الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نجوم تحت وسادة التاريخ (5-10) بقلم مهند طلال الاخرس

تاريخ النشر : 2019-11-23
نجوم تحت وسادة التاريخ
بقلم مهند طلال الاخرس

يقول بورخيس:" قد يكتب الشاعر مئات القصائد وفي النهاية لا يبقى سوى عدة ابيات" وهذه الحقيقة تؤكد أننا اعجز من ان نحيط بكل قوى الطبيعة ما ظهر منها وما بطن. ويبقى النقصان والتقصير سيد الموقف، فيحدث ان تغيب الواقعة كاملة وتختفي آثارها وتصعد التفاصيل الى الفضاء وتمكث في العدم، وتغيب الحقيقة حتى تكاد تختفي؛
وهنا وعند هذه النقطة بالذات يأتي دور الشهيد وديدنه في سائر الازمان...فهو سادن الحقيقة وبوصلة النصر ...

اذ يحدث ان يضيء نجم قادم من بعيد هذه الحقيقة المغيبة، ويقرع الاجراس من جديد، ليس ايذانا بقيام الساعة، ولكن اعلانا من السماء بأن الشهيد لا يُنسى ولا يفنى وانه قد يغيب وقد يُغيب، لكنه كسائر الحقائق حتما سينتصر، فهو جزء من ملكوت الطبيعة، والطبيعة بتكوينها ملازمة للحقيقة، فالتاريخ قد يغفو تحت الوسادة الى حين، لكنه سرعان ما يصحو وينتفض، يهز ذلك الرأس الوسخ المتكىء على وسادة التاريخ، فينفض عنه غبار التيه والنسيان، ويعيده الى جادة الحق والصواب، ويضفي عليه البهجة والسرور، ويضيف عليه الكثير من الالق، ويزينه بسماء كبيرة وجميلة مرصعة بالاقمار والنجوم وتحتفل بك ايما احتفال، فما ان تطلبها بنجمة واحدة تأتيك السماء كلها محملة بأجمل النجوم والاقمار، وما ان تقترب النجوم اكثر، وما ان تمعن النظر وتزيد من مساحة الابتسامة حتى ترى الشهداء قد ترجلوا عن اقمارهم ونزلوا عن نجومهم واعادوا للحقيقة صورتها البهية وكتبوا اسماءهم على كل الجدران المنسية من ربوع ذلك الوطن الذي اسال دمهم حبا وطواعية...

بعد هذه العودة على ظهر النجوم، يحدث ان يطلب الشهداء وقبل عودتهم مرة اخرى للسماء، ان تبقى اسماؤهم على الجدران وفي الشوارع والساحات وفي كل الاماكن التي سال دمهم من اجلها ومن اجلنا...

قد يحدث هذا الطلب واكثر؛ لكن وحدهم الشعراء كانوا قد ادركوا تلك المعادلة وكُشف عنهم الحجاب، فادركوا قسوة التاريخ على الجغرافيا وعرفوا بالتجارب قسوة الانسان على اخيه الانسان، فسابقوا الزمن وابدعوا الكلمات، واضافوا للسماء كلمات كانت كالوعد والعهد؛ من هم لديك ايتها السماء هم اجمل ما فينا، كلما غلبنا الحنين لهم، هُزينا قليلا..

سنُعطي الشوارعَ أسماءَ مَن لم يسيروا عليها طَويلا
(لأنَّ سبيل الشّهادة كانَ السبيلا)
وشاءَتْ خُطا عُمرنا أنْ تسيرَ
وشاءَتْ خُطا عُمرِهم أنْ تسيلا..
سنُعطي الشوارعَ
أسماءَ مَن لم يسيروا عليها طويلا

هذه المقاطع من قصيدة للشاعر العربي الفلسطيني الكبير سميح القاسم لم تغادرني قط وانا اسير في شوارع الجزائر واتجول في تاريخها، كان سميح القاسم حاضرا مثلي انا واكثر، وكنت اجده اصدق وصفا عندما اسير في كل شارع او ميدان او في اي مكان واراه مزينا باسماء الشهداء، فالمرور اليومي بالشهداء؛، حاجة ملحة لتغذية الروح باقصى درجات الوفاء ..

وانت تتجول في شوارع الجزائر يلفت انتباهك سريعا ذلك الحضور الطاغي للشهداء في المشهد الجزائري، فشواهد عطائهم تلمحها في اسماء الشوارع والميادين والساحات والمدارس والجامعات ومحطات القطارات وفي اسماء البواخر والمطارات والحدائق والملاعب وشتى انواع البنايات، حتى ان اسماء الشهداء تطغى على اي اسم آخر، وهي باقية تذكر بمن لا يموتون وبما لا يجب ان ينسى، وبما يجب ان نعنى، وبما وجب ان يذهب، وبما وجب ان يبقى، وفي كل الاحوال ما تراه من اسماء لكل الاماكن في الجزائر ما هو إلا تأكيد على حقيقة الهية ثابتة بأن الشهداء احياء عند ربهم يرزقون.

اثناء تجوالك في شوارع الجزائر يحدث ان تلتقط تلك الاسماء وتبدا بالبحث عنها والتعرف عليها اكثر، ترافق مساعيك وشغفك للجزائر خطاك ويتفقان كلاهما على هذا الحب وهذا الوفاء، تستزيد اكثر حبا وطواعية، وقد تبحث عن قبورهم وتذهب لزيارتها وقراءة الفاتحة لارواحهم وربما الترحم عليهم ايضا، رغم علمنا الاكيد انهم هم شفعاؤنا لا نحن، وبان امثالنا لا يشفعون لامثالهم، فلو كنا كذلك لكنا اوفياء لعهدهم ودمائهم، وربما لان قراءة الفاتحة والترحم عليهم في مثل هكذا حالات بينة قطعية الدلالة والثبوت على ان بعضنا قد تاه من بعدهم، وان البعض الاخر نزل عن الجبل، واما البعض المتبقي من بعضنا، فقد ضاعت بوصلتهم واختلطت المعايير عليهم، وضاقت عليهم الارض بما رحبت، فلاذوا بالمقابر للتبرك بهم تارة او لانهم لم يجدوا خيرا من شواهد قبورهم يبكون عليها، ويشكون وجع الايام التي غدرت بالوطن واستقامت لتجار الوطن، فلا عجب عند فقدان البوصلة ان نترحم اذن على شفعائنا يوم القيامة!

في الجزائر تزدحم المقابر كما تزدحم الشوارع بالدماء والذكريات، في الجزائر لا تنام القبور على الاحزان، فهي جميلة حد الجنون، حتى انك تشتهي الموت في الجزائر!

رددت هذه الجملة على مسامع الدكتور علي شكشك، فعرف سريعا انني في المقبرة، واكد معرفته تلك بسؤاله لي، أانت الان في المقبرة؟ اجبته بنعم، واني في هذه اللحظات ابحث عن قبر مالك بن نبي. اتحفني الدكتور علي بنفائسه حين قال لي عدة استعارات واقوال على لسان الفيلسوف والمفكر الكبير البير كامو عن الموت وجمالياته...

كان اجمل ما قاله الدكتور: ان الموت هنا في المغرب العربي يختلف عنه في المشرق العربي، فهنا ثقافة الموت جميلة! ففي الشرق يقيمون المقابر على اطراف المدن والقرى وبالقرب من الصحراء، قلت له: لذلك كان اهالينا في المشرق يسمون المقابر تاريخيا بالصحراء، قال: لعله كذلك، قلت له: المقابر هنا بين البيوت وفي اجمل الاحياء، المقابر هنا ليست وحيدة، حيث تطل عليها العمارات وتفتح عليها النوافذ وتستقبل كل الزائرين وكذلك اجمل الصباحات، واضفت باني سبق وان زرت ايضا مقبرة العالية؛ المقابر هنا اجمل من الحدائق والمتنزهات لدينا، فهي تسمح بالتجوال وتنسم الذكريات واستذكار التاريخ. عاد واخبرني: الموت هنا له طقوسه وجماليته، ألم اقل لك؟
"قلت: بلى، ولكني مثلك انت نسيت ان اموت"!

لم استغرب سعة الثقافة والاطلاع لدى الدكتور علي؛ لكن فاجأتني تلك المكالمة وكل هذا الحديث في ذلك التوقيت، وارتبكت اكثر عندما تتبعت عيناي اشارة اصبع السبابة لحارس المقبرة حيث يشير الى
شاهد القبر لفيلسوف هذه الامة والانسانية واحد مفكريها العظام مالك بن نبي..

في الجزائر العاصمة وبعد جهد يسير وعلى بعد الف متر من حديقة التجارب، والتي ان تركتها على يمينك وسرت باتجاه شارع بلوزداد تستدل على مقبرة سيدي امحمد فتجدها على يسارك، وهناك حيث يرقد مالك بن نبي هو وثلة من العلماء والشهداء كمحمد البشير الابراهيمي، هناك تجد الشهود والشواهد، هناك مازالت تنبع الحكايات من الارض نقية فتية حالها كحال الورد كلما ذبُل عاد وازهر..

مقبرة سيدي امحمد تشبه الحديقة في كل شيء إلا ان حجم الورد فيها اكبر وكذلك حجم حروف التاريخ ...

في المقبرة حارس طيب الذكر والمحيا، عارف عالم بسكانه وسيرتهم وصيرورتهم جيدا، ويقدر زواره، ويتلو عليهم موشحا يشبع ضالتهم، ويُذهب عنهم عناء تكبدهم لهذا المسير، اذ يتحفهم بكم هائل من الحب والمعرفة، ما ان سالناه عن مالك حتى ابتسم ورحب ونهض من مهجعه الكائن في مقر ادارة المقبرة، وهو مقر لا يفسد جمال منظر المقبرة ولا يخدش هيبتها، بل جاء منسجما معها، حتى بدا وكأنه جزء منها.

في لحظة شرد ذهني وافقت وانا على راس شاهد القبر لمالك بن نبي. لم تحملني قدماي، احسست ان الارض تموج من تحتي، لم تعد قدماي تحتملني، تظاهرت بالتماسك، حاولت اجلاس نفسي طواعية، لكنها جلست صاغرة، فقدماي الصغيرتان لم تعد تحتمل، وكذلك الحال بالنسبة لعيني، لم اعد ارى، حاولت التماسك، وشيئا فشيئا عدت ارى واستقام لي النظر، واسترقت منه لحظات استمع لدقات قلبي علي اراه، وجدته ينبض لم يغادر مكانه، وما هي الا لحظات حتى ادركت انني اجلس امام كوكب دري وامام عالم جليل ومفكر وفيلسوف من طراز رفيع، تتواضع كل هذه الصفات امام مالك بن نبي، فهكذا اسم وحده يعبر عن كل تلك الصفات.

هكذا قرا حارس المقبرة افكاري واكمل يقول: تصادف اليوم ذكرى وفاة مالك بن نبي 31/10/1973 ، وقال بأسى لقد مر وقت طويل دون ان يجيء احد لزيارته في مثل هكذا يوم، اوقفته عند هذا الحديث منعا لدموع تريد ان تتقاطر منا ومنه، وقلت له: "افي مثل هكذا يوم يموت احد"، امتعض قليلا من اجابتي وسريعا ذهب امتعاضه ادراج الرياح حين علم من لهجتنا بأننا فلسطينييون..

تجولنا في المقبرة وتشاركنا نحن والحارس وجمع آخر من الزوار سيرة مالك بن نبي بمناسبة الذكرى 46 لرحيله.

استمرينا في التجوال في صفحات التاريخ واستمرت خطواتنا في السير في شوارع المقبرة، وتطرق بعض الزوار لبعض الفصول عن حياة مالك بن نبي الايقونة والرمز.

قال احدهم: لقد اشار مالك بن نبي في كتابه العفن وازمة العالم الاسلامي الى عدة اسماء خانت الثورة وبعض التلاعبات التي حدثت اثناء قيامها، بدايةً من المنظمة السرية، مرورا بمؤتمر صومام، وتحقيق في الاتصالات المريبة لعبان رمضان، الى تحويل ALN الى FLN ، وقد راسل مالك بن نبي الحكومة الجزائرية المؤقتة عدة مرات وحول عدة قضايا تستوجب التحقيق، لكن لا حياة لمن تنادي، وترك رسالة للشعب الجزائري قال فيها "يجب على كل جزائري صاحب ضمير أن يبلغ الشعب هذه الشهادة حتى يكون على بينة من الاخطار التي تهدد الحقوق والحريات المقدسة التي مات من اجلها مليون من ابنائه الشهداء وليكون على بصيرة من الاطماع التي تزحف نحوه".

عند الحديث عن عبان رمضان واتصالاته المريبة، تبادر الى ذهني حديث سابق مع الصديقين احمد الداهيم وصديق عطير انتهى بسيل من المعلومات الفظيعة عن احداث كثيرة لازالت ملابساتها غامضة. عدت من شرودي وكان احد الحضور يتابع بقوله: اقراوا كتاب العفن وازمة العام الاسلامي ستعرفون الكثير ...

واضاف آخر:
كان مالك بن نبي يخالف الرأسمالية والاشتراكية كنظام والعلمانية
والشيوعية كايديولوجية، لذا كان منبوذا من الفرنكوفونيين وخاصة الماركسيين الذين ابدوا عداوتهم له، فكانوا يفعلون المستحيل لمنع محاضراته وبلغت بهم العداوة ان وزعوا مناشير على الطلبة ليقاطعوا محاضراته قائلين انه عدو الاشتراكية، فكان دائما ما يذكر في كتبه بعيوب هذه الانظمة ويكشفها عن حقيقة وليس تلفيقاً، مما تسبب له بالكثير من الاعداء.

واكمل بقوله: ليس هذا وحسب؛ بل جرى اتهامه من الجانب الاسلامي المتطرف ايضا، فمنذ ان كان طالبا كانت المخابرات الفرنسية تترصده، وبعد تضييق الخناق عليه قرر الرحيل الى مصر بعد ان مُنع من الرجوع الى الجزائر، وهناك التقى العديد من الشخصيات، حيث ان كل كتبه التي طبعت في مصر كانت في دار العروبة التابعة للاخوان المسلمين، حيث كانوا يحترمونه ويتداولون مؤلفاته، لكنه خالف سيد قطب في مسألة الحضارة، واثار ثورة فكرية بانتقاده سيد قطب خاصة عندما قال:" ان الانسان يمكن ان يكون مسلما وغير متحضر، و هو قول احدث تصادما مع فكر سيد قطب، علاوة على ان البعض الاخر ركز على تشويه سمعته من خلال تعامله مع دار العروبة تلك الدار التابعة للاخوان المسلمين.

وفي استحضار سيرته ومسيرته تشارك الحضور جميعا يتنازعهم الحب لمالك بن نبي والوفاء لذكراه وافادونا بان مالك بن نبي طالب بالاستقلال منذ الثلاثينيات 1930، واتصلت به الحكومة الجزائرية المؤقتة، فلبى النداء لتكوين الاساتذة، وفي عام 1967 عُين مالك بن نبي مديرا عاما للتعليم العالي ولكن هذا لم يدم سوى اشهر فقط، وانتهت على اثر قيام مالك بن نبي بالاشراف على افتتاح المركز الجامعي بقسنطينة عام 1968، وعلى اثر هذا الافتتاح ثارت خلافات تمخض عنها اقالته من العمل.

طال تجوالنا في المقبرة وطال الحديث عن مالك بن نبي، فكان ان التفت اتفحص الوجوه من جديد، وجدت ان معظمها كان قد اختلف، لم يبق من ذات الوجوه إلا نحن وحارس المقبرة!
اصبت بالذهول وانا احاول استرجاع وجوه من رافقونا في هذه الجولة على مدار ساعة كاملة، لم استطع، كاني لم ارهم، او كاني رايت وجوها بلا ملامح، لا اعرف، لكني عدت الى مجرى الحديث لاجد احدهم يتحدث عن مرض مالك بن نبي ووفاته، فقال: اصيب مالك بن نبي بورم خبيث في رأسه كشفه اطباء فرنسيون في باريس واخبروه ان حالته ميؤوس منها، فعاد للجزائر ليحظى بوقت اكثر مع بناته الثلاث، ويذكر انه عندما كان يحتضر قال لزوجته وهي تبكي، ان لا تقلق لانه سيعود فكره بعد 30 سنة وسيفهمه الناس، وبقي على هذه الحال الى ان وافته المنية في الجزائر، وصلي عليه في جامعة الجزائر وتم تشييع جثمانه الى هذه المقبرة "سيدي امحمد" حيث نحن هنا .

مات مالك بعد ان ملك القلوب والعقول وترك بين ايدينا مكتبة ضخمة تتكون من ما يقارب الثلاثين كتابا، هذا طبعا عدا العديد من الكتب والدراسات والبحوث والمقالات التي كتبت حول الفيلسوف والمفكر مالك بن نبي رحمه الله.

المقبرة كالحديقة تسمح لك بالسير والتجوال فيها واكثر، فما تتحصله من المعلومات والمعارف فيها وعلى لسان حارسها وضيوفها، قد لا يتكرر، وقد لا يقال لغيرك، وان قيل فلم يسمعه احد !

حارس المقبرة فخور بعمله ويفخر بزواره، لكن عاد واخبرنا في نهاية الزيارة انه فخور اكثر بامواته.

عند وداعنا اسرّ لي حارس المقبرة بحلم كان قد جاءه في منامه ويحسبُه رؤيا؛ واضاف بأنه رآني احمل الزهور في ذلك الحلم، ارتبكت وتبعثرت كلماتي وتلكأت خطواتي بعمد؛ لعلي اعطيه من الوقت ما يسمح لي بكشف تفاصيل ذلك الحلم، لكنه تعجل في خطواته وابتسم وكنا قد وصلنا باب المقبرة، فسلم علينا مودعا، تسمرت في مكاني، كان الاخرون كلهم قد اختفت خطواتهم في المقبرة، وحدي بقيت وحدي امام باب المقبرة،
وحدي ادافع عن خطواتي
وحدي اقف تحت قوس يعلو باب المقبرة،
وحدي اعتقدت بأني لن اخرج من ساحة المقبرة
وحده حارس المقبرة اعاد لي خطواتي حين عاد وقال: انه سعيد جدا لانه يرى ان جزءا من ذلك الحلم قد تحقق.

غادرت خطواتي المقبرة وغابت في الشوارع واختلطت مع بقية الخطوات والاحلام والامال، لكن عيني بقيت تحدق بالسماء، وجدت الجزائر كالسماء جميلة ودافئة، فيها كل شيء، فقط يلزمها ان تُخرج نجومها من تحت وسادة التاريخ.

يتبع...
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف