والشعراء يتّبعهم الغاوون..إلاّ
د. أحمد جبر
تباينت مواقف الشعراء العرب من الاستعمار في العصر الحديث، فوقفوا في وجهه، وأعلنوا من خلال إبداعاتهم محاربتهم له، فكشفوا خداعه، ووصفوا غدره، وحرضوا واستنهضوا العرب لمواجهته وتحرير أمتهم من براثنه، والانفكاك من سيطرته وتبعيته وهيمنته. ومنهم من ترجم عقيدته وثورته ومواقفه ضد الاستعمار إلى واقع عملي ملموس، حيث راح يناضل، ويدافع عن الأمة بالكلمة وبالبندقية في ميادين كثيرة من الوطن العربي.
ولكن بعض الشعراء قد سقطوا في ما راق للبعض أن يطلق عليه سقطات أو هفوات، حيث مدحوا المستعمر وتغنوا بتاريخه وبملوكه، وقادته، بل إن منهم من تجاوز الحد فدعا إلى موالاته واقتفاء أثره وساوى بين قادته وقادة المسلمين من أمثال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- الأمر الذي يؤكّد صدق قول الله عز وجل ((والشعراء يتّبعهم الغاوون .....)).
فالشاعر معروف الرصافي يقدم من بغداد إلى مدينة القدس المحتلة ليلتقي المندوب السامي البريطاني فيها، وهو "هربرت صموئيل" ويلقي قصيدة مطوّلة عبر فيها عن تلاقي العرب واليهود في الأصل والنسب والقربى حيث يقول:
خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكر وذكرنا ما نحن منه على ذكر
ولسنا كما قال الألى يتهموننا نعادي بني إسرائيل في السر والجهر
وكيف وهم أعمامنا واليهم يمت بإسماعيل قدما بنو فهر
واني أرى العربي للعرب ينتمي قريبا من العبري ينمى إلى العبري
هما من ذوي ألقربي وفي لغتيهما دليل على صدق القرابة في النجر
ويعلن الشاعر جميل صدقي الزهاوي عن حبه للانجليز ويحث العرب على تقليدهم واقتفاء آثارهم بقوله :
أحب الانجليز واصطفيهم لمرضي الإخاء من الأنام
جلوا في الملك ظلمة كل ليل بعدل ضاء كالبدر التمام
تبصر أيها العربي واترك ولاء البعض من قوم لئام
وأول الانجليز رجال عدل وصدق في الفعال وفي الكلام
بحبلهم اعتصم فتعيش حرا يسير على البسيطة في سلام
وهو القائل في أعقاب قمع الانجليز ثورة العراق عام 1921 م واستقباله المندوب السامي البريطاني ( برسي كوكس):
عد للعراق وأصلح منه ما فسدا وابثث به العدل وامنح أهله الرغدا
الشعب فيك عليك اليوم معتمد فيما يكون كما قد كان معتمدا
أما "شاعر النيل" حافظ إبراهيم فيتجاوز كل حد، ويكسر كل حاجز عندما أقدم على الدعوة لموالاة الانجليز مخالفاً بذلك نهي المولى عز وجل عن موالاتهم،والسير في ركابهم ، حيث يقول:
ووال القوم إنهم كرام ميامين النقيبة أين حلوا
وليس كقومهم في القرب قوم من الأخلاق قد نهلوا وعلوا
فان صادقتهم صدقوك ودا وليس لهم إذا فتشت مثل
فماددهم حبال الود وانهض بنا فقيادنا للخير سهل
وعندما استقبل حافظ إبراهيم المندوب السامي البريطاني الأول في مصر انشد قائلا:
انتم أطباء النفوس وأنبل الأقوام غاية
أنى حللتم في البلاد لكم من الإصلاح آية
وعدلتم فملكتم الدنيا وفي العدل الكفاية
إن تنصروا المستضعفين فنحن أضعفهم نكاية
وللشاعر قصائد في رثاء " فكتوريا " ملكة بريطانيا وابنها " ادوارد السابع "
أما الشاعر احمد شوقي فيصف الانجليز بأنهم الحلفاء الأحرار وهم أرقى الشعوب بقوله في قصيدته ( الله والعلم )
حلفاؤنا الأحرار إلا أنهم أرقى الشعوب عواطفا وميولا
ويفصح إيليا ابو ماضي عن موقفه تجاه اللنبي، حيث يسقط صورة الحدث المرعب الجديد، على الحدث المرهب القديم، عندما قال متشفياً:-
غضبت على الهلال فخر ذعراً ولحت له فحاذر أن يلوحا
فكان الجند كلهم يشوعا وكانت كل سوريا أريحا
الانبي لو طبعنا الشمس يوما وقلدناكها سيفا صفيحا
ورصعناه بالشهب الدراري لما زدناك فخرا أو مديحا
لأنك أشجع الأبطال طرا وأنبل قادة الدنيا فتوحا
فان يكن المسيح فدى البرايا فانك أنت أنقذت المسيحا
وتغضب سورة باريس المدمرة، وما تعرضت له من هجمات على يد هتلر ومحوره إبان الحرب العالمية الثانية الشاعر علي محمود طه، فينظم قصيدة مطولة في "باريس" أسقطها من ديوانه في الوقت الذي تعرضت فيه مدن مصر والإسكندرية تحديداً لكثير من الدمار ولم يرثها ببيت من الشعر و قد تحدث فيها الشاعر عن أيامه فيها وعن ذكرياته هناك حيث شهد في حدائق قصر فرساي الاحتفال بليلة عيد الحرية. ومن الجدير بالذكر أن باريس قد حظيت بكثير من القصائد حيث تغنى فيها بعض الشعراء العرب وعبروا عن حزنهم الشديد لما أصابها على يد هتلر كما عبروا عن محبتهم لها وإعجابهم بها في حين وجد القليل من الرثاء لما تصاب به المدن العربية من محن وآلام جراء الاستعمار البريطاني والفرنسي إبان الحقبة الاستعمارية ومن الأدباء والشعراء الذين احتفوا بباريس عباس محمود العقاد ومحمود غنيم وعلي الجارم وعزبز فهمي.
د. أحمد جبر
تباينت مواقف الشعراء العرب من الاستعمار في العصر الحديث، فوقفوا في وجهه، وأعلنوا من خلال إبداعاتهم محاربتهم له، فكشفوا خداعه، ووصفوا غدره، وحرضوا واستنهضوا العرب لمواجهته وتحرير أمتهم من براثنه، والانفكاك من سيطرته وتبعيته وهيمنته. ومنهم من ترجم عقيدته وثورته ومواقفه ضد الاستعمار إلى واقع عملي ملموس، حيث راح يناضل، ويدافع عن الأمة بالكلمة وبالبندقية في ميادين كثيرة من الوطن العربي.
ولكن بعض الشعراء قد سقطوا في ما راق للبعض أن يطلق عليه سقطات أو هفوات، حيث مدحوا المستعمر وتغنوا بتاريخه وبملوكه، وقادته، بل إن منهم من تجاوز الحد فدعا إلى موالاته واقتفاء أثره وساوى بين قادته وقادة المسلمين من أمثال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- الأمر الذي يؤكّد صدق قول الله عز وجل ((والشعراء يتّبعهم الغاوون .....)).
فالشاعر معروف الرصافي يقدم من بغداد إلى مدينة القدس المحتلة ليلتقي المندوب السامي البريطاني فيها، وهو "هربرت صموئيل" ويلقي قصيدة مطوّلة عبر فيها عن تلاقي العرب واليهود في الأصل والنسب والقربى حيث يقول:
خطاب يهودا قد دعانا إلى الفكر وذكرنا ما نحن منه على ذكر
ولسنا كما قال الألى يتهموننا نعادي بني إسرائيل في السر والجهر
وكيف وهم أعمامنا واليهم يمت بإسماعيل قدما بنو فهر
واني أرى العربي للعرب ينتمي قريبا من العبري ينمى إلى العبري
هما من ذوي ألقربي وفي لغتيهما دليل على صدق القرابة في النجر
ويعلن الشاعر جميل صدقي الزهاوي عن حبه للانجليز ويحث العرب على تقليدهم واقتفاء آثارهم بقوله :
أحب الانجليز واصطفيهم لمرضي الإخاء من الأنام
جلوا في الملك ظلمة كل ليل بعدل ضاء كالبدر التمام
تبصر أيها العربي واترك ولاء البعض من قوم لئام
وأول الانجليز رجال عدل وصدق في الفعال وفي الكلام
بحبلهم اعتصم فتعيش حرا يسير على البسيطة في سلام
وهو القائل في أعقاب قمع الانجليز ثورة العراق عام 1921 م واستقباله المندوب السامي البريطاني ( برسي كوكس):
عد للعراق وأصلح منه ما فسدا وابثث به العدل وامنح أهله الرغدا
الشعب فيك عليك اليوم معتمد فيما يكون كما قد كان معتمدا
أما "شاعر النيل" حافظ إبراهيم فيتجاوز كل حد، ويكسر كل حاجز عندما أقدم على الدعوة لموالاة الانجليز مخالفاً بذلك نهي المولى عز وجل عن موالاتهم،والسير في ركابهم ، حيث يقول:
ووال القوم إنهم كرام ميامين النقيبة أين حلوا
وليس كقومهم في القرب قوم من الأخلاق قد نهلوا وعلوا
فان صادقتهم صدقوك ودا وليس لهم إذا فتشت مثل
فماددهم حبال الود وانهض بنا فقيادنا للخير سهل
وعندما استقبل حافظ إبراهيم المندوب السامي البريطاني الأول في مصر انشد قائلا:
انتم أطباء النفوس وأنبل الأقوام غاية
أنى حللتم في البلاد لكم من الإصلاح آية
وعدلتم فملكتم الدنيا وفي العدل الكفاية
إن تنصروا المستضعفين فنحن أضعفهم نكاية
وللشاعر قصائد في رثاء " فكتوريا " ملكة بريطانيا وابنها " ادوارد السابع "
أما الشاعر احمد شوقي فيصف الانجليز بأنهم الحلفاء الأحرار وهم أرقى الشعوب بقوله في قصيدته ( الله والعلم )
حلفاؤنا الأحرار إلا أنهم أرقى الشعوب عواطفا وميولا
ويفصح إيليا ابو ماضي عن موقفه تجاه اللنبي، حيث يسقط صورة الحدث المرعب الجديد، على الحدث المرهب القديم، عندما قال متشفياً:-
غضبت على الهلال فخر ذعراً ولحت له فحاذر أن يلوحا
فكان الجند كلهم يشوعا وكانت كل سوريا أريحا
الانبي لو طبعنا الشمس يوما وقلدناكها سيفا صفيحا
ورصعناه بالشهب الدراري لما زدناك فخرا أو مديحا
لأنك أشجع الأبطال طرا وأنبل قادة الدنيا فتوحا
فان يكن المسيح فدى البرايا فانك أنت أنقذت المسيحا
وتغضب سورة باريس المدمرة، وما تعرضت له من هجمات على يد هتلر ومحوره إبان الحرب العالمية الثانية الشاعر علي محمود طه، فينظم قصيدة مطولة في "باريس" أسقطها من ديوانه في الوقت الذي تعرضت فيه مدن مصر والإسكندرية تحديداً لكثير من الدمار ولم يرثها ببيت من الشعر و قد تحدث فيها الشاعر عن أيامه فيها وعن ذكرياته هناك حيث شهد في حدائق قصر فرساي الاحتفال بليلة عيد الحرية. ومن الجدير بالذكر أن باريس قد حظيت بكثير من القصائد حيث تغنى فيها بعض الشعراء العرب وعبروا عن حزنهم الشديد لما أصابها على يد هتلر كما عبروا عن محبتهم لها وإعجابهم بها في حين وجد القليل من الرثاء لما تصاب به المدن العربية من محن وآلام جراء الاستعمار البريطاني والفرنسي إبان الحقبة الاستعمارية ومن الأدباء والشعراء الذين احتفوا بباريس عباس محمود العقاد ومحمود غنيم وعلي الجارم وعزبز فهمي.