الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ذاكرة ضيقة على الفرح 20

تاريخ النشر : 2019-11-18
ذاكرة ضيقة على الفرح 20
سليم النفار

20

 " الحلم مرض نفسي قصير يستغرق الليل ، و أما المرض النفسي ، فهو حلم طويل يستغرق الليل والنهار"  ربما هذا التوصيف الفرويدي ، يُعيننا على فهمٍ أعمق لحالتنا المُتشظية ، بين الحلم بما يعنيه  من لحظة بوحٍ ، أو كشف ٍ عن الذي يداعب أو يُخايلُ المسكوت عنه ، تحت نسيج اللاوعي ، و بين المرض الذي يستغرق عمرنا وجهدنا ، والدوافع الكامنة وراء ديمومة المرض ، الذي نُدلّعه بوصفهِ حلماً ، ونعلن جهاراً عن استعداداتنا الدائمة لتقديم المزيد من القرابين ، من أجل شمسه التي ننتظر سطوعها ، ولكن أيُّ شمسٍ نرى ، ونحن نصعد سلالم هواءٍ فاسدة ، أيُّ شمسٍ نرى ونحن لا نفعل شيئاً ، تجاه غُددِ العتمة ، التي تتسع في الجسد المُتهالكِ ... بعضُ كلامٍ غير متجانس مع قائليه ، وأحلامٌ منذ عقود لمّا تجد مَدْرَجاً بعد للطيران ، فقط مراوحة في ذات الحالة ، التي أصبحت تُثير الغثيان ، وربما ما هو أسوأ من ذلك ... الأحلام دائماً جميلة ولكن الأمم لا تقاد بالأحلام وكفى ، فلا بدّ من ميكنزمات قادرة على ترجمة المُتخيل الى الواقع ، فهل فعلنا ؟

ربما كان ذلك الرجل الستيني " أبو العبد " أكثر حكمةً ودرايةً بالواجب فِعْلَه ، وهو لا يثرثر في هذا السياق ، لأنّ منطق الأشياء – بعفويته الشعبية – لا يحتمل التأويل ، هو يثرثر فقط بالمُتخيل الطفولي ، مُسترجعاً ما حوتهُ الذاكرة ، وبما يمثل ذاك الاسترجاع من حنينٍ ، يستعذبه حيناً وأحياناً قسوة المُتخيل تتوافق مع قسوة الواقع ، فتأخذانهُ  الى غير ما يرضى ، ليصبحَ الحنين لحظة أسىً اضافية ، ربما تستدعي دموعاً وتأوهاتٍ ، تُثقل القلب الذي يحاول ما استطاع فرحاً .

ذات يومٍ شتويّ بارد ، كنتُ وصديقي بهاء العم علي جالسين أمام مصنع الحلويات الخاص بهم ، في نهايات المخيم وأمامنا صفيحةٌ ، قد أوقد فيها بهاء حطباً ، نتدفأ مستمتعين بوهجها ونتحاور بواقع المنطقة ، الذي كان قد أظلم وتغيرت قوانين اللعبة السياسية فيه ، ولاسيما بعد حرب الخليج وتداعياتها على العراق وقضيتنا .

نتفقُ في مفصلٍ ما ، ونختلف في آخر ، وهكذا يمتدُّ الوقت ونحن على ذلك الحال ، وإذ بأبي العبد يمرُّ أمامنا ، أعتقد بأنه قد كان يومها بزيارةٍ ، لأحد أقربائه في تلك المنطقة ، فأمسك به بهاء وأصرّ عليه أن يجالسنا ، يشرب كأس شاي لتوّها صُنعت على الحطب ، فاستجاب الرجل الستيني الذي لم تفارق محياه الابتسامة ، وكأنه يستقوي بها على قسوة الزمان ، الذي أفقده الكثير من أهله في حروبٍ متعددة .

كثيراً ما كان بهاء يعقد مجلساً بهياً في أواخر النهار ، هناك على باب المصنع ، حيث نرى الناس جميعاً في ذلك الشارع ، الموصل الى شاطئ البحر من جهةٍ ، ومن الجهة الأخرى نهاية موقف باص الحكومة ، القادم من المدينة .

أيام الصيف كان مجلساً جميلاً ، حيث الهواء العليل في الساعات الاخيرة من النهار ، وفي الشتاء بارد فنستقوي على برده بإشعال النار ، فاكهة الشتاء كما يقال .

وفي الصيف نادراً ما كنا نرى أبا العبد في تلك الجلسة ، لأنه يستعذب الجلوس على كتف المدرسة نهاراً ، وليلاً يجلس قريباً من مقهى البحر، حيث الاضاءة تساعدهُ في رؤية الشباك ، التي يستمتع بعملها كهوايةٍ أكثر من كونها عملاً يتحصل من خلاله على المال ، اللازم لقضاء احتياجاته اليومية .

في ذلك اليوم البارد ، الذي رأينا فيه الرجل الستيني ، جلس معنا مُستأنساً بدفء النار ، وكوب الشاي الممتع ، تحدثنا معه عن أحواله وأحوال الناس ، وعن ما كان يُقال أيامها : أن حلاً سياسياً ينتظر الفلسطينيين ، بعد نكبة العراق بدمارها ، والمواقف المُخزية للأنظمة العربية ... طبعاً لم يكن في مخيالنا من ذلك الحوار مع أبي العبد ، أننا سنتحصل على ما لا نعرف أو أنه سيُبصِّرنا الى فكرةٍ لم نرها ... ولكن كان للحوار معه متعةٌ ، تُبعدُ شبح الكآبة عنا وعنه الى حين ، ولكن كلّ ذلك كان وهماً منا ، نحاوله ما استطعنا كي نُدخل الرجل ، في عوالم البهجة ولو مؤقتاً ، ولكن كما قال المتنبي :

 لا تحسبنَّ رقصي بينكم طرباً فالطير يرقص مذبوحاً من شدّةِ الألم

أبو العبد لم يكن يبتسم ويمزح ، إلا تعميةً عما يغلي في دواخله من هموم ، وعندما يتناول كأساً من العرق فإنّه يندلق بأحاسيسه ، كغيمةٍ مكتنزة بالماء ، وأكثر ما أحرجنا ذلك الاندلاق ذات يومٍ في كافتيريا " الطائر الحزين " عندما قرّرنا أنا وخالد متولي وحمزة البشتاوي أن يرافقنا اليها ... كافتيريا الطائر الحزين اسم لا يُقارب حالته ، فهي مكانٌ جميل في نهايات شارع بغداد ، أو شارع العشاق كما كان يسميه البعض ، هناك على كتف المدينة المُطل على البحر ، منه ترى مخيمنا وكأنّه في وادٍ سحيق ... دائماً يغصُ المكان بالشباب من الجنسين ، سواء في داخله أو ساحته الخارجية المُطلة على الشارع الفسيح ، يتناولون فيه المشروبات المختلفة ، ويتحاورون في العديد من القضايا ، سياسية ، ثقافية ، وقضايا أخرى تخصُّ القلوب ... في ذلك اليوم شرب أبو العبد أكثر من طاقته ، وبدأ يهرف بالكلام من الكامن في لا وعيهِ ، سياسياً فكاد – لولا محاسن الصّدف – أن يأخذنا تلك الليلة الى " بيت خالتنا " .

تدبرنا الأمر وذهبنا من المكان ، ونحن متوجسين بين لحظةٍ وأخرى ، أن نتفاجأ بأمرٍ غير محسوب ، لأن تلك البلاد لا تستطيع أن تطمئن فيها بالكلام ، فكما تقول أمي : الحيطان لها آذان ... ولكن أبا العبد كان مُحقاً في كلّ ما قال ، فليس معقولاً ، وليس مفهوماً ، أن يتحدَ العرب مع أعدائهم لتدمير حاضرة من أهم حواضر التاريخ العربي ، وليس معقولاً أن يتواصل النزيف الفلسطيني ، ولا أحد من الأمة يفعل ما من شأنه ، تخفيف الآلام ، اذا لم يكن بمقدوركم التحرير ، فلا تتآمروا علينا ... أبو العبد يقولها ببساطته المعهودة : يا شباب هي زعامة مربوطة ... وما تسألوني كيف ، أنا ما بعرف أفلسف الامور مثلكم ، ولكن لو فيها خير لأمطرت من زمان ... الله يرحم الشهدا .

أحياناً كثيرة لا ينفع تزويق الامور ، أو مجاملة الناس في كلّ التفاصيل ، فلا بدَّ من قول الأشياء كما هي ، أعجبهم أو لم يعجبهم ... ولكن خللاً في البناء الثقافي – لنا – يأخذنا كثيراً في سياق المجاملات ، وعلى نطاقٍ واسع ، لأننا أيضاً لم نستوعب النقد ودوره في عملية البناء ، فالنقد عندنا هو عملية هدم وكفى ... لذلك كل التقعرات و الانزياحات اللغوية ، تبتعد دائماً عن المعنى الذي نريد ، أما حان لنا في التجربة الطويلة ، أن نخرج من هذه الشرنقة ؟
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف