المرشد السياحي الفلسطيني سفير خطير
بقلم: د. ضرغام الفارس
الصهاينة يكذبون ويعرفون أنهم يكذبون، لكن المهم لديهم هو أن يؤمن الصهيوني بصحة أكاذيبهم وأن يتمسكوا بتلك الأكاذيب كعقيدة وحقائق تاريخية، وبهذا يضمنون الدعم المالي من اثريائهم والسياسي ممن يتواجدون في دول مؤثرة والقتال والبقاء والعنصرية ممن هاجروا الى فلسطين واحتلوها، فاليهودي المخلص بالنسبة للحركة الصهيونية هو من يعتقد أن احتلال فلسطين هو عبادة وأن قتل وتشريد الفلسطينيين ما هو الا طقوس دينية وتنفيذ لإرادة ووعد رباني. وفي هذا السياق كان دافيد بن جوريون يرى بأنه ليس مهماً إن كان وعد الله لليهود بامتلاك أرض كنعان وعداً حقيقياً أو أسطورياً وإنما المهم هو أن تبقى هذه الأسطورة مغروسة في الوجدان اليهودي وأن تستمر في وجدانهم حتى بعد أن يَثبت أنها أسطورة ليس لها أي مصدر إلهي. ومن ناحية أخرى يتوجس الصهاينة من امتلاك الفلسطينيين لِلُغة علمية مقبولة دوليا تفضح أكاذيب حركتهم العنصرية التي وظفت الروايات التوراتية للتجييش ولتشريع احتلال فلسطين، ولهذا قال موشي دايان بأنه يفضِّل أن يواجه طياراً حربياً عربياً على أن يواجه مرشداً سياحياً فلسطينياً. فمن هو المرشد السياحي؟ ولماذا يتخوف موشي دايان من المرشد السياحي الفلسطيني تحديداً؟
المُرشد السياحي هو الشخص الذي يقوم بمرافقة المجموعات السياحية القادمة إلى وجهة سياحية ما، بحيث يزودهم بالمعلومات الخاصة بتلك الوجهة سواءً كانت تاريخية أو أثرية أو دينية أو بيئية... ويشترط أن يكون مؤهلا علميا ولغويا ولديه ثقافة عامة سياسية واقتصادية واجتماعية وأن يكون حاصلاً على رخصة لمزاولة مهنة الارشاد السياحي من الجهة المختصة. ويعتبر هذا المفهوم للمرشد السياحي مفهوماً حديثاً تبلور في خمسينات القرن الماضي. وفي فلسطين عُرف المُرشد السياحي سابقاً باسم الترجمان أو الدليل قبل انتشار مصطلح المرشد السياحي بمفهومه الحديث، علماً بأن الكثيرين ما زالوا يطلقون على المرشدين السياحيين اسم الأدلاء وذلك تماشياً مع التسمية القانونية المتداولة مُذ كانت الضفة الغربية تتبع للأردن حتى عام 1967م.
أما سبب تخوف قادة الاحتلال ومنهم موشي دايان من المرشد السياحي الفلسطيني تحديداً فهذا لأنهم يعلمون أن المرشد السياحي هو سفير بلده لدى المجموعات السياحية التي يرافقها، وأن إعداد مرشد سياحي فلسطيني لديه فهم سياسي واجتماعي لخصوصية الإرشاد في فلسطين ولديه ما يكفي من علم بالحقائق التاريخية يجعله قادراً على التفريق ما بين الروايات التوراتية والحقائق العلمية ويعرف من خلال التحلي بالأمانة العلمية والمصداقية والحياد كيف يستفيد من الروايات التوراتية كجزء من المادة الإرشادية دون السماح بتوظيفها لتشريع وتكريس الاحتلال، فالمرشد المؤهل جيداً يقدم المادة الارشادية بأسوب علمي هاديء محايد دون أن يُبدي تحيُّزاً، ويخاطبا العقل دون يُملي على السياح وجهة نظره ودون أن يَظهر لهم كطرف في صراع يريد استقطابهم وإنما يحفزهم على التفكير والبحث لا أكثر، وبهذا يصبح المرشد السياحي الفلسطيني بالنسبة للاحتلال سفيراً فلسطينياً خطيراً لدى المجموعات السياحية التي يرافقها، لأنه يفضح أكاذيب الصهاينة ويفند ادعاءاتهم ويحظى برضا السياح عن مستوى خدمة الارشاد التي يقدمها لهم. وفي إطار سياسة الاحتلال المعادية لمهنة الارشاد السياحي في فلسطين نلمس تراجعاً كبيراً لمهنة الارشاد السياحي في الضفة الغربية بعد حرب 1967، حيث شَهِدَت فترة تبعية الضفة الغربية للأردن تشكيل أول نقابة للأدلاء (المرشدين) السياحيون وذلك عام 1963م. وبعد حرب 1967م وضعت سلطات الاحتلال العراقيل أمام الأدلاء مما أدى إلى انخفاض عددهم من 325 دليلاً عام 1963م إلى 55 دليلاً عام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ لغاية قدوم السلطة الفلسطينية لم تمنح سلطات الاحتلال أي ترخيص لأي دليل فلسطيني. ومنذ اتفاق اوسلو لغاية الان ما زالت سلطات الاحتلال تتحكم بأرزاق المرشدين الفلسطينيين وتصاريح عملهم في القدس الشرقية وفي المناطق المحتلة عام 1948، بالإضافة إلى الرقابة والمسح الأمني والمنافسة غير العادلة مع المرشد الاسرائيلي.
المرشدون السياحيون الفلسطينيون هم أبناؤنا واخوتنا وسفراؤنا الذين يستحقون الدعم والاحترام، وهم أصحاب خبرات وانتماء وطني صادق، فلم أُصادف يوماً مرشداً سياحياً فلسطينياً تنقصه الوطنية، بل على العكس تماماً فجميعهم مؤمنون بحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وكلٌ منهم يحاول أن يدافع عن هذا الحق بما يتوفر لديه من معلومات. لكن هناك إشكالية لدى معظم المرشدين السياحيين الفلسطينيين وهي تقديم الروايات التوراتية للسياح وكأنها حقائق تاريخية، ومن خلال دراستي لهذا الموضوع –في رسالتي للدكتوراه- تبين أن 84% من عيِّنة الدراسة من المرشدين المصنفين عام او ضفة غربية يعتقدون بأن تقديم الروايات التوراتية للسائح بكل شفافية هو سرداً حياديا للتاريخ وبعيداً عن السياسة، بينما يعتقد 8% أنه تبني للرواية الاسرائيلية، في حين كانت اجابة 8% بلا أعرف. والحقيقة أن هؤلاء المرشدين السياحيين لا يتحملون مسؤولية تَشَكُّل هذا المفهوم لديهم فهو انعكاس لما تعلموه في كليات الارشاد وهو نفسه ما كان مادة امتحان حصولهم على ترخيص مزاولة المهنة من طرف وزارة السياحة وصولا الى تكرار سرد تلك المادة ذاتها التي تستخدمها الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال لتشريع الاستيطان وتكريس الاحتلال. فمن يتحمل المسؤولية؟
أخيراً ودون الخوض بالأسباب والتفاصيل أتوجه بمناشدة الى جامعاتنا الفلسطينية بأن تعمل على إعداد برنامج بكالوريوس إرشاد سياحي يلبي حاجة السوق السياحي ويرتقي الى حجم المسؤولية الوطنية، كما اوصي بأن يضاف تخصص فرعي لبكالوريوس الإرشاد السياحي يُعزز كفاءة المُرشد السياحي عند مزاولته مهنة الإرشاد ويتيح له فرصة عمل بديلة في حال لم يحصل على فرصة عمل كمرشد سياحي. وأقصد هنا إضافة تخصص فرعي (تاريخ أو جغرافيا أو إحدى اللغات)، بحيث تُضيف وزارة التعليم العالي والجامعات -في إطار تطوير برنامج الدبلوم إلى برنامج بكالوريوس- المواد اللازمة للتخصص الرئيسي والتخصص الفرعي بما يتيح للمرشد السياحي فرصة العمل في المدارس الحكومية أو الخاصة كمدرس للتاريخ أو الجغرافية أو إحدى اللغات وخاصة الإنجليزية بالإضافة إلى الفرنسية في بعض المدارس الخاصة. وأود التأكيد هنا على أن توظيف مرشد سياحي واحد على الأقل –في كل مدرسة- كمدرس للتاريخ أو الجغرافية أو إحدى اللغات ومرافقته للرحلات المدرسية هو ضمان بأن تحقق تلك الرحلات الفائدة العلمية والثقافية المرجوة من تنظيمها بالإضافة الى دوره في خلق انتماء وطني واعِ من خلال تواصله اليومي مع الطلاب.
• الكاتب يحمل درجة الدكتوراه في الارشاد السياحي.
بقلم: د. ضرغام الفارس
الصهاينة يكذبون ويعرفون أنهم يكذبون، لكن المهم لديهم هو أن يؤمن الصهيوني بصحة أكاذيبهم وأن يتمسكوا بتلك الأكاذيب كعقيدة وحقائق تاريخية، وبهذا يضمنون الدعم المالي من اثريائهم والسياسي ممن يتواجدون في دول مؤثرة والقتال والبقاء والعنصرية ممن هاجروا الى فلسطين واحتلوها، فاليهودي المخلص بالنسبة للحركة الصهيونية هو من يعتقد أن احتلال فلسطين هو عبادة وأن قتل وتشريد الفلسطينيين ما هو الا طقوس دينية وتنفيذ لإرادة ووعد رباني. وفي هذا السياق كان دافيد بن جوريون يرى بأنه ليس مهماً إن كان وعد الله لليهود بامتلاك أرض كنعان وعداً حقيقياً أو أسطورياً وإنما المهم هو أن تبقى هذه الأسطورة مغروسة في الوجدان اليهودي وأن تستمر في وجدانهم حتى بعد أن يَثبت أنها أسطورة ليس لها أي مصدر إلهي. ومن ناحية أخرى يتوجس الصهاينة من امتلاك الفلسطينيين لِلُغة علمية مقبولة دوليا تفضح أكاذيب حركتهم العنصرية التي وظفت الروايات التوراتية للتجييش ولتشريع احتلال فلسطين، ولهذا قال موشي دايان بأنه يفضِّل أن يواجه طياراً حربياً عربياً على أن يواجه مرشداً سياحياً فلسطينياً. فمن هو المرشد السياحي؟ ولماذا يتخوف موشي دايان من المرشد السياحي الفلسطيني تحديداً؟
المُرشد السياحي هو الشخص الذي يقوم بمرافقة المجموعات السياحية القادمة إلى وجهة سياحية ما، بحيث يزودهم بالمعلومات الخاصة بتلك الوجهة سواءً كانت تاريخية أو أثرية أو دينية أو بيئية... ويشترط أن يكون مؤهلا علميا ولغويا ولديه ثقافة عامة سياسية واقتصادية واجتماعية وأن يكون حاصلاً على رخصة لمزاولة مهنة الارشاد السياحي من الجهة المختصة. ويعتبر هذا المفهوم للمرشد السياحي مفهوماً حديثاً تبلور في خمسينات القرن الماضي. وفي فلسطين عُرف المُرشد السياحي سابقاً باسم الترجمان أو الدليل قبل انتشار مصطلح المرشد السياحي بمفهومه الحديث، علماً بأن الكثيرين ما زالوا يطلقون على المرشدين السياحيين اسم الأدلاء وذلك تماشياً مع التسمية القانونية المتداولة مُذ كانت الضفة الغربية تتبع للأردن حتى عام 1967م.
أما سبب تخوف قادة الاحتلال ومنهم موشي دايان من المرشد السياحي الفلسطيني تحديداً فهذا لأنهم يعلمون أن المرشد السياحي هو سفير بلده لدى المجموعات السياحية التي يرافقها، وأن إعداد مرشد سياحي فلسطيني لديه فهم سياسي واجتماعي لخصوصية الإرشاد في فلسطين ولديه ما يكفي من علم بالحقائق التاريخية يجعله قادراً على التفريق ما بين الروايات التوراتية والحقائق العلمية ويعرف من خلال التحلي بالأمانة العلمية والمصداقية والحياد كيف يستفيد من الروايات التوراتية كجزء من المادة الإرشادية دون السماح بتوظيفها لتشريع وتكريس الاحتلال، فالمرشد المؤهل جيداً يقدم المادة الارشادية بأسوب علمي هاديء محايد دون أن يُبدي تحيُّزاً، ويخاطبا العقل دون يُملي على السياح وجهة نظره ودون أن يَظهر لهم كطرف في صراع يريد استقطابهم وإنما يحفزهم على التفكير والبحث لا أكثر، وبهذا يصبح المرشد السياحي الفلسطيني بالنسبة للاحتلال سفيراً فلسطينياً خطيراً لدى المجموعات السياحية التي يرافقها، لأنه يفضح أكاذيب الصهاينة ويفند ادعاءاتهم ويحظى برضا السياح عن مستوى خدمة الارشاد التي يقدمها لهم. وفي إطار سياسة الاحتلال المعادية لمهنة الارشاد السياحي في فلسطين نلمس تراجعاً كبيراً لمهنة الارشاد السياحي في الضفة الغربية بعد حرب 1967، حيث شَهِدَت فترة تبعية الضفة الغربية للأردن تشكيل أول نقابة للأدلاء (المرشدين) السياحيون وذلك عام 1963م. وبعد حرب 1967م وضعت سلطات الاحتلال العراقيل أمام الأدلاء مما أدى إلى انخفاض عددهم من 325 دليلاً عام 1963م إلى 55 دليلاً عام 1974م، ومنذ ذلك التاريخ لغاية قدوم السلطة الفلسطينية لم تمنح سلطات الاحتلال أي ترخيص لأي دليل فلسطيني. ومنذ اتفاق اوسلو لغاية الان ما زالت سلطات الاحتلال تتحكم بأرزاق المرشدين الفلسطينيين وتصاريح عملهم في القدس الشرقية وفي المناطق المحتلة عام 1948، بالإضافة إلى الرقابة والمسح الأمني والمنافسة غير العادلة مع المرشد الاسرائيلي.
المرشدون السياحيون الفلسطينيون هم أبناؤنا واخوتنا وسفراؤنا الذين يستحقون الدعم والاحترام، وهم أصحاب خبرات وانتماء وطني صادق، فلم أُصادف يوماً مرشداً سياحياً فلسطينياً تنقصه الوطنية، بل على العكس تماماً فجميعهم مؤمنون بحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وكلٌ منهم يحاول أن يدافع عن هذا الحق بما يتوفر لديه من معلومات. لكن هناك إشكالية لدى معظم المرشدين السياحيين الفلسطينيين وهي تقديم الروايات التوراتية للسياح وكأنها حقائق تاريخية، ومن خلال دراستي لهذا الموضوع –في رسالتي للدكتوراه- تبين أن 84% من عيِّنة الدراسة من المرشدين المصنفين عام او ضفة غربية يعتقدون بأن تقديم الروايات التوراتية للسائح بكل شفافية هو سرداً حياديا للتاريخ وبعيداً عن السياسة، بينما يعتقد 8% أنه تبني للرواية الاسرائيلية، في حين كانت اجابة 8% بلا أعرف. والحقيقة أن هؤلاء المرشدين السياحيين لا يتحملون مسؤولية تَشَكُّل هذا المفهوم لديهم فهو انعكاس لما تعلموه في كليات الارشاد وهو نفسه ما كان مادة امتحان حصولهم على ترخيص مزاولة المهنة من طرف وزارة السياحة وصولا الى تكرار سرد تلك المادة ذاتها التي تستخدمها الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال لتشريع الاستيطان وتكريس الاحتلال. فمن يتحمل المسؤولية؟
أخيراً ودون الخوض بالأسباب والتفاصيل أتوجه بمناشدة الى جامعاتنا الفلسطينية بأن تعمل على إعداد برنامج بكالوريوس إرشاد سياحي يلبي حاجة السوق السياحي ويرتقي الى حجم المسؤولية الوطنية، كما اوصي بأن يضاف تخصص فرعي لبكالوريوس الإرشاد السياحي يُعزز كفاءة المُرشد السياحي عند مزاولته مهنة الإرشاد ويتيح له فرصة عمل بديلة في حال لم يحصل على فرصة عمل كمرشد سياحي. وأقصد هنا إضافة تخصص فرعي (تاريخ أو جغرافيا أو إحدى اللغات)، بحيث تُضيف وزارة التعليم العالي والجامعات -في إطار تطوير برنامج الدبلوم إلى برنامج بكالوريوس- المواد اللازمة للتخصص الرئيسي والتخصص الفرعي بما يتيح للمرشد السياحي فرصة العمل في المدارس الحكومية أو الخاصة كمدرس للتاريخ أو الجغرافية أو إحدى اللغات وخاصة الإنجليزية بالإضافة إلى الفرنسية في بعض المدارس الخاصة. وأود التأكيد هنا على أن توظيف مرشد سياحي واحد على الأقل –في كل مدرسة- كمدرس للتاريخ أو الجغرافية أو إحدى اللغات ومرافقته للرحلات المدرسية هو ضمان بأن تحقق تلك الرحلات الفائدة العلمية والثقافية المرجوة من تنظيمها بالإضافة الى دوره في خلق انتماء وطني واعِ من خلال تواصله اليومي مع الطلاب.
• الكاتب يحمل درجة الدكتوراه في الارشاد السياحي.