الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أبو جعفر الضبي وكتابه بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس بقلم:محمد عبد المومن

تاريخ النشر : 2019-11-20
أبو جعفر الضبي وكتابه بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس

محمد عبد المومن

باحث من المغرب

إن التأليف في تاريخ الرجال وطبقاتهم، من العلوم التي لم تزدهر في أي حضارة ازدهارها في الحضارة العربية، فإذا كان المؤرخون الأوائل قد أولوا أهمية خاصة لحياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم من بعده لصحابته الكرام، فان هذا النوع من التأليف سرعان ما توسع ليشمل الفقهاء والقضاة و النحويين و سائر المشتغلين في العلوم، ولم يكن الأندلسيون في معزل عن هذا النوع من التأليف، فقد اهتموا به منذ وقت مبكر ومن أهم ما ألفه الأندلسيون نذكر:                                             

- تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي .

- المقتبس في تاريخ علماء الأندلس لابن حيان .

- جذوة المقتبس للحميدي .

- الصلة لابن بشكوال .

و في هذا الإطار سنحاول من خلال هذه المساهمة، التوقف عند واحد من أهم كتب التراجم ألا وهو كتاب بغية الملتمس لأبي جعفر الضبي، الذي يعد واحدا من أغنى كتب التراجم الأندلسية والذي جعله مؤلفه  تذييلا لكتاب جذوة المقتبس لأبي عبد الله الحميدي.  
إن المتوقف عند كتاب بغية الملتمس تطالعه مجموعة من الأسئلة بخصوص المصادر التي اعتمد  عليها المؤلف،  ومن الأسئلة التي سنحاول مناقشتها من خلال هذا العرض:                            
– ما مدى اعتماد المؤلف على كتاب جذوة المقتبس  ؟                                       
-  لماذا لم يذكر المؤلف كتاب شيخه ابن بشكوال ضمن مصادره ؟ و هل تأتى له الإطلاع على هذا المصدر ؟                                                                                                          
- و أخيرا كيف تعامل المؤلف مع المادة المصدرية ا التي توفرت له؟                                    

أولا – التعريف بالكاتب والكتاب

1 - التعريف بالمؤلف

* حياته

( ... - 599 ه  -  ... 1203 م )

هو محمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي، و لد ببلش غربي لورقة  أواسط القرن السابع الهجري، و عاش أغلب حياته بمرسية وربما هذا هو السبب الذي جعل ابن الأبار ينسبه إلى هذه المدينة عندما ترجم له في كتاب التكملة.[1]                                                                         
بدأ المؤلف بتلقي العلم قبل أن يبلغ العاشرة، ثم رحل في طلبه إلى مدن الأندلس في البداية ثم إلى سبتة ومراكش، وواصل التلقي عندما توجه مارا ببجاية والإسكندرية إلى الحج ، وعند عودته استقر بمرسية واشتغل بالوراقة إلى أن توفي و قد جاوز الأربعين ببضع  سنين.[2]             


* شيوخه

تلقى أبو جعفر الصبي العلم عن عدد من الشيوخ نذكر منهم

- أبو عبد الله بن حميد وأبو القاسم ين حبيش بالأندلس.

- ابن الفخار بمراكش.

- ابن عبيد الله بسبتة.

- عبد الحق الأشبيلي ببجاية.

- أبو الطاهر بن العون، وأبو عبد الله الحضرمي، وأبو الثناء بالإسكندرية.

و آخرون  منهم ابن بشكوال وأبو الحسن بن الكوثر وعبد الرحمن ابن القصير وغيرهم [3].

* مؤلفاته

خلف ابو جعفر الضبي مجموعة من المؤلفات التي تشهد على مدى علميه و سعة اطلاعه هي

-  كتاب المسلسلات المبوبة .

-  كتاب الأربعين عن أربعين .

-  كتاب مطلع الأنوار لصحيح الآثار [4].

- و كتاب بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، الذي هو موضوع عرضنا.

* مصادر الترجمة

ندين بكل ما نعرف عن أبي جعفر الضبي لابن الأبار البلنسي، الذي خصه بترجمة وافية في كتاب التكملة، إلا أن المحقق إبراهيم الإبياري ذكر في مقدمة تحقيقه، أنه اخذ العديد من المعطيات عن ابن جبير ولكنه للأسف لم يوضح أي ابن جبير يقصد وفي أي كتاب، و ضمن مصادر ترجمة المؤلف يمكن أن نضيف كتابه بغية الملتمس ذلك أننا من خلال التراجم يمكن ان نتابع مساره العلمي و شيوخه ورحلاته المتعددة الى سبتة ومراكش والإسكندرية صقلية.[5]                      

2 - التعريف بالكتاب

لم تبق لنا الأيام إلا نسخة واحد من كتاب بغية الملتمس احتفظت بها المكتبة الأهلية بمدريد، و قد نشرها المستشرق الإسباني المعروف فرانسيسكو كوديرا  سنة 1884، كما نشر الكتاب بمصر سنة  1967 و صدرت هذه الطبعة ضمن المكتبة الأندلسية  التي أشرف على إصدارها المحقق المصري إبراهيم الإبياري تحت رقم 6 .

و قد اعتمدت على نسخة من الكتاب صادرة عن المكتبة العصرية ببيروت، و قد نشرت طبعتها الأولى سنة 2005، وهي بتحقيق الدكتور صلاح الدين الهواري.

* عمل  المحقق

حقق النسخة التي اعتمدت عليها الدكتور صلاح الدين الهواري، وقد صدرت طبعتها الأولى عن المكتبة العصرية ببيروت سنة 2005، و قد قام هذا الباحث بمجهود مشكور في تحقيق هذا الكتاب القيم و يمكن أن نوجز  أهم ما قام به:


- حقق النص بالعودة إلى النسخة المخطوطة الوحيدة المتوفرة كما عاد الى النسخ المطبوعة.

- حافظ على المتن الأصلي بما فيه من إضافات دون حذف أو تغيير.

- شرح الكلمات الغامضة في الهامش.

-  رمم بعض التراجم .

- أعطى تعاريف للشخصيات المذكورة في المتن.

- أضاف في الهامش أهم المصادر التي ترجمت للمترجم لهم في كتاب إرشاد الأريب.

- أضاف مجموعة من الفهارس ( فهرس الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية، الأمثال والأساطير، الأعلام، الأماكن ...) .

لكن حبذا لو كان أشار في الهامش إلى التراجم التي أخذها المؤلف من كتاب جذوة المقتبس.


*  منهجية التأليف

أ – منهجية الكتاب

قبل أن يتطرق المؤلف لموضوع كتابه أي تراجم الأعلام الأندلسيين، صدر كتابه بمقدمة تناول فيها دوافع التأليف ومنهجيته ومصادره، موضحا أن هذا التأليف يأتي لاستكمال ما بدأه أبو عبد الله الحميدي في كتال جذوة المقتبس وتوسعا في ما ذكره. و في هذا يقول المؤلف:" و لم أجد في كتب من تقدم أقبل من كتاب أبي عبد الله الحميدي محمد بن أبي نصر الحميدي إلا انه انتهى به إلى حدود الخمسين والأربعمائة فاعتمدت على  أكثر ما ذكره وزدت ما أغفله وغادره و تممت من حيث وقف ".             
بعد هذه المقدمة تناول المؤلف تاريخ الأندلس من الفتح إلى معركة الأرك وذلك بإيجاز شديد، ثم انتقل إلى التراجم التي هي موضوع الكتاب، و قد ضم هذا الكتاب تراجم عدد 1589 من الرجال و 12 امرأة من الأعلام الأندلسيين من مختلف التوجهات و المستويات والتخصصات، وقد صرح المؤلف أن ترتيب التراجم سيتم حسب التسلسل الألفبائي لكنه بدأ بمن اسمه محمد  ربما تكريما لأسم النبي صلى الله عليه و سلم كما خصص فصلا للنساء و فصلا لمن عرف بكنيته أو نسبته، و ذيل كل باب بفصل خاص بذوي الأسماء المفردة .                                        
و نلاحظ أنه اتبع نفس المنهجية التي اتبعها من قبله الحميدي، الذي صدر كتابه أيضا بمقدمة عن تاريخ الأندلس، ورتب التراجم حسب التسلسل الألفبائي، وبدأ بمن اسمه محمد لكن الضبي جعل كتابه مجلدا واحدا، في الوقت الذي قسم فيه الحميدي كتابه الى أجزاء متعددة .                            

ب -  منهجية التراجم

إن الخطوط العريضة لمنهجية أبي جعفر الضبي في سرد التراجم، يمكن اختصارها في النقط التالية:
-  البدء  باسم المترجم و نسبه، و كنيته مع ذكر تاريخ  وفاته، ومكان الوفاة، إذا كانت الترجمة مختصرة و يمكن أن يؤخرها الى النهاية اذا كان يترجم لأحد المشاهير .

-  ذكر الشيوخ الذين تتلمذ عليهم المؤلف، أو الذين سمع منهم و سمعوا منه.

- توقف عند البلدان التي زارها إذا كانت له رحلة، والإشارة إلى كونه درس بالأندلس فقط إذا لم يكن قد خرج عنها.

- ذكر المصادر التي ترجمت له، خصوصا في نهاية الترجمة والتي اعتمد عليها المؤلف.

- التركيز على الجانب العلمي للمترجم، لهم إلى جانب مواهبهم الأدبية مع إدراج نماذج من شعرهم .

- تناول المزايا الخلقية لبعضهم، خصوصا الشخصيات المشهورة والمشهود لها بالفضل والصلاح أو بالمجون في بعض الأحيان.

و في الأخير نشير الى أن التراجم ليست متشابهة ، فقد خصص المؤلف للمشاهير من الأندلسيين تراجم بلغت في بعض الأحيان عدة صفحات، في حين لم يخصص لبعض المترجم لهم إلا  كلمات قليلة ركز فيها على الاسم و مكان الوفاة و تاريخها.                                          
ثانيا – مصادر المؤلف

1 –  الدراسة الإحصائية

يبلغ عدد الأعلام المترجم لهم في كتاب بغية الملتمس 1601 علما منهم 1588 رجلا و 12 عشر امرأة، و من خلال وقوفي  على المصادر التي اعتمدها المؤلف لاحظت أنه لم يذكر مصادره إلا في ما نسبته 37 في المائة، من مجموع التراجم الموجودة في الكتاب.

و لكن من خلال العودة  المتكررة إلى كتاب جذوة المقتبس، الذي صرح المؤلف بأنه سيعتمد عليه و يزيد فيه تبين لي أن حوالي 60 في المائة من التراجم الواردة في الكتاب هي في الواقع منقولة عن الكتاب المذكور، سواء صرح الكاتب بذلك في المتن أو لم يصرح.

هذه الإحصائيات تبين لنا مدى أهمية المصادر الشفوية بالإضافة الى مدى أهمية كتاب جذوة المقتبس ضمن المصادر التي اعتمد عليها ابو جعفر الضبي في وضع كتابه.    
 
 2 – المصادر الكتابية

رأينا من خلال الإحصائيات أن التراجم المأخوذة  من كتاب جذوة المقتبس تشكل تقريبا ثلثي مادة الكتاب، وأن المصادر الشفوية تشكل نسبة مهمة لكن هذا لا يعني أن المؤلف لم يعتمد على مصادر أخرى. وقد حاولت من خلال هذا الجدول جمع المصادر الكتابية الواردة في المتن مع الإشارة الى انتمائها الجغرافي:                                                                                 
المصادر الكتابية المذكورة في المتن

التي اعتمد عيها الضبي مباشرة التي اعتمد عليها الحميدي  
- الفتح بن خاقان - ابن الفرضي

- ابو محمد الرشاطي

- عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم

- ابو الخطاب ابن حزم

- الحميدي

- ابو عمر بن عبد البر

- عبد الرحمن بن محمد

- ابن حيان

- ابن الفرضي - الخشني

- ابن حزم

- ابو عامر بن شهيد

- احمد بن فرج

- عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم

 

المصادر الأندلسية
  - أبو سعيد بن يونس - أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ

- يعقوب بن سفيان

- الشعبي

- الدارقطني

 

المصادر المشرقية
 

إذا من خلال ما سبق يتبين لنا أن المؤلف اعتمد على عدد من المصادر الكتابية الأندلسية السابقة لعصره، أو المعاصرة له، لكن في المقابل لا نجد ضمن قائمة مصادره، كتاب الصلة لابن بشكوال، مما يطرح علامة استفهام كبيرة، و سوف أحاول الإجابة عن هذا السؤال عند التطرق للمصادر الشفوية.                                                                                                        
3 – المصادر الشفوية

سبق أن رأينا من خلال الدراسة الإحصائية ان المصادر الشفوية تشكل مصدرا لحوالي  20 في المائة من التراجم الواردة في الكتاب، وهذه نسبة مهمة بالنظر إلى عدد التراجم والتي تبلغ كما ذكرنا سابقا 1601 ترجمة،  و سيوضح لنا الجدول التالي أهم المصادر الشفوية التي اعتمد عليها المؤلف أو اخذ عنها:       
 

ترجمته في علاقته بالمؤلف  

المصدر
كتاب الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة شاعراً مفلقاً مجيداً سريع البديهة بارعا و هو احد شيوخ المؤلف ً ابو عبد الله بن حميد  

الوافي بالوفيات معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي - أحد الأئمة بالأندلس في الحديث وغريبه ولغته وهو  احد شيوخ المؤلف أبو القاسم بن حبيش
لم أتوصل إلى مصادر ترجمته  

سمع منه بسبتة عبد الله بن محمد بن عبيد الله
معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي فقيه و محدث من لورقة أحمد بن عبد الملك بن عميرة الضبي
لم أتوصل إلى مصادر ترجمته  

من شيوخ المؤلف ابو الحسن بن كوثر
لم أتوصل إلى مصادر ترجمته فقيه من أهل بجاية  

عبد الحق الاشبيلي
الوافي بالوفيات – المعجم – طبقات النسابين - معجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي مؤرخ و نسابة روى عنه المؤلف عدد من التراجم نقلا عن شيوخه  

ابو محمد الرشاطي
لم أتوصل الى مصادر ترجمته  

ذكر انه اخذ عنه بمصر إسماعيل بن قاسم الزيات
تاريخ قضاة الأندلس الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة

ولي القضاء بجزيرة شقر وبمدينة وادي آش  ثم بجيان  ثم بغرناطة من شيوخ المؤلف

عبد المنعم بن محمد
بغية الملتمس  

ذكر انه اخذ عنه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم
لم أتوصل إلى مصادر ترجمته  

ذكر انه اخذ عنه أبو الحجاج الثغري
بغية الملتمس  

اخذ عنه بمرسية وهو من شيوخ المؤلف احمد بن أحمد الأزدي
بغية الملتمس  

ذكر انه اخذ عنه فقيه من بلد المؤلف عبد الله بن محمد بن باز
غاية النهاية في طبقات القراء  

التقاه بمراكش و اخذ عنه  و أورد عنه العديد من التراجم نجبة بن يحيى بن نجبة
 

ان هؤلاء الأعلام الذي ذكر المؤلف انه أخذ عنهم هم في الغالب شيوخه، سواء بالأندلس أو المغرب ومصر، أو من اللذين كانت له معرفة  الشخصية بهم.     

و قد لاحظت أن المؤلف لا يستخدم نفس الأفعال عند النقل عن شيوخه ومصادره ففي بعض الأحيان يشير إلى مصدره دون أن يصرح كقوله مثلا " أخبرني غير واحد " [6] ، وفي أحيان كثيرة يشير إليه مع التصريح كقوله: " أخبرني  أبو الحسن نجبة بن يحيى بن نجبة " [7]  ، و في أحيان أخرى نقل  باستخدام أفعالا أخرى كقوله: " زعم أن "[8]  و استخدام هذا الفعل غايته تضعيف الرواية والتشكيك فيها، مما يشير إلى رغبة المؤلف في تنقيح الروايات والإشارة إلى صحيحها وضعيفها،  ورغما هذا الحرص على تنقيح الراويات والتدقيق فيها إلا أانه أورد بعض  الروايات التي لا يقبلها العقل كنقله مثلا لرواية مفادها أن الأمام مالك حملت به أمه ثلاثين          شهرا.[9]       

لكن هنا سؤالا محيرا يطالعنا عند دراستنا لمصادر أبي جعفر الضبي في كتاب بغية الملتمس، وهو يتعلق بسبب غياب العلامة ابن بشكوال عن لائحة مصادر المؤلف سواء الكتابية أو الشفوية. و يمكن تفسير غياب ابن بشكوال عن مصادر الضبي الشفوية بكونه لم يلتقي به لمدة محدود ربما  لكون هذا الأخير كان كثير السفر.                                                                             

لكن رغم ذلك يضل هناك تساؤل آخر ويتعلق هذه المرة بكتاب الصلة، فالضبي عاش بعد ابن بشكوال 21 سنة ، لكنه لم يذكر أنه اخذ من كتاب الصلة، مما لا يطرح علامة استفهام كبيرة. إن محقق الطبعة المصرية من كتاب البغية إبراهيم الإبياري،  يرى أن الضبي لم يتأتى له الإطلاع على كتاب الصلة، في حين يرى محقق الطبعة البيروتية أن المؤلف أخذ من الصلة، ولكنه لا يورد أي دليل حقيقي عن هذا الاستنتاج [10].     
ان الإجابة النهائية عن هذا التساؤل غير متأتية في الوقت الحالي، ولكن أي دراسة مستقبلية لا بد ان تأخذ بعين الإعتبار أن المؤلف كان وراقا، وبالتالي فمن المستبعد ألا يكون قد اطلع على الكتاب، فالكتب حرفته التي كان يعتاش منها، و العنصر الثاني الذي أثار انتباهي هو أن كثيرا  التراجم في بغية الملتمس و التي لا توجد في جذوة المقتبس نجدها في الصلة وهذه التراجم لا تقتصر فقط على نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس الهجري، بل اغلبها ينتمي إلى عصر الإمارة  الخلافة والطوائف.                                                                                    
4 – مصادر أخرى

من خلال الكتاب نصادف مصدرا آخر للتراجم  وهو المعرفة الشخصية، فقد أورد المؤلف تراجم عدد من معاصريه وشيوخه انطلاقا من معرفته الشخصية بهم، كترجمته مثلا لمحمد بن باز الذي تتلمذ عليه في مرسية ومحمد بن شاهد الذي التقاه في سردينية.

  ثالثا - أهمية الكتاب

تبرز أهمية هذا الكتاب، من خلال العديد من الجوانب التي تميزه نذكر منها:

1 – الجانب الفكري

إن كتاب بغية الملتمس غني بمادة يحفل بمادة غنية قابلة للتوظيف في البحوث التي تتناول الجانب الفكري لعلماء الأندلس، خصوصا أن هدف مؤلفه هو كما أورد في مقدمة كتابه :" استخرت الله تعالى في على أن اجمع رواة الحديث بالأندلس وأهل الفقه و الأدب و ذوي النباهة والشعر " .  

و من الجوانب الفكرية التي نطالعها في الكتاب:     
* الرحلة : ركز المؤلف على هذا العنصر، فأشار في عدد كبير متن التراجم إلى من قام برحلة، ومن لم يغادر الأندلس قط، كما أشار إلى نتائج هذا الرحلة خصوصا على مستوى الرواية .         
* علاقات المشيخة و التلمذة: ركز عليها في كتابه لكونها الهدف الأساسي من تأليف الكتاب، فكان يذكر شيوخ المترجم له ومن روى عنهم مباشرة بعد اسمه، أما إذا كان العلم أيضا شيخا معروفا فان المؤلف أورد أيضا من رووا عنه، وهذه العملية ذات أهمية خاصة خصوصا بالنسبة لرواة الحديث و المهتمين بعلم الرجال.        
* التوجهات الفكرية والمذهبية: أشار إليه المؤلف إلى مذاهب المترجم لهم في بعض التراجم، بالموازاة مع إشارته إلى من تتلقوا عنه العلم من شيوخ المذاهب، و لم يفت المؤلف أن يشير إلى مختلف التوجهات الفكرية التي عرفها المجتمع الأندلسي كالتصوف، على سبيل المثال فنجده مثلا يشير الى المترجم له بقوله " الزاهد " [11] و في أحيان كثيرة يستفيض في سرد خصاله وكراماته ووصف طريقته  في الزهد والانقطاع، وإجمالا فالكتاب غني بالإشارات إلى الجوانب الفكرية، كما أورد المؤلف بعض الكرامات التي حدثت لبعض المترجم لهم [12].  
2 – الجانب السياسي

يضم الكتب تراجم العديد من الحكام والأمراء بالإضافة إلى تراجم القضاة  والشعراء، ممن لهم علاقة بالحكم والسلطة من قريب أو بعيد، فإذا كان الأدوار السياسية للحكام والأمراء واضحة، فان القضاة والعلماء والشعراء كانت لهم ادوار سياسية تعاظمت في مراحل تاريخية، وبغية الملتمس يتميز بتتبعه لأدوار هؤلاء وتأثيرهم في التطورات السياسية التي عاشتها البلاد .           

3 – الجانب الاجتماعي

إن الكتاب الذي بين أيدينا غني بالمعلومات الاجتماعية، و يمكن أن نقول أن بشكل إجمالي أن هذه  المادة التاريخية تتعلق بالعناصر التالية:

- الأدوار الاجتماعية لعدد من الفئات كالقضاة والفقهاء والمتصوفة...

- العلاقات الاجتماعية بين الفئات المختلفة ( الحكام – العلماء – المتصوفة – الشعراء ... ) .

- الأوضاع الاجتماعية الداخلية، خصوصا للفئات الشعبية، وما كانت تعيشه سواء خلال فترات الرخاء أو الشدة.

4 – الجانب الأدبي

و تبرز أهمية هذا الكتاب، أيضا من خلال احتفاظه بعدد كبير من المقاطع الأدبية، من مختلف الأنواع فنجد فيه القصائد، والموشحات والمقاطع النثري، كما  انفرد هذا الكتاب بأشعار وقصائد عدد من الشعراء الأدباء الأندلسيين، و خاصة المغمورين منهم، و هؤلاء في الغالب كانوا يلجئون للشعر لوصف عن ظاهرة أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، أو للتعبير عن موقف معين .        

بالإضافة الى ما سبق يستمد هذا الكتاب أهميته من :

- احتفاظه بعدد من التراجم المأخوذة من كتب مفقودة حاليا .[13]

- احتفاظه بعدد من النصوص و الأشعار .

- تفرده بعدد من التراجم  التي أورها الضبي عن شيوخه ومعاصريه.

و الكتاب أيضا حافل بالمعطيات، من كل نوع والتي يمكن أن توظف في كل أصناف البحوث التي  تتعلق بالتاريخ والحضارة والمجتمع الأندلسي.                                                                                             

و ختام
يستمد كتاب بغية الملتمس و قيمته و تفرده من مجموعة من التراجم التي تفرد بها و التي نقلها شفويا عن شيوخه و التي كتبها انطلاقا من اتصاله الوثيق بالشخصيات المترجم لها ، و لولا هذه التراجم التي أعطت للكتاب أهميته و قيمته لكان مجرد تكرار لما كان ذكره الحميدي . 


 -  ابن الأبار , التكملة لكتاب الصلة , تحقيق الفريد بل و ابن أبي شنب , المطبعة الشرقية ، الجزائر 1919 ، ص 114 .  [1]

 - نفسه ص 115 . [2]

 - أبو جعفر الضبي ، بغية الملتمس ، تحقيق صلاح الدين الهواري ، المكتبة العصرية ، بيروت الطبعة الأولى 2005 ، ص 11 . [3]

 - نفسه ص 12 . [4]

 -  نفسه ص 80 . [5]

 - نفسه ص 296 . [6]

 - نفسه ص 79 . [7]

 - نفسه ص 290 . [8]

 - نفسه ص 262   . [9]

 - نفسه ص 8 . [10]

 -  نفسه ص 115 .[11]

 -  نفسه ص 226 .[12]

 -  ككتاب ابو سعيد ابن يونس: " تاريخ مصر"[13]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف