؤال، و كلما صعد المفتش القطار أو الترام أو الباص يسأله قبل كل الركاب أين تذكرتك؟

   أكمل صديقي رودي حكاية الأفريقي قائلاً :

خطرت في بال صديقي الأفريقي فكرة لامعة : اشترى حقيبة دبلوماسية فاخرة (شنطة سامسونايت) من سوق المستعمل، نظفها جيداً و اعتنى بها حتى صارت مثل اختها الجديدة المعروضة بمئات اليوروهات في المحلات الراقية، جرب حملها أول الأمر واضعاً بداخلها بعض الأوراق و مظلة و معطف خفيف ضد المطر، صعد المفتش القطار و مرّ بقربه باحترام دون أن يسأله أي سؤال، نزل من القطار بسلام و لم توقفه الدورية المرابطة على باب المحطة، و في الشارع صادفه شرطي فحياه باحترام، و بعدما كانوا جميعهم يسألونه أين بطاقتك صاروا يقولون له السلام عليك أيها المحترم! 

قال صديقي رودي معلّقاً على حكاية صديقه الأفريقي :

• هكذا هي الحال يا صديقي "جهاد" في كل مكان، الناس تحكم على الناس من خلال مظهرها، و لا تهتم لحقيقة ما بداخل النفوس، بعد أن كان صديقي مشبوهاً في نظر الجميع، صار السيد الجنتلمان تاجر الماس، أو مساعد "بانكيمون" الشخصي. 

• لكن الحقيبة لا تجعل منه "استاذ" يا صديقي، أعرف محتالاً في بلدي فعل مثل صديقك الأفريقي، و استأجر مكتباً في مركز مدينتي حلب، وضع اسمه بجانب اللوحات الأسمية للمحامين على مدخل البناء الفخم، لكن لم يستطع أن يصبح استاذاً إلا في فن النصب و الاحتيال. 

• ربما لا يناديه أحد ممن يعرفه ب : (يا استاذ) كما تقول، لكن لو صادفه الأغراب في الشارع ببذلته الرسمية و القميص الناصع البياض مع ربطة العنق الفاخرة و الحذاء الطلياني اللماع و شنطة السامسونايت، حتماً سينادونه ب : يا استاذ! 

• صدقت ، من لا يعرفك يجهلك، ربَّ حقيبة تجعل من المجرم قاضٍ أو أستاذ أو دكتور . 

……………………………………… 

   في أول محطة لي في تغريبتي القسرية، دعوت زوجتي لتناول الغداء في أحد المطاعم السورية بمصر، كنا انتقلنا حديثاً من ضاحية "مدينة الرحاب" إلى ضاحية مدينة "ستة أكتوبر" الرحبة غرب القاهرة، سمعت في المطعم الحلبي صوت جهوري أعرفه، لكن لم أتذكر صاحبه، أصغيتُ لحديث الرجل الحلبي صاحب الصوت الجهوري المألوف، و عبثاً حاولت تذكر اسمه من خلال تأمل وجهه، قلت لزوجتي بعد أن أعياني السؤال : سأذهب إلى طاولة الرجل لأتعرف عليه مجدداً و أرمم ذاكرتي المعطوبة بداء النسيان، قالت لا بأس، سأذهب معك فقد شدّني حديثه الطريف بلهجة حلب المميزة التي افتقدناها من زمان . 

تعرفتُ على الرجل الحلبي الضخم، الأستاذ الدكتور "عين" المحامي المشهور، الذي بدأت شهرته من جامعة حلب، إلى نقابة المحامين ، و بعدها "كش طار" بسبب الاحتيال، و لم يبقَ له أثر في حلب الشهباء . 

كان "د. عين" جالساً في المطعم يحاول إقناع مالكه بالسماح له أن يجعل صالة المطعم العليا الصغيرة مقرّاً لحزبه الجديد الذي يروّج له الآن، أو بالأحرى يستخدمه كعنوان المرحلة الثورية لاستقطاب الزبائن و الأتباع، إذ لا يُسمح له بمزاولة مهنة المحاماة في مصر و لا التدريس في جامعاتها، و كان بحاجة لمصدر دخل و مكتب للحزب الديمقراطي الجديد الذي يبشر به "ليتضامن" معه الثوريين السوريين، رفض صاحب المطعم الشاب طلب الأستاذ عين معتذراً منه، فلا يصحّ المطعم أن يكون مركز حزب سياسي أياً كان. 

حمل الأستاذ عين مكتبه و حزبه في شنطة السامسونايت و ذهب يفتش عن زبون جديد يبتلع الطعم و يأويه من أشعة الشمس الحارقة في شوارع مصر بخفي حنين، و غادرنا المطعم بعد خروج أستاذي الكريم بالاسم لا بالفعل. 

   بعد حوالي شهر كنت أتسوق مع زوجتي في سوق الخضار، لفتَ انتباهي رجل طاعن في السن ببذلته الرسمية و شنطته الدبلوماسية الفاخرة، كان مستنداً عليها برأسه فوق طاولة إحدى المقاهي الشعبية في الظل و يشخر بعمق، حزنت لمنظره و أشفقت عليه بعد أن عرفته، لقد كان "الأستاذ شنطة" بعينه و حزبه و مكتبه! 

ضحكت زوجتي إذ رأتني أحدق فيه مستغرباً، أهذا هو أستاذي دكتورنا المشهور في كلية الحقوق بالأمس؟ قالت لي و قد رأته و عرفته : 

• يبدو أن استاذك ما يزال يستجدي مقرّاً لحزبه يقيه من حرّ الشمس، أي حزب هذا الذي يتسول طاولة في مطعم أو مقهى على الرصيف؟ 

• إنه حزب الاستجداء و التجارة بالشعارات، حزب المرحلة القادمة يا عزيزتي بلا شك! 

…………………………………….. 

   دارت الأيام بنا و صارت شهوراً و سنين، و مازلنا نبحث عن وطنٍ على موائد اللئام و طاولات المؤتمرات ، و أساتذة الأحزاب تتاجر بقضيتنا بالكلمات و الشعارات الرنانة، بينما لا يزال الاستاذ شنطة عفواً "الدكتور" الوسيم، يحمل شنطة عدة "التطهير" السامسونايت، و يوزع علينا الموت و الدمار و القهر . 

جهاد الدين رمضان 
في فيينا ٢٢ آب / أغسطس ٢٠١٩ 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف